اختتمت مؤخراً فعاليات المؤتمر العالمى لدار الإفتاء المصرية الذى عُقد حول (الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل) والذي استمر لمدة يومين، بمشاركة وفود من 50 دولة حول العالم بهدف ضبط الفتوى والتصدي للفتاوى الشاذة، بحضور شيخ الأزهر د. أحمد الطيب والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية والدكتور جلال مصطفى سعيد محافظ القاهرة والسادة الوزراء والسفراء والعلماء. فى البداية، تحدث الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قائلا: قد أدركت من خلال قراءتي في سيرة الإفتاء والمفتين أن التحرج والتأثم كانا عدة المفتي وعتاده ومنبع اطمئنانه ورضاه عن كلِّ ما يصدر عنه من فتاوى وإجابات على أسئلة الناس.. كما كانا مفترق طريق تضل فيه الفتوى بين طرفي الإفراط والتفريط ضلالًا مبينًا، وتتذبذب بين التضييق والتَّشدُّد بدعوى الورع والوقوف المقدس عند عتبات السَّابقين وفتاواهم، وبين التوسع والترخص بدعوى العصرنة ومواكبة التطوُّر، و«كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ» كما يقول شاعرنا القديم.. الحلّ والحرمة ومما لا شك فيه أنَّه لا يوجدُ مشتغلٌ بالإفتاء إلَّا ويحفظ عن ظهر قلب ما هو مُسَلَّمٌ به عند الفقهاء والأصوليين من أنَّ الحُكْمَ يدورُ مع العِلَّة وُجودًا وعدَمًا، فإنْ وُجدَت العِلَّة وُجِدَ الحُكْم، وإنْ انتفت العِلَّة انتفى الحُكْم، ورغم ذلك ما زالت الفتاوى في مسائل عِدَّة تتذبذب بين الحل والحرمة، وتترك الناس في حالة من الشعور المضطرب المتأرجح بين الطمأنينة والحرج. خُذْ مثلًا؛ اقتناء التُّحف والمجسمات التي على شكل التماثيل أو التكسّب من مهنة التَّصوير في ظل ما شاهدناه بالأمس البعيد ونشاهده اليوم على شاشات التلفاز من تدمير آثار ذات قيمة تاريخية كبرى في ميزان الفن المعاصر، وكان تدميرها بفتاوى باسم الإسلام وشريعته، ولم نسمع أنَّ مَجْمَعًا فقهيًّا عقد اجتماعاً دُعي فيه فقهاء العصر وشيوخ الفتوى في عالمنا الإسلامي لبيان الحكم الشرعي في هذه النازلة فيما حدث، وفي ظل متغيرات عالمية وأعراف استقرت على إنشاء كليات للآثار وللفنون الجميلة وصناعة السياحة، مما أوقع المسلمين في حيرة من أمرهم حيال هذه المجسمات: هل هي مُجرَّد تُحَف لا بأس من اقتنائها شرعًا، أو هي أصنام وأوثان لا يجوز للمسلم أن يتعامل معها بحالٍ من الأحوال؟!.. بل لا يزال بعض المعنيين بالإفتاء يصادرون بالتحريم المطلق، مع أن المقام مقام بحث وتنظير وتفتيش عن وجود العِلَّة أو عدمها، وهو يسبق بالضرورة مرحلة صدور هذه الأحكام التي تصدر وكأنها أحكامٌ تعبدية، وأمرُ أمرَنا به الشارع، ولا نَعْقِل لها معنى، وليست من قبيل الأحكام التعليلية التي ترتبط بعللها وُجودًا وعدمًا.. وتحريم صناعة التماثيل في صدر الإسلام -في غالب الظن- إنما كان مُعَلَّلًا بما اسْتَقرَّت عليه عادة العرب في ذلكم الوقت من عبادة الأصنام وصناعتها، واتخاذها آلهة تُعبد من دون الله، وكان من المتوقع بل من المحتَّم أن يحرِّم الشرع الحنيف صناعتها من باب سد الذرائع وتجفيف منابع الشرك وحماية الوليد الجديد الذي هو «التَّوحيد»، وإذا كان الأمر كذلك فما هي علة التحريم الآن بعد أن استقر الإسلام وتغلغل «التوحيد» في العقول والقلوب والمشاعر وتلاشت عبادة التماثيل عند المسلمين جميعًا!! ونحن نعلم أنه قد مضى على المسلمين الآن ما يقارب خمسة عشر قرنًا هجريًا من الزمان لم نسمع أو نقرأ أن مسلمًا واحدًا عكف على تمثال يعبده من دون الله ويتخذه له شريكًا ثم يدَّعي أنه يحتفظ بإسلامه، فهذا أبعد شيء عن أي مسلم ينطق بالشهادتين. والتساهل في فتاوى التكفير والتفسيق والتبديع وتصيّد الغرائب التي تدعم هذه الفتاوى من تراثنا قد آل بنا إلى ما ترون من قتل واستحلال للدماء المعصومة باسم الكفر والخروج عن الملَّة. الحجج الدامغة وقال المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء: دار الإفتاء المصرية تُعتبر بحق من طليعة المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي التي استطاعت أن تقدم الفتاوى العصرية التي تعبّر عن منهج ثابت على مدار تاريخها يستقي أهدافه من المصالح العليا للدين والوطن، وفتاوى دار الإفتاء المصرية تعبّر عن المجتمع المصري والحراك الذي يحدث فيه على جميع المستويات ليس من داخل مصر فقط ولكن من مختلف بلدان العالم وبلغات مختلفة، وهو ما يؤكد مكانة الدار وثقة الناس فيها في مصر والعالم أجمع. وانطلاقاً من قاعدة أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر؛ فقد قامت دار الإفتاء برصد الشبهات التي يطلقها المرجفون والإرهابيون بهدف النيل من الإسلام والزجّ بالدين فى عمليات مشبوهة لا علاقة لها بالإسلام ومقاصد الشريعة وردّت على هؤلاء بالحجج الدامغة وبلغات متعددة من خلال مرصدها التكفيري. النفس البشرية مشيرا إلى أن العالم كله يواجه حالة غير مسبوقة من التوتر والاضطراب نتيجة ظهور حركات متطرّفة تعتمد الإرهاب أداة لتنفيذ مآربها فقد تعرّض مواطنون آمنون إلى الاعتداء على كرامتهم الإنسانية وعلى حقوقهم الوطنية وعلى مقدساتهم الدينية وجرت هذه الاعتداءاتُ باسم الدين والدين منها براءٌ. ونحن نؤكد أنه ما من دين سماوي إلا ويعتبر قدسية النفس البشرية واحدة من أسمى قيمه، بما في ذلك الدين الإسلامي، وقد جعل الله تعالي ذلك أمرا واضحا بنص القرآن الكريم حيث شدّد على حرمة قتل النفس وجعلها دستورا إلهيا، كما ورد في قوله تعالى: أنّ من قتل نفساً واحدة (فكأنما قتل الناس جميعا). فلا يمكن أن يكون القتل والإرهاب نتاجا للفهم السويّ في أي دين، إنما هما مظهر من مظاهر الانحراف لدى أصحاب القلوب القاسية والنفوس المتغطرسة والفكر المشوّه. المعانى والمحامل وتحدث الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية قائلا: إننا نجتمع اليوم في ظل تحديات كبيرة يعيشها المسلمون في مختلف بلدان العالم في ظل انتشار موجات التطرف والإرهاب التي تشوّه ديننا الحنيف، وفي ظل ظهور أناس موتورين ينتزعون الكلام النبويّ من سياقه ويحملونه على المعاني والمحامل التي لا يحتملها اللفظ النبوي وفق قواعد الاستنباط الصحيحة ويخلعون عليه ما وقر في نفوسهم من غلظة وعنف وشراسة وانفعال مع جهل كبير بأدوات الفهم وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده. الدين