نجح البيت الأبيض، بعدما بذل جهوداً مكثفة دامت أسبوعاً في محاولة اقناع مجلسي الكونغرس الأميركي، في كسب دعم جماعة أساسية من الديموقراطيين لطلبه تخصيص 18 بليون دولار من المال لصندوق النقد الدولي. وينتظر المراقبون أن يبقى طلب البيت الأبيض يواجه معارضة عنيفة من المحافظين على رغم أن مسؤولين في الإدارة الأميركية يقولون "إن التمويل الذي يطلبه البيت الأبيض للصندوق الدولي ذات أهمية حاسمة للجهود المبذولة في سبيل تحقيق الاستقرار في الأزمة الاقتصادية الآسيوية". ويقال أيضاً ان بعض الليبراليين في الكونغرس يسعى إلى تأخير اتخاذ أية تدابير بخصوص طلب البيت الأبيض على أمل تشجيع حصول حوار عريض شامل في شأن المسائل المطروحة كافة ذات العلاقة. وتحدث كل من وزير الخزانة الأميركي روبرت روبن ونائبه لورنس سمرز ورئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي ألن غرينسبان ووزير الدفاع وليم كوهين ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية المنوط بالشؤون الاقتصادية ستيوارت آيزنستات أمام عدد من لجان الكونغرس الأسبوع الماضي بغية حض الكونغرس على الموافقة على وفاء الولاياتالمتحدة بوعدها الذي قطعته الإدارة الأميركية على نفسها بتخصيص مزيد من المال لصندوق النقد الدولي. وتوجت هذه الجهود كافة زيارة قام بها إلى الكونغرس الخميس الماضي مدير صندوق النقد الدولي الإداري ميشال كامديسو، حيث عقد اجتماعاً مغلقاً مع أركان الكونغرس ليقدم حججه بأن التدابير التمويلية الأميركية ضرورية لجعل صفقة الانقاذ، وقيمتها 118 بليون دولار، لصالح كوريا الجنوبية واندونيسيا وتايلاند، فعالة وذات أثر. وتسعى الإدارة الأميركية إلى الحصول على 5،3 بليون دولار من الكونغرس وهي حصة الولاياتالمتحدة من تمويل يسعى إلى زيادة السيولة الموجودة بتصرف صندوق النقد الدولي، كما تسعى إلى الحصول على 14 بليون دولار إضافية لتغطية الزيادة في حصة الولاياتالمتحدة من عملية زيادة مساهمات أعضاء الصندوق الدولي كلهم البالغ عددهم 182 عضواً بعدما وافقوا جميعاً على هذه الزيادة. وبالنظر إلى أن الولاياتالمتحدة هي أكبر مساهم في الصندوق الدولي، سيشكل رفض الكونغرس الأميركي الموافقة على أي تمويل إضافي للهيئة الدولية ضربة موجعة للجهود التي تبذلها في سبيل زيادة احتياطاتها. وفي وقت متأخر من مساء الأربعاء الماضي بدا أن الضغوط التي كان يمارسها البيت الأبيض بدأت تفعل فعلها، فقد أعلن 40 ديموقراطياً ليبرالياً ومعتدلاً، يدعون أنفسهم "الائتلاف الديموقراطي الجديد"، دعمهم لطلب البيت الأبيض مزيداً من المخصصات. وتكهن زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس النواب الأميركي ريتشارد غيبهارت الذي يمثل ولاية ميسوري ويدعم طلب التمويل الجديد لصندوق النقد الدولي، بأن أكثرية ديموقراطية لا يستهان بها ستصوّت تأييداً للتشريعات التي تعني الموافقة على التمويل الجديد، وذلك بعدما وافق "الائتلاف الديموقراطي الجديد" على تأييد طلب الإدارة الأميركية. وهذا أمر مهم لأن طلب الإدارة التمويل الاضافي لقي عداوة من اليسار واليمين السياسيين، ونشأت شكوك قوية