على نحو أسئلة الروايات البوليسية" ولكن من غير قشعريرة القراءة ومع استفظاعٍ ورهبة حسيين، يُطرح السؤال على الأخبار الإيرانية: من قتل داريوش فُروهَر أو فوروهار وزوجته؟ ومن خطف مجيد شريف وقتله وألبسه بزة رياضية في تشييع عالم الدين بمشهد؟ ولولا أن القتلى الثلاثة، وهم معارضون وطنيون وليبراليون، قتلوا في إيران، حيث يرعى الأمن "الباسيج"، وهم شرطة أهليون أو ميليشيا بوليسية، لأنتظر صاحب السؤال الجواب من قوات الأمن الداخلي في خاتمة تحقيقاتها وتحرياتها، وقَرَن التحقيقات والتحريات بالأدلة المعلنة والمعروفة، وهي كل الأدلة في دولة حق وقانون. ولكن إجابات هذا النمط من الدول، أي من الأجهزة الحاكمة، عن هذا الضرب من الأسئلة، غالباً ما لا تشفي ولا تقنع. فلا مناص، والحال هذه، إلا التخمين أو الإستدلال على مثال "أدبي". فيُسأل: من في مستطاعه ارتكاب القتل؟ على من يعود القتل بالمنفعة؟ من يقدَّر على وجه الترجيح احتسابه التملص من الملاحقة والقصاص؟ وعلى هذا، أو شَبَهه، أجاب السيد أبو الحسن بني صدر، أول رئيس جمهورية و"ابن" روح الله خميني "الروحي"، بتحميل "موجة الإرهاب" في إيران الخامنئية التبعة عن القتل. والرد على التخمين والترجيح، حين هما الوسيلة إلى الإجابة، بمثلهما، أي بتخمين وترجيح نقيضين ومخالفين، متاح وجائز. فرد محسن آرمين، رئيس تحرير صحيفة "عصرما" "الحياة"، في 24 تشرين الثاني / نوفمبر، على أحد أنصار داريوش فُروهَر ومحازبيه، وعلى تهمته "المتشددين المتنفذين في النظام والأجهزة" بالقتل، بتعليل مضمر خالف تعليل النصير المحازب. فقال السيد آرمين إن فُروهَر كف عن النشاط السياسي، واقتصر على "مواقف المناسبات". فخسر القوة على إحراج "أي جناح أو طرف في النظام". ومن هذا شأنه، أو ضعف شأنه، بينما يتمتع المتشددون "بنفوذ قوي في الدولة" يغنيهم عن ارتكاب "عمليات عنف كهذه"، على ما يكتب رئيس التحرير، ليس أهلاً للقتل. ويفترض رئيس تحرير "عصرما" أن الأجنحة والأطراف النظامية، وأصحاب النفوذ القوي في الدولة والأجهزة، لا يأتون إلا الأفعال التي يضطرون إلى إتيانها وارتكابها. فهم، أصحاب الأجنحة والنفوذ والقوة، عقلانيون، على ما نَرْطن. فلا يرتكبون من العنف ولا يباشرون إلا ما يُلجأون إلى ارتكابه ومباشرته، ولا يبلغونه من طريق أخرى. وأما وداريوش فُروهَر أغناهم قعوده وسكوته وضعف شأنه عن جزائه معارضته بالقتل، هو وزوجه، فلا بد أن وراء قتله، على ما يومئ السيد محسن آرمين، من يرمي إلى إحراج "الدولة". وهؤلاء، الساعون في إحراج الدولة الخامنئية، أو الدولة الخاتمية، معروفون. وكان القتيل، شأن مجيد شريف، منهم. ولا ريب في أن أنصار فُروهَر، القلائل شارك ألفان في تشييع الرجل وزوجه إلى مثواهما وشارك خمسمئة ألف في تمارين تعبئة الأمن الداخلي، منهم. فإذا استحال، في العقل والمنطق، اغتيال أهل النفوذ والقوة، رجلاً على هذا القدر من الضآلة، على قول واحد منهم، وتحقق قتل الرجل، لم يبق إلا أحد أمرين: فإما قُتل القتيل في سطو وسرقة، أو في عمل "مشين" وحمل المعارضة السياسية، أو معارضة الرأي، على الشائنة الخلقية، أو المرض العقلي والنفسي، يستظهر بسوابق كثيرة، وإما قتل نفسه، أو أوعز إلى أنصاره بقتله إحراجاً لأهل النفوذ القوي في "الدولة". وحين تذهب الشرطة إلى ترجيح "فرضية تصفية حسابات شخصية" باعثاً على الجريمة، والشرطة لا تستدل على ترجيحها هذا إلا بإلفة المقتولين قاتلهما أو قَتَلتهما - وقاتل شهبور بختيار بباريس كان أليفه وموظف استخبارات إيرانياً، في آن - فهي تستبق التحقيق. ويستبق السيد آرمين التحقيق كذلك حين يسد الباب على تورط أهل النفوذ القوي في الدولة، وعلى افتراضه. فلا يبقى إلا اعتقال المشيعين وتقريرهم اغتيال صاحبهم رجاءَ رمي "الدولة" القوية والمتمكنة بالتهمة. فيردد أهل النفوذ في الدولة الخمينية - الخامنئية صدى سؤال قديم يقرأونه في بعض كتبهم: "أنحن قتلناه؟ إنما قتله أصحابه الذين أتوا به...". * كاتب لبناني.