ربما خرج كوفي انان بصفته اكبر المنتصرين من المواجهة التي لم تحصل. وهذا مكسبٌ ايجابيٌ لناحية انعكاسه على موقع الأممالمتحدة ودورها. وما يجعله اكثر ايجابية تفصيلٌ رمزي صغير مفاده ان الشخص المعنوي الأول في العالم هو اليوم أسود البشرة. ونجاح انان، في آخر المطاف، وعلى الضد مما قد يقال عن "انتصاراته" على المدى القصير جداً، ضررٌ لصدام الذي يصعب الاطمئنان الى تعايشه مع القوانين والأعراف الدولية وسيادتها. والأمين العام نفسه سبق ان قال ان القوة العسكرية، التي لم تُستعمل لحسن الحظ، هي ما أملت على بغداد ان توافق على ما وافقت عليه. ومن جهة اخرى فالنجاح اياه يؤذي نزعات التفرد الاميركي التي سبق لها، ولو اختلفت الأسباب، ان اصطدمت بالأمين العام السابق بطرس بطرس غالي، فيما كانت الديون المستحقة للأمم المتحدة على واشنطن تتراكم! وقصارى القول ان الأمين العام الحالي يملك سطوة معنوية واستقلالية بعيدة يمكن استخدامهما في امكنة اخرى، وقبل ان تبرد حرارة التسوية مع بغداد وزخمها. ومكان الاستخدام هو، بالضبط، ذاك الذي جرى ربطه بألف سبب وسبب، ومن الف طرف وطرف، بالنزاع الاخير الذي انفجر في العراق، اي الشرق الأوسط. فلا الولاياتالمتحدة من موقعها، ولا صدام من موقعه المغاير، تأخّرا عن ربط اسرائيل بما يجري في الخليج. اما التعاطف العربي الجماهيري مع حاكم العراق فكان الموقف الاميركي من النزاع العربي - الاسرائيلي، معطوفاً على سياسات بنيامين نتانياهو، بين أبرز مصادره الكثيرة. وكائنةً ما كانت نوايا الذين ربطوا، فإن في وسع كوفي انان، بدوره، ان يربط بين المنطقتين انطلاقاً من محورين: الأول، التسوية الاسرائيلية - الفلسطينية خصوصاً وقد طرح نتانياهو فكرة كمب ديفيد، فأجابه عرفات بقبول المبدأ شرط عدم تعارضه مع انفاذ اوسلو، وبالأخص اذا صح ما ذكرته "يديعوت أحرونوت" عن تجديد الجهد الاميركي لوصل ما انقطع من عملية التسوية. والثاني، تطبيق القرار 425 المتعلق بالانسحاب الاسرائيلي من لبنان. ومن يدري فقد تأتي زيارةٌ من أنان الى المنطقة، وهي التي كان ينوي القيام بها ثم أجّلها تحت وطأة التطورات العراقية، لتضع الجميع أمام مسؤولياتهم: هل الاسرائيليون مستعدون حقاً ان ينسحبوا من دون قيد او شرط ما خلا سيادة الدولة اللبنانية على حدودها، ومنع "حزب الله" الذي يفقد مبرره من تعدّيها؟ وهل اللبنانيون غير مستعدين حقاً لقبول هذا العرض الذي لا ينطوي الا على شرط واحد يُفترض انه شرط بيروت قبل ان يقترحه سواها