الإسلامي وأضاف :إننا نواجه الأمية الدينية من جهة، ونواجه فتاوى أشباه العلماء من جهة ثانية، ونواجه تشويه الدين الإسلامي بيد من ينتسبون إليه من جهة ثالثة، ونحن أيضا في لحظة يحاول فيها بعض الأقزام أن يهددوا سلام الأوطان ويطمح فيها أعوانُ الشيطان أن يؤججوا نيران الفتنة بين أبناء البلد الواحد معتمدين في ذلك على الشائعات والأكاذيب والأراجيف تارةً وعلى فهمهم السقيم للدين تارةً أخرى. ونظرًا لما للفتوى من دور مهم في الإصلاح والحفاظ على الأمن المجتمعي ومواجهة التطرف وإرشاد الناس إلى قيم الإسلام الصحيحة ومقاصده العليا التي تتمثلُ في العبادة والتزكية والعمران؛ ارتأيْنَا أن ندعو جماعةً من أعيان العلماء من مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي بل وغير الإسلامي في محفل علمي لنضع النقاط على الحروف ونقف معًا متضامنين مترابطي الأيدي أمام هذه التحديات التي تَطالُنا آثارها السلبية كمسلمين بشكل خاصّ، وتمتدُّ إلى غيرنا بشكل عام أفرادًا وجماعاتٍ ودولًا ومجتمعاتٍ. الخطاب الدينى لا شك أن الفتوى ما دامت وسطية وصادرة عن أهلها فإنَّ لها دورًا في الحفاظ على الهُويَّة حيث إنها تخبر عن حُكم الدين في المسائل الخاصة وكذلك في المسائل العامة والدين من الخصائص المكوِّنة للهُويَّة الخاصة للمصريين بشكل خاص وللعرب بشكل عام وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بشكل أعم. الخطاب الديني وأوضح المستشار أحمد الزند وزير العدل أن الدين الإسلامي دين السماحة والوسطية، وأنه دين لكل زمان ومكان محفوظ من التبديل والتحريف. وأن من يتصدى للفتن يجب أن يكون أهلا لذلك من العلماء الأجلاء؛ لأن الفكر المتطرف هو نتاج فتاوى الجهلاء. وضرورة تجديد الخطاب الديني بما يتوافق مع العصر للحفاظ على المجتمع وتماسكه. الحق المبطل وأشار وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان: الحمدُ لله القائل في كتابه العزيز: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، وأُصلِّي وأُسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، ما خُيِّر بين أمرَيْن إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وهو القائلُ: «يَسِّرُوا ولا تُعسِّروا وبشروا ولا تنفروا» ورضي الله عن سادتنا الفُقَهاء لم يتعصَّب واحدٌ منهم لرأيه، ولم يجزم بأنَّه الحق المبطل لما سواه ومن عباراتهم: هذا قولي فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمنّي ومن الشيطان. إذا رأيتُم قولي يُعارض حديث رسول الله فاضربوا به عرض الحائط. قولي صوابٌ يحتمل الخطأ وقول غيري خطأٌ يحتمل الصواب. وما أراهم فعلوا ذلك إلا دفعًا للفُقهاء والمفتين من بعدهم لخوض غمار البحث، وإلحاق الفروع بأصولها متى ظهر الاشتراك في علَّة الحكم عند المجتهد، واعتبار تغيُّر الأعراف والأحوال والأشخاص، وعدم الاقتصار على الوارد عنهم فيما ناسَبَ زمانهم ومكانهم فيما يختلف باختلاف الزمان والمكان. فروع فقهية وأضاف شومان: المؤتمر الذي جاء في زمانه ومكانه وأصاب في عنوانه، فتعلمون سرعة التطور العلمي وما ينتجُ عنه من