ولَّد طرح الزواج المدني للتصويت في مجلس النواب اللبناني جدلاً كبيراً بين العلمانيين ومناهضيهم. رُفِضَ الاقتراح من قِبَل علماء الدين ومؤيديهم، فيما لقي تأييداً واسعاً من «الساعين لبناء دولة مدنية علمانية ديمقراطية»، ومعه انقسم سياسيو مجلسي النواب والوزراء اللبنانيين بين مؤيدٍ ومعارض، تدثَّر الفريق المعارض بلباس الطائفة والدين، علماً أنه تبيَّن أن عدداً ممَّن صوَّت ضد مشروع الاقتراح كان عقد قرانه مدنياً في قبرص كالنائب عن حزب الله نوَّار الساحلي. «فتاوى بالتكفير والردَّة» كانت بالمرصاد، أصدرها مفتي رئيس الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني ضد الزواج المدني: «كل من يوافق على تشريع هذا القانون مرتدٌّ وخارج عن الإسلام ولا يُغسل ولا يُدفن في مقابر المسلمين». هدَّد المفتي بعدم الصلاة على «المرتدِّين» من المنادين بالزواج المدني، وحذا المسيحيون حذو المسلمين، فاعتبرت الكنيسة الكاثوليكية أن الزواج «سر من أسرار الكنيسة والخالق»، يُحظر على أي إنسان التفريط فيه، كما ذهبت هيئة التبليغ «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» إلى القول بافتقار «الأسرة المدنية» إلى الجامع الأخلاقي والروحي. هكذا أرعد رجال الدين وحذَّروا فأنصت أهل السياسة وأطاعوا، لا يستطيع نُوَّاب الأمة اللبنانية الخروج على الطائفة التي أعطتهم الشرعية الدينية أمام ناخبيهم. وبالتالي، توالت تصريحات رؤساء وزراء ونواب مستنكرة طرح القانون المدني على الأراضي اللبنانية، هكذا وحَّد مشروع الزواج المدني، رغم كونه مطروحاً كبديل اختياري، رجال الدين المسلمين والمسيحيين. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن مطلب استحداث قانون مدني للأحوال الشخصية، ليس جديداً، إذ سبق أن طُرِح منذ الاستقلال من قِبَل بعض السياسيين، فكان الحزب الديمقراطي في العام 1975 ثم العلماني الديمقراطي في العام 1981 قبل أن يتبعه الحزب القومي السوري الاجتماعي في العام 1997. توجُّه هؤلاء كان محاولة ل «التخفيف من سطوة السلطة الدينية الحاكمة للمجتمع»، بحسب الناشط في المجتمع المدني، سامر غانم، الذي يعتبر الرفض القاطع الذي وصل إلى حد إصدار «فتاوى تكفير» خير دليل على أن هؤلاء يُحاربون للحفاظ على سلطة يعتقدون أن إقرار الزواج المدني سيكون مقدمة لسلبها. على صعيد الحكومة، هبَّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لرفض طرح المشروع، ولكن في المقابل قال وزير الداخلية مروان شربل: «أنا مع الزواج المدني الاختياري ومع تطبيقه في لبنان على غرار سائر الدول التي تطبقه»، لكنه لفت إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى قانون يُفصِّل كل الحقوق والواجبات. من ناحيته، صرَّح النائب عن الجماعة الإسلامية عماد الحوت قائلاً: «طرح هذا المشروع في هذه الفترة غير المستقرة سياسياً في لبنان هو طرح غير موفق وقد يكون الهدف منه إضافة عنصر توتر جديد إلى التوترات الموجودة». أما بهيج طبارة «المتزوج مدنياً»، وهو العضو السابق في حكومة الرئيس رفيق الحريري التي صوتت على مشروع قانون الزواج المدني الاختياري عام 1998، فاعتبر أنه «حصل التباس في إقراره، فحين طُرِحَ الموضوع في جلسة مجلس الوزراء، لم يناقَش مادة مادة، وتم التصويت عليه بإلحاح من الرئيس إلياس الهراوي وتحفُّظ من الرئيس الحريري الذي اعتبره يومها مادة خلافية بين اللبنانيين، فأُقِرَّ بالتصويت من حيث المبدأ، وليس كمشروع قانون لإحالته إلى مجلس النواب». واعتبر طبارة أن «الظرف اليوم ليس مهيأً لموضوع حساس بهذه الأهمية، وهو ليس في وقته». وفي ردٍّ على تصريحات مفتي الجمهورية «التكفيرية»، رأى نائب الكتائب، سامي الجميل، أن التصريحات التي تقدم بها الأول تمثل «تعدياً على الدولة المدنية»، في حين اكتفى رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، بالقول «هو مفتي السنَّة والموقف من الزواج المدني هو أمر يتعلق بالطائفة السنية». كما أعلن الرئيس سعد الحريري موقفه الرافض لما صدر على لسان المفتي من «تكفير للناس»، مشدداً على أن «تكفير الناس ممنوع وغير مقبول»، وذكر أن هناك «حوالي 700 مليون مسلم اختاروا الزواج المدني فهل نكفرهم؟». بدوره، رأى رئيس هيئة القوات اللبنانية، سمير جعجع، أن الزواج «أبعد من عقد، بل هو سر، لكن لا أستطيع فرض رأيي على الآخرين، ليكن الأمر اختيارياً وغير ملزم للجميع».