مهرجان "الشاشة العربية" المستقلة للأفلام التسجيلية والقصيرة الذي سيعقد مطلع الربيع المقبل في لندن فرصة أمام السينمائيين العرب لتأكيد القيمة الابداعية والاعلامية لهذا النوع من التعبير الفني الرصين. سيشارك في المهرجان، الذي يشرف عليه الزميل محمد مخلوف، أكثر من عشرين مخرجاً عربياً للأفلام القصيرة في أوروبا وأميركا ومن العالم العربي. وإلى جانب الندوات والحوارات، سيقدم المهرجان جوائز مالية وتقديرية للفائزين الخمسة. من بين المشاركين الذين أعلنت اسماؤهم: نورالدين الخماري من المغرب، وإيلي خليفة من لبنان، وموفق قات من سورية، وسعد هنداوي من مصر، والعراقي قتيبة الجنابي المقيم في لندن، والجزائرية يمينة بن جيحي المقيمة في فرنسا، وميشيل خليفي من فلسطين، والجزائري ناصر بختي المقيم في سويسرا. السينمائيون العرب الذين يقدمون الأفلام القصيرة لا يجدون تشجيعاً. لقاءاتهم قليلة لا تتم إلا في المناسبات. والتلفزيون هو النافذة الوحيدة للاطلالة على الجمهور. ويكاد عرض الفيلم التسجيلي القصير لا يتجاوز المرة الواحدة على الشاشة الصغيرة، ثم يوضع في الارشيف، مع أنه من المفيد جداً للجمهور أن يستمر عرضه مثل الفيلم الروائي الطويل، كما تفعل دور السينما في العواصم الأوروبية. كان هذا جانب من الحديث الذي دار في أحد مقاهي كوفنت غاردن مع المخرج ناصر بختي اثناء زيارته للندن لوضع اللمسات الأخيرة على سيناريو فيلم طويل يستعد تصويره لحساب إحدى محطات التلفزيون الأوروبية الكبرى. ومع ذلك يرى المخرج ان هناك حركة قوية وهادئة معظمها لشباب من خريجي المعاهد السينمائية. وهم دائماً في حاجة إلى المزيد من التجربة والاحتكاك والعثور على فرص الانتاج المتواصل. التجربة مع الأفلام القصيرة لا تشجع على الاستمرار إلا إذا كان هناك تصميم خارج العادة للحصول على التمويل والتكليف بالعمل والانتاج. ويقول بختي إنه إذا كانت الفكرة قوية وجريئة، فإنها ستلقى حتماً باباً مفتوحاً. تجربته مع التلفزيون البريطاني والسويسري تؤكد أن الأفلام القصيرة تلقى إقبالاً، وغالباً ما تحصل على الضوء الأخضر إذا كانت تتجاوب سريعاً مع الحدث. فيلمه عن البوسنة كان له الوقع الأكبر على الجمهور السويسري، إذ عرض خلال الأزمة كيف يتحول الجيران إلى أعداء بسبب السياسة. وحدث الإقبال نفسه على فيلمه عن اريتريا والصومال: "ميزة الفيلم القصير أنه سريع التداخل والانتقال حيث الحدث. ليس معنى هذا ان الفيلم التسجيلي مهم للرصد ومواكبة الأخبار، أو لأنه يكلف القليل من الفنيين، فحسب بل لأنه يساهم في بلورة الأحداث بإضاءة جوانبها وسط الغيوم المخيمة... ليس مجال هذه الأفلام الأخبار والعواصف والحروب دائماً...". تعتمد أفلام بختي على إعادة إحياء الذاكرة أو من تجربة حياة شخصية. يجمع بين التسجيل والرواية، بين الموقف في الواقع، وما يمكن ان تضيف إليه الشخصيات بإعادة النظر إليه في أجواء بعيدة عن التوتر. طريقته تستفيد من الحدث ثم تتجاوزه في نظرة إلى المستقبل، كما حدث في فيلمه عن الاعتداء على الأطفال في المدارس، حيث جعل القصة روائية تلامس ما أثارته المشكلة من اهتمام في المجتمع السويسري. لم يبدأ في كتابة السيناريو إلا بعد أن استجوب نخبة من التلاميذ والآباء، بحث الموضوع مع المساعدين الاجتماعيين، واتبع الاسلوب نفسه في اخراج فيلم "جنيف مرآة العالم" عن العزلة الاجتماعية والضياع النفسي في أوروبا. ويؤكد بختي اهتمامه بالواقعية كأساس للتفكير السينمائي عموماً: "الشريط التسجيلي يلعب دوراً كبيراً في ربط الناس بالواقع حيث ينظرون إليه من مسافة، فيدركون دورهم في تشكيل الأزمة أو وضع حلول لها". وهذا ما عبر عنه في فيلم أزمة البوسنة "في قلب الظلمات" الذي نال عليه الجائزة الفضية في مهرجان بيلباو للسينما التسجيلية في العام 1994، وكذلك جائزة لجنة التحكيم في مهرجان ايطالي. درس ناصر بختي السينما في معهد بريطاني في ما كان يعمل نادلاً في الليل لتمويل دراسته إلى أن تخرج في بداية التسعينات، ثم أسس مع زوجته شركة انتاج كان من بواكير أعمالها فيلم أعاد المخرج إلى وطنه الجزائر حيث صور "السائر الوحيد" الذي قدمته قناة التلفزيون البريطانية الرابعة، واستعرض فيه صدى أحداث الجزائر الآليمة من خلال تجربة والده. فكان حظ الفيلم جائزة تقديرية خاصة عندما عرض عام 1993 في مهرجان ميلانو للسينما الافريقية