تلقي تداعيات الأزمة العراقية أكثر من أي وقت مضى بظلالها الكثيفة على واقع المسار التفاوضي الفلسطيني - الاسرائيلي المتعثر منذ زمن منذرة بنسف العملية السياسية من أساسها. فقد أثارت انتقادات رئيس الحكومة الاسرائيلية الأخيرة للسلطة الفلسطينية حفيظة الفلسطينيين الذين وصفوا تصريحاته بپ"الحاقدة والمليئة بالكراهية". واستغل بنيامين نتانياهو اجتماعه مع ممثلي اليهود في القدسالمحتلة ليهاجم الفلسطينيين ويتهمهم بأنهم "لا يريدون السلام في الوقت الذي تعمل اسرائيل من أجل إحرازه" على حد قوله. وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي في السلطة الفلسطينية نبيل شعث في مؤتمر صحافي أمس ان نتانياهو يطلق التصريحات "المليئة بالسموم ضد الشعب الفلسطيني بهدف الدس والتشهير لأنه لا يريد انقاذ العملية السلمية". وأضاف ان نتانياهو أعلن بوضوح انه لا يؤمن بعملية السلام ولا يريد سوى ان "يكسب نقاطاً في الاعلام العالمي على حسابنا بالكذب أو بأنصاف الحقائق". وجاءت تصريحات المسؤول الفلسطيني في اعقاب انتقادات نتانياهو الشديدة للتظاهرات الفلسطينية المناهضة لتوجيه أميركا ضربة عسكرية ضد العراق، واتهامه الفلسطينيين أول أمس بأنهم "لا يريدون السلام" معلناً ان "السبيل الوحيد لضمان أمن اسرائيل يتمثل بقوة الردع العسكري وليس بالعملية السلمية". وقال شعث ان نتانياهو "لم يؤمن ابداً بمبدأ الأرض مقابل السلام ولا بالقرارات الدولية المطالبة بالانسحاب الاسرائىلي من كامل الأراضي التي احتلت عام 1967". وأضاف ان نتانياهو "يحاول تشويه الموقف الفلسطيني المؤيد للحل الديبلوماسي السياسي والداعم للشرعية الدولية وحماية المنطقة من حرب مدمرة". ورأى شعث ان تصريحات نتانياهو "المليئة بالمرارة والكراهية لا تهدف سوى الى تدمير الثقة" بين الجانبين. ونفى في الوقت ذاته ان يكون قرار السلطة الفلسطينية حظر المظاهرات المؤيدة للشعب العراقي في المناطق التي تخضع لسيطرتها تلبية لطلب نتانياهو وحكومته، مشيراً الى انه جاء "تماشياً مع المصلحة الوطنية التي لا تخدمها هذه التظاهرات التي يتخللها حرق أعلام مما يمكن ان يؤدي الى عنف". وطلبت وزارة الاعلام الفلسطينية أمس من محطات التلفزة والاذاعة الخاصة العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية، التوقف عن بث "أي تعليقات أو تصريحات فلسطينية" في شأن الأزمة العراقية "تتعارض مع المصلحة الوطنية". وعلى رغم حظر السلطة الفلسطينية التظاهرات، جابت شوارع مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين في مدينة بيت لحم مسيرة سلمية ضمت العشرات من الفلسطينيين معظمهم من الاطفال. ورفع المشاركون في المسيرة علماً عراقياً ضخماً ولافتات تندد بالولاياتالمتحدة. وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لضرب الشعب العراقي وجاء في إحداها "يا كلينتون يا جبان ما بتهتهم غير بالنسوان" في اشارة واضحة الى اتهام الرئيس الاميركي بالتورط في فضائح جنسية. وتفرقت المسيرة الاحتجاجية داخل المخيم من دون ان يحاول المشاركون فيها الوصول الى حواجز الجيش الاسرائيلي القريبة من المكان. وقالت الاذاعة الاسرائيلية ان الشرطة الفلسطينية التي راقبت المسيرة عن بعد طالبت المشاركين بعدم التوجه لهذه الحواجز تماشياً مع اتفاق فلسطيني - اسرائيلي في هذا الشأن. وقال نتانياهو امس ان اسرائيل "لن تقبل بأي املاءات من قبل الفلسطينيين من خلال ممارسة العنف". وزاد خلال الاجتماع الاسبوعي لمجلس وزرائه، والذي خصص في معظمه لمناقشة الأزمة العراقية، ان "انعدام الثقة بالسلطة الفلسطينية يعود الى عدم تنفيذها التعهدات التي التزمت بها". وترك نتانياهو لرئيس مكتبه الاعلامي أمس مسؤولية مهاجمة السلطة الفلسطينية على خلفية التظاهرات الفلسطينية. واتهم دافيد بار ايلان بوضوح السلطة الفلسطينية بتنظيم التظاهرات المناوئة للولايات المتحدة وضرب العراق، وقال ان المظاهرات "ليست تلقائية والشرطة الفلسطينية ساعدت في تنظيمها"، متهماً الصحف الفلسطينية بالتشجيع عليها. واضاف بار ايلان ان المتظاهرين هم من طلاب المدارس وان المنشورات التي يوزعها هؤلاء تطبع في مناطق السلطة الفلسطينية، في دعوة واضحة للسلطة الفلسطينية لمنع هذه النشاطات. وسخر بار ايلان من مطالبة الفلسطينيين بالحصول على أقنعة واقية من الغازات السامة في الوقت الذي ينظمون فيه المظاهرات. وفي غمرة الاتهامات المتبادلة، أعلن امس ان الجانب الاميركي يعد للقاء قريب بين الفلسطينيين والاسرائيليين لبعث الحياة الى اللجان التفاوضية الخاصة بتنفيذ استحقاقات الاتفاقات المرحلية. وقالت مصادر فلسطينية لپ"الحياة" ان السفير الاميركي في تل ابيب أد ووكر سيشارك في اجتماع سيضم وزير الحكم المحلي الفلسطيني صائب عريقات وسكرتير الحكومة الاسرائيلية داني نافيه في الأيام القليلة المقبلة. وبعث عريقات في هذه الاثناء برسائل احتجاجية لمسؤول ملف المسيرة السلمية في الخارجية الاميركية دنيس روس والمبعوث الاوروبي الخاص ميغيل انخيل موراتينوس، بالاضافة الى سكرتير الحكومة الاسرائيلية في شأن الاجراءات الاسرائيلية التوسعية الأخيرة في منطقة المواصي في قطاع غزة، ومحاولات السلطات الاسرائىلية السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية من خلال شق الشوارع الالتفافية ومصادرة الأراضي. وقالت المصادر ذاتها ان الادارة الاميركية تسعى الى الاعلان عن إحراز تقدم "ولو طفيف" على المسار التفاوضي الفلسطيني - الاسرائيلي قبيل توجيه ضربة عسكرية محتملة للعراق لامتصاص الغضب العربي من سياسة واشنطن الازدواجية. واكدت برغم ذلك تهرب الولاياتالمتحدة من ممارسة ضغط على تل ابيب.