على من يضحك بنيامين نتانياهو عندما يقول انه مستعد للذهاب الى أي مكان وفي أي وقت من أجل تحقيق السلام؟ الأكيد أنه لا يضحك إلا على نفسه لأن أحداً لا يصدق حتى الآن انه راغب فعلاً في السلام ويعمل من أجله. ان التفسير الوحيد الذي يمكن أن تكون له علاقة بالمنطق، بعد صدور كلام "بيبي"، وكان الى جانب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، هو أن رئيس الحكومة الاسرائيلية يبحث عن طريقة لتنفيذ انسحاب جديد من الأراضي الفلسطينية من دون أن يؤدي ذلك الى سقوط حكومته. والمخرج، أو على الأصح الغطاء، هو اجتماع يعقد في لندن بحضور بلير ووزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت والرئيس ياسر عرفات ونتانياهو نفسه ينتهي بالاعلان عن تقدم ما... ولكن يبقى السؤال الأساسي أي نوع من التقدم يسعى إليه رئيس الحكومة الاسرائيلية هل يريد من لقاء لندن ان ينتهي بالاعلان عن فتح مطار غزة والمنطقة الصناعية أم أن في استطاعته أن يتحدث عن انسحاب جديد استناداً الى الأفكار الأميركية؟ إذا لم يفهم نتانياهو معنى الرسالة التي بعث بها إليه الملك حسين بعد لقائهما الأخير، فإن معنى ذلك ان عقله قاصر عن الفهم أو أن لا أمل يرتجى منه. فقد ذكّره العاهل الأردني بأسس عملية السلام التي التزمتها اسرائيل منذ مؤتمر مدريد عام 1991 ومرجعياتها وحذره من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على انهيار العملية السلمية وذلك بالنسبة الى المنطقة وشعوبها "من دون استثناء". ما حصل هو أن الأردن بذل محاولة أخيرة، بالتنسيق مع الادارة الأميركية على الأرجح، لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولا بد الآن من انتظار اجتماع لندن لمعرفة ما إذا كان هناك أمل في تحقيق تقدم. والأكيد ان المقياس هنا هو حصول انسحاب اسرائيلي حقيقي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والا لن يكون معنى للذهاب الى لندن او الى غير لندن، لا لشيء سوى لأن الرغبة الحقيقية في السلام لا تحتاج الى السفر البعيد ما دامت المشكلة الحقيقية على الأرض وتتمثل في رفض نتانياهو تنفيذ التعهدات التي قطعتها اسرائيل على عاتقها. في كل الأحوال، يبقى اجتماع لندن محطة مهمة على طريق المسيرة السلمية، اذ سيتبين بعده ما إذا كان الفريق الأميركي المسؤول عن عملية السلام على رأسه دنيس روس قادراً على عمل شيء لزحزحة "بيبي" عن سياسته الهادفة الى تدمير العملية القائمة على أسس مؤتمر مدريد وعلى اتفاق أوسلو. وإذا لم ينجح روس وفريقه هذه المرة، يخشى أن تصح مخاوف الملك حسين الذي وجه الرسالة - التحذير الى نتانياهو ب "أقوى العبارات المباشرة وأوضحها" مشدداً على المخاطر التي تهدد الجميع في الشرق الأوسط. هل تنجح الادارة الاميركية أم تدخل المنطقة مرحلة من الجمود المخيف شبيهة بتلك التي دخلتها بعد توقيع المعاهدة المصرية - الاسرائيلية عام 1979 واستمرت الى حين انعقاد مؤتمر مدريد...