قررت المحكمة الدستورية في تركيا، في خطوة يمكن ان تترك آثاراً بعيدة المدى على الحياة السياسية للبلاد، حل حزب "الرفاه" الاسلامي لقيامه بأنشطة مناهضة للعلمانية، وفرضت قيوداً موقتة على الحقوق السياسية لرئيس الوزراء السابق نجم الدين اربكان وخمسة نواب آخرين من حزب "الرفاه". وناشد اربكان اتباعه التزام الهدوء. وقال إن حزبه سيرفع شكوى الى محكمة حقوق الانسان الاوروبية ضد قرار الحل. ويقضي قرار المحكمة، الذي اُتخذ بغالبية تسعة اصوات مقابل صوتين، بتجريد وزير العدل السابق شوكت قازان والمسؤول الكبير في حزب "الرفاه" أحمد تكدال، بالاضافة الى النواب شوقي يلماز وحسن حسين تشيلان واسماعيل حقي تشليك، من مقاعدهم البرلمانية ومنعهم من تأسيس حزب جديد وقيادته أو الانتساب اليه لمدة خمس سنوات. كما تشمل هذه القيود سوكرو قره تبه رئىس بلدية مدينة قيسارية وسط البلاد الذي اثار غضب المؤسسة الحاكمة العلمانية بتصريحاته الاسلامية المتطرفة. وكان يلماز وتشيلان وتشليك استقالوا من عضوية الحزب العام الماضي في محاولة لم تجدِ نفعاً لانقاذ "الرفاه" من الحظر بعدما اطلقوا تصريحات متطرفة ودعوات الى الجهاد ضد العلمانية. وتضمن قرار المحكمة، الذي اُتخذ عملاً بالمادتين 68 و 69 من الدستور، واستناداً الى قانون الأحزاب السياسية، مصادرة ممتلكات الحزب ووقف المساعدة التي كان يحق له الحصول عليها من وزارة الخزانة كحزب ممثل في البرلمان. وقال اربكان في مؤتمر صحافي عقد بعد وقت قصير من صدور قرار المحكمة ان حل الحزب "نقطة غير مهمة في مجرى الاحداث"، مشيراً الى انه لن يبطىء عجلة التاريخ. واعتبر ان هذا القرار "خطأ كبير"، مشدداً في الوقت نفسه على ان الحزب "سيحترم القرار على اي حال". وحرص اربكان على توجيه نداء الى انصار حزبه دعاهم فيه الى التزام الهدوء والتحلي باليقظة ازاء "الاستفزازات". وجاء نداؤه فيما عقد كبار قادة المؤسسة العسكرية التي تعرف بولائها الصارم للنظام العلماني اجتماعاً في قاعدة غولتشوك البحرية يُعتقد انه كُرّس لمراجعة الاجراءات التي ستتخذ لمواجهة اعمال عنف محتملة. وتحسباً لحصول تجاوزات اتخذت اجراءات امنية كبيرة في مدن عدة، خصوصاً انقرة واسطنبول. ويُعتقد ان تصريحات ادلى بها احد نواب "الرفاه" لوّح فيها باضطرابات دموية على نحو اعمال العنف التي تشهدها الجزائر، وتصريح مماثل لأربكان نفسه قال فيه ان "صعود الرفاه الى السلطة مضمون والسؤال هو هل سيكون هادئاً او دموياً"، كانت عوامل رئيسية وراء حل الحزب. وقال اربكان في مؤتمره الصحافي ان اغلاق "الرفاه" لن يؤدي الاّ الى تسريع صعود الحزب الاسلامي المقبل الى السلطة "لأن الأمة التركية تساند في العادة من يتعرض الى الظلم". لكنه أوضح انه سيستأنف القرار امام محكمة حقوق الانسان الاوروبية لأن حل الحزب يمثل استهانة بالقانون والمبادئ الديموقراطية. وأثار قرار حل "الرفاه" انتقادات في الغرب. ففي واشنطن، قالت وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ان هذه الخطوة ستلحق الاذى بالديموقراطية في تركيا. واعلنت بريطانيا، التي تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الاوروبي، انها ستبحث مع شركائها الاوروبيين في اتخاذ موقف مشترك. وأعرب رئيس الوزراء التركي مسعود يلماز عن "أسفه" لقرار المحكمة. ونقلت عنه وكالة انباء الاناضول قوله في كلمة أمام قيادة حزبه الوطن الأم "ان اجراءات من هذا النوع في دولة ديموقراطية هي دائماً مدعاة للأسف". وأضاف انه نصح زعيم الرفاه اربكان، في لقاء جمعهما قبيل اعلان قرار المحكمة، باجراء "نقد ذاتي" حول الأسباب التي أدت إلى حل الحزب. ورغم الحظر المفروض على الحزب فإن نوابه ال 150 سيتحولون الآن الى نواب مستقلين ليشكلوا بذلك كتلة قوية في البرلمان الذي يضم 550 نائباً، وهي تحظى بدعم حوالي 6 ملايين ناخب. وكان حزب "الرفاه"، الذي قاد ائتلافاً حاكماً مع حزب الطريق الصحيح يمين الوسط بزعامة تانسو تشيلر، اُزيح من السلطة في حزيران يونيو الماضي وحل مكانه ائتلاف علماني يضم أحزاباً يمينية ويسارية ويحظى بدعم المؤسسة العسكرية. وكان لافتاً تحرك قيادة الرفاه لاعطاء تعليمات واضحة لأنصارها بعدم التظاهر او اللجوء الى العنف بشكل ملق كرد فعل على قرار المحكمة الدستورية. وقالت مصادر قيادية في الحزب لپ"الحياة" ان قيادة الرفاه علمت بالقرار منذ اول من امس الخميس، وانها "صدمت" به واعتبرته "انتكاسة للديموقراطية في تركيا لكنه سيفضح القوى العلمانية امام الشعب التركي". وتقول مصادر اخرى في الرفاه ان قازان، وهو في العقد السادس من عمره، تعرض لأزمة قلبية وأدخل المستشفى. واشتهر شوقي يلماز بخطبه ضد العلمانية، اما زميله اسماعيل تشليك فاشتهر بعد منعه مشاركة الشركات الاسرائيلية في معرض صناعي نُظم في منطقته اورفه عندما كان رئيساً لبلديتها. ووجه مصدر رفاهي بارز ما وصفه بپ"رسالة الى اصدقاء الرفاه العرب"، قائلاً: "اطمئن اخواني العرب ان لا يقلقوا على مستقبل الرفاه عندما يلاحظون عدم حصول رد فعل من انصار الرفاه من تظاهر وخلافه. لقد شكونا امرنا للشعب التركي وهو متضامن معنا ولن نعطي الفرصة للقوة التي تريد دفعنا الى التطرف والصدام". وأكد المصدر ان اعلان حزب جديد او اكثر لن يستغرق سوى ايام، مشيراً الى ان الرفاه سيبقى اكبر كتلة في البرلمان التركي. وقال انه "لم ولن يحصل انشقاق في الحزب" مشيراً إلى مراهنة القوى العلمانية على ان ينشق تيار الشباب عن القيادة التاريخية وابرزهم الطيب اردوجان رئيس بلدية اسطمبول وبولنت ارتينج رئيس بلدية انقرة ومليح كونيسك وعبدالله جول رئيس المكتب السياسي للحزب "ولكن هؤلاء اكدوا في اجتماع مع القيادة التاريخية ولاءهم لها". يذكر ان قيادة الرفاه تحسبت الى امكان مصادرة ممتلكات الحزب، لذلك سجلت مقاره باسماء آخرين. ولم يتعرض قرار المحكمة لصحف الحزب او المحطة التلفزيونية والاذاعات المحسوبة عليه.