سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الخامسة - قسم اول . بوش : عاد بيكر للتو من رحلة "كوب تنك" ناجحة جمع فيها نحو 6 بلايين دولار . غورباتشوف : بريماكوف يعرف صدام حسين شخصياً والجميع يعرف ان حشره في زاوية خطأ
في الفصل ال 15 من كتاب "عالم تحوّل" وعنوانه "توازن دقيق" يتحدث مؤلفا الكتاب جورج بوش وبرنت سكوكروفت عن اعتراض عدد كبير من اعضاء الكونغرس على امكانية الدخول في حرب ضد العراق، وعن الآراء التي عبّر عنها الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف والاقتراحات التي قدمها بخصوص أزمة الاحتلال خلال لقائهما في هلسنكي ومحاولته بوش اقناع غورباتشوف بإصدار بيان اميركي - سوفياتي مشترك يدين الغزو ويطالب العراق بالانسحاب من الكويت ويهدد بإجراءت اخرى اذا لم يتحقق ذلك. ويتحدث سكوكروفت الذي جلس في هلسنكي الى جانب الماريشال السوفياتي سيرغيه اخرومييف عن ردّ الاخير على سؤاله: كيف تسير الامور بالنسبة اليك شخصياً؟ جورج بوش تؤثر ضغوط الجمهور والكونغرس في صنع السياسية ومن الصعب دائماً الاختيارُ بحكمة، وموازنةُ ما هو شعبي في مقابل ما تعتقد بأنه صحيح. لم يكن هذا في أي وقت أصحّ مما كان عليه في الاسابيع والاشهر القليلة المقبلة. قضينا خريف 1990 في المحافظة على تحالفنا الدولي وتقويته بينما كنا نبني الدعم في الداخل والخارج لما كنا نفعله، وما قد يتعين علينا ان نفعله ايضاً. أملتُ بتجنب القوة الى ان نكون قد حصلنا على الدعم الداخلي والدولي لاستخدامها في النهاية. كنت مستريحاً وواثقاً بشأن تدبر أمر التحالف. كانت التحديات الداخلية اكثر تعقيداً. اذ اختلطت السياسة الخارجية بتلك المتعلقة بالموازنة، وصارت مشحونة بالمواقف الحزبية مع اقتراب الانتخابات النصفية، وصارت العلاقات العكرة مع الكونغرس اكثر مرارة. وسرعان ما صارت هذه واحدة من اكثر الفترات إحباطاً في رئاستي، فيما حاولت عقد صفقة وسط بشأن الموازنة وبناء تفهم عام ودعم لسياستنا المتبلورة في الخليج. كثيراً ما فكرت كم سيكون رائعاً العمل مع كونغرس لا يكون فيه المجلسان كلاهما تحت سيطرة حزب المعارضة. بدا لي ان اي شيء أردت عمله ستعوقه الزعامة الديموقراطية في الكونغرس. كنت اعلم ان هناك بعض مجالات الخلاف الحقيقي مع اعضاء الكونغرس في شأن السياسة، لكنني اعتقدت بأن الموازنة والخليج يجب ألا يكونا بينها. أردت وحدة حزبية في هاتين المسألتين الحرجتين وأردت تفاهماً عاماً. في الوقت نفسه، كنت أفهم انني لن أكسب الى جانبي آخر عضو في الكونغرس او آخر اميركي. سأواجه الانتقاد مهما فعلت، وقررت الاعتماد على اقتناعي بما هو عادل وصواب ليرشدني. في بداية الازمة، كان دعم الجمهور والكونغرس لرد فعلنا الفوري على غزو الكويت قوياً وعريضاً. ان استطلاعات الرأي قياس غير دقيق للرأي العام، خصوصاً لأنها تعتمد على طريقة توجيه السؤال وعينات السكان التي يسألها الباحثون، لكن النتائج أظهرت بثبات ان الاميركيين عموماً كانوا يدعمون سياستنا. كانت ارقام شعبيتي مرتفعة 76 في المئة وفقا لأحد استطلاعات "نيويورك تايمز - سي بي اس" في 22 آب اغسطس. ومع ان الدعم كان مفرحاً، كانت هناك تحفظات. أحد الانتقادات كان انني لم أشرح بما فيه الكفاية القضية للشعب وللكونغرس في ما يتعلق بالسبب الذي يدعونا الى التدخل. لا يمكن للرأي العام ان يدعم لفترة طويلة جداً نشر القوات الكبيرة التي سنحتاج اليها في الخليج، ناهيك عن العمل العسكري، من دون اعطائه تبريراً جيداً. اراد بعضهم مني توجيه أحاديث من جانب المدفأة لأشرح الامور، كما فعل فرانكلين روزفلت. لست ماهراً في ذلك. كنت مقتنعا بأن افضل طريقة هي تشكيل الرأي ليس بالكلمات الطنانة وانما بالعمل. كثيراً ما شعرت بأن حجم ما كان يحدث للكويت لم يُغَطَّ التغطية المناسبة في الصحافة، وبناء على ذلك فإن الجمهور الاميركي او اعضاء الكونغرس لم يفهموه. ولهذا صار التعبير عن مصالحنا اكثر صعوبة. المرة تلو المرة كانت اعمال وحشية عراقية وأفعال إجرامية عنيدة تمر من دون تعليق يذكر في وسائل الاعلام. بدا الناس غير متأثرين بالمظالم التي كنا نشهدها، وهي مظالم وَجَدتُ فيها سبباً اكبر لمقاومة صدام. كان عدم قدرة شبكات التلفزيون على تغطية هذه الحوادث بسبب الرقابة العراقية مشكلة كبيرة. لم أحاول ان أشرح ما كان معرّضاً للخطر في خطاباتي وفي مؤتمراتي الصحافية فحسب، وانما ايضاً ابقاء الكونغرس على اطلاع. في اكثر من عشرين مناسبة خلال الازمة اجتمعت مع الكونغرس، او زعامته، ومجموعات من الحزبين او اطلعتهم، من دون حسبان الاجتماعات مع افراد، ابتداء من 28 آب اغسطس، مع ان الكونغرس كان في اجازة الى ما بعد يوم العمل. كان في الكونغرس وفي أوساط الجمهور اولئك الذين اختلفوا مع اهدافنا. جادل بعضهم أن ليست لنا مصلحة قومية حقيقية في إعادة حكام الكويت. وجدت ذلك محبطا. وكان تفكير هؤلاء يقول: "الكويتيون اغنياء. انهم ليسوا ديموقراطيين. ليست لنا مصلحة في إعادة حكامهم الى السلطة. شعب الكويت يجب ان يختار. يجب ان ندعو الى انتخابات في الكويت تحت اشراف الاممالمتحدة". سجلت في مفكرتي: المفكرة، 4 ايلول سبتمبر أشعر بقلق من ان ]السناتور عن جورجيا[ سام نان قد ركز على الحل الوسط الذي يعرضه بعضهم ]أنه[ يجب ان تكون هناك انتخابات في الكويت... هذا لا يرقى الى تفويض الاممالمتحدة وهو يخدم أغراض الملك حسين وبعض الآخرين الذين يبحثون باهتياج عن حل عربي وينتقدون الولاياتالمتحدة لكونها هناك. الحكام يجب ان يعادوا. وما تفعله الكويت بعدئذ هو شأنها. ]و[ ماذا عن ]الانتخابات في[ العراق؟ طالب الكونغرس، الى جانب اسئلته عن اهدافنا ومصالحنا، بأن يعرف مَنْ ايضاً سيقدم أموالاً لجهود الدفاع عن الخليج وما مقدارها. بلغت تقديراتنا للتكاليف عشرات البلايين. وعكس قلق الكونغرس شعوراً داخلياً واسع النطاق بأننا نضطلع بنصيب الاسد من العمل في الرد على صدام حسين واننا نتصرف نيابة عن مصالح العالم، وليس مصالحنا فحسب. لم يكن هذا موقفاً غير معقول، خصوصاً وسط معركة على الموازنة. بينما اعتقدت بأن الولاياتالمتحدة يجب ان تكون مستعدة لتحمل الوطأة الكبرى للعبء العسكري، اعتقدت