في ما إذا كان الرئيس بيل كلينتون سيتمكن من الحصول على الدعم الكافي في داخل حزبه ومنه لطلبه. ويواصل بعض الديموقراطيين معارضة طلب التمويل الجديد بحجة ان صندوق النقد الدولي يدعم أنظمة حكم فاسدة وأن سياساته تلحق الأذى بالبيئة وتتجاهل حقوق الانسان والعمال. لكن أعضاء الائتلاف الديموقراطي الجديد رددوا ما قاله المسؤولون في الإدارة الأميركية وهو أن تمويل صندوق النقد الدولي ضروري للمساهمة في حماية العمال الأميركيين من إغراق السوق الأميركية ببضائع زهيدة الثمن من آسيا إذا لم يحصل أي استتباب في الأوضاع الآسيوية. ويلفت ستيف هولينغر، أحد زعماء ائتلاف ليبرالي سعى إلى اصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين، إلى أن "مسألة صندوق النقد الدولي ليست مهمة كثيراً بالنسبة إلى الديموقراطيين كما كان الحوار في شأن اتفاق التجارة الحرة الخاص بشمال أميركا. وأحرق عدد كبير منهم أصابعه في ذلك الحوار ولا يريد تكرار ما حصل في الماضي بالنظر إلى أن انتخابات الكونغرس ستجري في الخريف المقبل". ومن المنتظر أن يعارض الجمهوريون طلب البيت الأبيض، إذ انهم قالوا إن الصندوق الدولي لا ينشر ما يكفي من المعلومات. وشككوا في سلامة نصائحه الاقتصادية. ويركز بعضهم اهتمامه على مسألة "المخاطر الاخلاقية" قائلاً : إن صندوق النقد الدولي يشجع بسلوكه على انفجار مزيد من الأزمات إذا واصل انقاذ الدول التي تقع ضحية أزمة مالية. ولعل المعارضة الأكثر جدية ستأتي، على الأرجح، من المحافظين في الكونغرس الذين هم على استعداد لرد طلب البيت الأبيض ما لم يتضمن نصه حرمان المؤسسات الدولية، التي تضغط لصالح السماح بالاجهاض، من التمويل. وقال ناطق في مكتب زعيم الاغلبية في مجلس النواب الأميركي نيوت غينغريش ان المطلوب اجراء نقاش شامل عام حول هذه المسألة بالذات. وساهمت "وول ستريت" في الحوار الدائر. ففي افتتاحية نشرتها الخميس الماضي قالت: "إن الكونغرس يخاطر بتسبيب كارثة اقتصادية فعلية إذا وافق على طلب الإدارة الأميركية في شكله الراهن. كما عارض عدد من كبار الشخصيات طلب الإدارة الأميركية". وقال وزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز ووزير الخزانة السابق وليم سايمون ورئيس مجلس إدارة "سيتيكورب" السابق وولتر ريستون، الثلثاء الماضي، في مقال نشرته "وول ستريت جورنال" ان صندوق النقد الدولي "غير فعال وغير ضروري ولا يرجى منه خير بعد الآن". كما انتقد هؤلاء المسؤولون السابقون الاقتراح الذي تقدم به الممول جورج سوروس يتناول تأسيس هيئة دولية جديدة تضمن القروض وتنشط بموازاة صندوق النقد الدولي ويمولها دافعو الضرائب. وينتظر بعض المراقبين ان يوافق الكونغرس على طلب الإدارة 5،3 بليون دولار، لكن قد يرفض تمويل باقي الطلب إلى ما بعد اجراء مناقشات في شأن الموضوع، خصوصاً ان أنظمة صندوق النقد الدولي وقوانينه تمنح الاعضاء كافة عامين كاملين "للتفكير" قبل الموافقة على زيادة المساهمات. وإذا لم يُصب صندوق النقد الدولي بأزمة سيولة حادة طارئة مستعجلة، يقول البعض ان المناقشات في الكونغرس حول موضوع زيادة المساهمات قد تطول وتتشعب.