شكك كثيرون أوائل التسعينات في إستمرار شركة بورشه، أو على الأقل في بقائها مستقلة خلافاً لماركات رياضية كثيرة "إبتلعتها" شركات كبيرة، ليس أقلّها أستون مارتن وجاغوار اللتين إشترتهما فورد في 1987 و1990 على التوالي. وكيف لا يشكك المرء وإنتاج الشركة تهاوى من أوجه الذي ناهز 50 ألف سيارة في 1986 بيع أكثر من نصفها في الولاياتالمتحدة، الى حضيض 15082 سيارة في السنة المالية 92-93 منها 12483 سيارة بورشه و2599 سيارة أنتجتها بورشه لماركات ألمانية أخرى؟ فمشكلة بورشه الأساسية لم تنحصر في انهيار البورصات العالمية العام 1987 وشكّل سماسرة البورصة نسبة مهمة من زبائن الماركة التي يرمز إقتناء سياراتها الى النجاح المالي-الإجتماعي، ثم الركود الإقتصادي العالمي أوائل التسعينات، بل خصوصاً في تركّز معظم مبيعاتها على موديل "911". وخلافاً لماركات كثيرة أطلقت موديلات رياضية لا تقل قوة عن موديلات بورشه، ليست لدى بورشه موديلات عمومية التوجّه لترتكز عليها عند تراجع مبيعات السيارات الرياضية. لم تكن في يد بورشه غير ورقة واحدة إسمها "911". عنصر التغيير تلك كانت المشكلة التي سدد فندلن فيدكينغ، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي منذ آب أغسطس 1993، سهمه في إتجاهها تحديداً. فالرئيس الجديد إنضم الى بورشه أ. جي. خريف 1991 لم يشاطر سلفه أرنو بون 1990-1993 وجهة النظر القائلة بأن مشكلة بورشه هي في تراجع سوق السيارات الرياضية وحدها، أو في الركود الإقتصادي، أو بأن الحل هو في دخول قطاع سيارات الصالون، بل وجّه نظره الى الداخل فأعاد النظر في أسس طريقة إنتاج الشركة نفسها، وقلب مقاييس كثيرة حتى التعاون مع الخبيرين اليابانيين يوشيكي إيواتا Yoshiki Iwata وشيهيرو ناكاو Chihiro Nakao من مجموعة شينجيجوتسو Shingijutsu الإستشارية، لتطبيق تقنيات "التحسين الجذري" "Radical Improvement"، أو كايكاكو Kaikaku باليابانية، قبل التحسين الكمّي المتواصل Continuous incremental improvement، أو كايزن Kaizen باليابانية لتسهيل أسلوب الإنتاج لدى بورشه نفسها ولدى مورّدي القطع إليها على حد سواء. والنقطة الأخيرة مهمة جداً لصانع يعتمد، مثل بورشه، على مورّدين خارجيين لإنتاج نسبة عالية من مركّبات سياراته نحو 80 في المئة اليوم. ومنذ تلك الأيام فاوضت بورشه مورّدي القطع لحصر عددهم تدريجاً من 950 مصدراً في 1993 الى نحو 300 في السنة الماضية، وزيادة تعاملها مع الباقين، وتوفير هؤلاء عدد من القطع في مجموعات أنظمة متكاملة ومركّبة سلفاً مثل أنظمة التعليق قبل وصولها الى مصنع زوفنهاوسن، عوضاً عن جمعها هناك. الإنتاجية وعاد فيدكينغ ومساعدوه الى "ألف باء" إنتاج بورشه من أساسه، ففنّدوه خطوة خطوة ومرحلة مرحلة، من تصميم الموديلات يتقاسم مثلاً موديل "911" الجديد نحو 40 في المئة من قطعه مع "بوكستر" المشتق عن القاعدة ذاتها الى المصنع نفسه ومورّدي القطع، وأعادوا تخطيط الإنتاج من الصفر. النتائج؟ من معدّل إنتاج 55 سيارة "911 كاريرا" يومياً الجيل السابق المعروف برمز "993" أوائل 1994، إرتفع الرقم الى 72 وحدة في آذار مارس 1994، وواصل تحسّنه ليصل حالياً الى 158 سيارة في اليوم بين "بوكستر" و"911" الجديد المعروف برمز "996"، مع خفض عدد العمّال في مرحلة أولى، ومفاوضة زيادة ساعات الدوام من 7 الى 8 ساعات/يوم لطاقمَي العمل. فقد ضاعف فيدكينغ فاعلية الإنتاجية بخفض عدد موظّفي مجموعة بورشه في البداية من نحو 8600 عامل أوائل 1993، الى 7133 عاملاً في نهاية السنة المالية الأولى تمتد السنة المالية لدى بورشه من 1 آب/أغسطس الى 31 تموز/يوليو لتسلّم مسؤولياته، ليصل الى أدناه في 1994-1995 6847 موظفاً، قبل أن يعود الى النمو مع زيادة الإنتاج في 95-1996، ثم بنسبة 12$ في 1996-1997. وبلغ الإنتاج في السنة المالية الأخيرة 32390 وحدة بزيادة 60$ عن 1995-1996، مع 3562 عاملاً في الإنتاج من أصل 7008 عمال لدى بورشه أ.جي، و7959 عاملاً في المجموعة ككل ما يعادل 09.9 سيارة/عامل. وللمقارنة يذكر أن مصنع زوفنهاوسن سجّل آخر أفضل أرقامه الإنتاجية في سنة 1989-1990، بإنتاج 22955 وحدة مع 4658 عاملاً أو 92.4 سيارة/عامل. الأرباح بعد تسجيل مجموعة بورشه أكبر خسائرها في السنة الضريبية 1992-1993 ومقدارها الصافي 8.238 مليون مارك 2.136 مليون دولار بقيمة الدولار آنذاك، بدأت رحلة التحسّن منذ السنة المالية التالية ليصل الربح الصافي في الأخيرة الى 4.139 مليون مارك نحو 77 مليون دولار بقيمة اليوم، لا بفضل زيادة الإنتاج فحسب، بل خصوصاً بفضل زيادة الإنتاجية وإضافة موديل "بوكستر" في 1996. أما أرباح بورشه أ. جي. منتجة السيارات فقد إرتفعت بنسبة 4.176 في المئة، من 2.43 مليون مارك في 1995-1996 الى 4.119 مليون مارك في السنة المالية الأخيرة، ما يشير الى بلوغ أرباح المجموعة من نشاطاتها الأخرى معظمها الأبحاث الإستشارية لصانعين آخرين نحو 20 مليون مارك، أو 4.14$ من مجموع الأرباح. ويُذكر أن بورشه أ جي تواصل في الوقت ذاته توسيع شبكاتها في العالم، فزادت حصّتها الى 100$ في شبكات الولاياتالمتحدة وإيطاليا وإسبانيا وأخيراً في اليابان، كما تنوي تأسيس مراكز جديدة أخرى، منها واحد إقليمي في دبي لتغطية الشرق الأوسط حيث إزدادت المبيعات في السنة المالية الأخيرة بنسبة 67 في المئة لتبلغ 250 سيارة. العائدات وتوزّعت عائدات المجموعة التي إرتفعت الى 1.4 بليون مارك ألماني في 1996-1997 بنسبة 6.45$ عن 1995-1996، بنسبة 1.32$ في ألمانيا 2.1314 بليون و9.67$ في الخارج. ومن الناحية الجغرافية توزّعت مبيعات الشركة من السيارات في السنة المالية الماضية بنسب 40$ في الولاياتالمتحدة 12858 و30$ في ألمانيا و30$ في الأسواق المتبقية 36$ و31$ و33$ على التوالي في 1995-1996. ويُذكر أن نحو 400 مليون مارك من عائدات المجموعة البالغة ال1.4 بليون مارك تعود الى دمج الفرعين الأميركي الشمالي والإسباني في حسابات المجموعة. ومن دونها، تكون العائدات إرتفعت 31 في المئة عوضاً عن ال6.45$. أما عائدات بورشه