وراء إعلان نيسان موتور كومباني حديثاً إطلاق خمس قواعد جديدة لموديلات سياراتها السياحية خلال السنوات السبع المقبلة، مؤشّر واضح على توجهاتها في المدى المنظور. صحيح أن الماركة لم تحتفظ بموقعها في المرتبة الثانية بين صانعي اليابان وراء تويوتا لولا شعبية موديلاتها، لا في اليابان وحده بل أيضاً في أميركا الشمالية ستبيع هناك بين 600 و650 ألف وحدة في السنة الجارية وأوروبا التي لا تزال نيسان أقوى الماركات اليابانية فيها منذ 1975 باعت فيها 459293 وحدة في الأشهر العشرة الأولى من السنة الجارية، إضافة الى مناطق أخرى في العالم ومنها الشرق الأوسط. لكن الصحيح أيضاً هو أن الصانع الياباني عانى في السنوات القليلة الماضية سلبيات تكاثر القواعد والموديلات والفئات التي أثقلَت تنظيمه منذ مراحل تصميم تنويعات كثيرة لمنتجات قريبة من بعضها، الى إنتاجها وتوزيعها وتخزين قطع غيارها، بكل ما يتطلّبه ذلك من طاقات بشرية وآلات ومساحات تخزين لإستيعاب تلك التنوّعات كلها. وفي الواقع، مضت سنوات ونيسان تتحدّث عن معالجة "تخمة" الموديلات والفئات لديها. وهي بدأت بذلك فعلاً، لكن تغييرات بهذا العمق تتطلّب بعض الوقت، وتحديداً، فهي تتطلّب تمضية الموديلات الحالية حلقة عمرها قبل إعتماد التغييرات من أساس تصميم الأجيال التالية من موديلاتها. وهو أمر يبدأ من حلقات التصميم لدى نيسان ذاتها ولدى مورّدي القطع التابعين لها أو الذين تتعامل معهم، مروراً بتعديلات آلات التصنيع المختلفة وإعداد الطواقم البشرية، وصولاً الى إعداد التوزيع فالتسويق حتى الحلقة الأخيرة التي لا تتمثّل بإنتقال المفتاح من يد البائع الى الزبون، بل بتوافر القطعة الملائمة في الوقت المطلوب وفي يد الميكانيكي المؤهّل لمهمات الصيانة أو الإصلاح. التجديد رقمياً، سيعني مشروع نيسان الجديد خلال السنوات السبع المقبلة، الإستعاضة عن القواعد ال25 المعتمدة حتى الآن في موديلات الصانع، بخمس قواعد تحل محلّها تدريجاً، مع الإشارة الى أن خفض عدد القواعد لا يعني إطلاقاً خفض عدد الموديلات وقد يعني زيادتها أحياناً، كما حصل لدى مجموعتَي فولكسفاغن وفيات وغيرهما، بل زيادة إعتماد القاعدة الواحدة لموديلات عدّة وغير محكومة بأي "توأمة" شكلية. ليست فكرة القواعد المشتركة بجديدة. فكثير من الصانعين خصوصاً الأميركيين إعتمد منذ عقود وعقود قواعد مشتركة لموديلات تحمل تسميات ماركات مختلفة تابعة للصانع ذاته. لكن المستهلك كان أحياناً كثيرة يشعر بالتشابه في وجوه كثيرة من الأداء أو من الشكل الخارجي أو الداخلي وصولاً أحياناً كثيرة الى تشابه وسائل التحكّْم الأزرار وما شابه. في الوقت ذاته، لا يمكن إعتبار القواعد المشتركة اليوم مجرّد موديل واحد و"مبرّج" بأشكال مختلفة، لأن تقنيات الإنتاج العصرية تسمح بتطوير قاعدة مشتركة قابلة للإطالة والتقصير، أو للتعريض أو التضييق مثل هوندا "أكورد" في صيغها الأميركية والأوروبية واليابانية المتباينة العرض. هنا أيضاً، ليس إمكان تعديل المقاييس بجديد، لكنه أصبح متاحاً بكلفة أدنى من التي كانت مطلوبة في الماضي. فتلك الكلفة إرتفعت غالباً الى حدود ظلت تبرر إنتاج قاعدة مختلفة ولو لموديل قريب. وكانت صعوبات تعديل المقاييس تتمثّل خصوصاً في تعديل طول قاعدة العجلات وهي تحدد الى حد ما المساحة المتاحة للمقصورة، أو مواضع تثبيت نظام التعليق والمحاور وهي تغييرات تفرض مراجعة الحسابات الهندسية للمحافظة على السلوك المطلوب حسب توجه الموديل. لذلك يعود فضل كبير في خفض نفقات تلك التعديلات، لا الى مصممي القواعد وحدهم، بل خصوصاً الى صانعي المعادن وآلات التصنيع مكابس ألواح