في 15 تشرين الثاني نوفمبر الماضي ألقى الرئيس بيل كلينتون خطاباً شدد فيه على "ان افضل طريق للتخلص من خطر صدام هو من خلال دعم اقامة حكومة جديدة ونحن سوف نعمل نحو تحقيق هذا الهدف، وهذه الحكومة ينبغي ان تحترم شعبها وجيرانها". وجاء هذا الخطاب عشية توقيعه عل "قانون تحرير العراق" الذي اصدره الكونغرس قبل ذلك ببضعة اسابيع ويقضي ب "العمل على استبدال نظام صدام بنظام اكثر سلمية مع شعبه وجيرانه". وشكل هذا الموقف بشأن القضية العراقية بداية تحول من مفهوم الاحتواء التي اتبعتها الولاياتالمتحدة منذ حرب الخليج الى سياسة اسقاط النظام لضمان عودة الاستقرار الى المنطقة. ويشكل هذا الموقف من الادارة سابقة جديدة في السياسة الخارجية الاميركية. ضمن هذا السياق جاءت اللقاءات والاجتماعات التي عقدتها المعارضة العراقية مع وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني دريك فاتشيت ومساعد وزيرة الخارجية الاميركي مارتن انديك في 23 و24/11/1998 في مقر وزارة الخارجية البريطانية والسفارة الاميركية في لندن. أثارت هذه اللقاءات ردود فعل متباينة، ففريق يرى فيها بداية تحول في الموقف الاميركي - البريطاني تجاه نظام صدام، وفريق آخر يعتبرها مؤامرة على القضية والشعب العراقي. والامر ليس هذا ولا ذاك. ان من حق المواطن العربي عموماً والعراقي خصوصاً ان يطلع على حقيقة ما جرى في هذه الاجتماعات وما دار فيها ومن اجل اطلاع الرأي العام العربي والعراقي اثبت ابرز القضايا، وبالنص على لسان اصحابها، التي جرى طرحها في اللقاءات مع ممثلي الحكومتين الاميركية والبريطانية. الوزير فاتشيت اللقاء الأول في يوم 23/11/1998 بين الساعة 11 صباحاً والساعة الواحدة بعد الظهر في مقر وزارة الخارجية البريطانية مع وزير الدولة للشؤون الخارجية ومساعديه وحضره 15 عراقياً من مختلف الاحزاب والتنظيمات والتيارات السياسية. وبدأ الوزير بالترحيب وقال: "ان العراق يمر الآن بمرحلة مفترق طرق وهي مرحلة خطيرة ومهمة". وأضاف: "ان صدام بعد تراجعه في الاسبوع الماضي عندما سمح للمفتشين الدوليين وتنازله للحلفاء في هذا الاسبوع عندما اعطى بعض الوثائق اصبح محصوراً في قفص ويشعر بالضعف داخلياً وعربياً ودولياً". وأردف: "صدام قدم التزامات وتعهدات للمجتمع الدولي ونحن عندنا التزامات وسوف نضرب الدائرة الداخلية والحلقة الأساسية التي يعتمد عليها النظام اذا خرق اي تعهد قدمه الى الأممالمتحدة". وأضاف: "نريد ان نعمل معكم لانقاذ العراق. نحن لا نختار قيادة للعراق ولكن نريد مساعدتكم لانقاذ شعبكم". وعن فعالية المعارضة قال: "ينبغي على المعارضة ان توصل رسالتها الى العالم واضحة وصريحة من اجل فضح نظام صدام". وعن مستقبل العراق والبديل السياسي قال: "ينبغي ان تكون لديكم رؤية واضحة عن عراق المستقبل. وإذا لم نستطع ان ننجح في هذا فلا نستطيع ان ندعي اننا احسن من صدام وسوف نكون سياسيين فاشلين". وعن الترويج الاعلامي للمعارضة قال: "ينبغي ان توصلوا رسالتكم الى العالم واضحة وصريحة من اجل كشف الاعيب صدام". وأردف: "ينبغي عليكم ان تثبتوا للصحافة العالمية انكم موحدون من اجل ان يُقبل عليكم العالم". وعن الاختلافات في داخل المعارضة قال الوزير: "انا افهم اختلافاتكم الايديولوجية، الوحدة الكاملة لا يمكن تحقيقها في الحياة الدنيا، الوحدة والتطابق الكامل في الرأي لا يوجدان الا في المقابر لكن ينبغي ان لا تكونوا اسرى اختلافاتكم الفكرية والسياسية". وبعد ان انتهى الوزير البريطاني من حديثه الأول بدأت جولة من الاحاديث قال بها العراقيون وثبتوا مجموعة من الأسس التي يتفقون عليها ومنها: ان مهمة تغيير النظام هي شأن عراقي بحت وسوف يضطلع بها الشعب الى الجيش العراقي وقواه الوطنية. النظام البديل في العراق ينبغي ان يقوم