بأن من الإنصاف ان تساهم بلدان اخرى لها مصالح معرضة للخطر. كان بعض البلدان قد سارع الى التبرع بقوات، أما تلك البلدان التي لم تستطع - او لم تشأ - فقد تَعْرِضُ التزاماتٍ مالية كبيرة. كان علينا ايضاً العثور على سبل لتعزيز التحالف بالتعويض عن المشقة الاقتصادية، ليس فقط على اولئك المتضررين بالعقوبات مثل مصر وتركيا، وانما ايضاً على الاردن وبعض بلدان اوروبا الشرقية التي اعتمدت على النفط العراقي او الكويتي. ان اقتسام الأعباء بين الحلفاء عندما يتعلق الامر بمسائل الدفاع لم يكن فكرة جديدة، وكان قدر منه موجوداً لسنوات. اذ ساعد الألمان بإعانة في نفقات القوات الاميركية على ترابهم. وكان لنا ايضاً اتفاقات مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية يساعد هذان البلدان بموجبها في التكاليف المحلية لقواتنا العسكرية. أراد الكونغرس بصورة خاصة ان يعرف عن مساهمة اليابان. كان لا يزال في انحاء البلاد مزاج للتهجم على اليابان، الامر الذي انعكس في بعض الاسئلة في المؤتمرات الصحافية. كنت قد تحدثت مع صديقي توشيكي كايفو في 29 آب اغسطس، وكان داعماً قدر ما أمكن. طلع بخطة يمكن ان تصل الى بليون دولار للدعم اللوجستي من دون حسبان المعونة اليابانية الثنائية لتركيا، ومصر، والاردن. وجرت زيادة هذه في ما بعد. وقد واجه كايفو مشكلة صعبة. اراد ارسال مساعدة عسكرية غير مميتة الى الخليج، لكنه لم يستطع التغلب على معارضته الداخلية. برنت سكوكروفت كان العون المالي المساعدة الرئيسية التي كان بوسع اليابان وألمانيا ان تعرضاها على التحالف. وكان البلدان كلاهما مقيّدين بدستوريهما في ما يتعلق بالعمل العسكري في الخارج. وفي وقت أبكر من ذلك بكثير، بذل كل منهما جهوداً لإحباط النزعة العسكرية التي ساهمت في سياساتهما الخارجية العدوانية في الثلاثينات - والحرب العالمية الثانية. وبينما كان القصد من هذه القيود الدستورية منع العدوان الالماني او الياباني، فقد فسّرها كثيرون الآن بصورة اعرض بكثير، لتشمل أي نشر للقوات في الخارج - حتى لنشاطات المحافظة على السلام. كان كول وكايفو كلاهما تحت ضغط داخلي هائل، متسمٍ احياناً بنشاط يقرب من معارضة الحرب، لعدم السماح لبلديهما بالاشتراك في أيٍّ من تطبيق عقوبات الاممالمتحدة او المساهمة في قوات للتحالف في المملكة العربية السعودية. في اجتماع مجلس أمننا القومي في 30 آب اغسطس، قررنا ان ندعو كل حلفائنا واصدقائنا الى المساهمة بمعونة اقتصادية وكذلك في تخفيف تكاليفنا الدفاعية الخاصة بالعملية التي كنا نسميها درع الصحراء، وذلك في ما سمّيناه لاحقاً رحلة "كوب التَنَك". مهّد الرئيس بوش السبيل بالاتصال هاتفياً بثاتشر وميتران ليبلغهما مقاربتنا ثم اتصل بكول، وفهد، وأمير الكويت، ورئيس الامارات العربية المتحدة طالباً منهم الاجتماع بمبعوثينا. وقررنا ايضاً ارسال رسالة منفصلة الى غورباتشوف نشجعه على مساعدة الاوروبيين الشرقيين في حالات نقص النفط لديهم. وسرعان ما توجه بيكر وبْريدي الى اوروبا وآسيا وكل منهما يحمل كوب تَنَك في