الفولاذ وغيرها الذين مكّنوا صانعي السيارات من بلوغ تلك المرونة الإنتاجية التي لا تخفض كلفة التعديلات فحسب، بل تسمح خصوصاً بتنفيذها بمعادن متباينة القسوة واللين والسماكة في القطعة ذاتها، حسب أهمية الضغوط المفروضة على كل من جوانب القطعة ذاتها. فوق ذلك، لا بد من التذكير بأن مفهوم القاعدة المشتركة يتخطى أساس الهيكلية المعدنية الداخلية، بالأرضية ومواضع تثبيت التعليق والمحرّك والعلبة، ليشمل العناصر الأخيرة أيضاً عائلات محرّكات وعلب معيّنة لكل مجموعة موديلات مع غيرها من العناصر غير المرئية مثل خزان الوقود، سواعد التعليق، نظام اللف، الأجهزة الإلكترونية. فتلك العناصر تشكل ما يُسمى بالقاعدة المشتركة بين موديلات عدة، علماً بأن تحديد القاعدة المشتركة يتباين ضمن حدود معيّنة بين صانع وآخر. الفوائد تتوقّع نيسان من مشروعها عصر ما لا يقل عن نصف بليون دولار، وتقليص مهلة تطوير الموديل من معدّل 30 شهراً الى نحو 19 شهراً. طبعاً، في تقليص عدد القواعد سبب بديهي يقلّص مهل التطوير تلقائياً... لأن عناصر كثيرة ستُصمم مرّة واحدة لعدد من الموديلات، ما يخفّض حكماً مهل التطوير. فوق هذا، يكفي تصوّر إنعكاسات زيادة عدد العناصر المشتركة بين الموديلات، على مستودعات تخزين القطع لدى موزّعي نيسان في العالم لإدراك المبالغ الممكن توفيرها في الشحن ومساحات التخزين، وكميّات القطع، وأنظمة حفظ سجلات مخزون المستودعات... إضافة الى تقليص إحتمالات الخطأ في تسليم الطلبيات والتركيب. البداية ونزلت في اليابان الشهر الماضي أولى قواعد نيسان الخمس المذكورة، مع الجيل الجديد من موديل "ساني" تنزل عموماً موديلات اليابانيين في بلادهم أولاً، ثم يبدأ تصديرها لاحقاً، وهي مسمّاة قاعدة "إم/إس" Medium/Small platform. تلك القاعدة وحدها ستكون نواة ما لا يقل عن عشرة موديلات مقبلة أو تنويعات هيكلية ستنتج بمعدّل 2.1 مليون وحدة سنوياً. ومن التطبيقات المقبلة لقاعدة "إم/إس" الجيل التالي من موديل "ألميرا" المتوسط-الصغير C segment الذي سيُنتج 2000 أيضاً في مصنع نيسان الإنكليزي في ساندرلاند أكثر مصانع أوروبا فاعلية في إنتاجيته، حسب إحدى الدراسات المستقلة. وتنتج نيسان أيضاً "سيرينا" و"تيرانو 2" وعدداً من الموديلات الخدماتية في إسبانيا، وموديلاً آخر سيُنتج 2000 في حلّة مينيفان متوسط-صغير مثل رينو "سينيك". ولن تتوقف قاعدة "إم/إس" عند هذا الحد بل ستُعتمد، معدّلة طبعاً، لإنتاج الجيل المقبل من موديل "بريميرا" المتوسط-الكبير D segment بعد العام 2000. وستوفّر قاعدة "إم/إس" وحدها على نيسان نحو 150 مليون دولار عالمياً. أما القواعد الأربع الأخرى فستكون ثلاث منها بدفع أمامي مثل "إم/إس" وتخصص إحداها لقطاع السيارات الصغيرة B segment، قطاع "مايكرا" الحالية، وأخرى للسيارات الأصغر منها مثل فولكسفاغن "لوبو"، ثم أخرى للموديلات المتوسطة الى الكبيرة الحجم. أما القاعدة الخامسة فستكون بدفع خلفي وتخصص للموديلات الفخمة التوجه خصوصاً لماركة "إنفينيتي". التكنولوجيا من جهة أخرى، يُذكر أن نيسان ستُطلق في الصيف المقبل في اليابان أولاً نظام ضبط أوتوماتيكي للسرعة والمسافة. والنظام مبني على مبدأ مشابه لنظام "ديسترونيك" الذي أطلقته مرسيدس-بنز حديثاً في الجيل الجديد من "إس كلاس"، ويرصد بواسطة رادار صغير مركّب في المقدّم، تحت شَبَك التهوئة المسافة الفاصلة عن أي سيارة أو حاجز أمامي، فتتدخّل المكابح بتخفيف السرعة عند الإقتراب أكثر من المدى المرغوب به حسب إختيار السائق مسبقاً، أو تزيد بخ الوقود عند الإبتعاد عن السيارة المتقدّمة لإستعادة السرعة المرغوب بها.