أياً يكن المسار الذي تتخذه العلاقة بين الولاياتالمتحدةوايران ، فانها التزمت حتى الآن سيناريو "التطبيع بين الشعبين" الذي كان طرحه الرئيس سيد محمد خاتمي في مداخلته التلفزيونية المعروفة. وإذا كانت ديبلوماسية الرياضة، مصارعة كانت أم كرة قدم في الاطار المونديالي، شكلت بوادر التطبيع، فإن عناصر كثيرة قادت إليه وصقلت اقتناعات داخل الادارة الأميركية كان لا بد أن تتحول الى مبادرة. هذه المبادرة اعلنتها وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، وما لبث الرئيس بيل كلينتون ان أكدها. حتى أنه اختار أن يلبس اللقاء الكروي المونديالي بين فريقي البلدين طابعاً سياسياً في اتجاه "انهاء حال النفور"، أي في اتجاه التطبيع. لم تكن اولبرايت لتعلن ما اعلنته الاسبوع الماضي لو أن الادارة لا تزال مترددة. واشنطن حسمت أمرها، وأدركت أخيراً أنها بدأت تخسر في سياستها المتبعة حيال ايران، وإذ تأكدت أن لديها مصلحة في التطبيع فانها قررت التخلي عن التردد وحسم الجدل الدائر سواء في صفوف الإدارة أو في أوساط الشركات ورجال الأعمال. كانت الصفقات التي عقدتها "توتال" و"الف اكيتان" و"شل" كافية لاشعار الأميركيين بأن سياستهم متشنجة أكثر مما هي مجدية، ومتحجرة أكثر مما هي فاعلة وخلاّقة. لذا حان الوقت لوداع سياسة الاحتواء ولطيّ "قانون داماتو" ونسيانه. فلا شيء يبرر الاستمرار في سياسات لا يلتزمها الحلفاء ولا الأصدقاء، بل يعربون دائماً عن ضيقهم بها وانزعاجهم منها. يضاف الى الجانب الاقتصادي وأهميته الأساسية، أن الأزمة التي نشبت بين الولاياتالمتحدةوايران خلال الشتاء الماضي قدمت لواشنطن دروساً كان من الضروري الاعتراف بها والتعامل معها. أبرز تلك الدروس على الاطلاق ان الحلفاء والأصدقاء وجهوا اشارة واضحة الى الإدارة الأميركية بوجوب تغيير سياساتها في منطقة الخليج وعدم اللعب بالتهديدات العسكرية غير المحسوبة. أكثر من ذلك، ساهم الاخفاق المفضوح، وهو اخفاق أميركي محض، في انهاض عملية السلام في الشرق الأوسط، في تعزيز الاتجاه الى نهج التهدئة بدل إذكاء التوترات والعبث باستقرار منطقة تعيش مرحلة تراجع في مواردها الاقتصادية. ثمة عنصر ايجابي في ارهاصات التطبيع الأميركي - الايراني، كما نشهد حالياً، وهو أن أي تطبيع قد يحصل سيحصل من دون ان يكون لاسرائيل أي دور فيه، كما كانت تسعى وتتمنى. في المقابل لن تكف ايران عن رسم مسافة بينها وبين الصراع العربي - الاسرائيلي الى الحد الذي تسمح لها به مواقفها والتزاماتها ومصالحها. وإذا كانت ايران عارضت التسوية الراهنة على المسار الفلسطيني، فإن نتانياهو تولّى اثبات صحة مواقفها ووفّر عليها عناء العمل لاسقاط هذه التسوية. كان ملفتاً في مداخلات كلينتون وأولبرايت انهما عبّرا عن مواقف واضحة الأهداف، وعن احترام مؤكد للجهة التي يخاطبانها، وهو ما كان يصعب التقاطه في التصريحات الأميركية خصوصاً عندما تكون ايران مستهدفة بها. لكن "المصالحة" حديث يطول، وهي لن تتحقق إلا بتغيير أصيل من الجانبين. ويمكن القول إن الاختبار بدأ فعلاً..