المستوى الرفيع الذي ميّز معارض التصوير الضوئي الأخيرة صالة الاحداث الثقافية - معهد العالم العربي يطرح مشكلة انتماء هذا الفن الى بقية الابداعات التشكيلية. والمعارض ترصد في حساسيتها الذاكرة الأثرية والحضرية العربية، ولعل أبرزها المعرض الراهن الذي يضم أعمال خمسة فنانين اجتمعت عدساتهم حول اقتناص غبطة "اليمن" وسعادتها اليومية. وشهدنا قبل ذلك، "تبصيمات" و"فاس الخالدة" و"مواقع أثرية ليبية" و"مدن عربية" وغيرها. ينفرد المعهد في موقفه الديموقراطي من التصوير الضوئي، اذ التظاهرات التشكيلية العربية اليوم لا تحتمل مساواته باللوحة والمنحوتة، ما يفسر عدم وجود أي متحف أو مجموعات اقتناء خاصة إلا في حدود التوثيق الأثري أو العلمي أو التاريخي. تقترن آلة "الفوتوغراف" في اللاوعي الجمعي بالمصور الشمسي الذي يخفي رأسه في ستائر الحجرة المظلمة، يصور أفراد العائلة في الهواء الطلق، لا يلتقطون أنفاسهم الا بعد ان يشير اليهم بانتهاء اللقطة. وترتبط هذه الصورة السكونية بصور الهوية الشخصية والاستدعاءات وقصر العدل، والألبومات التذكارية، ولم يستطع المتذوق العربي الخروج من صور نشوة الماضي الى ان حوصر بزحام الصور الاعلامية اليومية التي رسخت في لا وعيه استهلاكية الصورة، وصعوبة اعتبارها مادة تأملية تتجاوز رصدها للموصوف واليومي والعادي، ومن الغريب ان يرحب بشرعية الصورة المتحركة السينما ابداعياً، ويمتنع عن قبول الساكنة وهي معلقة في المعارض الى جانب اللوحة التشكيلية. انعكست هذه النظرة التعسفية على مبدعي فن التصوير الضوئي، ففي سورية مثلاً تحصن رواد هذا الفن في مواقعهم الوظيفية، مروان مسلماني في الآثار، وصباح قباني في السياحة واحسان عينتابي في الاعلان ومحمد الرومي في التوثيق. ستنال هذه النظرة التعسفية في لبنان من تقويم الفنان التشكيلي محمد الرواس بسبب اعتماده الصورة الفوتوغرافية، كما ستنال من صدقية تبصيمات العناصر الواقعية لدى السوداني عمر خليل، ويغلف الاهمال رائده مثل آمال عبدالنور لاستخدامها شبحية النسخ "بالفوتوكوبي". وعلى رغم التسليم بفن السينما فإن عروض منى حاطوم "بالفيديو"، على أصالتها، قوبلت بحذر كبير. تعاني الصورة الضوئية ما عانته قبلها فنون الحفر والطباعة من انتقاد قابليتها للتكرار، ولكن، من يدعي بأن "الندرة" تضمن أصالة التعبير؟ كما ان الصورة الفنية مثل المحفورة تعتمد على محدودية عدد النسخ وأمانة الترقيم. وعلى رغم ما يمثل "أرشيف الفوتو" في أوروبا من أكداس وثقافية هائلة فإنهم لم يخلطوا بين وظائفه النفعية والابداعية، فالقانون يحمي الحقوق وتكرست صالات كبرى للتسويق والعرض، وتخصصت مجلات بالتصوير الضوئي الفني، فتحاول مجلة "جيو" الواسعة الانتشار التوفيق، مثلاً بين الخصائص الجمالية في الصورة والتشويق المعرفي، تشكل الأولى شرطاً لاستمرار الطلب على أعدادها باعتبارها مجلة "فوتو" أكثر منها مجلة "تحقيق" مصور. وتلتحم مادة الصورة الضوئية في أوروبا بسياق تاريخ الفن المعاصر، منذ ان تظاهرت ضمن حركة الانطباعيين في نهاية القرن التاسع عشر، ليس فقط من خلال المصور نادار، وانما من خلال عمق تأثير هذا الاختراع على أساليب بعضهم من مثال إدغار ديفاس وأوتلريللو، فقد تعامل هؤلاء مع الوثيقة المصورة كبديل من الطبيعة، خصوصاً ان العدسة كشفت لأول مرة اسرار تشريح الاجساد المتحركة، من راقصات الى أحصنة، ومن موج الى تحولات الاضاءة. وقاد تواتر الصور المجزأة للحركة الى مناهج "المستقبلية" الايطالية، ولا يزال الفنان اليوغوسلافي فيليكوفيتش حتى اليوم يعتمد هذا التحليل في تعبيريته الحادة، مثله مثل استثمارات فرنسيس بيكون لصور الملاكمة وغيرها. ولعل أشدّ التيارات الفنية المعاصرة ولعاً باستخدام الصورة مدرسة "البوب" الاميركية - الانكليزية بصفتها الغذاء الاعلامي اليومي الذي يطبع سمات المدينة الصناعية، يقتصر شوك كلاوز، مثلاً، في لوحاته على تكبير صورة هوية وجه ممسوح الخصائص مأخوذ من ملفات الشرطة، بقياس عملاق، ويعيد آندي وارهول صورة وجه مارلين مونرو بالطباعة على الشاشة الحرير المتحولة الألوان، كما يستخدم هاملتون تقنية الصورة السالبة، اما اتجاه "الهيبيرياليزم" فهو تطرف في النسخ عن تفاصيل الصورة "الفوتوغرافية"، بحيث يتفوق في وهمه وصقله عليها. ولقد رفد فن التصوير الضوئي منذ بدايته الانطباعية خيال التشكيليين، بما قدمه من قزحيات لونية لم تكن معروفة لها علاقة بمصادفات الحوار بين السالب والموجب، ثم ما عرضه من صور مجهرية ومناظير فضائية. ويكفي ان نتابع اكتشاف الفنان كلود مونيه لخصائص اللون في تعيين زمن المشهد حتى ندرك ايحاءه غير المباشر في استخدامات "فلترات" التصوير التي تبدّل من اللون العام فتغير بالتالي من زمان اللقطة. لقد استعار "الفوتوغرافيون" عيون التشكيليين بتعاملهم مع الواقع.