يده. جورج بوش كانت مصر في وضع اقتصادي سيء الى حدّ استثنائي وعليها ديون اجنبية ثقيلة لم يكن من شأن الحظر وانخفاض حركة المرور عبر قناة السويس الا جعلها اكثر سوءاً. وإن لم يعثروا على بعض الإغاثة يمكن ان تنشأ مشكلات سياسية خطيرة في البلد. اتصلتُ بمبارك في 1 ايلول سبتمبر لأقول له انني سأوصي الكونغرس بإعفاء مصر من ديونها كلها للولايات المتحدة. وكنت اعلم ان تحقيق ذلك سيكون صعباً وان جوقة سترفع اصواتها في الكونغرس واماكن اخرى سائلة، وماذا عن تركيا، وماذا عن اليونان؟ كان مبارك حاسم الاهمية لعملية السلام برمتها في الشرق الاوسط وللتحالف. وكان علينا ان نعثر على طريقة لمساعدته. وكان من المقرر ان يصل وفد من خمسة اعضاء من الكونغرس الى القاهرة في غضون يومين، وطلبت منه عدم ابلاغهم بما أنوي عمله - إذ أردتُ التشاور مع الكونغرس اولاً - برغم ان بوسعه ان يثير مسألة شطب الديون معهم. تحدثنا ايضاً عن تأثير العقوبات على العراق. كان حسني مقتنعاً بأن صدام محشورٌ في زاوية سياسية ضيّقة ومن غير المُرجّح انه يمكن ان ينسحب ببساطة من الكويت او يستطيع ذلك تحت ضغط اقتصادي. وقال انه بعد ثماني سنوات من القتال، وآلاف الخسائر في الارواح، وإنفاق 200 بليون دولار، ليس عند العراق شيء يمكنه ان يظهره كنتيجة لحربه مع ايران. وتنبأ بأن صدام اذا انسحب، فسيفقد كثيراً من ماء وجهه. سيكون الامر انتحاراً: شعبه سيقتله. وأصرَّ وزير خارجية عُمان، يوسف بن علوي، ايضاً على ان صدام لن ينحني تحت العقوبات وجَادلَ لمصلحة جهد عسكري. وجدتُ تلك الآراء مثبطة جداً للعزيمة. برز نقاش آخر في آب اغسطس بشأن ما اذا كان يجب عليّ ان اذهب الى المملكة العربية السعودية لدعم جنودنا. كان الاميركيون يلوّحون بأيديهم وداعاً لأحبائهم في القواعد الجوية وعلى أرصفة الموانئ واعتقدتُ بأن من المهم ان يُظهرَ الرئيس حضوره. والى جانب ذلك فإن هذا سيعطينا عند عودتي مناسبة نحتاج اليها للتحدث الى الأمة عن التزامنا تجاه الخليج. وأردتُ ايضاً ترتيب زيارة لحلفائنا العرب وإظهار تقديرنا للجهود الشجاعة التي كانوا يبذلونها. أثرتُ الفكرة للمرة الاولى في ملاحظة الى برنت في 10 آب اغسطس. وَسَقَطت مثل بالون من الرصاص. لم يكن احد محبّذاً لها. سكوكروفت، وسنونو، وبيكر، اعتقدوا جميعاً بأنه يجب عليّ ان انتظر. شعروا بأنها يمكن ان تكون سلبية النتائج وقلقوا من انها ستُبرز وجود القوات الاميركية، مما سيخدم أغراض الدعاية العراقية. ويمكن ايضاً ان تستفزّ الراديكاليين في المنطقة. لم يشجعني مبارك. الملك فهد قال انه سيجري الترحيب بي…، ولكن ظلّ يُقال لي ان السعوديين انما كانوا يُظهرونَ الكرم العربي. وهكذا، وعلى مضض، قررتُ ألا أذهب. لكنني مع ذلك أردتُ ان افعل شيئاً ما ديبلوماسياً. في اواخر آب اغسطس، ذكرتُ لبرنت اننا ربما يجب ان نفكّر في اجتماع مع غورباتشوف. أحبَّ برنت الفكرة بصورة رئيسية، حسب اعتقادي، لأنني لن اكون متوجهاً الى الخليج لذا بدأنا باتخاذ اجراءات بشأنها. كانت هناك اسباب وجيهة كثيرة لمقابلة غورباتشوف، فقبل