يقول الدكتور أحمد الجلبي رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» إن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كان مهتماً بإيجاد حل مع صدام حسين وتوقع أن تسفر محادثات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ومبعوثه الأخضر الابراهيمي مع صدام عن صفقة. ويروي الجلبي كيف تحرّك لإحباط الصفقة واستخدم تقريراً حصل عليه من المفتش سكوت ريتر لتأليب الكونغرس الأميركي ضد نظام صدام. في هذا المناخ وخلافاً لرغبة كلينتون الفعلية أقر الكونغرس «قانون تحرير العراق» الذي سيسهل لاحقاً لجورج بوش غزو العراق بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وهنا نص الحلقة السادسة: ماذا عن قانون تحرير العراق؟ - ذهبنا الى كردستان، بعد عودة الاتحاد من طريق إيران. الإيرانيون سمحوا لفريق إعلامي أميركي من محطة «أي بي سي» مؤلف من مراسل ومصورين أن يعبروا من إيران الى السليمانية بطلب مني لطرح موضوع العراق. اتصلنا بأحد مراسليهم وهو بيتر جينينغز الذي كان يعرفني من بيروت، جاء الي عام 1974 وساعدته ليذهب الى كردستان، لكنه لم يذهب. صوّر بيتر قصة تلفزيونية مهمة وفيها صور للدبابات العراقية تهجم علينا. وقاموا ببث البرنامج بعد ستة اشهر أي في الشهر السادس من عام 1997، بالاشتراك مع ال «واشنطن بوست» التي نشرت مقالا حوله وصار للبرنامج اثر كبير، وكان اسم الحلقة: «مهمة لم تكتمل»، وشكلت بداية عملنا نحو قانون تحرير العراق. تلك الأيام كانت صعبة علينا، وكان هناك اتجاه في إدارة كلينتون يدعو إلى إغلاق ملف العراق والتفاهم مع صدام. بدأنا نبني علاقات واتصالات في الكونغرس مع الجمهوريين والديموقراطيين. كنت أنت رئيس المؤتمر الوطني العراقي؟ - نعم. وجاء اتصال من ال «سي آي إي» الى مكتبي نهاية عام 1996، يطلبون مني أن لا أذهب الى كردستان، ويحذرونني من أنني إذا ذهبت فإن ذلك سيكون على مسؤوليتي وليس على مسؤولية الأميركيين. لكني لم أجبهم وذهبت. وعندما عدت الى لندن طلبوا الاجتماع بي وقالوا: «خلص، علينا أن ننهي علاقتنا»، فقلت: مع السلامة وأشكركم. انتهت العلاقة معهم في بداية عام 1997. وبدأنا نعمل وحدنا في أميركا. هل كان هذا من دون مساعدة منهم، مالية أو غيرها؟ - أبدا. قبل ذلك تلقيتم المساعدات؟ - طبعا، أخذنا مساعدات من ال «سي آي إي». في أية سنة بدأت مساعدات ال «سي آي إي»؟ - منذ عام 1992 حتى 1996. هل كانت المبالغ كبيرة؟ - أقصاها وصل الى 320 ألف دولار شهريا للمؤتمر. كان عندنا نشاطات ومكاتب في لندن. هذا الرقم كان الأكبر، وعادة كانت المبالغ اقل. وأعلنّا هذا الأمر من دون خجل في الإعلام. عام 1997 انقطعت العلاقة، فبدأنا نعمل وحدنا. وكانت علاقاتي في الكونغرس سبقت علاقاتي بال «سي أي إي»، وأكملنا وحدنا بعد الذي حصل عام 1996 وتخلي كلينتون عن المعارضة على رغم الرسالة من آل غور. تخلى كلينتون عنكم؟ - طبعا تركنا. ودخل صدام وضربنا وهم صاروا يؤذون جماعتنا هناك. حبسوهم وصاروا يبثون الإشاعات، ويقلبون كل الأطراف ضدنا. أنا قلت إن لا حماية لنا، وأعدت الى ذهني ما أنا مقتنع به وهو أن الأميركيين لا يفون بوعودهم. وإذا أردت أن تلزمهم بشيء اجعلهم يلتزمون بقضية تخصك أمام بعضهم بعضا. أمام الأميركيين؟ - نعم، احضر مجموعة من الأميركيين المهمين واجعلهم يلتزمون أمام بعضهم، فالعمل السري في السياسة الخارجية مع أميركا غير مفيد. ونحن قمنا بعمل علني، لكنه في النتيجة كان عملا سريا، على اعتبار أن ال «سي أي إي» جهاز سري. في تلك كان حاضراً في ذهني كلام كيسنجر سنة 1975، بعدما خانوا الملا مصطفى البارزاني والقضية الكردية، وكان يدلي بشهادة أمام إحدى اللجان في مجلس النواب الأميركي. سألوه كيف تركتم الأكراد؟ فأجابهم أن العمل السري ليس مساعدات إنسانية. ما معناه أن ليس هناك أي التزام أخلاقي. كانوا يساعدون بعض الأطراف العراقية مثل الوفاق الوطني والأكراد وبعض الأشخاص، لكنهم رأوا أن منظمة سياسية على مستوى المؤتمر الوطني مشكلة بالنسبة اليهم. فاعتبروا أن القضية انتهت. وهكذا صرنا نعمل وحدنا في الكونغرس. وفي عام 1998 تفاقمت قضية أسلحة الدمار الشامل والمفتشين وسائر المشاكل. هل زودتم الاميركيين بمعلومات خاطئة؟ - لا، هم أصلاً كان عندهم مفتشون، ولم يكونوا بحاجة الينا. كانوا يأتون ويسألوننا عن معلومات، فنعطيهم معلومات عن قضية ما، مثلا: تجسس صدام على المفتشين. كانت عندنا معلومات عن ضباط يجندون مفتشين ليعملوا مع فرق التفتيش عن طريق بنات أو أموال فيبلغون الحكومة عن امكنة التفتيش ليذهبوا اليها. كنا نبلغ الاميركيين أن هناك عمليات تجسس عليهم. ألم تكونوا أنتم أصحاب نظرية أسلحة الدمار الشامل؟ - أبدا، هم أصلا عندهم مفتشون كانوا يزورون المواقع. وانا لم أرد أن يكون اتصالي برولف ايكيوس عن طريق الأميركيين. ذهبت إليه مباشرة، وفي احدى المرات أبلغناه عن مؤامرة لتسميمه في بغداد في شباط 1996. وهل كانت المعلومة صحيحة؟ - نعم، واعتقد انه لم يذهب في تلك الفترة الى بغداد. وصار عندهم مشاكل مع فرق التفتيش. تفاقم الوضع في الشهر 12 من عام 1997، ثم كانت مبادرة من كوفي انان بالتنسيق مع مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية في ذلك الحين والأخضر الإبراهيمي. ذهب الأخضر الإبراهيمي الى بغداد وكذلك كوفي انان ونحن كنا في نيويورك في شهر شباط 98. كانت أياما صعبة علي، أخي الكبير رشدي كان مريضا جدا وتوفي في المستشفى في لندن وأنا كنت بعيدا عنه في أميركا أتابع وضعه. صارت حالتي سيئة جدا. ذهبنا الى نيويورك، فقالوا لنا إن انان ذهب الى بغداد. وأعلن من بغداد أنه دخن 6 سيكارات مع صدام وأن صدام شخص يستطيعون العمل معه. وتوصل معه الى اتفاق. وبينما كان في الطائرة وقبل أن يصل (أنان) الى أميركا، أعلن كلينتون انه يؤيد أي اتفاق يحصل بين انان وصدام. إذاً صدام اتفق مع الأميركيين. صديقي بوب دويتش في وزارة الخارجية كان دعاني الى الفطور في واشنطن، رحت واجتمعت به وقال لي: «الموضوع انتهى، اهتم بعائلتك». قلت له: شكرا. هو كان يقول لي ذلك من منطلق الصداقة. توفي أخي في اليوم الذي وصلت فيه الى لندن، دفناه ورجعت في اليوم نفسه. عندما عدت كنا في حيرة من امرنا، ماذا نفعل. رحت الى أصدقائنا في واشنطن، واتصلت بمعهد المقاربات الأميركية الذي كان think tank للمحافظين الجدد. مع من التقيت هناك؟ - أنا اعرفهم هناك. وأخبرتهم بما حصل، فعقدوا لنا اجتماعا واحضروا ال «سي أن أن» وقلت في الاجتماع إن صدام سيرفض برنامج التفتيش inspection regime ويعود لتهديد الشعب العراقي. مباشرة بعد الاجتماع دعوني الى الكونغرس. اجتمعت بقادة الحزب الجمهوري الذي كان يمثل الأكثرية في الكونغرس ومع رؤساء اللجان في مجلس النواب. كان رئيس مجلس النواب نيوت غينغرتش. ولم يحضر الاجتماع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الذي صار لاحقا مدير ال «سي أي إي» بورتر غوس. لم يحضر وكذلك غينغرتش الذي كان يريد أن يراقب الموضوع من خارج الغرفة، وكان مدير مكتبه شخصاً على علاقة بال «سي أي إي». لم يكونوا مرتاحين. حكيت القصة امام اللجنة، وسألني رئيسها ليفينغستون: «ما الذي يمكننا القيام به». كان كل هدفي في تلك الفترة هو إدخال الشك إلى ذهن صدام حول نيات الأميركيين تجاهه. الأميركيون كانت نيتهم أن يتفاهموا معه، لكنه كان يشك في ذلك، وأردت أن أتصرف بطريقة تُظهر أن الأميركيين غير صادقين معه. طبعا هذا الكلام كان فيه جزء صحيح، لأن بعض إدارة كلينتون كان يريد ان يتفاهم معه، لكن الكونغرس كان ضد ذلك. وأنا كنت أريد أن ابرز هذه النقطة. صدام ليست عنده قابلية للتحليل. فأميركا عنده يعني أميركا. كان عنده شخص يفهم بأمور أميركا هو نزار حمدون الذي توفي لاحقا. لكن نزار حمدون لم يكن يلتقي صدام الا قليلا ولم يكن يحترمه، كان يعرف أميركا. وصار وزيرا للخارجية ومندوبا للعراق في الاممالمتحدة. كلام نزار الذي كانت أيضا تجمعه علاقة طيبة بطارق عزيز لم يكن له الأثر الكافي عند صدام. كنا نريد أن نبث في ذهن صدام أن حمدون طرف أميركي مهم ضده. فاستعملنا هذه الاستراتيجية. سألني ليفينغستون: ماذا تريدون؟ قلت أريد إذاعة تمولها الإدارة الأميركية علنا على نمط إذاعة أوروبا الحرة. قال: يصير. اتخذوا القرار في لجنة السياسة بأنهم يؤيدون تخصيص 5 ملايين دولار لتأسيس إذاعة العراق الحرة. من براغ؟ - هم وقتها أخذوا القرار (وتأسست لاحقا في براغ)، وأعلنا القرار. خرجنا من الاجتماع، وحصل اجتماع آخر في مجلس الشيوخ. الجمهوريون كانوا بأكثريتهم معنا والديموقراطيون ضدنا. نشرنا إعلانا عن تأسيس إذاعة «صوت العراق الحر» بتمويل من الكونغرس. من جهة كان الأميركيون يريدون أن يتفاهموا مع صدام ومن جهة يؤسسون هذه الاذاعة. زاروني وطلبوا مني أن التقي رئيس مكتب السيناتور ترنت لوت زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ، وأهم شخص في الحزب الجمهوري في عهد كلينتون. مدير مكتب لوت كان صديقنا اسمه راندي شونمن، وكان أيضا مستشار الأمن القومي لديه وصار لاحقا مستشار ماكين، وتعرفنا على سيدة اسمها داني (دانييل) بليتكا التي كانت مسؤولة الشرق الأوسط في مكتب السيناتور جيسي هلمز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. زوجها اسمه ستيف رادامايكر وهو محام، وكان المستشار القانوني للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب. ذهبت الى راندي شونمن، وصار يسألني أسئلة، وأجيبه. قال لي: مسؤوليتي أن احمي السيناتور لوت، لا أريد أن أسمح له بلقائك إذا كان هذا الأمر سيسبب له الإحراج في المستقبل. قلت حسنا. قال أنا سأسأل عنك. قلت: اسأل تفضل. اتصل بي بعد يومين، فذهبت للقائه. قال لي: «انا أنصفتك»، قلت: «لماذا»؟ قال: طلبت تقريرا عنك من ال «سي آي إي، أحضروا لي واحدا يصف شخصا آخر غيرك. سألته: كيف؟ قال: في التقرير انك تتحرك في واشنطن ومعك 20 مرافقاً. وأنا اعرف انك تتحرك وحدك إما سيرا أو بالتاكسي. وهناك كلام غير قابل للتصديق، وأنا استدعيتهم وطلبت منهم أن يبرروا كل نقطة من النقاط السلبية التي كتبوها عنك. وأضاف: لذلك قررت أن أنصح السيناتور بأن يراك. هكذا التقيت السيناتور لوت الذي رحب بي، وقال: عندك مانع أن تتحدث في مجلس الشيوخ في شكل رسمي. قلت: لا. داني رتبت مع السيناتور هلمز أن أحضر أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية والتي يرأسها السيناتور سام براونباغ والعضو الديموقراطي فيها هو السيناتور تشارلز روب (زوج ابنة الرئيس ليندون جونسون) من فيرجينيا. الجمهوريون رتبوها، وقلت حسنا. كان ذلك في 2 آذار 1998، ذهبت الى الكونغرس وطلبت مساعدة أميركا علناً لإسقاط نظام صدام وقلت إن الشعب العراقي ضد صدام ونحن نطالب بإسقاطه، لكن أميركا ساعدته. كان الخطاب طويلا، وقلت فيه إن على أميركا مسؤولية أخلاقية لإسقاط صدام، وأنها وعدتنا بحماية المعارضة ثم أخلّت بوعدها. وقال روب: انت قلت إن أميركا وعدتكم بالدفاع عنكم وأخلت بالوعد، هل لديكم وعد من رئيس الجمهورية لأنه هو الوحيد الذي يستطيع إلزامنا، أم عندكم كلام من أحد موظفي وزارة الخارجية؟. فقلت له: عندي رسالة من نائب الرئيس آل غور يقول فيها: إننا سنقوم بما نستطيع لحمايتكم ومساعدتكم على إسقاط صدام أو إقامة الديموقراطية في العراق. سألني إذا كانت معي نسخة من الرسالة. قلت: لا أنا لم أحضرها معي. راندي شونمن سلم النسخة الى براونباغ، فقال براونباغ عندها: أنا عندي نسخة. قرأها، وقال: فهمت لماذا يشعر هؤلاء أن أميركا خذلتهم. وسكت. ثم سألني: ما هي علاقتك بالاردن؟ قلت له إن الاردنيين عندهم مشاكل معي، وهناك قضية قضائية مالية. في نهاية الحديث كانت قراءة الرسالة وعلقت الجلسة بعدها. في ذلك اليوم بثت أربع محطات تلفزيونية أميركية شهادتي امام مجلس الشيوخ في مقدمة نشراتها. هذا الأمر دفع صدام الى الجنون. اعتبر أن اميركا تلعب عليه، يعني يسمحون بظهور احمد الجلبي في مجلس الشيوخ وعلى التلفزيونات الاميركية ليطالب بمساعدة اميركية لاسقاطه وهو يسمح لهم بالتفتيش. كان طارق عزيز في نيويورك اثناء انعقاد جلسة الكونغرس. بعدها حاولت الإدارة أن تقلل من أهمية ما حصل، لكنهم كانوا غير قادرين على أن يقللوا في شكل رسمي من أهمية الكونغرس. بعد الجلسة عدنا الى العمل. وجعلنا صدام يشك أكثر ويشعر أنه أخطأ بالاتفاق مع كوفي أنان. المفتش سكوت ريتر (الذي صار لاحقا يكتب كتبا ويشتمنا. وكنا تعرفنا عليه في نيويورك، وهو ليس ودياً جداً) جاء إلينا في واشنطن، وقال: «الإدارة ستقوم بأمر وصدام عنده قضايا كبيرة لازم يعرفها، أريد