على رغم ان زيارة الامين العام للامم المتحدة كوفي انان لمنطقة الشمال الافريقي توقفت في منتصف الطريق، بسبب تطورات الاحداث في الخليج، وشملت موريتانيا والمغرب، وضمنه المحافظات الصحراوية المتنازع عليها، فيما يتوقع ان يعاود زيارة الجزائر وتونس ومخيمات جبهة بوليساريو جنوب غرب الجزائر في وقت لاحق، يرجح ان رصده للموقف ازاء تطورات قضية الصحراء مكّن من استخلاص موقف مبدئي، اساسه ان لا بديل عن خطة التسوية التي ترعاها الاممالمتحدة، وان الخلل لا يكمن في المبادئ والاجراءات التي تتضمنها، وانما يقترن بعدم تنفيذ تلك الاجراءات، بسبب التأويلات المتباينة لمضمونها. واستند انان في المساعي التي بذلها عبر اول جولة يقوم بها الى منطقة الشمال الافريقي الى معطيات عدة، في مقدمها ان هناك اتفاقات ابرمها المغرب وجبهة بوليساريو العام الماضي، رعاها الوسيط الدولي جيمس بيكر، تشكل اساس الحل المقترح، اي الذهاب الى الاستفتاء في ظروف يطبعها الحياد والنزاهة والشفافية، لتمكين الرعايا الصحراويين من التعبير عن ارادتهم، اما لجهة الاندماج في المغرب او الانفصال عنه. والاهم من تلك الاتفاقات انها تخص كل الجوانب المتعلقة بالاستفتاء، اي تحديد هوية المؤهلين للمشاركة، وضمان عودة اللاجئين، اضافة الى اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين، وتحديد مواقع القوات والتزام مدونة سلوك خلال حملات الاستفتاء. وضمن المعطيات ايضاً يأتي نفاد صبر الاممالمتحدة ازاء الارجاءات المتكررة لمواعيد الاستفتاء، بسبب عدم احراز التقدم الكافي، ذلك انه منذ عام 1991 راوحت خطة الاممالمتحدة مكانها، والانجاز الملموس يتمثل في سريان وقف اطلاق النار، فيما استغرقت عمليات تحديد الهوية التي تعثرت مرات عدة سنوات من دون معرفة الاعداد الحقيقية والنهائية للمؤهلين للاستفتاء بسبب خلافات على المرجعية التي استندت اليها، اي الاحصاء الذي اجرته اسبانيا عام 1974، وحدد اعداد الصحراوين آنذاك بحوالى 74 الف نسمة. اضافة الى ذلك تباينت المواقف ازاء تطبيق معايير تحدد الهوية التي اقرتها الاممالمتحدة، خصوصاً على صعيد اقصاء المنتسبين الى ثلاث مجموعات قبلية يقدر اعدادها بأكثر من 60 ألف شخص تطعن "بوليساريو" في اهليتهم. لكن الامين العام للامم المتحدة مهّد الطريق الى جولته الاخيرة بالاعلان عن اقتراحات وفاقية لحل هذه القضية، وقال انه سيمارس "دوراً تحكيمياً" لفض الخلاف، وكان يعول على الحصول على موافقة الاطراف المعنية لدعم هذه الاقتراحات، اي المغرب وبوليساريو من جهة، كونهما طرفين اساسيين، ثم الجزائروموريتانيا باعتبارهما مراقبين ضمن خطة التسوية. الاهم في مساعي الامين العام للامم المتحدة التي لم تكتمل هو انه اختار زيارة كل الاطراف المعنية بقضية الصحراء، ويبدو انه كان يراهن على الحصول على مواقف داعمة لخطته على مستويين. الاول: يتعلق بمعاودة استئناف عمليات تحديد الهوية، وهي تخص المغرب وجبهة بوليساريو، وايضاً الحصول على تعهدات ملموسة لتنفيذ الاجراءات ذات الصلة بالمرحلة المقبلة، اي الاعداد لعودة اللاجئين، ونشر القوات وفق ما تنص عليه الخطة الدولية. الثاني: يتعلق باستكناه موقف الجزائروموريتانيا اللتين تؤويان اللاجئين، ازاء تأمين ظروف العودة بعد إحصاء الرعايا المتحدرين من اصول صحراوية، وتمكين مفوضية اللاجئين من القيام بدورها في هذا المجال، خصوصاً وان التقرير الاخير للامين العام تحدث عن صعوبات تواجه المفوضية السامية التي كانت احصت اعداد اللاجئين، في تقدير اولي يفيد ان هناك اكثر من 30 ألفاً في جنوب غرب الجزائر، وحوالى 20 ألفاً في شمال موريتانيا، لكن الارتباط الوثيق بين عمليات تحديد الهوية ومعرفة اعداد اللاجئين الذين يرغبون في العودة الطوعية، من شأنه ان يرجئ ذلك الى حين اكتمال عمليات تحديد الهوية التي تقول مصادر الاممالمتحدة انها شملت لحد الآن 141 الف شخص موزعين بين المحافظات الصحراوية، ومخيمات تيندوف وموريتانيا. ويبدو ان انان اختار في هذا السياق ان يقدم اقتراحات للاطراف المعنية، كان يعول على الحصول