كل شيء كانت ستعزّز رسالتنا الى صدام بأن الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي يقفان معاً في معارضةٍ صلبة كالصخر للغزو. لهذه الاسباب فإن مجرد عقد الاجتماع سيكون في حدّ ذاته خطوة كبيرة. كنتُ واثقاً الى حدّ كبير بأن غورباتشوف لن يوافق على الاجتماع لو كان يعتقد بأنه سيقع بيننا جدل حاد بشأن العراق وانه، اذا كانت مناقشتنا مثمرة، فلن يكون من شأنها إلا ان تزيد من عزلة العراق. وشعرتُ ايضاً بأن من المهم الإقرار رمزياً بأن للسوفيات مصلحة في الخليج. اذ كانوا حساسين جداً بشأن احتمال استخدام القوة، الأمر الذي جعل من المُلحّ اكثر ان اتحدث مع غورباتشوف عاجلاً بدلاً من آجلا. قلقتُ من ان حادثة ما قد تنشأ لتضع ضغطاً على العلاقة قبل ان تتاح لي فرصة للتحدث اليه وجهاً لوجه. طبعتُ رسالة الى غورباتشوف مقترحاً ان نلتقي ليوم في فنلندا او سويسرا، على ارض محايدة حتى لا يختلط الاجتماع بالترتيبات المعتادة لقمة تجمعنا في اي من بلدينا. وبروح مناقشتنا في كامب ديفيد في حزيران يونيو، اردت فرصة اخرى للتحدث بصراحة وإنجاز أمور. مرّر جيم الرسالة الى السفارة السوفياتية في 30 آب اغسطس، ووافق غورباتشوف على الاجتماع في 9 ايلول سبتمبر في هلسنكي. سيكون هدف رئيسي لمحادثات هلسنكي محاولة إفهام غورباتشوف اننا قد نُضطر الى اللجوء الى القوة اذا لم تنجح المفاوضات والعقوبات. كنتُ محتاجاً لاقناعه بأن افضل طريقة لخلق نظام عالمي جديد من التعاون السوفياتي - الاميركي ضد العدوان هي دعم ردّ فعل قوي، ستكون له مضامين بالنسبة الى مستقبل السلم العالمي. أردتُ بياناً مشتركاً مُشَدّداً عن المسألة - يُرسِل رسالة قوية الى بغداد. قلقتُ فعلاً بشأن حديث السوفيات المتصل بتسوية سلام شاملة ومؤتمر للسلام في الشرق الاوسط يتضمن محاولة حلّ مسألة الاراضي التي تحتلها اسرائيل - أي ربط ازمة الخليج بالمواجهة العربية - الاسرائيلية الذي كنا نحاول تجنّبه. أثار شيفاردنادزه الفكرة مع بيكر، الذي أشار الى ان الاممالمتحدة نفسها مؤتمر دولي. وكان غورباتشوف قد لمّح الى ذلك في احد خطاباته. كان علينا ان نُبقي عملية السلام العربية - الاسرائيلية والعراق منفصلين، وإلا فقد ينفجر التحالف مع العرب برمته. برنت سكوكروفت أعدّ موظفو جيم بيكر، برئاسة دنيس روس، بياناً مشتركاً يعلن ان الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي يأملان بحلّ سلمي لكننا على استعداد لاتخاذ اجراءات اضافية اذا واصل صدام حسين رفض الانسحاب من الكويت. كانت تلك فكرة جيدة، لكنني اعتقدتُ بأن غورباتشوف سيريد انقاذ كل ما يمكنه انقاذه بالنسبة الى الدولة التي كانت تابعة له سابقاً. وسيكون نوع من الهبوط بأمان او نتيجةٌ قائمة على حل وسط الأمثل بالنسبة اليه، وكان من المرجح ان يبذل كل ما في وسعه لاستبعاد عمل عسكري. وشعرتُ بأنه سيكون من الصعب جداً اقناعه بفكرة البيان. من المحتمل ان غورباتشوف كان في صراع شديد بشأن سياسته تجاه العراق. اذ بالنظر الى الوضع المثبِّط للعزيمة في الداخل، فإن الوقوف