انضم حزب الرفاه، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان 70 عاماً، رسمياً أمس الى العدد المتزايد للأحزاب الاسلامية المحظورة في تركيا، في الوقت الذي أوشكت على الانتهاء التحضيرات لاختيار خلف لأربكان وسط صراع على زعامة الحزب البديل المحتمل. وأحالت المحكمة الدستورية، التي أصدرت في السادس عشر من الشهر الماضي حكماً بحظر نشاطات "الرفاه" بتهمة مناهضة النظام العلماني، أول من أمس تفاصيل الحكم الى مجلس الوزراء لتنهي بذلك رسمياً عملية الصعود الصاروخي لهذا الحزب الذي شكل أكبر تهديد للعلمانية التي تعتمدها الجمهورية التركية نظاماً منذ تأسيسها قبل أكثر من 70 عاماً. وعمّر "الرفاه" 15 عاماً، أكثر من اي من الاحزاب الاسلامية التي سبقته، ومنها حزبان قادهما أربكان أيضاً في السبعينات وحُظرا وقتها بسرعة. وتسلم أربكان زعامة "الرفاه" في 1987 واستطاع بدهائه ان يحوله أكبر حزب سياسي في تركيا في التسعينات ونجح في أن يصبح أول رئيس وزراء اسلامي في تركيا. وبانجاز الترتيبات الرسمية لحظر "الرفاه" فقد أربكان وخمسة آخرون من زعماء الحزب مقاعدهم البرلمانية، كما حُظر، بموجب قرار المحكمة الدستورية أيضاً، على ستة سياسيين آخرين ومحافظ ينتمون الى الحزب تأسيس حزب سياسي أو الانضمام الى حزب آخر. وأعلن أربكان انه سيعترض على قرار المحكمة الدستورية أمام اللجنة الأوروبية لحقوق الانسان على رغم ان القانونيين الاتراك اعتبروا ان أي موقف متعاطف مع الحزب يمكن ان تتخذه اللجنة لن يكون له أي تأثير على قرار المحكمة. الى ذلك كان أربكان وكبار مستشاريه اعلنوا انهم لم يتبلغوا رسمياً قرار الحظر واحتجوا على السرعة التي انجزت بها المحكمة الاجراءات الشكلية لتطبيق القرار، وهو أمر يستغرق في العادة شهورا، بل سنوات. ولكن أربكان قرر، من جهة اخرى، منع تظاهرات واسعة لانصاره خشية إثارة مواجهة صعبة مع المؤسسة العسكرية التي كانت وراء اطاحة "الرفاه" من السلطة ولعبت دوراً رئيسياً في دعم الدعوى التي أقامها عليه الادعاء العام التركي. وعلى رغم منع أربكان من ممارسة نشاطات سياسية، إلا أنه لم يخف نيته في أن يدير عمليا أي حزب بديل، يتفق انصاره على تأسيسه بموجب القانون، عبر زعماء يختارهم بنفسه. ولكن هذا الامر قد لا يكون سهلاً في ظل صراع داخل الحزب الذي يسعى شبانه الى ان يلعبوا دورا قياديا رئيسيا، بينما يريد شيوخه ان تبقى الزعامة في أيديهم. وينظر الحرس القديم الموالي لأربكان الى حزب الفضيلة، الذي اعلن تأسيسه في كانون الأول ديسمبر الماضي، باعتباره الماكينة الجديدة للحركة الاسلامية التي يجب ان تحل بدل "الرفاه". علماً بأن تكهنات انتشرت في الاوساط السياسية مفادها ان "الفضيلة" قد يغير اسمه الى "الرفاه الجديد" او "الحزب الكبير" او "حزب الوسط". ويعتقد كثيرون أن أربكان قد يختار لزعامة الحزب الجديد وزير الطاقة السابق رجائي كوتان، المعروف بلباقته وهدوئه، الى حين رفع القيود السياسية التي ستكبل أربكان خمس سنوات. ولكن بدا ان تداول السلطة بهدوء عكره الجمعة الماضي محافظ اسطنبول الاسلامي المتشدد رجب طيب اردوغان، وهو في