على ردود ايجابية عليها قبل نهاية الشهر الجاري، وهي تخص الاتفاق على نشر قوائم تحديد الهوية للافساح في المجال امام بدء الطعون، ومعاودة استئناف عمليات تحديد الهوية، اضافة الى تنفيذ الاجراءات التي تسبق عودة اللاجئين، من حيث التسهيلات والموافقة على نشر قوات حفظ السلام، على اساس ان يرفع تقريراً جديداً الى مجلس الامن الدولي في منتصف الشهر المقبل، يطلب فيه تمديد ولاية "المينورسو" لفترة اطول، وبدء الفترة الانتقالية خلال الصيف المقبل للتمكن من اجراء الاستفتاء في كانون الاول ديسمبر 1999. لكن رهن احراز التقدم في هذه الالتزامات بالتعاون الكامل بين الاطراف المعنية والاممالمتحدة، سيما وتلقى قبل قدومه الى المنطقة تأكيدات من المغرب وجبهة بوليساريو مفادها ان لا اعتراض على ذلك التعاون، لكن هناك تحفظات تطاول مواعيد الاجراءات المقترحة، مثل الاتفاق على نشر قوائم تحديد الهوية بعد اكتمال درس مختلف الحالات، وخصوصاً ملفات المجموعات القبلية الثلاث، وارجاء عودة اللاجئين وافراد عائلاتهم الى حين التأكد من الهوية، على اساس ان الخطة الدولية تمنح حق العودة الطوعية للاشخاص المتحدرين من اصول صحراوية فقط. لكن عدم اكتمال جولة الامين العام من شأنه ان يرجئ تنفيذ الاجراءات التي كان يعول عليها لتفعيل خطة التسوية، ويرجح ان الفكرة التي تكونت لديه من خلال الجزء الاول من الزيارة ان نزاع الصحراء الغربية بمقدار ما يبدو بسيطاً وقابلاً للاستيعاب، بمقدار ما تتضاءل حظوظ انهائه كلما اقتربت فترة الحسم. وهذه الفكرة سبق ان عبّر عنها الامين العام السابق للامم المتحدة بيريز دي كويار الذي يعود اليه الفضل في وضع المسودة الاولى لخطة الاستفتاء، وبذلك يكون انان رابع امين عام للامم المتحدة يتعاطى وملف الصحراء الغربية من دون ان ينهيه على رغم تعهدات الاطراف المعنية. ومن المفارقات ان كورت فالدهايم حلّ في منطقة الشمال الافريقي في مثل هذا الوقت من عام 1975، وكان الخلاف قائماً آنذاك بين المغرب واسبانيا في ضوء تنظيم المسيرة الخضراء التي زحف خلالها 350 ألف مغربي نحو المحافظات الصحراوية سلمياً، بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي افاد بوجود روابط بين سكان الصحراء والسلطات المغربية، في حين ان دي كويار تسلّم الملف بعد ذلك بعشرة اعوام، على اثر فشل منظمة الوحدة الافريقية في حلّه، ونزوعها نحو الاعتراف ب "الجمهورية الصحراوية" الذي كان سبباً في تعليق المغرب عضويته في المنظمة القارية. واستند الدكتور بطرس غالي في تعامله مع هذا الملف على الارضية التي صاغها دي كويار، وهي الخطة التي يلتزمها انان حالياً. والواضح برأي مراقبين يرصدون تطورات ملف الصحراء انه ارتدى في كل فترة طابعاً خاصاً، اذ استخدِمَ خلال مرحلة الحرب الباردة في سياق نزاع اقليمي بين المغرب والجزائر بحكم تباين خياراتهما الايديولوجية آنذاك وتزايد الاهتمام بالحركات اليسارية، وانسحبت الصورة على القارة الافريقية التي عرفت انقسامات حادة بين المنتسبين للمعسكرين الشرقي والغربي، لكنه عرف تطوراً نوعياً في فترة حدوث الانفراج في العلاقات المغربية - الجزائرية، الى درجة ان اول اتصال بين العاهل المغربي الملك الحسن الثاني واعضاء قياديين في بوليساريو عام 1989 ارتبط بالاعلان لاحقاً عن تأسيس الاتحاد المغاربي في مدينة مراكش التي كانت استضافت ذلك اللقاء. بيد انه القى بظلال قاتمة على مسار الاتحاد المغاربي الذي تعثر بفعل تباين الموقفين المغربي والجزائري ازاء هذا الملف، في وقت كان فيه الرهان قائماً على تذويبه في نطاق البناء المغاربي. وسيكون على كوفي انان في جولته المرتقبة لانهاء برنامج الزيارة ان يخوض في غمار الخلفيات السياسية للنزاع، ذلك ان مجرد الاعلان عن التزام تنفيذ خطة الاممالمتحدة ليس كافياً، لأن ارادة الحل مطلوبة في السياق الاقليمي قبل ان تكون قراراً دولياً، وقد عبّر أنان عن هذا التصور بالقول ان نزاع الصحراء ليس سهلاً او بسيطاً، لأنه لو كان كذلك لجرى الاستفتاء المؤجل ست سنوات قبل الموعد المقترح حالياً.