أهم ما سيكشف عن مزاد "الفن الحديث" الذي ستقيمه دار "كريستيز" للمزادات في لندن أن الأعمال الفنية التي كانت توصف ب "الصرعات" ستكتسب نوعاً من الاحترام والإقبال، وهو أمر صار محتملاً منذ إقامة معرض "سنسايشن" في "رويال أكاديمي" في أيلول سبتمبر الماضي. هذه الأعمال بأفكارها المختلفة، وبالضجة الاعلامية التي ترافقها عادة، صارت من مكونات التفكير الفني، إذ لا تخلو دراسة جدية عن الابداع الحديث من الرجوع إليها والاستشهاد بالنظريات التي تحيط بها. وإذا كانت أغلب الأعمال قد تذهب هباء منثوراً مع الزمن وهذا لا يقلق بال الفنانين أبداً بحكم الطرق التي تصنع بها، فإن تاريخ الفن سيحتفظ لها بمكانة لائقة، إن لم تظل في خيال المهتمين باستمرار. بعض هؤلاء يقدر أنها ستصبح بمرور الزمن - خمسون عاماً أو يزيد - أعمالاً كلاسيكية، ما يوحي بأن الانتاج الفني الذي سيأتي بعدها سيكون أكثر إثارة... هذا إذا بقي هناك ما يثير أو يصدم. ودور المزاد لن تنتظر خمسين أو مئة سنة لتدرج أعمال نخبة الفنانين الشباب الحالية في دليل مزادات الفن الكلاسيكي الفاخرة. الدليل الذي يحتوي قطع مزاد كريستيز للفن الحديث يبدو فخماً كأنه مادة للاحتفاظ في المستقبل. وتقول الدار إن المزاد طريقة جديدة في سوق الفن، خصوصاً أن حوالى 20 في المئة من الفنانين لم تُطرح أعمالهم في السوق العالمية من قبل. يجمع المزاد أيضاً نماذج الخمسينات إلى اليوم. اتجاهات تساند بعضها، والمجهول يستعير من صفات المعروف في السوق، بالاضافة إلى تقديم الأعمال في معرض كبير خاص قبل طرحها للبيع بعد غد الأربعاء. إنها تقريب بين تجربة النظر والشراء، وتوسيع مفهوم الفن الحديث، ليشمل في مجال السوق، غير اللوحة والتمثال ومواد أخرى من أدوية ورمال وحلوى. تبدو القطع في المعرض شمال لندن وكأنها في مستودع تركها أصحابها، أو نسوها منذ زمن طويل: تمثال خنزير موشوم بعلامات 4 آلاف إلى 6 آلاف جنيه، ذراعان من البلاستيك الأحمر بالسعر نفسه. صورة بورتريه مقلوبة للرسام جورج باسيليتز من 100 ألف جنيه إلى 150 ألف جنيه. خزانة صغيرة ذات رفوف كثيرة مليئة بالأدوية مثل تلك التي توجد في الحمامات للفنان ديميان هيرست 40 ألف جنيه إلى 60 ألف جنيه، وله في المعرض/ المزاد لوحات دائرية من الألوان مثل تلك التي يصنعها تلاميذ المدارس في حصة الرسم والفن 22 ألف جنيه إلى 28 ألف جنيه. حقيبة تحتوي على متفجرات، ثم خيمة من قطع البلاستيك 50 ألف جنيه إلى 70 ألف جنيه... للنحاتة رتشيل وايت يد قطة "فراش" مصنوعة من الاسمنت يقدر أن يصل سعرها إلى 60 ألف جنيه. لا تقلل "الغرابة" من أهمية هذه الأعمال في أنظار جمهور المتاحف الجديد. إنه جمهور لا يأبه كثيراً بأوصاف العظمة أو الكلاسيكية أو التعبير "الجميل". إنه مع الفكرة والجديد المتنوع ولو موقتاً. ميزة هذا النوع من الجمهور أنه يرتاد المعارض ولا يتحدث عنها قط. ولهذا تهتم به الآن المتاحف حتى العريقة منها، وكأنها فوجئت به بدقة على أبوابها. واليوم تتوقع دور المزاد الكبرى انتعاش هذا القطاع، فلا مفاجأة.