} فتحت "آفاق" الباب أمام الفنانين التشكيليين العرب المقيمين في الخارج للإجابة على سؤال: "من أنت؟" في اطار فهم العلاقة بين هؤلاء وبين الواقع الثقافي التشكيلي الذي يحيط بهم يومياً. ونشرنا دراسة اعدها الفنان التشكيلي العراقي يوسف الناصر كمقدمة لا بد منها للدخول الى هذا العالم المتناقض والمتشعب، كما وجهنا رسالة مفتوحة الى جميع التشكيليين العرب في الخارج توضح الفكرة من الاستفتاء. وها نحن ننشر اسهامات التشكيليين العرب كما وردت الينا وفق تسلسلها الزمني على أمل ان نتابع في "آفاق" نشر كل الآراء التي تصب في إغناء وعي الحركة التشكيلية العربية لنفسها في الخارج، وكذلك اطلاع الفنانين التشكيليين العرب على مواقف وانجازات زملاء لهم ربما وجدوا صعوبة في معرفتها في السابق. ومرة اخرى نؤكد على ان المجال متسع ورحب أمام كل المساهمات تعليقاً ونقداً وتوضيحاً. ونلفت النظر الى ان الردود غابت عن "آفاق" الاسبوعين الماضيين أولاً لأسباب اعلانية تقنية، وثانياً لأننا خصصنا العدد الماضي لرحيل الشاعر الكبير نزار قباني. } فنان عراقي من مواليد السماوة العام 1955. خريج معهد الفنون الجميلة في بغداد. أقام معارض عدة خاصة ومشتركة في العراق والمغرب والكويت وبريطانيا. حاصل على جوائز ذهبية في عدد من المناسبات التشكيلية العربية والغربية. يقيم ويعمل حالياً في لندن. الغربة مفارقة عجيبة، فيها للمكان حضور طاغ ولكنه منتقى، عادة ما يخضع لوطأة الحنين. غربتي بدأت مع الزمان، كان الاختيار عسيراً بين أن أكون مع كل ما هو قائم أو ضده كله، فالاستقطاب الحاد لقوى المجتمع وإرثها بين سلطة وأحزاب هلامية ولكنها حاضرة بقسوة وفجاجة لم يترك مجالاً لاختيار حر. تلك الغربة ساقتني الى غربة المكان، وهنا وبما تتيحه هذه الغربة من حرية في تحديد نوع العلاقة بين الانسان وبيئته بحكم تحرره من سطوتها بيئة بعيدة تعيش خارج سلطتها وبيئة غريبة تنفر منك بقدر ما تنفر منها، هنا حضارتنا لا تليق الا بمتحف للفولكلور في أفضل الاحوال وهناك حياة - ك ولكنها بقيت خلفك بعيدة غير انها حاضرة ولكن بشروطك أنت. هنا تهيأت لى فرصة اعادة تركيب علاقتي ببيئتي بعيداً عن قوانينها الصارمة الموروثة والمستحدثة. وتجدر الإشارة هنا الى ان أول دروس الفن هو اختيار الزاوية المناسبة للنظر وهذه لا تتحقق عندما تكون مجبراً على النظر من زاوية تفرض عليك وبعينين غير عينيك. ففي الفن كان علينا الخضوع الى إرث غائم ومعقد، غائم لأنه منتقى وفق رغبات لا تحترم التاريخ إلا بالقدر الذي يسايرها ولذلك تكرس صوراً عابرة بينما تحذف فصولاً حاسمة في تكوين الحاضر، ومعقد لأنه موزع بين مراحل متناقضة عندما نحاول اخضاعها للمنطق الانتقائي السائد اذ كيف نستطيع الجمع بين حضارة وادي الرافدين والحضارة الاسلامية في بوتقة القومية وبقرار سياسي محض؟ ثم نطالب الفنان بالوقوف عند هذه التجربة الممتعة. لقد لوي عنق الفن كما لوي عنق التاريخ، فتارة يُسخّر لتحقيق الهوية الوطنية واخرى باتجاه التحديث والمعاصرة، ودوماً لخدمة السياسي الذي أراده بهلواناً في بلاطه وهو كذلك ولكن بملابس مقاتل يتقافز من حبل الى حبل. باختصار استطيع القول ان الفنان العربي اذا ما نزعنا عنه ملابسه التنكرية التي تكرم بها عليه السياسي والتي تحولت مسايرة للتطور من جبة السلطان الى شهادات التقدير وحيطان وزارة السياحة فلن يكون أكثر من لاعب سيرك ماهر يكسب رزقه من اللعب في بلاط السلطة أو الاحزاب... ولا ضير في ذلك، فهذا هو الفن ومن الافضل ان نكف عن خداع أنفسنا وخداع الناس باجترار كلام جميل ولكن فارغ، وكل ما أسعى اليه هو اللعب ولكن على بلاطتي أنا.