فروع تحتاج إلى رأي شرعي يحدد للمُكلَّفين كيفيَّة التعامل معها قبولًا وردًّا، واستحداث مجالات جديدة سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة وعلاقات دوليَّة تحوي فُروعًا فقهيةً يصعُب حصرها وما يمرُّ به عالمُنا الإسلامي والعربي خاصَّة في الحقبة الأخيرة من تقلُّبات سياسيَّة واجتماعيَّة متلاحقة تعيي المفتين عن مُلاحقتها بالفتاوى الشرعيَّة لما هو معلومٌ من حاجة صناعة الفتوى إلى مراجعة لمقاصد التشريع ومصادره والفهم الجيِّد لحقيقة الفروع الناشئة وتكييفها تكييفًا شرعيًّا مُناسبًا قبل استخلاص الفتوى المناسبة لطبيعتها. وإذا كانت ملاحقة الفروع بالفتاوى من قبل المفتين من الأمور الشاقَّ،ة فإنَّ هناك من العوامل الإضافيَّة ما يزيد من هذه المشقَّة ويجعلُها مشقَّات بعضها فوق بعض، حيث إنَّ غالب هذه الفُروع لا نصَّ على حُكم يُلائم طبيعتها من السابقين، ولا نظائر لها فيما خلَّفُوه لنا من تراث فقهيّ عظيم، فضلًا عن إقحام غير المؤهَّلين أنفسم في مجال الإفتاء، واعتبار التوجُّهات الشخصيَّة والانتماءات السياسيَّة والطائفيَّة عند النظر في المسائل الفرعيَّة من قبلهم، حتى أصبح بالإمكان في كثير من الأحيان تحديد هُويَّة مطلق الفتوى من منطوقها! عملة واحدة بينما أكد د.نصر فريد واصل -مفتى مصر الأسبق- أن الإسلام دين الرحمة للعالم أجمع، وأن ما يُلصق بالتشريع الإسلامي من أكاذيب لا تعكس حقيقة الإسلام الذي أعلى من قيمة الدماء والحقوق، وأن الفتوى الشرعية أفضل وسائل القضاء على العنف والتطرف والإرهاب الذى نتابعه عبر جماعات ترتدي ملابس الإسلام وهو منها براء، مبيناً أن الإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة حيث أمر الله المكلّفين بخطابه أن ينفروا إلى بيان حقيقة التشريع الإلهي دون تشدّد أو تساهل حتى لا يكون المفتي كاذبًا على الله تعالى، وليعلم المتجرئون على الفتوى أنهم يتجرؤون على النار، فقد كان عمر بن الخطاب يجمع للفتوى في المسألة الواحدة أهل بدر. وأضاف: أسباب أزمة الفتوى راجعة إلى تصدّر غير المختصين في الفضائيات وانصراف الناس عن علماء الدين الراسخين في العلم بسبب ظن الناس أنهم علماء السلطة، الأمر الذي سبّب الخلط في المفاهيم عند الناس بين الفقيه والداعية والمفتي. واقترح د. واصل تجنّب الاعتماد في طلب الفتوى على دعاة الفضائيات وشرائط الكاسيت أو سماع درس ديني أو أخذ الفتوى من شخص غير متخصص في العلوم الدينية والشرعية، وليعلم المتجرئون على الفتوى أنهم يوقعون عن رب العالمين، كما طالب د. واصل بإصدار تشريع قانوني يقضي بتجريم التصدي للفتوى دون أن يكون متخصصا. التطرف الفكرى كما أكد د.محمد كمال إمام -أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية- أن مؤتمر الإفتاء جاء في وقت بالغ الأهمية، حيث تعاني الأمة الاسلامية من التطرّف الفكري الناتج عن تشوهات الفتاوى التى يصدرها غير المتخصصين، ولا شك أن العالم الإسلامي وأبناءه حريصون على تفعيل دين الله وفق إرادة المولى سبحانه وتعالى. سمات الشرع وأوضح د. عبد الحي عزب -رئيس جامعة الأزهر- أن المؤتمر يأتي في توقيت عصيب زادت فيه