على اسس برلمانية ودستورية وتعددية وتداولية يختاره الشعب العراقي ولا يفرض عليه. استقلال القرار العراقي وإبعاده عن أي تأثير خارجي. اعطاء الأهمية القصوى لعمل الداخل واعتبار عمل الخارج عملاً سياسياً، اعلامياً ومعنوياً يساند عمل الجيش والشعب والقوى الوطنية في الداخل. الترحيب من قبل المعارضة العراقية بالموقف البريطاني الجديد. عاد الوزير البريطاني للحديث ليقول: "نحن نتوقع منكم العمل وبجدية في حملة ادانة صدام انرايت والاستفادة من "اذاعة العراق الحر"". وعن خطورة الموقف السياسي في هذه المرحلة قال: "ايها السادة ان الاحداث تجري بسرعة فائقة وينبغي عليكم ان تكونوا في مستوى الند لصدام وماكنته السياسية والاعلامية". وعن العمل سوية قال: "نأمل ان نعمل سوية لتحقيق هدف مشترك، الا وهو استبدال النظام بنظام افضل". وأردف: "من اجل تأكيد خطورة المرحلة نعيش الآن في مرحلة حاسمة وحساسة في تاريخ العراق يمكن ان تصيغ مستقبل العراق لسنين عديدة قادمة بألوانها". وعن تشكيل اطار للمعارضة العراقية قال: "ان بريطانيا سوف لا تفرض عليكم أية منظمة او صيغة او تشكيلة انما هي ارادتكم الحرة". وعن اللقاء المرتقب مع انديك قال: "سوف تلتقون غداً بالسيد مارتن انديك وسوف يؤكد لكم السياسة الاميركية الجديدة". بعد ذلك انفض الاجتماع وأُبلغ الحضور بموعد ومكان الاجتماع المقبل مع مساعد وزيرة الخارجية. وخرج المجتمعون وأدلوا بتصريحاتهم الى مندوبي الاعلام والاذاعة والتلفزيون. اللقاء مع انديك تم اللقاء الثاني في اليوم التالي من الساعة السادسة والنصف الى الساعة العاشرة والنصف تخللها استراحة نصف ساعة في السفارة الاميركية في لندن. وحضر اللقاء مع انديك ومساعديه 18 معارضاً من مختلف تيارات المعارضة العراقية، وبدأ - بعد الترحيب - المساعد بالحديث قائلاً: "ان هناك سياسة جديدة للولايات المتحدة تجاه العراق... وهذه السياسة وصفها الرئيس كلينتون في خطابه في 15/11/1998 ومثبتة بشكل واضح وصريح على شكل قانون تحرير العراق 1998". وأردف: "الرئيس كلينتون قال: ان الطريق الوحيد لازالة خطر صدام هو من خلال العمل على اقامة حكومة جديدة يستحقها الشعب العراقي. وهذا هو سبب مجيئي الى هنا، من اجل ان نعمل سوية من اجل انجاز هذا الهدف المشترك". وعن مساعدة المعارضة قال: "نريد مساعدتكم ولا نريد ان نفرض عليكم أية صيغة او مجموعة او قيادة". وأضاف: "ان مهمة انجاز هذا الهدف المشترك هو شأن عراقي وهو شأنكم ولا نتدخل به انما دورنا هو مساعدتكم على انجاز اهدافكم". وعن العمل سوية قال المساعد: "علينا جميعاً التصميم على ان نعمل جاهدين من اجل ارسال صدام الى الجحيم". وعن حراجة وخطورة المرحلة وتسارع الاحداث قال: "ان هنالك مهمة مستعجلة ينبغي عليكم انجازها وهي انقاذ الشعب العراقي مما يعاني منه". وعن الدور الاعلامي للمعارضة قال: "ينبغي ان توصلوا رسالتكم الى داخل العراق وبشكل واضح وصريح وتظهروا للشعب العراقي انكم موحدون ونحن على استعداد لمساعدتكم في ايصال هذه الرسالة الى داخل العراق. ينبغي ان يرى العراقيون في داخل العراق كيف ان المستقبل معكم يحمل لهم الازدهار والتقدم والحرية". وعن الاختلاف في وجهات نظر المعارضة قال المساعد: "نحن نعلم ان العراق فسيفساء سياسي، وهذا عنصر قوة وينبغي ان ينعكس على رسائلكم الى داخل العراق". وعن وحدة المعارضة والمساعدات الاميركية المقترحة قال: "نحن نريد ان نساعدكم وأنتم موحدون من اجل تنسيق اعمالكم". اما ما هو الهدف المرجو العمل من اجله قال: "نحن وأنتم عندنا هدف مشترك واحد هو ازالة هذا النظام". وعن حملة تجريم صدام ونظامه قال: "نتوقع منكم دعم واسناد حملة ادانة صدام". بعد انتهاء كلامه تحدث العراقيون المشاركون في مواضيع شتى في حضوره. بعدها استأذن للخروج