} فتحت "آفاق" الباب امام الفنانين التشكيليين العرب المقيمين في الخارج للاجابة على سؤال: "من انت؟" في اطار فهم العلاقة بين هؤلاء وبين الواقع الثقافي التشكيلي الذي يحيط بهم يومياً. ونشرنا دراسة اعدها الفنان التشكيلي العراقي يوسف الناصر كمقدمة لا بد منها للدخول الى هذا العالم المتناقض والمتشعب، كما وجّهنا رسالة مفتوحة الى جميع التشكيليين العرب في الخارج توضح الفكرة من الاستفتاء. وها نحن ننشر اسهامات التشكيليين العرب كما وردت الينا وفق تسلسلها الزمني، على امل ان نتابع في "آفاق" نشر كل الآراء التي تصبّ في اغناء وعي الحركة التشكيلية العربية لنفسها في الخارج، وكذلك اطلاع الفنانين التشكيليين العرب على مواقف وانجازات زملاء لهم ربما وجدوا صعوبة في معرفتها في السابق. ومرة اخرى نؤكد على ان المجال متسع ورحب امام كل المساهمات، تعليقاً ونقداً وتوضيحاً. } فنانة لبنانية ولدت في بيروت ودرست الفن في كلية الفنون الجميلة والجامعة الاميركية في بيروت، ثم درست الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية وعملت صحافية حرة بعد الحرب الاهلية اللبنانية قبل ان تنتقل للعيش في لندن العام 79، حيث ساهمت في تأسيس مكتبة ودار نشر الساقي وعادت لدراسة النحت في ILEA وMorley College. اشتركت في معارض جماعية عدة وأقامت ثلاثة معارض شخصية وأصدرت أربعة كتب بالفرنسية والانكليزية والعربية. وهي مساهمة في تحرير مجلة "ابواب" الثقافية الفصلية. َمن أنا؟ مَن الذي يهتم بهذا السؤال ما خلا أناي؟ فلماذا نحن بحاجة الى معرفة الشخص الذي يقف وراء الشيء المُنتَج؟ مؤلّفٌ يؤلف كتاباً، مثلاً، فيصبح من الضروري تعريفنا بزوجته وأولاده الطيّبين! فهل العمل الفني والفنان يفسّر احدهما الآخر فعلاً؟ وهل نحن بحاجة الى تفسير لكي نرى ونشعر ونتمثل عملاً فنياً؟ حينما اوجد بيكاسو عالماً بصرياً جديداً، فهل كان هذا ليؤثر في الطريقة التي عامل بها النساء، او ليتأثر بها؟ في السابق كنا نمتدح بيكاسو لالتزامه السياسي، كما فسّرنا "غرنيكا" من خلال رسالتها السياسية أساساً. والآن نرى الشوفيني الذَكَري وراء الحصان بدل رمز الحياة الذي مثّله لنا قبل اكتشافنا بيكاسو الرجل. هنا أراني اتحدث عما هو عظيمٌ وشهيرٌ من اجل ان أتجنب سؤال: من أنا؟ ما أعرفه أنني امرأة، وبصدق لا أستطيع ان أضيف ما هو اكثر كثيراً. انني أعيش الآن في لندن وأتردد غالباً على البلد الذي هو منشأي. اما ان يكون لهذا تأثيرات في اللغات التي اعبّر من خلالها عن نفسي، فهذا ما ارجّحه. وفي ودي لو كان في وسعي ان اسائل لاوعيي حتى يكون كل شيء واضحاً عندي. فأنا آمل، ودائماً كنت آمل، ان تكون انسانيتي أقوى من جنسيتي. والفن سواء كان رسماً او تصويراً او نحتاً، هو ببساطة لغة اخرى. انه، مثل الموسيقى، اكثر كونية من الكلمات. فأنت تستطيع ان تفهمه وتحسّه من دون تعلّم لغته. انت لن تستطيع ان تقرأ كتاباً باليابانية من غير ان تدرس هذه اللغة الآسيوية، مع هذا يمكن ان يستولي عليك شكل ياباني بصري أنيقةٌ حروفه وعباراته. لهذا أحب ان أنحت. أحب ان أخلق شكلاً عميق الفردية وفي الوقت نفسه يكون قادراً على مخاطبة كل عين تستطيع ان ترى وكل يد يسعها ان تتلمّس. وكوني في أوروبا هو امتياز، ليس فقط بسبب الفن الأوروبي وتأثيراته، بل أساساً لما تتيحه الاقامة في أوروبا من امكان اكتشاف تاريخ متعدد مختلف، والعودة دائماً اليه. ففي فرنسا تعرفت للمرة الأولى على الفن الافريقي ووقعت في غرامه. لقد علّمنا الافارقة ان نرى الى ما يتعدى المادي، فنحتوا بمخيّلاتهم الى جانب ايديهم. لقد نحتوا بمخاوفهم وآمالهم وأيضاً بهواجسهم. اليس هذا مصدر ما يُسمّى اليوم في الغرب بالفن الحديث؟ نعم، لقد كتبت اوروبا منذ عصر النهضة تاريخ الفن التشكيلي. ونحن في العالم العربي لم نملك حتى القرن التاسع عشر تقليد النحت ورسم الاشكال. الا ان قرنين زمنٌ طويل بما يكفي. والتقاليد تُخلق في زمن أقصر بكثير من هذا. ولحسن الحظ، ففي ازمنتنا الحديثة نحن نخلق تقاليد لا تقليداً، وأنا سعيدة بأن موقعي الجغرافي وضعني تحت تأثير كل تلك التقاليد جميعاً. اما مَن هو جمهوري، فما احدسه أنني لا أزال أنا الجمهور الأساسي لعملي. انني اشعر بالغيرة حياله، وأحس بأنني اخونه حين اعرضه. وأصبح بالغة القرب من منحوتاتي بعد قضاء ايام وأسابيع في تشكيلها. فأستاء اذ انفصل عنها وأطمئن اذ اعرف اين تقيم حين تبتعد عني.