فوضى الفتاوى وأصبح القاصي والداني يتكلم في أمور الدين بعلم وبغير علم. وأكد عزب أن انعقاد المؤتمر في حضور علماء من مختلف دول العالم يهدف إلى التأكيد على وضع الضوابط الصحيحة واللازمة للفتوى، وأن يتوافر فيمن يصدر الفتوى الشروط التي تؤهّله لذلك. وأوضح رئيس الجامعة أن ما لا يدركه من يصدر الفتاوى بالتكفير وغيره أنه قام بالتوقيع على فتواه نيابة عن الله ورسوله مطالباً من يتصدي للفتاوى أن يراعي أن هذه الفتاوي قد تتسبب في إثارة الفوضى وسفك الدماء وتصدير الفتن للأمة. مبينا: أن الإفتاء في الدين والدنيا من سمات الشرع الحكيم، ويمثل بياناً للناس يقوم عليه الأمين منهم المدرك لمنهجية الوسطية والاعتدال، وأن الوسطية الفكرية تستلزم أن يكون المفتى الناطق الرسمي عن الشرع الحكيم، والمفتون هم نجوم السماء وحاجة الناس إليهم أشد من حاجتهم للطعام والشراب. وأضاف رئيس جامعة الأزهر، أنه يجب إحاطة منصب الإفتاء بضمانات وضوابط تسهم في تحقيق الوسطية بعيدا عن الإدعاء بما يساعد على تأمين الفتوى من الأدعياء والدخول فيها دون علم. الكتاب والسنة وأوضح الشيخ عبداللطيف دريان -مفتى لبنان- أن هناك صفات يجب توافرها في المفتى؛ أبرزها عدم التسرع أو التشدد، والتمسك بالكتاب والسنة دون إفراط ولا تفريط فالوسطية حق بين باطلين، واعتدال بين تطرفين، وعدل بين ظلمين. الصورة الصحيحة ومن جانب آخر، قال الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة: إن مصر تشهد طفرة كبيرة على جميع الأصعدة وأنه على قدر تلك الإنجازات فإن التحديات التي تواجهنا كبيرة وتحتاج إلى تكاتف الجميع من أجل التصدى لها، وأن من أحد تلك التحديات هو بعض الفتاوى التي تصدر من قبل مجموعة من أشباه العلماء الذين يتجرؤون على الفتوى بغير علم. وأن مصر تستمد قوتها من قوة المؤسسات الدينية بها وأن الأزهر الشربف ودار الإفتاء حافظا على عرض الصورة الصحيحة للإسلام، وأن دار الإفتاء استطاعت توصيل الوجه السمح للإسلام في كافة المحافل الدولية من خلال علاقتها بالدول الأخرى. فوضى الفتاوى قال الدكتور إبراهيم نجم -مستشار مفتي الجمهورية-: إن مؤتمر «الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل» يأتي إسهاما في مسيرة التقدم والرقي التي بدأتها مصر بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو والتي كان آخرها افتتاح قناة السويس الجديدة التي فتحت باب أمل للمصريين جميعاً. إن المؤتمر يهدف إلى التعاون مع الجهات والهيئات والمؤسسات العلمية الدولية التي تعمل في مجال الإفتاء؛ لتوحيد الرؤى والجهود في هذا المجال بهدف ضبط إيقاع الفتوى والتصدي لفتاوى التكفير والتفجير. إن انطلاق هذا المؤتمر العلمي من أرض الكنانة بأهدافه وما يتمخض عنه من زخم علمي نأمل أن يكون حدًّا فاصلا بين عصر فوضى الفتاوى الذي تتسبب في زعزعة استقرار المجتمعات وأدى إلى التطرّف، وبين عصر الفهم الدقيق لطبيعة الدور الإفتائى وما يكتنفه من ضوابط يمكنها مع التطبيق أن ترتقي به إلى أعلى مستوياته وتسهم في عجلة البناء والتنمية. ودار الإفتاء المصرية تعبّر عن المجتمع المصري والحراك الذي يحدث فيه على