تحولت جنازة الاسقف الكاثوليكي جون جوزيف في مدينة فيصل آباد الباكستانية، أمس، الى تظاهرة ضخمة عبرت عن مشاعر الاحباط لدى الأقلية المسيحية في البلاد، التي تطالب بالغاء قانون ينص على اعدام من يسيء الى الاسلام على أساس ان سياسيين فاسدين استغلوا هذا القانون لاضطهاد الأقلية والاستيلاء على ممتلكات أفرادها. وزاد في خطورة الوضع، ان حوالى 500 مسلح من الاسلاميين المتطرفين استغلوا التوتر وأقدموا على اقتحام بلدة مسيحية في ضواحي فيصل آباد أمس حيث أحرقوا متاجر ومنازل، موجهين بذلك رسالة تحذير الى السلطات من مغبة المساس بعقوبة التجديف التي أقرت في عهد الرئيس الراحل الجنرال ضياء الحق. وتداعى ابناء الأقلية المسيحية التي تشكل نسبة اثنين في المئة من السكان حسب الاحصاءات الرسمية، الى اغلاق عام اليوم في المؤسسات والمراكز التربوية التابعة للطائفة، فيما هدد أربعة من قادة المسيحيين باحراق أنفسهم إذا واصلت حكومة رئيس الوزراء نواز شريف تجاهل أوضاعهم. وكان الاسقف جون جوزيف 62 عاماً عمد الى الانتحار باطلاق النار على نفسه أمام محكمة شايوال في المدينة احتجاجاً على حكم بالاعدام صدر على شاب يدعى ايوب مسيح أتهم بالتجديف. وفي وصيته، طلب الاسقف الذي يتمتع بشعبية كبيرة من الباكستانيين على اختلاف مذاهبهم العمل على الغاء المادتين 295ب و295ج اللتين تنصان على عقوبة الاعدام في حق من يدان بالاساءة الى الاسلام. غير أن مصادر المسيحيين ألمحت الى أن ظاهر الصراع يختلف عن باطنه، وأن المرارة التي يخفيها أبناء الأقلية المسيحية سببها استخدام البعض هذا القانون ستاراً للاعتداء على الأفراد والممتلكات. وقالت الصحافية الباكستانية المعروفة نينا سرور، في اتصال هاتفي مع "الحياة" في مقر اقامتها في لاهور: "قمت بثلاثة تحقيقات ووجدت ان وراء كل قصة تجديف خلافاً على أرض أو عداوة". وكان نائب مسيحي في البرلمان الباكستاني قال ان البعض يستخدم هذا القانون للاستيلاء على ممتلكات المسيحيين. وكانت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو تنبهت الى هذه التجاوزات، وسعت الى وضع قيود على توجيه الاتهامات بالتجديف، لكن الأحزاب المتشددة وفي مقدمها الرابطة الاسلامية بزعامة نواز شريف، قاومت محاولات بوتو الاصلاحية. ونتيجة سوء استغلال القانون، أصبح المسيحيون في باكستان "لا يشعرون بالامن والاستقرار" حسبما قالت رئيسة منظمة حقوق الانسان في باكستان اسماء جهانكير امس. وتعبيراً عن مشاعر الخوف، تدفق آلاف المسيحيين أمس للمشاركة في جنازة الاسقف جون جوزيف ومراسم دفنه. وردد المشاركون في الجنازة هتافات: "أيها الاسقف، دماؤك ستسبب ثورة"، فيما حمل بعضهم لافتات تطالب بإلغاء عقوبة التجديف. واتخذت السلطات الباكستانية اجراءات أمنية مشددة في فيصل آباد خصوصاً بعدما شاع نبأ مفاده ان أحد المشاركين في الجنازة اعتدى على لافتة اسلامية مرفوعة في المدينة. وعلمت "الحياة" ان القريبين من الاسقف المنتحر اخذوا على رئيس الحكومة انه لم يرسل أحداً لتقديم التعازي لعائلة جوزيف. وكان البابا يوحنا بولس الثاني أثار لدى استقباله شريف الشهر الماضي موضوع عقوبة الاعدام، لكن رئيس الحكومة الباكستاني رد بأن العقوبة ليست موجهة ضد المسيحيين فقط بل تطال المسلمين الذين يسيئون الى دينهم. وتحدثت أوساط معارضة لإلغاء العقوبة المذكورة عن تعرض المسيحيين وغالبيتهم من الفقراء "لدسائس اجنبية بغية اذكاء نار الحقد الطائفي" في البلاد. وكانت العقوبة طبقت للمرة الأولى في عهد الرئيس الراحل الجنرال ضياء الحق عام 1989 في حق الشاعر المسيحي نعمت أحمد. وأدت التطورات الأخيرة الى جدل بين اسلام آباد وواشنطن التي دعت الى إلغاء عقوبة الاعدام ودانت تطبيقها في حق الشاب ايوب مسيح. لكن ناطقاً باسم الخارجية الباكستانية رأى ان الاتهامات الاميركية غير مبنية على حقائق وان إلغاء العقوبة أمر غير مسموح به والدعوة الى ذلك "تنم عن جهل بعواقبها".