عندما وقع الاختيار على بانديلي مايكو ليكون رئيساً لوزراء البانيا في بداية تشرين الاول اكتوبر الماضي، كانت هذه البلاد على شفير الحرب الاهلية بين طرفيها: الجنوبي المؤيد للاشتراكيين، والشمالي المناصر للمعارضة التي يقودها الحزبان "الديموقراطي" بزعامة رئيس الجمهورية السابق صالح بريشا، و"حزب الشرعية" الساعي الى عودة النظام الملكي الذي يمثله ليكا المطالب بعرش ابيه زوغو الذي جرد منه منذ 1946. جميل روفائيل يستعرض: كان بانديلي مايكو اميناً عاماً للحزب الاشتراكي الذي يتزعمه سلفه في رئاسة الحكومة فاتوس نانو، الذي اضطر للتنحي نتيجة ضغوط محلية ودولية، املاً في تهدئة الاوضاع المضطربة وقيام حوار بين الفئات السياسية الالبانية. وعلى رغم ان كل التغيير الذي جاء به مايكو اقتصر على خروج نانو من الحكومة، الا ان ذلك اعتبر كافيا لكي يعيد وحدة الائتلاف الحكومي المتكون من خمسة احزاب يسارية ووسطية وعرقية، الذي ابقى ما كان بحوزة كل منها من مناصب على حاله، كما ان المعارضة اضطرت للكف عن تظاهراتها، بعدما حذرها الاوروبيون والاميركيون من مغبة مواصلة "استخدام الشارع لتحقيق اهداف سياسية" خصوصاً وانه تمت الاستجابة لمطلبها الرئيسي في شأن استقالة شخص نانو. ويوصف مايكو بأنه نسخة مصغرة لصديقه الحميم نانو، فكلاهما من جنوبالبانيا القريب من الحدود مع دولة اليونان التي لهما فيها ارتباطات عائلية، واختاره نانو شخصياً لتولي منصبه الكبير في الحزب الاشتراكي اثر تسلمه السلطة في حزيران يونيو 1997، وظل يمارس مهماته ضمن اطار الدائرة المرسومة له بتعليمات رئيس الحزب نانو. وواصل مايكو سياسة سلفه في المجالات المحلية والاقليمية والدولية، ففي الداخل، حافظ على مؤسسات الدولة كافة وابقى النظام علمانياً وقاوم ضغوط المعارضة لاجراء انتخابات مبكرة، وفي المجال الاقليمي استمر في تأييد الموقف الدولي لحل ازمة كوسوفو سلمياً مع بقاء الاقليم في يوغوسلافيا وحافظ على العلاقات المتميزة مع اليونان التي ارساها نانو، بينما في الساحة الدولية ظلت حكومته "ملبية توجيهات الغرب وما يريده منها حلف شمال الاطلسي". ومن مميزات مايكو انه اصغر رئيس حكومة في البانيا منذ استقلالها بعد الحرب العالمية الاولى، وربما في اوروبا ايضاً، وهو ما جعل بعض المراقبين يعتبره محدود التجربة السياسية، الامر الذي سيفرض عليه البقاء داخل الخيمة التي يحددها له حزبه الاشتراكي وزعيمه فاتوس نانو بالذات، وذلك على رغم القناعة السائدة حتى عند الذين يختلف معهم فكرياً بأنه "صريح ومرن في التفاهم ما اكسبه احترام زعماء الاطراف كافة". ولد بانديلي اسمه مايكو لقبه في 15/11/1967 في تيرانا من عائلة تعود الى مدينة كورجا القريبة من الحدود مع اليونان، ولا يفهم من اسمه او لقبه معنى في اللغة الالبانية، وهو ما اوجد المجال لمعارضي الحزب الاشتراكي ان يعتبروه من اصل سلافي، خصوصاً وان بانديلي تعني باليونانية "على الدوام" ومايكو تدل على تسمية "الأم" باللغات السلافية. دخل مايكو كلية الهندسة الفنية في تيرانا العام 1986 وانتقل منها الى كلية الحقوق حيث تخرج 1992، وخلال دراسته الجامعية لم يكن حزبياً، ما وفر له المجال بأن يكون شخصية وسطية بين الاتجاهات كافة وانتخابه سكرتيراً لمنظمة الشباب الجامعيين التي تأسست نتيجة الانفتاح الذي ظهر في اواخر العهد الشيوعي، وكان من قادة الانتفاضة الطلابية التي دعت الى الديموقراطية والتعددية الحزبية، واختير احد ثلاثة طلاب للاجتماع مع الرئيس الاسبق رامز عليا آخر رئيس شيوعي في 11/12/1990 حيث اسفر اللقاء عن بدء الاتجاه نحو تطبيق الديموقراطية، وهو بذلك يوضع ضمن الاجيال الجديدة التي حققت التغيير في نظام الحكم الالباني الذي اقامه انور خوجة وعرف بانغلاقه على العالم واجراءاته المتزمتة. وعندما قاد فاتوس نانو تحول حزب العمل الالباني الشيوعي الى الاشتراكي العام 1992، انتمى اليه مايكو واصبح نائب رئيس المنتدى الطلابي الاوروبي - الاشتراكي في البانيا، ثم رئيسه حتى عام 1996 عندما انتخب عضواً في البرلمان وعمل في لجنته القانونية. ومارس دوراً بارزاً في الاضطرابات التي اجتاحت البانيا في النصف الاول من 1997 وعندما تم انتخاب الامين العام للحزب الاشتراكي آنئذ رجب ميداني رئيساً للجمهورية في تموز يوليو من العام نفسه، جرى الاتفاق، بناء على اقتراح من نانو، على ان يحل مايكو مكانه، وان يكون رئيساً لتجمع النواب الاشتراكيين في البرلمان الحالي الذي يهيمن عليه الحزب الاشتراكي. وبعد ان قضى مايكو شهراً في رئاسة الحكومة، يبدو ان الاحتجاجات والتظاهرات التي اثارتها المعارضة اخذت بالانحسار، كما انه عقد اتفاقاً مع رئيس حكومة البان كوسوفو في المنفى بويار بوكوشي، بأن "تؤيد حكومته الخط الذي يسلكه الزعيم الالباني المعتدل ابراهيم روغوفا، ولكن الى الحد الذي لا يشكل ذلك خلافات جوهرية مع المجتمع الدولي الذي يعتبر ان الحكم الذاتي هو الحق المشروع لاقليم كوسوفو". ويبقى على بانديلي مايكو ان يسعى الى حل المشاكل التي اخفق في تذليلها فاتوس نانو، والتي في مقدمها، استرجاع حوالي 650 الف قطعة سلاح مختلفة الانواع، نهبت من المستودعات العسكرية الالبانية ولا تزال في ايدي السكان، والعمل على تحقيق الامن الذي يكاد يكون مفقوداً في معظم انحاء البانيا، وتحسين الوضع الاقتصادي لبلاده الذي هو الاكثر انخفاضاً في اوروبا، واعادة مدخرات مئات الآلاف من المواطنين التي فقدت بانهيار الشركات الاستثمارية الهرمية في آخر ايام الرئيس السابق صالح بريشا. ويشير المتفائلون من المراقبين الى انه قد ينجو من الخيبة، خصوصاً وانه لا يوجد له اعداء شخصيون، كما كان الحال مع نانو، الذي كثيراً ما امتدت خلافاته الشخصية مع البعض من الزعماء الالبان، الى صراع سياسي