من اجل لقاء الاعلام الذي كان في انتظار نتائج الاجتماع. وخلال فترة غيابه اتفق المعارضون على مجموعة من النقاط وأبلغوها الى المساعد بعد عودته من اللقاء الاعلامي. والنقاط التي اتفق عليها هي: الاشادة بالتحول الجديد في السياسة الاميركية. شكر الادارة الاميركية على المبادرة بالاتصال بالمعارضة ومحاولة التنسيق معها. مواصلة العمل على تطوير عمل المعارضة وهياكلها والاتصال بالجهات العراقية الاخرى التي لم تشترك في اللقاء من اجل توحيد جهود المعارضة. الاتفاق على سبل تفعيل المعارضة. مطالبة الادارة الاسراع بادانة صدام واعلان نظامه غير شرعي وغير قانوني ولا يمثل الشعب العراقي. شكر الادارة على جهودها لتحقيق المصالحة الكردية - الكردية. وتحدث المعارضون عن ثوابت وطنية منها: 1 - استقلال القرار العراقي. 2 - وحدة العراق شعباً وأرضاً وسيادة. 3 - مهمة تغيير النظام هي مهمة عراقية يتحملها الشعب والجيش العراقي وقواه الوطنية. 4 - مستقبل العراق يقرره ابناء العراق لوحدهم ومن دون تدخل خارجي. وتمت مناقشة نقطتين لم يتم الاتفاق عليهما وهما: - "قانون تحرير العراق 1998". البعض يعتقد ان هذا القانون هو حجر الزاوية في السياسة الاميركية للعراق في الوقت الراهن وينبغي ان نتخذ منه موقفاً واضحاً وصريحاً. هل نحن معه ام ضده. وفريق آخر يرى اننا غير ملزمين باتخاذ موقف من القانون لأنه شأن اميركي وهو ملزم لهم وغير ملزم لنا. ولم يتم الاتفاق على رأي في شأن هذه المفردة. - الشأن الآخر هو هيكلية المعارضة وتشكيلاتها. وكانت هناك وجهتان للنظر: الأولى تقول ان ما انجزته المعارضة في السنوات القليلة الماضية متمثلة بالمؤتمر الوطني العراقي الموحد ينبغي ان نبني عليه ولا نبدأ من الصفر. وعلينا اصلاح المؤتمر وتجنب سلبيات الماضي واقترح ان تشكل لجنة تسمى "لجنة اصلاح المؤتمر"، وقالت وجهة النظر الثانية ان الاخطاء التي وقع فيها المؤتمر لا يمكن تجاوزها ولا نريد ان نتحمل تبعات الماضي ولنبدأ من جديد وعلى ارضية صلبة مستفيدين من تجارب ودروس الماضي. واقترح في هذا الصدد تشكيل لجنة تسمى "لجنة الحكماء" من اجل النظر بالتشكيل الجديد وهيكليته. بعدها عاد مساعد وزيرة الخارجية الى الاجتماع مرة اخرى. ولخصت له بعض النقاشات وأبلغ قرارات الحاضرين وتوجهاتهم. وعاد للحديث ليقول: "ايها السادة: انها مهمة خطيرة وشاقة وجدية تلك التي انتم بصددها. انها انقاذ شعب كامل". وأردف: "ان الادارة الاميركية جادة وتريد ان تعمل معكم للاطاحة بصدام". وعن دعم المعارضة ونشاطاتها قال: "سوف ندعم اي عمل جاد وفعال ويؤثر على النظام. نحن ندعم حملة تجريم وادانة صدام. وخصص لها الكونغرس الاميركي ثلاثة ملايين دولار". وعن فضح جرائم النظام قال: "هنالك اطنان من الوثائق التي تدين النظام موجودة في اميركا لا تحتاج الى اي شيء الا الى فرز وتبويب، عليكم الاستفادة منها ونشرها على العالم". وعن ايصال صوت المعارضة الى الداخل قال: "انها مهمة عاجلة عليكم ان توصلوا اصواتكم وآراءكم الى الشعب العراقي". وعن اطر عمل وتشكيلات المعارضة قال: "ينبغي عليكم بناء معارضة قوية وفاعلة. يتوقع العالم منكم بناء المعارضة وهياكلها من جديد. مؤتمر جديد يحتوي في داخله على المؤتمر القديم. الدكتور الجلبي سوف يدعو اللجنة التنفيذية التي سوف تدعو الجمعية العمومية. نحن على استعداد لاسناد المؤتمر والمجموعات الاخرى". وعن متابعة هذه النقاشات وانضاجها قال: "ادعوكم للاتفاق على اجتماع لاحق لمناقشة التفاصيل". وختم المساعد الاجتماع بقوله: "ان هذا الاجتماع سوف يعتبر حدثاً تاريخياً للمعارضة العراقية ولنا ان نؤرخ له وبه". وانتهى الاجتماع على ان يعقبه آخر لمناقشة ودراسة خطة العمل. * عضو سابق في المكتب السياسي لحزب "الدعوة الاسلامية" في العراق