أشاد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني بدور الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في حل أزمات دولية عدة. وقال في خطاب وجهه إلى الشعب المغربي ليل الجمعة - السبت لمناسبة ذكرى "المسيرة الخضراء"، عشية الجولة المغاربية لأنان في منطقة الشمال الافريقي، إنه سيتحدث صراحة إلى الأمين العام عن تطورات قضية الصحراء الغربية، وانه متيقن أن الرجل الذي اختاره المجتمع الدولي لإدارة شؤون الأممالمتحدة لديه "الحكمة والتبصر والاناة التي يجب أن يتحلى بها رجل في منصبه". وأضاف ان كوفي أنان "يتسلح بالصبر والانصاف"، في إشارة إلى الموقف الذي يعول عليه المغرب لجهة الافساح في المجال أمام تنظيم استفتاء الصحراء المقرر قبل نهاية العام المقبل. وقال الملك الحسن الثاني إن المغرب متشبث بأهلية جميع السكان المتحدرين من أصول صحراوية للمشاركة في الاستفتاء. ورأى أن الأمر لا يقتصر على التسجيل في قوائم تحديد الهوية، وإنما يخص أهلية المشاركة، ما يعني ان عمليات الطعون التي يقترحها الأمين العام للأمم المتحدة لوضع قوائم نهائية للسكان المشاركين في الاستفتاء ستطاول الشكوك في غير المتحدرين من أصول صحراوية، وكذا تسجيل عشرات الآلاف من الاشخاص المنتسبين إلى ثلاث قبائل صحراوية أُقصوا من عمليات تحديد الهوية، بسبب خلافات بين المغرب و"بوليساريو" حول الانتساب إلى الصحراء. وذكرت مصادر مغربية ل "الحياة" أمس أن الخلافات تتعلق بعدم وجود مندوبين ل "بوليساريو" في عمليات تحديد الهوية التي تخص ما يزيد على 60 ألف صحراوي، قال الأمين العام للأمم المتحدة في وقت سابق إن من حقهم التسجيل في قوائم الاقتراع في حال مطابقة أوضاعهم للمعايير التي حددتها الأممالمتحدة. إلى ذلك، أكد الملك الحسن الثاني أن المغرب متشبث بالشرعية الدولية، وأنه نظم المسيرة الخضراء في عام 1975 بعد صدور حكم عن محكمة العدل الدولية أقرت فيه بوجود روابط قانونية وتاريخية بين سكان الصحراء والسلطة المركزية. وقال إنه طرح فكرة الاستفتاء أمام مؤتمر لمنظمة الوحدة الافريقية عام 1981 نزولاً عند رغبات قادة دول عربية وأجنبية. لكنه رأى ان الموقف الذي التزمته منظمة الوحدة الافريقية لجهة الاعتراف ب "الجمهورية الصحراوية" عام 1984 كان "طعناً من الخلف". وأوضح العاهل المغربي أن بلاده كان في امكانها تنظيم الاستفتاء في حضور مراقبين أجانب "من دول معروفة بالنزاهة والحياد"، مثلما حصل في استشارات دولية من هذا النوع، لكن المغرب فضّل تعاطي الأممالمتحدة مع الاستفتاء "لوضع حد لأي جدل عقيم حول هذه القضية". وفسرت المصادر الموقف بأنه بمثابة حض الأمين العام للأمم المتحدة على تفعيل آليات الاستفتاء على رغم ما يعتريه من تأخير. واتهم الملك الحسن الثاني جبهة "بوليساريو"، من دون أن يذكرها بالاسم، بوضع العراقيل أمام تنفيذ خطة التسوية التي ترعاها الأممالمتحدة، قائلاً: "إن ذلك كان بفعل مناورات خصوم المغرب كي نفقد حكمتنا ورصانتنا وأعصابنا". لكنه أوضح: "سنبقى صابرين لأن صاحب الحق يعيش في اطمئنان وفي جو من الايمان الذي يغمره كل يوم وكل سنة". وأكد ان سكان الصحراء يعيشون في مجتمع هادئ ومنظم وآمن، في إشارة إلى مظاهر الاندماج في الحياة العامة، عبر مشاركة السكان في الحياة السياسية. وقال: "إنهم يعيشون في ظل ملكية دستورية تطبعها المساواة بين جميع الصحراويين". وأضاف: "لا قبلية عندنا ولا عنصرية قبلية، وإنما حقوق وضمانات وواجبات". وتحدث الملك الحسن الثاني عن اندماج المغرب في طريق النمو والاطمئنان "وفي طريق التعاطي مع العالم بأسره في نطاق العولمة والشراكة، في إطار مغرب موحد تسوده العدالة والمساواة في دولة الحق والقانون". وفسرت المصادر كلام العاهل المغربي بأنه موجه إلى الصحراويين في المخيمات لحضهم على العودة والاندماج، سيما أنه ركز القول على "السكينة والهدوء". ورأت أوساط ديبلوماسية في هذا الكلام إشارة إلى التوازن الذي يجب أن يسود منطقة شمال افريقيا، بخاصة وأن الملك الحسن الثاني تحدث عن نزاع الصحراء باعتباره من "مخلفات الحرب الباردة". لكن تلميحه إلى آفاق الشراكة والاندماج في الاقتصاد الدولي والإفادة من التحولات يحمل على الاعتقاد أنه يطرح تصوراً جديداً حول مآل الأوضاع الأمنية في منطقة شمال افريقيا من منطلق الحرص على سيادة السلم والاستقرار، باعتباره الهدف الأساسي لزيارة كوفي أنان. إلى ذلك، بدأ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أمس زيارة قصيرة إلى الرباط، توجه على إثرها إلى نواكشوط على متن طائرة مغربية. وتوقف أنان قرابة ساعة في مطار سلا حيث كان في استقباله أحمد السنوسي مندوب المغرب لدى الأممالمتحدة. وقالت مصادر في الأممالمتحدة إن كوفي أنان سيزور اليوم الصحراء الغربية، وسيجري محادثات في مدينة العيون مع وزير الداخلية المغربي ادريس البصري تطاول الترتيبات الجارية لتنظيم الاستفتاء، وترتيبات إقامة اللاجئين الصحراويين الذين تعد المفوضية العليا للاجئين لإعادة توطينهم في المنطقة للمشاركة في الاقتراع. ومن المقرر ان يجتمع الأمين العام للأمم المتحدة مساء غد في مدينة مراكش مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني للبحث في تطورات قضية الصحراء والمشاكل المرتبطة بتحديد هوية منتسبين إلى قبائل صحراوية ترفض جبهة "بوليساريو" الاعتراف بأحقيتهم في التسجيل في القوائم، إضافة إلى موضوع معاودة توطين اللاجئين الذين يشاركون في الاقتراع. ويلتقي أنان الثلثاء رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي ووزيري الخارجية عبداللطيف الفيلالي والداخلية ادريس البصري، إضافة إلى رئيسي مجلس النواب عبدالواحد الراضي والمستشارين جلال السعيد. وأشارت المصادر إلى أن محادثات أنان مع المسؤولين المغاربة ستستغرق أربعة أيام قبل أن يغادر الخميس إلى الجزائر ومنها إلى مخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر، ثم إلى تونس آخر محطة في جولته المغاربية.