عادت التساؤلات في الاوساط السياسية والاعلامية في الهند عن جدوى الانتخابات التي طويت الصفحة الاخيرة منها السبت. وظهرت الصحف امس بعناوين رئيسية تعكس التوقعات المحبطة: "برلمان معلق... بلاد معلقة"! والبلاد التي تكبدت خسائر مادية وبشرية في الاسابيع الاخيرة، لن تقدم الى العالم حكومة مستقرة تعيد الثقة بخططها الاقتصادية، مما سيكون له تأثير سلبي في الاستثمارات الخارجية، بإجماع المراقبين. وتوقعت استطلاعات الناخبين آراءهم لدى خروجهم من صناديق الاقتراع، ان يحتل حزب "جاناتا بارتي" الهندوسي الموقع الاول من دون ان يؤمّن غالبية كافية تمكنه من التفرد بالحكم. وهذا ما كان عليه الحال، عندما اضطر الحزب الى التنازل عن الحكومة لمصلحة تحالف يساري هش، سقط في أول امتحان عندما سحب حزب المؤتمر تأييده له. ولو كانت الانتخابات سباقاً ماراثونياً لفازت فيها صونيا غاندي ارملة راجيف غاندي رئيس الوزراء الراحل التي قطعت 50 ألف ميل في جولاتها الانتخابية الاخيرة، لا لتعيد الى حزب المؤتمر موقعه في الصدارة ولا طموحاً الى منصب، بل لتعيد وضع قطار الحزب على السكة أملاً في ان يستعيد في الانتخابات المقبلة موقع الصدارة وتكون ابنتها بريانكا في وضع يمكنها من القيام بأعباء هذا الإرث السياسي الضخم. ومنذ فوز الزعيمة الراحلة انديرا غاندي بغالبية ساحقة في انتخابات عام 1980، لم يتمكن اي حزب في الهند من تحقيق وان غالبية عادية لتسيير شؤون البلاد. "برلمان معلق وحال عدم استقرار وصفقات بين الاحزاب الصغيرة... هذا ما ستضطر الهند الى التعايش معه في المستقبل المنظور". اما الفساد المستشري في كل الاوساط والاتجاهات السياسية، فلم يكن موضوعاً مطروحاً في الانتخابات كأن الهنود تعودوا ان يتعايشوا معه. لذلك بدا الرئيس الهندي متشائماً في كلامه على "الاوهام والغضب والحماسة والخيبة" التي باتت مستحكمة في الوسط السياسي في نيودلهي، وتغذيها طبقة جديدة من السياسيين الذين التصقت بهم روائح فساد تزكم الانوف. في ظل هذا الوضع، اخذ عدد كبير من السياسيين يعد العدة للقفز على السلطة متسلقاً سلم التحالفات اذا نجحت التكتلات المضادة في ابعاد زعيم "جاناتا بارتي" اتار بيهاري فاجبايي الذي كان تولى رئاسة الوزراء 13 يوماً فقط اثر انتخابات عام 1996. وهو سياسي عازب يهوى كتابة الشعر، علماً أنه تجاوز ال 71 عاماً. لكن وضع "جاناثا بارتي" بات أكثر صعوبة في الانتخابات الأخيرة التي أحدثت مزيداً من الانقسامات والتشرذم في صفوفه ودفعت الى الأضواء سياسيين من الدرجة الثانية لا يحملون من المؤهلات سوى شعاراتهم المتعصبة والضيقة. وقد يكون السيناريو الأسوأ هو عودة التحالف الهش بين الجبهة الموحدة وحزب المؤتمر في مواجهة الحزب الهندوسي، مما يعني ان رئيس الوزراء الحالي انديركامار غوجرال يصبح المرشح الأبرز لتشكيل حكومة جديدة... في انتظار أزمة جديدة بينه وبين المؤتمر بدأت بوادرها تظهر أمس مع اعلان الجبهة قرار وقف التحقيقات التي استمرت طويلاً في ملابسات اغتيال راجيف غاندي.