استدعي جنرالات المجلس الانتقالي الحاكم سابقا في نيجيريا صباح الاثنين في الثامن من الشهر الجاري الى القصر الرئاسي في ابوجا لحضور اجتماع طارئ. ولدى اكتمال النصاب في ظل اجراءات امنية استثنائية في محيط القصر، خرج المساعدون الثلاثة الأبرز للجنرال ساني أباتشا وهم: رئيس الاركان عبدالسلام ابو بكر والادميرال مايك اخيغبي والجنرال جيري اوسيني، من غرفة مخصصة للاجتماعات المغلقة ليعلنوا خبراً كان له وقع الصاعقة في البلاد وما زالت تداعياته تثير تساؤلات في الخارج. استهل الجنرال ابو بكر الاجتماع بابلاغ الجنرالات نبأ وفاة اباتشا متأثراً بنوبة قلبية المت به في اعقاب ادائه صلاة الفجر في اليوم نفسه. وأضاف ان عائلة الحاكم الراحل اتخذت قراراً بدفنه في اليوم نفسه في مسقط رأسه في كانو الشمالية، في مراسم تشييع تميزت بالعفوية نظراً الى سرعة اعدادها. وبعدما انفضّ الاجتماع الاخير للمجلس الانتقالي، اذ لم يلتق الجنرالات الحاكمون بمفردهم وعلى هذا المستوى بعد ذلك، اصدر ابو بكر بياناً بسيطاً ينعى اباتشا الى الأمة، متوجاً بذلك نفسه الحاكم العسكري التاسع للبلاد. رحل اباتشا من دون ان يحقق اغلى امنياته وهي اضفاء شرعية على رئاسته في الانتخابات المقررة في مطلع آب اغسطس المقبل وكان المرشح الوحيد فيها. لكن رحيله خلف في الوقت نفسه فراغاً لم يكن ملؤه سهلاً في ظل ذروة الانقسام والقلق في اوساط الزمرة العسكرية الحاكمة، لولا ظهور الجنرال ابو بكر من الظل مستفيداً من صورته النظيفة نسبياً بسبب ابتعاده عن المناصب الحكومية وتفرغه لواجباته داخل المؤسسة العسكرية، التي بات مراسها صعباً بعدما اصبحت تعكس بشكل متزايد حال التوتر في الشارع النيجيري. فجنرالات الشمال خائفون مما اصبح يتداول على نطاق واسع حول "تسخير الآلة العسكرية في خدمة احتكار قبائل الهوسا الشمالية للسلطة" فيما غرقت قبائل الايبو واليوروبا في احباط متزايد منذ الغاء نتائج الانتخابات الرئاسية عام 1993 واعتقال الفائز فيها وهو رجل الاعمال الجنوبي موشود ابيولا. حتى سلطات المرافئ والجمارك نقلها اباتشا من لاغوس الى الشمال حيث ابوجا العاصمة التي استحدثها للبلاد، فضلاً عن استئثاره ومجموعة الشماليين المحيطين به، بكل الصفقات في قطاع النفط الذي تشكل عائداته تسعين في المئة من مداخيل البلاد. كان اباتشا يحكم قبضته الحديد بشكل متزايد على مقاليد الامور غير آبه بما يكلفه ذلك من تضحيات كان اولها خسارته نجله ابراهيم في حادث طائرة غامض عام 1996. استحوذ على الحكم عام 1995 من سلفه ابراهيم بابانغيدا وورث آلية فساد مستحكمة في النظام العسكري الهرم، كلفت البلاد اختلاسات فاق حجمها 12.2 بليون دولار من العائدات النفطية بين عامي 1990 و1994. وتفيد المعلومات ان الجنرال الراحل الذي جاء الى السلطة نتيجة تخطيط دقيق، لم يتمكن من كبح جماح الفساد في هذه البلاد حيث لا يتعدى مرتب الموظف الرفيع المستوى في الادارات الرسمية ستين دولاراً شهرياً، حتى وصلت نيجيريا المصدرة للنفط الى مرحلة اضطرت الى استيراد الوقود في صفقات لم تخل هي ايضاً من العمولات والرشاوى. لذا اوقع الرحيل المفاجئ لأباتشا كثيراً من الشركات المستفيدة في أوروبا في حيرة من أمرها، خصوصاً وان خلفه الجنرال ابو بكر لم يعرف عنه ظاهرياً تعاطيه في الصفقات، وان كان بعض المراقبين يقولون انه يخفي ببراعة عدداً من المصالح الخاصة في دول صديقة. كما زاد في قلق المستفيدين من قطاع النفط النيجيري، نجاح ابو بكر في عزل الرموز العسكرية التي استتب لها الحكم سابقاً وذلك في سرعة فائقة. وبادر الحاكم الجديد الى اتخاذ قرارات مهمة بمفرده، آخذاً على عاتقه مهمات صعبة تراوح بين مد الجسور مع المناهضين للعسكر واطلاق معتقلين سياسيين وصولاً الى المضي قدماً في "خطة معدلة" لتسليم الحكم الى المدنيين بصورة ديموقراطية. مهمات لا تخلو من المخاطر في بلاد مثل نيجيريا كما ان جدواها موضع شك سلفاً، اذ سبق وان شهدت نيجيريا عملية تسليم الحكم الى المدنيين قام بها الجنرال اولوسيغون اوباسنجو عام 1979. وأجهضت المؤسسة العسكرية هذه المحاولة واستردت مواقعها في اروقة الحكم اثر انقلاب عسكري عام 1983، تولى اباتشا، الضابط الشاب في حينه، مهمة اذاعة بيانه الرقم واحد. في كتابه "ليست وصيتي" الذي اصدره بعد تنحيه، ذكر اوباسنجو انه جاء الى السلطة "مصادفة" وتخلى عنها "بعد تخطيط دقيق"، الامر الذي يأمل المطالبون بالديموقراطية ان يتكرر في عهد ابو بكر، الذي تولى هو الآخر الحكم مصادفة وبادر الى توجيه رسالة قوية الى دعاة الديموقراطية، عبر اطلاق اوباسنجو من السجن بعد اسبوع من توليه الحكم. خطوات ابو بكر الأولى في الحكم كانت سريعة وجريئة على رغم محدوديتها في هذا البلد الذي يستحوذ على ثلث الاستثمارات الاجنبية في القارة، استثمارات تبلغ خمسة اضعاف حجمها في جنوب افريقيا. فبريطانيا وحدها تملك استثمارات ثابتة في نيجيريا يقدر حجمها بثلاثة بلايين جنيه استرليني، هذا عدا عن مصالح شركات كبرى وقوية مثل "شل" و"موبيل" و"شيفرون" وغيرها. والتعاطي مع ملفات ليست بمعظمها من صنع محلي، أمر لن يكون سهلاً بالنسبة الى ابو بكر هذا الجندي الذي خاض كل معاركه الماضية ببسالة وجدارة، بدأ بالحرب الاهلية في النصف الثاني من الستينات وصولاً الى ارفع منصب في المؤسسة العسكرية. وستكون الحرب الجديدة التي يخوضها امتحاناً للبلاد الاكثر تعداداً للسكان في افريقيا نحو مئة مليون نسمة بل امتحاناً للقارة بكاملها. فهل ينجح الحاكم العسكري الجديد لنيجيريا في تغيير صورة افريقيا؟ سؤال صعب، لكن اهتمام الغرب سيبقى بلا شك منصباً على انتظار الجواب