نشرت صحيفة "الحياة" في عددها الصادر يوم الأربعاء 25 تشرين الثاني نوفمبر 1998 مقالاً بقلم الشاعر الصديق عبده وازن تحت عنوان "كتاب وجريدة" تطرق فيه الكاتب الى انسحاب صحيفة النهار من "كتاب في جريدة" ومعنى ذلك وانعكاساته. وأملاً في اكتمال الصورة وسعياً لإيضاح بعض النقاط المهمة في علاقة "النهار" من جهة بالمشروع ولإلقاء المزيد من الضوء على المعنى العام والأهداف التي يعمل بموجبها "كتاب في جريدة" من جهة أخرى صار من الضروري أن يعرف قارىء "الحياة" والقارىء العربي وهو المعنيُّ الأول بهذا العمل بعض الحقائق التي لا بد من الإطلاع عليها للأمانة الأدبية والتأريخية. كانت صحيفة "النهار" ممثلة بالأستاذ غسان تويني من الصحف السبّاقة التي دعمت المشروع وتحمست له، وقد ساهم الأستاذ تويني شخصياً باختيار بيروت عاصمة لانطلاق "كتاب في جريدة". واليوم وبعد انقضاء عام على إنجاح انطلاقة المشروع تنسحب "النهار" لأسباب لم تصلني في رسالة الاعتذار الرسمية. ولكنني يمكن أن أتلمّس هذه الأسباب بعد اللقاء والحوار الذي جمعني مع بعض الأدباء المسؤولين في الصحيفة حيث كان واضحاً أن هناك خلافاً حاداً داخل الصحيفة بشأن اختيارات المؤلفات التي ننشرها وهذا ما يؤكده الأخ عبده وازن في مقاله. وهنا أود أن أوضح شيئاً مهماً في مسألة المؤلفات ورأي "النهار". في الواقع ان الصيغة المثلى التي عملت بها اليونسكو - ولا أعرف أخرى أفضل منها - لاختيار الدورة الأولى من المؤلفات وعددها 24 مؤلفاً هي الصيغة الديموقراطية بين كل الأطراف العربية التي تمثلت بعقد مؤتمر في أبو ظبي في 27 شباط فبراير 1996 بدعوة من صحيفة "الاتحاد" الضبيانية لغرض اختيار قائمة المؤلفات. وقد دُعي الى هذا المؤتمر كل رؤساء تحرير الصحف العربية الشريكة بالإضافة الى هيئة من الأدباء العرب ممثلة ب"أدونيس، درويش، جابر عصفور، محمد الغذامي، عبدالعزيز المقالح، لطفي الخولي... إلخ"، وقد اتفق من حضر من المؤتمرين وعددهم 35 شخصاً من الإعلاميين والأدباء على القائمة التي نشرناها في أكثر من مناسبة، بعد أن حظيت بالإجماع وسميّت ب"قائمة الاتحاد". وأقول "مَنْ حضر" لأن "النهار" لم تحضر ولم يمثل لبنان أي شخص في هذا المؤتمر. وبعد صدور القائمة أُرسلت بالطبع نسخة منها الى "النهار" ونُشرت في الصحف، وقد لقيت هذه القائمة قبول وموافقة المسؤولين في "النهار" في ذلك الحين ونشرت الصحيفة نصفَ الكُتب المقرّة في هذه القائمة من دون أية مشكلة. ما الذي حدث في النهار لكي تنتبه الى اعتراضات على القائمة الآن؟ وهل يمكن الاعتراض بعد الإقرار والنشر؟ ثم ألم يكن من الأجدر حضور المؤتمر وإقناع المؤتمرين بوجهة نظر "النهار" أو الانسحاب فوراً وعدم قبول القائمة؟ فقد أخبرت الأخوة المسؤولين في "النهار" أن هذه الدورة موشكة على الانتهاء وأنهم مدّعون بحماسة للمشاركة بمن يشاوون من الشخصيات بالإضافة الى وزارة الثقافة والتعليم العالي كممثل لبيروت عاصمة المشروع وعاصمة اليونسكو الثقافية لعام 1999 في المؤتمر الذي سيعقد في أوائل العام المقبل في القاهرة لكي يساهموا مع أشقائهم الشركاء العرب في اختيار المؤلفات الجديدة استفادةً من التجربة الأولى وأغناءً لمسيرة العمل المشترك. وقد فوجئتُ بأن الرد على مقترحي هذا هو الإنسحاب من المشروع. لا تعليق لي إلا أن يطلع القراء والمعنيون العرب على هذه الحقائق، كما لا بد لي من الإشارة الى أن "النهار" حتى وإن خرجت عن المشروع فهي تظل رفيقة الخطوات الأولى وأن صاحبها الأستاذ غسان تويني ساهم بحماسة كبيرة في إنجاح هذا المشروع وفي أن تكون بيروت عاصمة له. أما مسألة الانسحاب فإنها أمر خاص ب"النهار" ونحن نحترم سيادة الصحف الشريكة معنا ونشكر لها ما تقدّمه لنا في إطار التعاون وقد حدث في التجربة الإسبانية التي دامت خمس سنوات ان تغيّرت الصحف في البلد الواحد، وسأكون منفتحاً لكل مبادرة من قبل "النهار" أو من أية صحيفة لبنانية أخرى لبحث الأسباب التي دفعت الصحيفة للإنسحاب إيماناً بالحوار المشترك والتفاهم الأخوي. لكي لا يُحرم القارىء اللبناني من الإفادة من الكتب التي نهديها الى قرائنا ولكي لا يظل كرسي لبنان شاغراً وبيروت تستعد لتكون عاصمة اليونسكو الثقافية لعام 1999. هذا فيما يخص اشتراك "النهار" أما عن فكرة المشروع والآراء التي طرحها الأخ عبده وازن حول "نشر بعض الكتب المتوفرة والمنتشرة أصلاً بين القراء" فلا بدّ لي إيضاح ما يلي: لقد طُرح هذا التساؤل أكثر من مرة ورددت في أكثر من صحيفة عربية حول هذا السؤال الذي غالباً ما يتبادر الى ذهن النخبة الثقافية واضطررت إيماناً مني بأهمية إيضاح هذا الجانب الى نشر ذلك على الصفحة الثانية من كل ملحق ل"كتاب في جريدة" منذ سبعة أشهر، والحقيقة هي: إنني أتفق كلياً مع الأستاذ عبده وازن وكل من طرح هذا السؤال ان "القراء الحقيقيين" كما يسميهم الكاتب ليسوا بحاجة الى قراءة المتنبي ولا نجيب محفوظ ولا السيّاب ولا ونّوس... إلخ. ولكننا - يا صديقي - لا نريد أن نثقفَ المثقفين العرب. ليس هدف المشروع أن تحصل النخبة الثقافية على ما حصلت عليه وإلا لماذا سميت بالنُخبة؟