لا بد ان القارئ أتخم بما قرأ من تعليقات عربية على الازمة مع العراق، لذلك أختار اليوم تعليقات اسرائيلية وأميركية محسوبة على اسرائيل لنرى كيف يفكر الطرف الآخر. رون بن ريشاي في "يديعوت اخرونوت" هذا الأسبوع كتب تعليقاً بعنوان "نصر لصدام، هزيمة لاسرائيل" قال فيه ان صدام حسين نجح في خلق خلاف عميق بين الولاياتالمتحدة من جهة وروسيا وفرنسا والصين والعالم العربي من جهة اخرى. وقد أخفى صدام حسين اسلحته الكيماوية والبيولوجية، وأصبح مستعداً من جديد للعبة القط والفأر مع المفتشين... وحتى اذا ضربت الولاياتالمتحدةالعراق فانها ستكون آخر ضربة اميركية لصدام حسين ونظامه لأن من الواضح ان العالم لن يسمح للولايات المتحدة مرة اخرى بضرب العراق بالقنابل "الذكية" لاقناعه بالانصياع لقرارات الأممالمتحدة... ودولة اسرائيل هي الخاسر الأكبر في ازمة الانتراكس فقد بدا الاسرائيليون امام العالم خائفين وألعوبة، في يدي اميركا. وكتب غي بِسُور في "هاآرتز" مقالاً بعنوان ضربة مميتة لمركز الولاياتالمتحدة في المنطقة "قال انه كما ان الشرق الأوسط تحول الى شيء جديد بعد حرب الخليج سنة 1991، فهو تحول مرة اخرى الآن، ولكن في الاتجاه المعاكس. والمظاهرات وأعمال الشغب في الأردن والقاهرة وأراضي السلطة الفلسطينية وشمال افريقيا لم تكن تأييداً لصدام الرجل بل للصدامية، او للمهزومين والمسحوقين والمحبطين... اما الولاياتالمتحدة التي ظهرت بعد 1991 كمحرر متنور فقد تحولت في الشرق الأوسط الآن الى منتقم قاس توجهه اعتبارات مصلحية، ولم تهبط اسهم اميركا في الشرق الأوسط مرة كما سقطت هذه المرة... واليوم اصبحت واشنطن اضعف في المنطقة وخسرت مكانتها كوسيط شريف، وستجد ان من الصعب عليها اعادة بناء دورها في عملية السلام. اما أوري افنيري فكتب في "معاريف"، أيضاً هذا الأسبوع، تحت عنوان "ثالوث غير مقدس" يقول ان ثلاثة طلبوا الحرب في الشرق الأوسط، كلاً لأسبابه الخاصة، وهم بيل كلينتون وصدام حسين وبينامين نتانياهو. وكلينتون يريد حرباً خفيفة ظريفة، كل القتلى فيها من جانب واحد تحول الانظار عن مشاكله. اما صدام حسين فيحتاج الى حرب لأنه ضعيف، والغارات ستجعل الشعب يلتف حوله. ونتانياهو هو الرجل الثالث في هذا الفريق العظيم، فالحرب هدية من السماء له، والازمة اعطته فرصة ممارسة كل الاعيبه، وأصبح يستطيع الآن الاستيلاء على أراض في المناطق المحتلة وتوسيع المستوطنات وطرد الفلسطينيين وهدم البيوت والبناء في هار هوما جبل ابو غنيم وراس العمود. ومن سيوقفه؟ هل هو كلينتون الذي يحتاج الى تأييد اليهود، او الفلسطينيون الذين بدوا مؤيدين لصدام حسين؟ وأعتقد ان القارئ يوافقني الرأي ان الكتاب الثلاثة ابدوا آراء معقولة هادئة، حتى اذا لم يوافق على بعضها، لذلك اكمل بشيء من الولاياتالمتحدة يثبت مرة اخرى رأيي ان فيها اسرائيليين اكثر من اسرائيل نفسها. مايكل ايزنستات كتب تحليلاً لمعهد واشنطن المؤيد لاسرائيل حمل فيه بشدة على الاتفاق الذي عاد به الامين العام للأمم المتحدة كوفي انان من بغداد وهو رأى ان الاتفاق هذا يعيد الاعتبار الى صدام حسين ويظهر ان العرقلة تفيد، ويضعف سلطة فريق التفتيش الدولي، ويهدد القدرة الاميركية على الردع في الخليج، ويعرقل قيام تحالف دولي مماثل في المستقبل ضد العراق، وينتقص من فعالية فريق التفتيش ولجنة الطاقة الذرية الدولية، ويترك كوفي انان قاضياً ومحلفين في اي خلاف. والنتيجة في رأي ايزنستات ان مذكرة التفاهم بين كوفي انان وطارق عزيز سابقة خطرة، وشروطها تمهد الطريق امام ازمة اخرى في المستقبل مع العراق سيكون من الصعب على الولاياتالمتحدة فيها اقامة تحالف دولي ضد العراق. ومع ان الولاياتالمتحدة طلبت نهاية للأزمة عن طريق التفاوض فان شروط التسوية قد تجعل الولاياتالمتحدة تقول في يوم قادم انها تتمنى لو انها لم تحدث. وأترك القارئ يقارن بين التعليقات المعقولة من اسرائيل، والتعليق الأكثر اسرائيلية من واشنطن الذي كان يتمنى ضرب العراق. لحساب من يضرب العراق ضربة لا تهدد نظامه، وانما تزيد معاناة شعبه؟ القارئ العربي لا يحتاج الى جواب.