جميع المستويات، ليس من داخل مصر فقط ولكن من مختلف بلدان العالم وبلغات مختلفة وهو ما يؤكد مكانة الدار وثقة الناس فيها في مصر والعالم أجمع موضحا أن دار الإفتاء في قيامها بواجب الوقت لم تدخر وسعًا في دفع شبهات المرجفين والمتشددين عن الإسلام من خلال مرصدها الذي رصد فتاوى التكفير وردّ عليها. التوصيات بينما ألقى البيان الختامي لمؤتمر: «الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل» الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، مؤكدا أن أهم هذه المبادرات هو: إنشاءُ أمانة عامة لدُور وهيئات الفتوى في العالم. وإنشاءُ مركز عالمي لإعداد الكوادر القادرة على الإفتاء عن بعد. وإنشاء مركز عالمي لفتاوى الجاليات المسلمة بهدف إعادة المرجعية الوسطية في الفتوى. وإنشاء ميثاق شرف للفتوى يضع الأُطُر القانونية والإجرائية للتصدي لفوضى الفتاوى. وتنفيذ مشروع علمي لتحليل وتفكيك وتفنيد الفتاوى التكفيرية والشاذة. وقد جاءت التوصيات على التنسيق الدائم بين دور الفتوى ومراكز الأبحاث لصياغة ردود فعالة في مُخاطبة الرأي العامِّ في ملفِّ الردِّ على الفتاوى الشاذة والتكفيرية أولًا بأول. وضرورة مراعاة المفتين لتغير الأعراف من بلد لبلد عند مباشرتهم للفتوى وتنبههم إلى خطورة سحب مسائل الماضي إلى الواقع الحالي دون التفات إلى تغير مناط الأحكام. علوم الفتوى وإنشاء معاهد شرعية معتمدة للتدريب على مهارات الإفتاء والعمل الجادُّ على إدراج المساقات والمقررات المتخصصة في الإفتاء في المؤسسات الأكاديمية. وصياغة الجهود الفقهية والأصولية التي بذلت في فقه الأقليات في منهج متكامل لتناول قضايا الأقليات يمكِّنهم من التعايش الرشيد مع الآخر. والتأكيد على الدور الاجتماعي للإفتاء في صياغة منظومة حقوق الإنسان وفقًا للقواعد والضوابط الشرعية. وتطويع وسائل التواصل الحديثة لخدمة العملية الإفتائية حتى تصبح أعلى جودةً وكفاءةً وأكثر فاعليةً. والدعوة إلى تحديد المباحث التي يحتاج إليها المفتي في علوم الواقع كالإدارة والاجتماع والاقتصاد والإعلام وعلم النفس. والعمل على توليد علوم الإفتاء وتسليط الضوء على ما خرج من بواكيرها مثل: علم اجتماع الفتوى وعلم نفس الفتوى. والدعوة إلى ميثاق شرف لمهنة الإفتاء ودعوة المشتغلين بالإفتاء مؤسسات وأفرادًا إلى تفعيله والالتزام به. المجامع الفقهية والدعوة إلى دوريَّة انعقاد المؤتمر بشكل سنوي لتبحث فيه مسائل الفتوى الكبرى والنوازل والمستجدات التي لا تتوقَّفُ عن الوقوع. والتأكيدُ على ضرورة بعد مؤسسات الإفتاء عن السياسة الحزبيَّة. الدعوةإلى الالتزام بقرارات الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية ودور الإفتاء الكبرى في مسائل النوازل وفتاوى الأمة لما فيها من جهد جماعي وضرورة وجود لجنة علمية لتنفيذ توصيات المؤتمر. ودعوة أجهزة الإعلام باعتبارها شريكًا في معالجة أزمة فوضى الفتوى للاقتصار على المفتين المتخصصين في برامجها الإفتائية بجانب زيادة حملاتها التوعوية بضرر تصدر غير المؤهلين للإفتاء والاشتراك في ورش عمل لإيجاد حلولٍ واقعية تَحُولُ دونَ تصدُّر هؤلاء الأدعياء.