خرج الرئيس بيل كلينتون من فضيحة مونيكا - غيت، أم لم يخرج، هناك شيء ما تغير في العمق في نظرة العالم الى الرجل الذي بات عليه أن يفكر جدياً في احتمال خروجه من البيت الأبيض، أو ان يقوم بعمل كبير على صعيد السياسة الخارجية يثبت أنه لا يزال بالفعل أقوى رجل في العالم وليس مجرد مراهق دخل البيت الأبيض ولم يدرك ان عليه التخلي عن عاداته القديمة... كان الشرق الأوسط يعتقد أن امرأة يهودية من براغ، اكتشفت ديانتها مع اقترابها من الستين اسمها مادلين اولبرايت، ستغير الوضع في المنطقة، فإذا به يكتشف ان مستقبل عملية السلام يتوقف على يهودية في ال 24 من مواليد بيفرلي هيلز أمضت قبل ثلاث سنوات بعض الوقت في البيت الأبيض، اسمها مونيكا لوينسكي. هذه المقارنة بين الامرأتين خرجت بها صحيفة اسرائيلية، وبغض النظر عن مدى طرافتها، يمكن القول ان أبعادها خطيرة. فإذا انتصرت مادلين على مونيكا، سيكون هناك أمل في عودة العملية السلمية الى مسارها خلال فترة معقولة، أما إذا انتصرت مونيكا فإن بنيامين نتانياهو سيضحك طويلاً ويعتبر أنه تخلص، أقله في المدى المنظور، من أي التزام يفرض عليه انسحاباً جديداً من الضفة الغربية. في الواقع، ذهب "بيبي" الى واشنطن بهدف واحد هو نسف فكرة الانسحاب وكسب الوقت عبر رمي الكرة في الملعب الفلسطيني، ولكن بغض النظر عما يعتبره "انجازات" تحققت بفضل فضيحة "مونيكا - غيت"، لا يمكن تجاهل ان ادارة بيل كلينتون أوجدت سابقة تتمثل في معاملة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الوزراء الاسرائيلي على قدم المساواة. فبمجرد النظر الى تفاصيل اللقاءات التي عقدها ياسر عرفات وبنيامين نتانياهو في واشنطن وبرنامج زيارة كل منهما، يتبين انه كان ثمة حرص أميركي على التأكيد ل "بيبي" ان أميركا تنظر الى "أبو عمار" بصفته شريكاً له. يكفي أن رئيس الحكومة الاسرائيلية حل في فندق وليس في "بلير هاوس" بيت الضيافة القريب من البيت الأبيض، مثله مثل ياسر عرفات للتأكد من أنه كانت هناك نية واضحة لايجاد توازن بين العاملين الفلسطيني والاسرائيلي، وهو أمر لا سابق له في واشنطن. الكثير سيتوقف على ما سيحل بالرئيس كلينتون، هل تنتصر يهودية براغ على يهودية بيفرلي هيلز أم العكس. ولكن مع ذلك، يفترض في الجانب الفلسطيني ألا يترك اليأس ينتصر عليه، يكفي انه يقاتل نتانياهو انطلاقاً من الأرض الفلسطينية وأن اتفاق أوسلو أشبه بحسكة في حلق "بيبي"، حسكة لن يستطيع التخلص منها ما دام الفلسطينيون يتمسكون بأرضهم ويرفضون الخروج منها مجدداً. في النهاية، حتى لو رحل كلينتون، سيبقى الفريق الأميركي الذي يتعاطى مع عملية السلام، هو الفريق نفسه منذ أيام جورج بوش - جيمس بيكر. وإذا كان من ميزة لهذا الفريق فهي انه بات يدرك أن عملية السلام تستهدف تحقيق السلام وان مقومات السلام معروفة، خصوصاً ان ياسر عرفات "لا يطلب المستحيل"، وهو قال ذلك بلسانه، بل كل ما يريده هو تطبيق الاتفاقات الموقعة بين الطرفين برعاية أميركا وليس أي دولة أخرى، وهي اتفاقات يشرف على تطبيقها فريق أميركي لن يتأثر بانتصار مادلين على مونيكا أو مونيكا على مادلين... أنه الفريق نفسه الذي وضع الأسس لمؤتمر مدريد