الى جانب الدولة العظمى الولاياتالمتحدة من الممكن جداً ان يكون الصورة التي سعى اليها باهتمام. وكان الخطر احتمالَ ان يظهر كمجرد زورقٍ صغيرٍ تجرّه مدرعة الولاياتالمتحدة الضخمة. كانت هناك ايضاً امكانية ان ثلاثة عقودٍ من السياسة السوفياتية نحو العراق ستضيع سدى، الامر الذي قد يُلام عليه. اما الوقوف وراء العراق، من جهة اخرى، في ضوء استهجان عالمي ساحق، فلم يكن خياراً جذّاباً. ويمكن ان تكون نتيجة هذه المعضلة محاولةَ وضع كلٍ من رجليه في مكان: قفْ قوياً الى جانب الولاياتالمتحدة، ولكن اعمل بجدٍ من وراء الستار لحماية صدام والاستثمار السوفياتي. جورج بوش في 6 ايلول سبتمبر، تحدثتُ عن اجتماع هلسنكي مع ميتران، الذي كان قد فَرَغَ للتو من مكالمة هاتفية مع غورباتشوف. قال لي: "انه حذرٌ جداً بشأن أي تحرك نحو حرب مفتوحة، لكنه شدّد على الحاجة الى المحافظة على جبهة متحدة بخصوص وضع الكويت. وجدته في اطار عقلي ايجابي جداً. قال ان اجتماعه مع طارق عزيز خلال زيارته كان صعباً جداً". كان فرنسوا قلقاً على الرهائن، لكنه قال ان الوضع يجب ألا يغيّر سياستنا. وأعلن: "على العكس، ان هذا يغيظنا ويقوّي من عزيمتنا… صدام يصعِّب الامر". رأى أن ممّا سيساعد غورباتشوف ان أشدّد على التضامن. سألته ما رأيه في العمل العسكري لتطبيق العقوبات. ردَّ فرنسوا بأن هذا سيكون ضمن اطار قرار الاممالمتحدة 665. وقال ببراغماتية: "اذا كان من الضروري إطلاق النار على سفينة عراقية، فيجب عمل ذلك". لم يرَ ان هذا سيكون ضرورياً. وأملتُ بألا يكون كذلك. في اليوم التالي، اتصلت مارغريت ثاتشر بي هاتفياً وقالت ان حزب العمال المعارض يريد قراراً اضافياً من الاممالمتحدة. وقالت: "قلتُ لهم ان لدينا أصلاً السلطة ولا نحتاج الى العودة الى الاممالمتحدة. يمكن ان نحتاج الى رسالة اخرى من الأمير أمير الكويت، ولكن ينبغي ألا نعود الى الاممالمتحدة ونجازف بانقسام في الاصوات، الامر الذي سيُضعف مركزنا. استغرقَ تأمين القرار 665 خمسة ايام، وحتى عندئذ لم نستطع ان نُدرج كلمة &القوة& في النص". في ذلك اليوم نفسه، قبل السفر الى فنلندا، ذهبتُ الى الجلسة الافتتاحية لمفاوضات الموازنة في قاعدة أندروز الجوية. وبدا اننا نواجه مأزقاً وأخذ إحباطي تجاه الكونغرس يزداد. المفكرة، 7 ايلول سبتمبر آملُ بأن العراق ووحدة البلاد يمكن تحويلهما الآن الى دعمٍ لاتفاق الموازنة. بذلت محاولة ترويج لدى جميع الزعماء الجالسين حول الطاولة بصورة سريعة وتفهّموا جميعهم الأمر لأنه كان عليّ ان أتوجه الى هلسنكي. لعل رحلة هلسنكي هذه مع غورباتشوف وأزمة العراق ستكون مُرتَكز المخل لتمرير صفقة عبر الكونغرس. انني اتمنى ذلك فعلاً. صادفنا قدراً كبيراً من الاضطراب الجوي في الرحلة، لذا لم أنم كثيراً وكنتُ متعباً يوم السبت عندما وصلنا. لكن فنلندا كانت رائعة، واستقبلنا الرئيس مونو كويفيستو، وهو صديق قديم، استقبالاً حاراً. انضمّ اليّ جيم بيكر بعد ان عاد للتو من رحلة "كوب تَنَك" ناجحة، جَمَعَ فيها نحو 6 بلايين دولار. اجتمعنا، غورباتشوف