الأربعينات من عمره، عندما أكد انه يتطلع الى الزعامة وقد يعلن ترشيح نفسه. وأثار هذا الموقف رد فعل قوي من أربكان الذي ذكرت صحيفة "حريت" أنه شكل فورا "مجلس حرب" من الحرس القديم لاحباط جهود هذا الشاب الطموح الذي يحظى باحترام واسع في القاعدة الحزبية ل "الرفاه". ونقل عن أربكان قوله بغضب: "لم أمت بعد"، وطمأن أنصاره الى انه لن يسمح لاردوغان بأن يغتصب السلطة في الحزب. كذلك تردد ان لأربكان بديلاً آخر للزعامة هو نائبه الحالي عبدالله غيول، وهو اقتصادي شاب ووزير سابق للدولة. وذكر انه دعا الى اجتماع يحضره نواب الحزب في البرلمان ومسؤولون في المحافظات للبحث في احتمالات المستقبل. ولن يسهل مهمة أربكان ايضا شاب طموح آخر هو بولند ارينج الذي أكد انه لن ينحني أمام عاصفة أربكان. ونشرت صحيفة "ميليت" امس تصريحات له انتقد فيها الاسلوب الذي يتبعه أربكان واعاد الى الاذهان "اخطاءه" المتمثلة في قيامه بزيارة ايران وليبيا في بداية عهده كرئيس للوزراء الأمر الذي استفز الجيش والعلمانيين. مسؤول تركي في دمشق من جهة اخرى، وصل موظف كبير في وزارة الخارجية التركية ليل الأحد - الاثنين الى دمشق لاجراء "محادثات تمهيدية هادئة" مع المسؤولين السوريين، وذلك في أول اتصال مباشر بين الطرفين منذ العام 1995. وقالت مصادر ديبلوماسية غربية لپ"الحياة" ان رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية التركية كوركت تسيترغه سيجري محادثات لثلاثة أيام مع معاون وزير الخارجية السفير عدنان عمران ورئيسة دائرة أوروبا الغربية السفيرة صبا ناصر، وذلك في اطار "مبادرة سورية - تركية لاستئناف الحوار بعيداً عن الشرط التركي السابق عدم اجراء أي لقاء مباشر قبل تسليم دمشق رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان الى أنقرة. وأشارت المصادر الى ان المحادثات "ستكون استطلاعية ولن تطرح فيها مواضيع حساسة تحبط انطلاقتها"، وان نجاحها "سيؤدي الى استكمال نقاط المبادرة وإجراء لقاءات بين وزيري الخارجية والداخلية ورؤساء اجهزة الأمن في اطار لجان الأمن، واستئناف اجتماعات خبراء المياه". وكانت الاتصالات توقفت بين الطرفين في ايلول سبتمبر 1995 عندما رفضت انقره ترتيب اجتماع لمجلس الوزراء السوري - التركي - الايراني الخاص بشمال العراق، وعندما دخل الجيش التركي مراراً الى شمال العراق وجمدت اجتماعات خبراء المياه والأمن. وأوضحت المصادر الديبلوماسية ان وزارة الخارجية التركية كانت تربط استئناف أي لقاء بتسليم أوجلان الذي تؤكد دمشق انه ليس موجوداً في أراضيها، لكن تأكيد كبار المسؤولين السوريين خصوصاً وزير الخارجية السيد فاروق الشرع، حرص دمشق على "الحوار في كل المواضيع" وموافقتها على تعيين جينغ دوعاتبه سفيراً جديداً لتركيا في دمشق، أديا الى "تمهيد الأرضية للبحث في احتمال استئناف الحوار". وأشارت الى عاملين آخرين وراء معاودة الحوار بين الطرفين هما "اقتناع عدد من المسؤولين الاتراك بوجوب عدم رهن مستقبل العلاقات مع سورية بشخص واحد أوجلان، وانتقال السفير أنور اويمان المعارض لتعزيز العلاقات، من منصبه في وزارة الخارجية التركية".