يشعر الاسلاميون الاتراك انهم تجاوزوا المرحلة الصعبة من المواجهة مع العسكر والقوى العلمانية المتطرفة التي انتهت بحلّ حزبهم الثالث "الرفاه" ومنع زعيمهم المؤسس نجم الدين اربكان من ترأس حزبهم الجديد او الترشيح عنه لخمسة اعوام مقبلة. فالضغط توقف كذلك والتهديد برفع قضية على حزبهم الجديد الفضيلة" لحلّه هو الآخر وملاحقة زعيمهم اربكان قضائياً، بهدف سجنه. عاد الاسلاميون من جديد القوة الاولى في البرلمان ولم يحصل في داخل تجمعهم الانشقاق الذي تم المراهنة عليه وانتقل غالبية "الرفاهيين" الى الفضيلة بل استقطبوا نواباً بارزين سيعلن قريباً عن انضمامهم للحزب الجديد، وامتد نفوذهم الى احزاب اخرى اصبحت تعمل في فلكهم وبات بامكانهم الضغط لاجراء انتخابات مبكرة فور ترتيب اوضاع الحزب القانونية ووضع نظامه الاساسي وانتخاب قياداته وافتتاح فروعه. ان انتقال غالبية اعضاء الرفاه الى الحزب الجديد الفضيلة من دون انشقاق أكد صلابة بنيانهم على رغم الضغوط. فحتى الآن انتقل 140 من أصل 147 نائباً واصبح الفضيلة اكبر حزب في البرلمان التركي قبل ان يفتتح اي فرع خارج العاصمة. وبقي خمسة نواب خارج الفضيلة وجرّد اثنان من عضويتهما بحكم قضائي اربكان ونائبه شوكت كازان، وارتاح الاسلاميون بعد انتقال كل النواب العشائريين الى الفضيلة ذلك انهم اضعف حلقات الحزب. ويشعر الاسلاميون، الذين اتصلت بهم "الحياة"، بالرضا بعد ان خفّ ضغط المؤسسة العسكرية نسبياً وتراجع المدعي العام عن تهديداته برفع قضية على الفضيلة بعد معارضة الرئيس التركي سليمان ديميريل ذلك علانية. كما اوقف المدعي العام خططه لمقاضاة الزعيم الاسلامي اربكان بتهمة التحريض على العنف بعدما برأته المحكمة الدستورية من مسؤولية عبارة نُسبت له "ان الرفاه سيصل الى الحكم بالسلم او بالدم". ووافق القضاء دفاع اربكان عن نفسه وان الجملة اقتطعت من فقرة كاملة. ويشعر الاسلاميون بالانتصار لانهم خرجوا من المعركة اقوى مما دخلوها حسب اعتقادهم فهم الآن أصحاب أكبر كتلة برلمانية وتوجد احزاب اخرى باتت تحت تأثيرهم ابزرهم حزب "الطريق القويم" بزعامة رئيسة الوزراء السابقة تانسو تشيلر التي تحولت الى مؤيد تلقائي للفضيلة في كل ما يطرح. ففي الاسبوع الماضي أيّدت تشيلر مساعي الفضيلة لحجب الثقة عن وزير التربية اليساري حكمت الوغباي الذي اصر على اصدار قرار بمنع الحجاب واللحى في الجامعات ما اشعل مظاهرة حاشدة امام جامعة اسطنبول حصل فيها الاسلاميون على تأييد غالبية الطلبة ومن بينهم التيار الليبرالي الذي تحول الى تيار معارض لكبت الحريات العامة وضد فكرة تقديس الكمالية الاتاتوركية. والحزب الثاني الموالي للفضيلة هو حزب "الوحدة" بقيادة محسن يازي اوجلو وهو حزب يجمع بين الاسلامية والقومية وكان انشق، بعد وفاة زعيم الحزب القومي الب ارسلان توركش العام الماضي، عن الحزب ويتشكل من نزعات طورانية الى بعض الاعتدال الاسلامي. ويتوقع انضمام كثير من انصار هذا التيار الى الفضيلة الذي سيعتمد خطاباً اكثر انفتاحاً من خطاب الرفاه الاسلامي التقليدي. ويعزز ثقة الاسلاميي في المستقبل استطلاعات الرأي التي وضعتهم في الصدارة مجدداً. ففي آخر استطلاع لصحيفة "ميليت" اليمينية طال شريحة من 15 ألف ناخب اجاب 20 في المئة انه سيصوّت في الانتخابات لو جرت اليوم لحزب الفضيلة. وجاء بعده الحزب الحاكم حالياً الوطن الأم بفارق درجة واحدة. وحصل الطريق القويم على 13 في المئة. وكشف مصدر اسلامي مقرب من الفضيلة لپ"الحياة" عن أرقام استطلاع للرأي اجراه الاسلاميون ولم ينشر يضع حصتهم في حال حصول انتخابات مبكرة عند نسبة 26 في المئة ثم يأتي الطريق