ممّا يدل على ازدياد كبير في اهتمام ادارة الرئيس بيل كلينتون بالازمة الاقتصادية الآسيوية، ان هذه الادارة تتخذ تدابير من شأنها معالجة الازمة على نحو مباشر، وتستعد من جهة اخرى لمواجهة الانتقادات المتزايدة في داخل الولاياتالمتحدة الموجهة الى صفقة الانقاذ التي أعدها صندوق النقد الدولي بدعم من الادارة الاميركية نفسها. وفي الأسبوع الماضي تحدّث الرئيس بيل كلينتون الى الرئيس الاندونيسي سوهارتو وحذّره من مغبة عدم قبول الدواء المر الذي يتمثل في صفقة انقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 43 بليون دولار، "تحت طائلة" فقدان جيل من المكاسب الاقتصادية. كما أرسل البيت الأبيض ثاني أكبر مسؤول اميركي الى آسيا على رأس بعثة كان من أعضائها مسؤولون في مجلس الأمن القومي الاميركي ومن وزارة الخارجية الاميركية. ويحاول نائب وزير المال الاميركي لورانس سامرز اشاعة استقرار في الوضع الاندونيسي ما يضفي صدقية على برنامجي الانقاذ اللذين اعدهما صندوق النقد الدولي لكل من كوريا الجنوبية وتايلاند. ومما يجعل الازمة الآسيوية تعادل بأهميتها أزمات الحرب الباردة كافة ان الرئيس بيل كلينتون يتلقى تقارير يومية عن آخر تطورات ازمة الشرق الأقصى الراهنة. وأكبر ما يواجه سمرز من التحديات هو كيفية معالجة الوضع الذي تكشف الأيام عنه في اندونيسيا، وهو الوضع الذي يهدّد بانفجار ازمة اجتماعية في رابع اكبر دولة في العالم لجهة كثافة السكان. وسيزور سمرز أيضاً ماليزيا وتايلاند وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية والصين. ويزداد القلق في الولاياتالمتحدة من احتمال حصول رد فعل آسيوي سلبي ضد الولاياتالمتحدة وضد المؤسسة المالية الدولية. وقال مايكل زيلنزيغر، مراسل صحف "نايت - ريدر" في طوكيو، في اجتماع عُقد في واشنطن الاثنين الماضي: "اشعر بأن سنة 1998 ستشهد رد الفعل السلبي بعد انتهاء الازمة الآسيوية الخانقة. وسيكون البحث جاداً وعلى نطاق واسع عن جهات يوجّه اليها اللوم. وسينحو الآسيويون باللائمة على صندوق النقد الدولي وعلى الولاياتالمتحدة". ويبدو ان الولاياتالمتحدة تشهد نشوء رد فعل اقتصادي سلبي على العولمة حتى ولو افلحت بعثة سمرز في سعيها. وستواجه ادارة الرئيس كلينتون تساؤلات ومساءلة سياسية حازمة قاسية عندما يعود الكونغرس الى الانعقاد في السادس والعشرين من كانون الثاني يناير الجاري. والمعلوم ان شيخ ولاية نيويورك الفونس داماتو، رئيس اللجنة المولجة بشؤون النشاط المصرفي في مجلس الشيوخ الاميركي، قال انه سيعقد جلسات فور عودة الكونغرس الى الانعقاد لأن على هذا الكونغرس ان يُصرّ على "الانضباط والتبصر في العمل وإمعان النظر في أي اجراءات قبل تحميل المكلف الأميركي بدفع الضرائب عبء أي عملية انقاذ. وحتى لو قصَّر داماتو في تنفيذ تهديده، من المنتظر ان يدعو شيخ ولاية نورث كارولاينا، لوخ فيركلوث، رئيس اللجنة الفرعية المولجة بشؤون الصندوق والبنك الدوليين، الى عقد جلسات ليستمع الى ما سيقوله المسؤولون الأميركيون عن الأزمة الآسيوية. وستعقد جلسات مماثلة في مجلس النواب الأميركي. ومن المحتمل ان تتطرق هذه الجلسات الى عدد من المسائل التي منها: ما هي الأسباب التي تدعو الى انقاذ المصرفيين الذين يُبدون حماساً بالغاً لاقراض الاقتصادات الآسيوية الناشئة؟ وما هي الأسباب التي تدعو الى انقاذ منافسي الولاياتالمتحدة التجاريين بينما لا ينفك هؤلاء المنافسون عن زيادة فائضهم التجاري مع الولاياتالمتحدة؟ لماذا لا يستطيع صندوق النقد الدولي تحسين ادائه في مجال التكهن بالأزمات وتعيينها وتحذير المؤسسات المالية منها أو توعية هذه المؤسسات الى احتمال انفجار أزمات من هذا القبيل؟ وأخيراً هل ستنهار الاقتصادات الآسيوية العليلة الكبيرة جداً؟ والى هذا سيُطلب من المشرعين الأميركيين ان يوفروا 3.5 بليون دولار اضافي لصندوق النقد الدولي لكي ينشئ صندوقاً طارئاً للاقراض، ونحو 18.5 بليون دولار لتغطية حصة الولاياتالمتحدة الأميركية من زيادات مرتقبة جديدة في المساهمات الدولية في الصندوق الدولي. لكن أعضاء الكونغرس بمجلسيه يشيرون الى ان ادارة الرئيس كلينتون ستجد صعوبة كبيرة في اقناعهم بتوفير ما تبغي منهم توفيره بالنظر الى ان الانفاق الأميركي الداخلي على البرامج الاجتماعية يُخفض بغية موازنة الموازنة، والى ان الولاياتالمتحدة تتلقى طلباً لمساعدة الدول التي لن تفعل الا ما يعزّز فائضها التجاري مع الولاياتالمتحدة. ويشكو النائب برنارد ساندرز، المستقل الذي يمثل فيرمونت ويشارك في عضوية لجنة مجلس النواب الفرعية المولجة بشؤون المنظمات المالية الدولية، من عبء المأزق الذي يواجهه المشرعون الأميركيون في تسويغ تحويل الصندوق والبنك الدوليين، ويقول: "يتعيَّن علينا خفض الانفاق على العناية الصحية وعلى الاسكان الخاص بذوي الدخل المتدني وعلى الأطفال والأحداث لكن يبدو اننا نجد المال اللازم لعمليات الانقاذ هذه بسرعة البرق". ويزداد الكونغرس سلبية حيال تنفيذ التزامات الولاياتالمتحدة الخاصة بالمنظمات الدولية كافة التي منها صندوق النقد والبنك الدوليان والأمم المتحدة. ورفض هذا الكونغرس أخيراً تلبية طلب من البيت الأبيض يتناول تخصيص 2.5 بليون دولار اضافي لدعم "مبادرة الدول المثقلة بالديون" التي كانت رد البنك وصندوق النقد الدوليين على ضرورة مساعدة الدول الأفقر في العالم على خفض ديونها المستحقة للمؤسستين الماليتين الدوليتين. ويُبدي الرئيس كلينتون اهتماماً كبيراً بهذا كله لأنه يؤثر في عناصر اخرى في برنامجه التجاري الذي يطرحه أمام الكونغرس. ويتكهن المراقبون بأن الرئيس الأميركي سيواجه معارك حامية لا يسهل الفوز فيها بغية الحصول على موافقة الكونغرس على انشاء سلطة أو هيئة تجارية تتحرك بسرعة وتسبغ على برنامج الرئيس كلينتون التنفيذي المرونة التي يُصرّ البيت الابيض على انه يحتاج اليها للتفاوض في شأن الاتفاقات التجارية التي تدخل الولاياتالمتحدة طرفاً فيها. ويرغب الرئيس كلينتون في الحصول على هذه الموافقة من الكونغرس قبيل عقد قمة زعماء اميركا اللاتينية في نيسان ابريل المقبل في سانتياغو في تشيلي. لكن من غير المحتمل ان ينال الرئيس مبتغاه. وثمة مسألة تجارية مهمة ايضاً في الافق هي الاتفاق الدولي الخاص بالاستثمار الذي من شأنه ان يعود بفوائد جمّة على المصارف الاميركية الاستثمارية. لكن المراقبين يتكهنون بأن الكونغرس لن يبدي حماساً حيال هذا الاتفاق اذا كانت طوكيو والمراكز الاستثمارية الدولية الاخرى تتهاوى. والى هذا كله يجد البيت الابيض صعوبة في الدفاع عن موقعه حيال العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها واشنطن من طرفها فقط بمباركة من الكونغرس. لكن ادارة الرئيس بيل كلينتون تملك ورقة مهمة بوسعها استخدامها في معاركها وهي انها افلحت في زيادة صادرات الولاياتالمتحدة بسرعة بحيث صار حجم الاقتصاد الاميركي يعتمد فقط على الصادرات يعادل حجم الاقتصاد الفرنسي كله، ما يعني ان عدداً كبيراً من الوظائف الاميركية يرتبط بالصادرات الاميركية ويعتمد عليها. وأشار زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الاميركي، ريتشارد غيبهارت، الاحد الماضي، الى انه قد يدعم الوعد الاميركي بتقديم صفقة انقاذ بقيمة 20 بليون دولار. ومن شأن هذا الدعم ان يكون لما لهذا الشيخ من علاقات وثيقة بنقابات العمل الاميركيين الناشطين في الصناعات التي خشيت زعاماتها من عولمة الاقتصاد الاميركي اكثر من غيرها لأن هذه العولمة تعرّض عدداً كبيراً من الوظائف الاميركية الصناعية للخطر. لكن كلينتنون يواجه معارضة قوية من ليبراليين آخرين. فقد هاجم رالف نادر، المدافع عن حقوق المستهلك الاميركي، قرار الادارة انقاذ كوريا الجنوبية في رسالة وجهها الى روبرت روبن، وزير الخزانة الاميركي جاء فيها ان المصارف الدولية التي اقرضت دول جنوب شرق آسيا لن تعاني الكثير بينما تتطلب شروط صندوق النقد الدولي الخاصة بانقاذ كوريا الجنوبية منها فتح اقتصادها امام عمليات الاندماج والاستملاك الاجنبية - ما يعني لانقاذ "سيتي كورب" و"تشيس مانهاتن" و"جي. بي. مورغان" و"بنكرز تراست" و"بنك اميركا" و"بنك نيويورك" ومصارف اخرى وحسب، بل اعطاء هذه المؤسسات فرصة لكي تشتري قطاعات مربحة من اقتصاد جنوب كوريا ما يعني ثروة مزدوجة تنهال على هذه المؤسسات من حيث لم تكن تنتظر. وتدعو رسالة رالف نادر روبن الى الكشف عن لائحة المصارف الكبيرة التي ستستفيد من عمليات الانقاذ، وتقول ان على الولاياتالمتحدة ان تتوقف عن تمويل صندوق النقد الدولي. من جهة أخرى، قال مرشح الحزب الجمهوري السابق لرئاسة الجمهورية ستيف فوربس، في كتاب وجهه الى الكونغرس الاثنين ان سياسات صندوق النقد التقشفية والتي تتناول خفض العملات وزيادة الضرائب تسبب تردياً في الازمة الآسيوية. ودعا الكونغرس الى معارضة اي تمويل اضافي لصندوق النقد الدولي في المستقبل.