الكتاب: "أزمة المؤسسة الدينية في مصر" المؤلف: محمد سليم العوا الناشر: دار الشروق - القاهرة - 1998 في هذا الكتاب يطرح المؤلف رؤيته الى تشخيص ما أسماه بوجود أزمة داخل المؤسسة الدينية المصرية بأجنحتها الثلاثة: مشيخة الأزهر، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف. ويدعو إلى محاصرتها قبل أن تتفاقم. ويرى العوا أن الأزمة بالنسبة الى الأزهر في الوقت الراهن تتمثل في شيخه الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي يعتبر نفسه من موظفي الدولة وأن عليه - وفقاً لذلك - أن يتحرك في حدود ما تسمح به الجهات الحكومية، ويتبين ذلك مثلاً من إعلانه مرة أنه لا يلبي الدعوات التي يتلقاها من هيئات خارج مصر إلا عندما تأذن له الدولة بذلك. ويعتقد العوا "بأن هذا التصور للمشيخة جدير بأن يحمل في داخله أزمة حقيقية بل أزمات، فالأزهر ليس جهة من الجهات الإدارية التابعة للحكومة، بل هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي وتجليته ونشره، وتهتم ببعث الحضارة العربية والاسلامية وتزويد العالم الاسلامي والعالم العربي بالمختصين وأصحاب الرأي في ما يتصل بالشريعة الإسلامية والثقافة الإسلامية والعربية وهو ما جاء في قانون الأزهر الصادر سنة 1961. كما أكد القانون نفسه أن شيخ الأزهر هو صاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام". وبسبب هذا التصور "الوظيفي" أيضاً - كما يشير العوا - يرى الدكتور طنطاوي أن الأزهر ليس مختصاً بالفتوى. وفي تناوله لأزمة دار الافتاء المصرية يذكر العوا أنها بدأت منذ أن تولى الدكتور طنطاوي نفسه رئاستها في 1986، ومن مظاهرها صدور فتاوى متعارضة وهذا لا يعني إختلاف الرأي بين مفتٍ ومفتٍ آخر سابق له، ولكن اختلاف الفتاوى الصادرة من مفتٍ واحد في مسألة واحدة. ويشير العوا إلى أنه على رغم أن قواعد الاجتهاد في الإسلام لا تضيق بأن يعدل المجتهد عن رأيه، ولكن هذا العدول المباح يجب أن يكون مسوغاً إما بنظرة جديدة في الدليل الشرعي الواحد، وإما بالوقوف على صحة دليل ما، وإما بإختلاف الحال الواقعية في الفتاوى التي يستند الحكم الشرعي فيها إلى أعراف الناس. لكن العدول الذي يرى العوا أنه غير جائز ووقعت دار الافتاء المصرية فيه، فهو ذلك الذي لا يستند إلى شيء مما تقدم، فيبدو للناس، وكأن المفتي لا يتبع أسلوب الاجتهاد المشروع في التوصل إلى الأحكام. وكان من أشهر وقائع التضارب هذه تلك الفتاوى الخاصة بفوائد البنوك، والرسوم المفروضة على دخول أماكن العبادة الأثرية. هذا عن الافتاء في ظل رئاسة الدكتور طنطاوي لدار الافتاء المصرية والتي استمرت حتى العام 1996، أما في عهد المفتي الحالي الدكتور نصر فريد واصل فيرى العوا أن الأزمة أخذت بُعداً آخر تمثل في عدد الفتاوى التي كانت مثار خلاف بين الرأي العام والعلماء منها ما أعلنه الدكتور واصل من أن ما يصدر عن دار الافتاء هو ملزم للجميع على رغم أن المستقر فقهياً هو أن المفتي لا يلزم بفتوى أحداً، وأن وضعه يقضي بأنه يبدي من الرأي ما يراه صحيحاً وللسائل أن يأخذ برأيه أو يدعه ويأخذ بفتوى غيره من العلماء. وعلّل الدكتور واصل رأيه هذا بأن المحاكم دأبت على التزام ما يقوله المفتي. وهنا يوضح العوا أن هذا الكلام غير صحيح ولا يقويه أن دار الافتاء تابعة لوزير العدل، لأن المحاكم لا تلتزم بفتوى أية جهة كانت، والمفتي دوره أمام المحاكم هو مثل دور الخبير الذي يجوز لها أن تأخذ برأيه أو تدعه حتى في قضايا القتل التي ينتهي رأي المحكمة فيها إلى الحكم بالإعدام. وهنا يوضح العوا أن الذي يرفع الخلاف ليس حكم المجتهد المفتي، ولكن هو قضاء القاضي الذي يسمى في الفقه الإسلامي "حاكماً"، وكان يقال "حُكم الحاكم يرفع الخلاف"، ويشير كذلك إلى حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر الذي أكد أن ما يصدر عن دار الإفتاء من فتاوى هو مجرد رأي وغايته بيان الحكم الشرعي بمقتضى الأدلة الشرعية في المسألة المعروضة عنها عليها. ومن مظاهر الأزمة في دار الإفتاء المصرية - كما يرى الدكتور العوا - ما نسب إلى المفتي الدكتور واصل في شأن جواز إفطار لاعبي كرة القدم في حال خوضهم مباريات خارج بلدهم. ويقول العوا: "إن إفطار المسافرين لا يحتاج إلى فتوى فهو مقرر بنص القرآن الكريم "ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر". ولا فرق في أن يكون السفر للتجارة أو للعمل أو للسياحة أو لغير ذلك من الأغراض. لذلك لا يفتي لصاحب عمل شاق ولا لطالب يستذكر أو يؤدي الامتحان في رمضان، لأن القول بغير ذلك يفتح الباب أمام إبطال التكاليف الشرعية، فهل كل واحد يستطيع إدعاء مشقة مانعة من التكليف، ولو قبلنا ذلك وأفتينا بموجبه لهدمنا الدين كله". أما بالنسبة الى وزارة الاوقاف المصرية فإن بوادر الأزمة فيها، كما يقول العوا، تتمثل في أمرين: الأول هو السعي إلى اصدار قانون بمنع غير الموظفين فيها، أو غير الحاصلين على إذن منها، من القاء الدروس والخطب الدينية في المساجد. أما الأمر الثاني فهو أن الوزارة بصدد إصدار قرار بمنع بناء المساجد إلا بترخيص منها وفق نماذج للمباني تعدها هي. في المسألة الأولى يوضح العوا أن منع غير موظفي الاوقاف من الخطابة في المساجد يعتبر "تأميماً للمساجد وللدعوة في مصر". ويعلق على رد وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق على منتقديه بأن الدعوة هي مهنة مثل سائر المهن على كل من يمارسها أن يحصل على تصريح، بأنه "قول لم يسبقه إليه أحد، لا من أهل العلم أو السياسة، فالقدرة على الدعوة الإسلامية - والدعوة الدينية كلها - موهبة يمنحها الله لمن يشاء من عباده، مؤهلها الاساسي العلم بكتاب الله وسنة نبيه وهو علم ليس حكراً على أحد".