القويم بزعامة تشيلر ثم الحزب الجمهوري الذي يؤيد حالياً حكومة مسعود يلماظ من دون المشاركة فيها ويتزعمه حليف تشيلر سابقاً دينز بايكال ويأتي الحزب الحاكم الوطن الأم في المرتبة الرابعة. ويعبر هذا الاستفتاء "الداخلي" الذي اجراه الاسلاميون عن امانيهم وأيضاً عن اعتقاد سائد في تركيا ان الحزب الذي يؤيده الجيش او يتحول الى حزب الدولة يخسر الانتخابات العامة. تصف مصادر تركية المرحلة المقبلة للاسلاميين بأنها"مرحلة انتقالية" حتى لو فاز الفضيلة في انتخابات مبكرة فهم لن يتقدموا للحكم قبل تقليم اظافر الجيش باستصدار قوانين تؤكد مرجعية البرلمان والحكومة واستقلال القضاء عن أية تأثيرات "خفية" وتحد من صلاحية مجلس الأمن القومي الذي يترأسه نظرياً رئيس الوزراء ويهيمن عليه قادة الجيش. اضافة الى الغاء المؤسسات المتعددة الوظائف التي انبثقت عن مجلس الأمن مثل "المكتب الغربي" الموكل له معالجة اي عراقيل تمنع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فتحول الى مؤسسة وصاية لمراقبة ما يصفه الانشطة الرجعية. وكان اربكان حصل على وثيقة صادرة عن هذا المكتب وموقعة باسم رئيس الاركان شفيق بير تحذر من انشطة اصولية في حزب الوطن الأم وقام اربكان بجولة على قادة الاحزاب التركية الرئيسية الشهر الماضي وكشف لهم هذه الوثيقة كدلالة على المخاطر التي تواجه الديموقراطية التركية وليس حزبه فقط. وانطلق بعدها يدعو الى تشكيل "جبهة ديموقراطية" لتعزيز المؤسسات المدنية وتقليص نفوذ العسكر. ويتوقع ان يستمر اربكان في بناء هذه الجبهة وتحقيق مقاصدها خلال المرحلة الانتقالية. ويرجح ان الاسلاميين سيكتفون بدعم حكومة وطنية برئاسة الطريق القويم وزعيمته تشيلر او الاكتفاء بالمشاركة في مواقع غير رئيسية في حكومتها. وسيتم التركيز في المرحلة الانتقالية على ترتيب انتقال الزعامة في الحزب الاسلامي من جيل اربكان الى جيل الشباب. فالكل يعلم ان رجائي طوقان هو بديل موقت لهذه المرحلة لأنه ليس بالزعيم الجماهيري كنجم الدين وإنما اداري جيد له علاقات ممتازة بالجميع بما في ذلك الاحزاب الاخرى، ويستطيع بما هو معروف عنه من تهذيب امتصاص غضب المناوئين للفضيلة خلال هذه المرحلة الانتقالية. وتشير المصادر الى بروز دور رئيس بلدية اسطنبول رجب اردوجان اذ اكد استطلاع للرأي انه الشخصية الاكثر شعبية في الحزب الاسلامي بعد اربكان. فهو قيادي ناجح وزعيم جماهيري وخطيب يلهب الحماس وبالتالي فهو الزعيم المناسب للمستقبل. صمد اردوجان امام ضغوط عدة خلال "ازمة" الرفاه وإغراءات لاعلان حزب جديد يحظى بتأييد داخلي وخارجي لكنه رفض ذلك وجدد دعمه لزعيمه اربكان وكان من اول المنتسبين للفضيلة. وعلى قيادة الحزب الآن ان تقرر كيفية انتقال الزعامة للجيل الجديد وتحديداً الى اردوجان. فالفضيلة سيعتمد نظاماً داخلياً اكثر "شورية" من نظام "الرفاه" والاحزاب الاسلامية التي سبقته وكلها اديرت بالزعامة الكرزماتية للخوجة اربكان. وعليها ان تقرر افضل الاختيارات الجيدة للحزب. فأردوجان ما زال على رأس بلدية اسطنبول صاحبة اكبر موازنة مستقلة في تركية وحقق الكثير لمصلحة قضيته من موقعه هذا ولا يوجد الآن بديل له وان ضمن الاسلاميون فوزهم مجدداً برئاسة البلدية. ويرجح ان يبقى في منصبه حتى تنتهي المرحلة الانتقالية الحالية وتكون تركيا في وضع اكثر استعدادا لقبول حكومة يرأسها اسلامي من جديد. حينئذ يستطيع اردوجان الانتقال من رئاسة البلدية الى رئاسة الوزارة بعد عامين او ثلاثة وإذا كان في العمر بقية فلربما يكون اربكان نفسه رئيساً للجمهورية... كما وعد رجائي طوقان جمهرة من مؤيدي الفضيلة قبل اسبوعين.