أ. جي. نفسها منتجة السيارات فقد إرتفعت في السنة المالية الأخيرة الى 147.3 بليون مارك من 427.2 بليون، بنسبة 6.29 في المئة، لتبلغ عائدات المجموعة من نشاطاتها الأخرى معظمها الخدمات المالية والأبحاث الإستشارية نحو ربع مجموع العائدات. ولدى مقارنة نسبة عائدات بورشه أ. جي وأرباحها مع مجموع عائدات مجموعة بورشه وأرباحها، يتضح مدى تقدّم مربوحية إنتاج السيارات في حد ذاتها: فبينما تحصّل بورشه أ. جي 2.75 في المئة من مجموع عائدات مجموعة بورشه ككل، فهي تحصّل في المقابل 6.85 في المئة من الأرباح الصافية في تلك المجموعة. وتضم نشاطات المجموعة أيضاً الأبحاث الإستشارية لصانعين آخرين للهياكل والمحرّكات والأيرودينامية. وتشارك مثلاً شركة "بورشه للخدمات الهندسية"، عبر فرعها في تروي في الولاياتالمتحدة "بورشه للخدمات الهندسية إنكوربورايشن" في برنامج أبحاث "الهيكل الفولاذي الفائق الخفة للسيارات" ULSAB, Ultra Light Steel Auto Body، والذي يشكّل رد فعل صناعة الفولاذ على تقدّم حصة الألومينيوم في صناعة السيارات. ويذكر أن نحو 40 في المئة من زبائن بورشه في ألمانيا إشتروا سياراتهم بالتقسيط عبر شركة "بورشه للخدمات المالية"، بينما يبلغ المعدّل نحو 20 في المئة في صناعة السيارات عموماً ليس معدّل التقسيط في حد ذاته، بل التقسيط من شركة تابعة للصانع نفسه. الواقعية ولا يبدو أن النجاح نال من واقعية فيدكينغ. فعلى الرغم من قوّة الإقبال على موديلَي الماركة الألمانية الحاليين، فضّل المسؤول البالغ من العمر 46 عاماً تلبية الطلب على "بوكستر" بالإتفاق مع شركة فالمت الفنلندية لتجميع نحو 5000 وحدة سنوياً في فنلندا إبتداء من أيلول/سبتمبر الماضي، عوضاً عن توسيع الطاقات الإنتاجية في زوفنهاوسن ينتج في أقصى طاقته أو فتح مصنع جديد على الأقل حتى الآن. وهي طريقة ذكية لزيادة الإنتاج من دون إنفاق مبالغ ورواتب إضافية ضخمة، بينما أوجدت 120 وظيفة جديدة في زوفنهاوسن نفسها وما لا يقل عن نحو 1100 وظيفة جديدة لدى مورّدي القطع لبورشه. وفي النظر الى مضي بورشه الى إنتاج 38 ألف سيارة في السنة المالية الجارية، وإتخاذ قرارها الربيع المقبل في شأن إنتاج الموديل الرباعي الدفع الذي سيوسّع عروضها أكثر وأكثر وهو المشروع الذي كان سيتم مع مرسيدس-بنز على أساس "إم كلاس" قبل أن تغيّر الأخيرة رأيها في آذار/مارس الماضي، سيتوجّب على الشركة إيجاد مواقع إنتاجية جديدة، ما قد يبرر الأخبار المتداولة من وقت الى آخر عن إمكان إتفاق بورشه مع صانع أميركي، أو ألماني مثل مجموعة فولكسفاغن، لإنتاج الموديل معه، فتحتفظ بورشه بفئات خاصة تميّزها. وفي تلك الحالة يمكن لبورشه الإكتفاء بقاعدة عمّالية محدودة العدد، نظراً الى إمكان الإعتماد على مصانع الشريك الإنتاجي الصانع الآخر لتصنيع المركّبات الهيكلية الأساسية بكلفة متدنية، نسبة الى ضخامة حجم إنتاجه أساساً إن كان مثل مجموعة فولكسفاغن مثلاً، لتسويق الموديل تحت ماركتَي آودي وبورشه كما ورد في بعض التكهّنات الصناعية.