أن ترسلوني الى الكونغرس كي اشرح ذلك». زارنا وأمضى ليلته في بيتي في واشنطن. قلنا له: طيب. أعطاني نسخة من تقرير أعده مختبر الأسلحة في الجيش الأميركي في ميريلاند. بعدما اتفق صدام مع انان والإبراهيمي، سلم رؤوس صواريخ الى الأممالمتحدة التي لم تجد مكانا تفحصها فيه، فأحضرتها الى اميركا، وطلبوا من هذا المختبر أن يفحصها. بعد الفحص قدم تقريرا الى الأممالمتحدة فيه ما يلي: إن هذه الرؤوس فيها آثار من غاز ال vx الذي هو غاز كيماوي خطر، كما وجدوا آثار مسحوق لتنظيف آثار ال «في اكس». يعني صدام ليس فقط عنده «في اكس»، بل حاول أن يخفي آثاره أيضا. تقرير المختبر كان مهما، لكنه لم يكن سريا، لأنه كان سيقدم الى الأممالمتحدة، وليس الى الجهات الأميركية. أعطانا المفتش التقرير، ثم التقى السيناتور وغادر. أخذت التقرير وذهبت الى أصدقائنا في الكونغرس. قرأوه، وقالوا: هل تستطيعون نشره في الصحافة الأميركية؟ قلت نعم، فأخذوا التقرير ووجهوا رسالة الى كلينتون، وقّعها السيناتور لوت رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ والسيناتور جيسي هيلمز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ونيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب وعضو الكونغرس بنيامين غيلمان رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب. وكانوا يوجهون اسئلة الى كلينتون، إجاباتها موجودة في التقرير، مثل: هل عندكم أدلة على أن صدام يملك ال «في اكس»؟ اخذنا نسخة من الرسالة وأعطيناها ال «واشنطن بوست» التي نشرتها ونشرت تقرير الأممالمتحدة، وقالوا أن المؤتمر الوطني العراقي هو الذي زودهم بهذه المعلومات. أحدث الأمر ضجة كبيرة. وكي تتأكد الصحيفة من صحة التقرير، اتصلوا بالشخص الذي وقعه، وسألوه: هل وجدتم شيئا بهذا المعنى؟ فأجابهم: المفروض أنه ليس عليكم أن تعرفوا بهذا الأمر. اتصلوا بالسفارة الفرنسية، فغضب السفير الفرنسي غضبا شديدا، وسألهم: كيف حصلتهم عليه؟ فقالوا من المؤتمر الوطني. لماذا اتصلوا بالسفير الفرنسي؟ - حتى يتأكدوا من أن هذا الموضوع وصل الى الأممالمتحدة. بعد تأكدها من الوقائع قامت «الواشنطن بوست» بنشرها. واتصل لاحقا مارتن انديك (الذي صار فيما بعد سفير أميركا في إسرائيل ثم مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى) بي، فذهبت للقائه. سألني: كيف تنشر هذا التقرير من دون أن تنسق معنا؟ سألته عن السبب. فقال: «نحن متهمون من فرنسا وروسيا بأننا سلمناك التقرير». فأجبته: «وهل أنت أو أي شخص آخر في الحكومة الأميركية سلمني التقرير؟». قال: لا. قلت: «إذاً أنت بريء من هذه التهمة، اخبرهم بذلك». سألني: «وكيف حصلت على التقرير»؟ فرفضت أن أخبره. عندها سألني: «لماذا لم تخبرنا قبل نشر التقرير؟» فأجبته: «لو كنت أخبرتك بذلك، هل كنت ستمنعني من نشره؟». قال نعم. قلت: «عندها لو كنت نشرته لكنت اعتبرت ذلك تحديا لكلامك ومخالفة لنصيحتك، وكنت ستغضب. الآن أنا نشرته من دون أن أخبرك، على أساس انك ستغضب لاحقا، لكنني على رغم ذلك لم أخالف كلامك». قال: وماذا سنفعل؟ قلت: الشعب العراقي لن تقوم له قائمة ما لم يسقط صدام، علينا أن نعجل في سقوطه. قال: ما خططكم؟ قلت: أن نجعل الكونغرس يدعمنا في إسقاط صدام. قال: لكن السياسة تقررها. قلت له: أنا اعمل مع الكونغرس، انتم في الإدارة لا تريدون شيئا. صاروا يرسلون الي أخباراً من جماعة تعمل في الحقل الخارجي ويقولون: كيف ستتغلب على إدارة كلينتون. وكلينتون محبوب وقضية العراق ثانوية بالنسبة إلى أميركا. فقلت لهم: أنا أريد أن اعمل ولا مصلحة لي في أن أقيم علاقات، الاساس عندي مصلحة العراق. هذا الكلام كان في الشهر السادس من عام 1998. بعدها حصل ما يسمى «رأي الكونغرس» الذي هو قرار غير ملزم للإدارة، القرار يبدأ: بما أن صدام قام بغزو الكويت وبما أنه قمع انتفاضة الشعب العراقي وسبق أن استعمل الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة سنة 1988، وبما أنه استعمل الأسلحة الكيماوية ضد إيران وخالف قرارات مجلس الأمن، لذلك نعتبر أن صدام يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وقام بخرق فاضح لقرار وقف النار 687. كلينتون حارَ قبل التوقيع على القرار، لكنه كان قبل ذلك أجاب عن الأسئلة التي وجهت إليه عن غاز «في اكس» بالايجاب، فوقّع على القرار. وجن صدام وطرد المفتشين. عندها عدنا الى الكونغرس وعملت على قانون تحرير العراق مع راندي شونمن وستيف رادامايكر الذي كتب نصه. متى صدر القانون؟ - في شهر تشرين الاول 1998. في البداية، وافق مجلس الشيوخ عليه بالإجماع، لذلك لم تكن هناك حاجة للتصويت عليه. وجو بايدن نائب الرئيس اوباما وافق عليه. وفي مجلس النواب حصل القانون على 360 صوتا مقابل 38، وتزامن ذلك مع قضية مونيكا لوينسكي. ومن أمن له التغطية؟ - الجميع صوتوا لمصلحة القانون: الجمهوريون والديموقراطيون صوتوا عليه. كلينتون وصله القانون في 6 أكتوبر ولم يوقع عليه إلا في 31 أكتوبر 98، صار قانونا ملزما لأميركا. وصار تنفيذه من مسؤولية الإدارة. القانون تضمن الأموال للإعلام بقيمة 3 ملايين دولار لتأسيس «صوت العراق الحر» و97 مليون دولار لا تقدم نقدا، لكنها قيمة لمعدات فائضة من وزارة الدفاع الأميركية تقدمها الى قوى المعارضة العراقية. والإدارة مكلفة أن تقدم جدولا بأسماء المنظمات المؤهلة لاستلام مساعدات من هذا النوع. انا ألححت على أن تشمل المساعدات الأطراف الكردية والمجلس الاعلى بقيادة السيد الحكيم وحركة الوفاق بقيادة اياد علاوي، وكل الاطراف الموجودة. هذا صار قانونا وكلينتون بعد توقيعه ارسل في 13 نوفمبر طائرات لقصف العراق، لكنها عادت في اليوم نفسه ولم تقصف. وليبرر هذا الامر، دعا أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين وقعوا على قانون تحرير العراق الى البيت الابيض وابلغهم ان سياسة الادارة تقتضي تنفيذ القانون، واستعملوا تعبير: PIVOT AND STRIKE” الذي لم اعرف ما كانوا يقصدون به. لماذا أرسل الطائرات الى العراق ثم أعادها؟ - ربما وجد أن الأمر غير مناسب. لم يدل بتصريحات في حينه لنفهم الأمر. ربما اعتبروا أن هذا الأمر سيجلب لهم دعاية سيئة ولن يحققوا من ورائه شيئا. في الوقت نفسه، بينما كان الكونغرس يعد الميزانية لسنة 1999 ضمّنوا فيها مساعدات للعراق بقيمة 25 مليون دولار للمعارضة العراقية. عينت الإدارة الأميركية منسقا خاصا للمعارضة العراقية اسمه فرانك ريتشاردوني (الذي صار فيما بعد سفيرا في الفيليبين ثم القاهرة) وهو رجل قدير وذكي. هل قمت وحدك بكل هذه التحركات؟ - كعراقي نعم، كان عندي مساعدان، احدهما أميركي اسمه فرنسيس بروك وآخر باكستاني - أميركي اسمه بهزاد سفنا، كانا يساعدانني ولم أتعامل مع أحد من العراقيين. منذ صدور قانون العراق، تقريبا معظم قادة المعارضة العراقية اجمعوا على انتقادي. لماذا؟ - لا اعرف، ولم افهم السبب. أنا استغربت موقفهم، أصدروا بيانات وكتبوا مقالات لكنها لحسن الحظ لم تحدث صدى في أميركا. بعد ذلك عينت الادارة ريتشاردوني للتنسيق مع المعارضة. أرسلوا إليه مستشار الأمن القومي في ذلك الحين ساندي بيرغر الذي قال له: أنت مهمتك أن تزيح اسم احمد الجلبي من الواجهة الإعلامية. جاء ريتشاردوني وكان يريد أن يزيحني من الطريق، هذا كان عام 1999. أعلنت عندها أننا نريد أن نعقد اجتماعا للمعارضة العراقية في واشنطن. ريتشاردوني غضب، ودعاني الى اجتماع في واشنطن، وقال: من سيمول هذا الاجتماع، ومن سيقبل به ومن سيعطيكم تأشيرات الدخول؟ قلت: انتم. قال كيف، وأنت لم تنسق معنا؟ قلت له: ارفض إذن، وقل إنك لا تريد أن تدعو الى اجتماع للمعارضة. وهل كان بمقدوره الرفض؟ - كلا، هناك قرار الكونغرس. ثم صاروا يسألوننا. السيناتور من ولاية نبراسكا بوب كيري والذي كان مؤيدا قويا لنا تبنى موضوع متابعة وزارة الخارجية. طلب اجتماعاً مع ريتشاردوني ومعي. أعطانا موعدا الساعة الرابعة. ثم قبل نصف ساعة من الموعد، اتصلوا بنا من مكتب كيري وقالوا إن الاجتماع تأجل. انتقدناهم، وقلنا كيف لا يرد موظف في وزارة الخارجية على سيناتور. تكلم موظفو كيري مع ريتشاردوني بشدة فجاء. بوب كيري كان يريد أن يمزح، فسألنا: «هل تشاجرتم أم لم تفعلوا حتى الآن؟»، قال ريتشاردوني: ليس بيننا أي خلاف. ثم قلت: أنا مستعد أن اعمل مع كل أطراف المعارضة لنوحد صفوفنا. ريتشاردوني قال: أنت نظم مؤتمرا للمعارضة في لندن لاحياء المؤتمر الوطني حتى نعيد الدعم. قلت: عليك أيضا أن تبلغ الأطراف المهمة في المعارضة وتخبرهم بأن عليهم أن ينشطوا المؤتمر، ثم نعقد اجتماعا يحضره الجميع في حضوركم، خصوصا الأطراف الكردية، إذ كانت علاقتنا متوترة بالحزب الديموقراطي. وافق. وخرجنا من الاجتماع مع كيري وتمشيت مع ريتشاردوني. قال: لا تعلن أنك انتصرت علينا وتؤذي الآخرين. قلت لا، نحن نسيّر العمل. قال: غدا اجتماع في المكتب عندي سأدعو هوشيار زيباري وبرهم صالح وابلغهما بالقرار. ذهبنا الى المكتب، وجاء هوشيار وبرهم. سلمنا على بعض وجلسنا. أخبرهم كيري عن اجتماع المؤتمر الوطني في لندن، فحصل تململ بسيط ثم أيدا الموضوع. عدت الى لندن وطلب مني ريتشاردوني أن لا أوجه الدعوة كرئيس المؤتمر الوطني، فوافقت على أن أترك لنائب رئيس المؤتمر لطيف رشيد توجيه الدعوة. وجه لطيف الدعوة وحصل اجتماع المؤتمر في ويندسور خارج لندن. حضر بوب كيري ودانييل بليتكا لمراقبة حسن تصرف وزارة الخارجية. * غداً حلقة سابعة