ليس مستهجناً ان يزور الأمين العام للأمم المتحدةعواصم الشرق الاوسط، ولكن كان هناك تساؤل مشروع: ما الداعي لهذه الزيارة، خصوصاً ان كوفي أنان ليس معروفاً بحبه السفر لمجرد السفر، ثم ان حيتان الكونغرس الاميركي مستعدون دائماً لنهش جلده إن هو بالغ في المصاريف. وما الداعي لهذه الزيارة، طالما ان المنظمة الدولية التي يتسلم امانتها العامة ممنوعة من التعاطي بقضية المنطقة التي يقصدها، بل مستبعدة كلياً عن "عملية السلام" بأفراحها وأتراحها؟ وهل يكون مبرر الزيارة فقط انه يريد ان يتفقد قوات حفظ السلام في الجولان وجنوب لبنان، او انه يسعى فقط الى تسهيل تحقيق رغبة اسرائيل في الانسحاب من الشريط الحدودي الذي تحتله في لبنان؟ ليس معروفاً، بدقة، ما اذا كانت تصريحاته في واشنطن تحمل اجابات عن التساؤلات. واذا كنا فهمنا جيداً فانه آتٍ برسالة الى قادة المنطقة، مفادها ضرورة "ابقاء الضغوط" على الرئيس العراقي لتنفيذ اتفاق بغداد الخاص بتفتيش المواقع الرئاسية. والواقع ان مثل هذه المهمة لا تستحق عناء السفر. ف "الضغوط" باقية ومستمرة ولا دور فيها للعرب سلباً او ايجاباً، فلا هم يقررون رفعها ولا هم يتحكمون بتشديدها او تخفيفها، بدليل ان الجدل الدائر الآن ليس بين العرب والولاياتالمتحدة وانما بين اكثرية اعضاء مجلس الامن والولاياتالمتحدة حول "تلقائية" العمل العسكري او عدم تلقائيته. اذا كانت هذه "الرسالة" هي المهمة الجديدة للأمين العام، دائماً في اطار "الخطوط الحمر" الاميركية فلا شك انه ناجح فيها سلفاً. ولعله يعرف انه لو كانت لدى الاميركيين خطة لاسقاط النظام العراقي فليس العرب هم الذين احبطوها. لكن العرب انحازوا بوضوح الى جانب معظم الاطراف، ومنهم الامانة العامة للأمم المتحدة، لاحباط خطة اميركية عشوائية غير مرتكزة الى سياسة واضحة ونظيفة، لأنها لو طبقت لكان من شأنها ان تشعِل المنطقة بأسرها وتغرقها في عدم الاستقرار. ولا تزال المخاوف قائمة من مثل هذه الخطط. عدا ذلك لم يخبرنا كوفي انان أي جديد في شأن الفارق النوعي بين القرارات المتعلقة بالعراق وتلك الخاصة بلبنان وسورية وفلسطين. لكن كل المشكلة تكمن اساساً في هذا الفارق النوعي. فالبند السابع اعطى الشرعية الدولية لحرب تحرير الكويت وانقذ شعباً ودولة من الاحتلال، في حين ان البند السادس سمح للولايات المتحدة باعطاء "الشرعية" للاحتلال الاسرائيلي، ومعلوم كم ارتكبت من جرائم تحت غطاء هذه "الشرعية" بأيدي الاسرائيليين على الارض والشعب عدواناً بعد عدوان ومجزرة بعد مجزرة، وبأيدي الاميركيين المرفوعة في مجلس الامن فيتواً بعد فيتو بعد فيتو... وبالطبع شُنّت حملات شعواء لمنع الربط بين مآل الشرعية الدولية في العراق ومآلها في الشرق الاوسط، لكن الارتباط حاصل بدليل ان الولاياتالمتحدة استخلصت من حرب تحرير الكويت ضرورة انهاء الصراع العربي - الاسرائيلي والسعي الى سلام، لكنها اساءت مرة اخرى استخدام "الفارق النوعي" لمصلحة اسرائيل فأقصت الشرعية الدولية عن "عملية السلام". تبدو واشنطن الآن مقتنعة بأنها تحتاج الى انجاز ما، الى اي انجاز "سلمي" في الشرق الاوسط، لتتمكن من المضي في مشروعها العسكري ضد العراق. لكنها اقفلت على نفسها كل الابواب واصبحت تكتفي بالحكي عن مبادرات لا تجرؤ على طرحها، حتى باتت مثلها مثل بنيامين نتانياهو عبئاً على عملية السلام هذه. هل يستطيع كوفي انان شيئاً في هذا المأزق؟ بالطبع يستطيع، اذ لا سلام حقيقياً من دون شرعية دولية، اما الشرعية الاميركية فقد استهلكها الاسرائيليون وبالغوا حتى لم تعد تعني شيئاً. يستطيع كوفي أنان، بلا شك، ان ينقل بدوره "رسالة" عربية مفادها: صدام حسين باقٍ تحت الضغوط، لكن اعفاء نتانياهو من أي ضغط جعل منه صدّاماً آخر، فما العمل؟