في اول اشارة الى سريان مفعول وساطات التهدئة بين قصر بعبدا والقصر الحكومي بعد المواقف المتشنجة والحادة التي صدرت عقب الاقرار المبدئي لمشروع قانون الزواج المدني في مجلس الوزراء الاسبوع الماضي، اعلن مساء امس رئيس الحكومة رفيق الحريري ان "لا ضرورة للضجّة المثارة على الموضوع"، مشيراً الى "ان هناك ملاحظات من الوزراء سترفع الى الامانة العامة للمجلس الذي سيدرسها في حينه". وكان رئيس الجمهورية الياس الهراوي قال امس، ان 22 في المئة من زواج اللبنانيين يتمّ في الخارج ويسجّل في لبنان، مشيراً الى "ان من بين هؤلاء مسؤولين ووزراء". واعلن امام وفد اغترابي كبير: "انا من الطامحين الى مقاضاة الناس امام المحاكم المدنية ولكن كل يبقى على دينه، لا أريد ان أقلل من قدر اي مقام، ولكن هناك فرق بين المقام الديني والمحكمة، ونحن نريده اختيارياً وليس لالزام الناس بل نقول من أراد". وقال الهراوي: "نحن في لبنان اذا أردنا ان نستمر في هذا الجو الطائفي المتزمت والذي يزيد، فلن أبشر بلبنان الجديد المستقبل. نريد لبنان الدولة، الذي يقول الدين لله والوطن للجميع. لا اريد ان يفكر احد انني اريد ان احط من قدر رجال الدين. واذا نظرنا الى العالم، حتى في المحاكم التي تقاضي الناس، فرئيس هيئة التفتيش القضائي الذي له الحق ان يفتش على المحاكم الشرعية السنية والشيعية والدرزية قدم استقالته، وهو سني من طرابلس، وعندما سألته لماذا، قال: لا استطيع ان ارى ما رأيته داخل هذه المحاكم". واكد الهراوي "ان رجل الدين في هذا البلد محترم ومن يقرأ المشروع يجد احترام رجل الدين والمقامات الدينية والروحية وليس المحاكم التي نجد فيها كل يوم مشكلة". وعن موضوع الطائفية السياسية قال الهراوي: "ارسلت رسالة طلبت من رئيس المجلس النيابي ان يعين الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، وهذا موجود في الدستور حتى نستطيع تطبيق المادة 95 من الدستور التي تقول باللاطائفية، ولينتخب من ينتخب، لانه لا يجوز ان يستمر لبنان كما هو جسم واحد بثلاثة رؤوس. أتمنى ان نصل الى وقت ينتخب فيه الشعب اللبناني رئيسه واحبذ هذا الامر بكل قوة، ويكون حق الوصول الى رئاسة الجمهورية مفتوحاً امام الجميع ممن يحمل الهوية اللبنانية. واضافة الى ذلك هناك انتخابات بلدية ستبدأ في شهر ايار مايو ليست طائفية ومن يفوز اهلاً به، ولكن الطائفية متجذرة في هذا البلد، ليس المهم رجال الدين بل المحاكم، المحاكم يجب ان تكون في العدلية، وفي العدلية فقط، وبالنسبة للاصلاح الاداري هناك وزير يعمل في هذا الاطار". وعن قول الحريري ان الوقت لتحرير الجنوب وليس للزواج المدني قال الهراوي: "مع كل تقديري لموقف الرئيس الحريري، اقول اذا كنا نهتم بموضوع، لا نستطيع ان نقوم بعمل آخر في نفس الوقت. نهتم بالجنوب؟ هناك فريق يهتم بالجنوب، ولكن مع تقديري للجواب الذي اعطاه، لا يمثل ما حصل في مجلس الوزراء من قبل 21 وزيراً وهذا واحد منهم، الوزير طلال ارسلان. مجلس الوزراء مؤسسة لا يملكها شخص، لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء. كل وزير له حريته، أتمنى على الوزراء ال 21 الذين وافقوا على المشروع من اصل 28 وزيراً ان يقولوا كلمتهم. اقدر انهم صوتوا عن اقتناع لان هذا الشيء يجب ان يتم، تلافياً لما قد يحصل من اعظم مستقبلاً، لانهم جميعاً يعرفون ماذا يحضَّر مستقبلاً". ورداً على سؤال عن انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب، قال الهراوي: "عندما طرحت الزواج المدني الاختياري في مرحلة اولى، وجهت الكتاب الى رئيس مجلس النواب للبدء في تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية لتكون الكلمة للاحزاب وليس للفرد. فالاحزاب التي شكلت في الماضي كانت احزاباً طائفية، ربما هناك حزب او اثنان في لبنان طابعهما غير طائفي، ولكن اريد ان ينتمي كل اللبنانيين الى احزاب غير طائفية كما في كل بلدان العالم، وفي العالم العربي هناك احزاب". واضاف: "سؤال كنت أتمنى ان يوجّه إليّ ولكن لم يطرح، عندما ذهبت الى البرازيل سألت كل المتحدرين لماذا لا تذهبون الى القنصليات لتسجيل زواجكم واولادكم، وكان الجواب غريباً، اذ قالوا: قلة خصية، الجميع عندما يأتي الى لبنان يسأل ويطلب، ولكن ماذا نفعل اذا كانوا لا يقومون بما عليهم للحصول على الجنسية والحفاظ عليها". وعن توقيت طرح الزواج المدني وانشاء مكتب ثقافي في مونتريال قال: "انا كنت نائباً العام 1972 وتقدمت الحكومة آنذاك بمشروع لطلب الثقة، وأعطي الحق لاول مرة على التلفزيون لكل نائب ان يتكلم 15 دقيقة. ومنذ ذلك التاريخ طالبت بالزواج المدني. قال لي الرئيس كرامي يومها: بعّدت كثير. وفي العام 1988 وفي برنامج تلفزيوني، أكدت انني، اذا ما وصلت الى الرئاسة، سأطلب علمنة لبنان والزواج المدني. وانا مع احترامي لكل رجالات الدين أرى ابعد من انفي كما يقال". وعن ولاء الشعب اللبناني للوطن، شدد الهراوي على "ان ذلك يبدأ في التربية المنزلية والمدرسية" وقال: "نحن حالياً في صدد تغيير برنامج التربية المدنية. ولكن بكل أسف سمعت البعض يقول: أنا انتمي الى طائفتي قبل ان أنتمي الى لبنان، وهو احد المسؤولين، فاذا كان هذا النوع من الاجوبة لا يزال موجوداً فانا آسف لاننا لم نبلغ القمة الوطنية". التمديد ورداً على سؤال عن التأخير الحاصل في عمل السفارات والادارات، واذا كان سيجدد قال: "انا ارتضيت الجلوس على كرسي الرئاسة ثلاث سنوات اضافية، وهذا كفاية في بلد ديموقراطي، ولا اعرف كيف استطاع اللبنانيون تحملي في السنوات الثلاث. نحن ينقصنا الكثير في لبنان بالنسبة الى الاصلاح الاداري، الامر ليس اقالة موظف ووضع آخر في مكانه، انما هو في اعتماد البرمجة والكومبيوتر، وهذا ما بدأنا فيه. ولا يمكن بعد حرب دامت 17 سنة، ان نصل الى ما وصل اليه غيرنا". وكان وزير الدولة الياس حنا زار قصر بعبدا وقال بعد لقائه الهراوي "ان مشروع الزواج المدني كان مقدماً قبل 45 يوماً لدرسه ولم يقدم احد اي ملاحظات عليه"، واعتبر ان "قانونية ونوعية التصويت امر يعالج داخل مؤسسة مجلس الوزراء وليس من خلال الاعلام". القصر الحكومي وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ميشال المر واصل مساعيه للتهدئة بين الهراوي والحريري، وعقد للمرة الثانية خلال يومين اجتماعاً مع الاخير. ورفض المر ان يسمي مسعاه بالوساطة وقال ان "المرحلة المقبلة تفترض ان تشهد تهدئة". وتمنى على رجال الدين "مساعدتنا في هذه المرحلة لإشاعة هذه الاجواء". وقال: "طلبت من الوزراء ارسال ملاحظاتهم على مشروع قانون الزواج المدني، الى الامانة العامة لمجلس الوزراء، وسنرى ما هي هذه الملاحظات". وعن الانتخابات البلدية، قال انه سيعقد اليوم اجتماعاً مع المحافظين للبحث في القضايا العملانية لهذا الاستحقاق تحضيراً له، موضحاً ان الاعتمادات المالية المخصصة له اقرت في آخر جلسة لمجلس الوزراء "وهذا يعني ان الانتخابات لا تزال في موعدها". الى ذلك، اشارت مصادر القصر الحكومي الى انها ليست بعيدة عن اجواء التهدئة بل هي كانت تشدد على ضرورة بحث الامور بروية وبعيداً عن التشنجات السياسية. وأكدت الاوساط ان الحريري "لن يدخل في اي اشتباك سياسي مع احد". واعتبرت ان "ما جرى الاسبوع الماضي في مجلس الوزراء كان اقراراً مبدئياً للمشروع تمهيداً لمناقشته تفصيلاً". وتوقعت ان "تتسلم رئاسة مجلس الوزراء ملاحظات وزارية مكتوبة، ما يفرض اعادة طرح المشروع على مجلس الوزراء". وتلقى الحريري اتصالاً من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الذي قدّر له موقفه "الذي يحمي البلاد من الانقسام والاختلاف ويحفظ وحدة المجتمع اللبناني خصوصاً وان اللبنانيين ومراجعهم الدينية في موقف واحد تجاه هذه القضية". ردود فعل الى ذلك، تواصلت ردود الفعل على مشروع الزواج المدني. وقال وزير المغتربين طلال أرسلان ان "الاجواء التي سادت بعض الاوساط والمناطق بعد التصويت على المشروع حملت من التشنج ما يدعونا الى التوقف عند توقيت طرحه الذي اتى غير مناسب في ظل الظروف الراهنة، خصوصاً ان هذا الامر لا يأتي ضمن اولويات الناس الذين يعانون مشكلات اخرى اقتصادية واجتماعية". وأعلن انه يوافق رئيس الحكومة "في اعتراضه على التوقيت، على رغم موافقتنا على مبدأ التوصل الى اقرار هذا القانون ضمن خطة شاملة لإلغاء الطائفية السياسية ومتفرعاتها من النفوس ثم من النصوص، لأن الطائفية علة العلل في نظامنا اللبناني". وأشار الى ان "رفض الزواج المدني الاختياري فيه شيء من التعدي على الحرية الشخصية للناس. وما دامت مسألة الحريات لا تتجزأ فإن المس بالحرية الشخصية قد يؤدي لاحقاً الى المس بالحريات النقابية والاعلامية والسياسية".