وأنا، صباح 9 ايلول سبتمبر في القصر الرئاسي. بدا مسترخياً نسبياً بل مبتهجاً، برغم المتاعب التي كان يواجهها في الداخل. كانت المجموعة صغيرة - أنا، وغورباتشوف، وبرنت، وتشيرنياييف. اجتمع جيم على حدةٍ مع شيفاردنادزه. قلتُ لغورباتشوف عندما ابتدأنا: "اعتقد بأن ثمة فرصة لنطوّر من هذه المأساة نظاماً عالمياً جديداً. لكن بيت القصيد… يجب ان يكون انه لا يمكن السماح لصدام حسين بأن يجني ربحاً من عدوانه. لستُ متأكداً بعد من انه يعلم ان الولاياتالمتحدة مصمّمة على ان تفوز. آمل بأن تُوصل اليه كلمة بأنه لا يسعنا ان نفشل في تنفيذ قرارات الاممالمتحدة". أبلغته ان لدينا استراتيجية عقوبات أمامها فرصة جيدة للنجاح. وقلت: "لا أريد للأمر ان يتصاعد ولا أريد استخدام القوة. ولكن اذا لم ينسحب، فيجب ان يعلم ان الوضع الحالي غير مقبول". أردتُ مناقشة المسألة مناقشةً تامة مع غورباتشوف لكي يدعمنا السوفيات اذا اضطُرَ التحالف، في نهاية الأمر، الى استخدام القوة. قلت: "قد يكون هذا صعباً بالنسبة اليك، لكنني آمل بأن تستطيع عمل ذلك. سَألَتْني الصحافة عما اذا كنتُ سأطلبُ منك إرسال قوات. قلت ان ليس لديّ مثل هذه الخطط، لكنني أقول لك انك اذا قررتَ ذلك، فليس عندي مشكلة في هذا الخصوص". قلتُ ان الولاياتالمتحدة لا تنوي ترك أي قوات كبيرة في الخليج في ما بعد. "أي وجود أمني متبقٍّ لإبقاء صدام تحت السيطرة يجب ان يكون متعدد الجنسية". أشرتُ الى ان التقليد الاميركي كان القول بأن السوفيات ليس لهم دور يلعبونه في الشرق الاوسط. هذه السياسة تغيّرت. قلت: "النظام العالمي الذي أرى انه سينبثق من هذا هو تعاون اميركي وسوفياتي لحلِّ ليس هذه الأزمة فحسب، وانما مشكلات اخرى في الشرق الاوسط. كلما استطعنا ان نكون أقرب بعضنا الى بعض اليوم، كان النظام العالمي الجديد أقرب… أريدُ العمل معكم كشركاء مساوين في التعامل مع هذه المسألة. أريدُ التوجه الى الشعب الاميركي مساء غدٍ لأغلقَ كتاب الحرب الباردة، وأعرض عليهم رؤيا هذا النظام العالمي الجديد الذي نستطيع فيه ان نتعاون". سلّمته رسماً كاريكاتيرياً ملوّناً يُظهرنا ملاكمينْ، وأيدينا مرفوعة إشارة الى انتصارنا على تنين الحرب الباردة. ضحِكَ. سألته هل يمانع في ان يخاطب كلٌ منا الآخر باسمه الأول في هذه الاجتماعات الصغيرة. قال مبتسماً: "فليكن، يا جورج!". وافقَ غورباتشوف على ان الأزمة اختبارٌ للانتقال الذي يمرّ فيه العالم والعلاقة الاميركية - السوفياتية الجديدة. قال: "من دون نسيان حجم هذا الصراع، اعتقد بأننا اذا لم نستطع مواجهته فلا يمكن ان يأتي نظام جديد. قد يحدث ان تكون هذه الأزمة الحجر الذي سنتعثّر عنده. المسألة هي، هل نستطيع ان نتصرف ونفكر بطريقة جديدة؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فإن النتائج خطرة. من دون الاجتماع في مالطا، من دون العلاقة الجديدة، كان يمكن لأوروبا الشرقية وتوحيد المانيا ان يكونا أسوأ بكثير. كانا سيتحولان الى ورطة فظيعة. الآن نجد انفسنا امام مشكلة لا تقلّ صعوبة". قال لي ان العبء الرئيسي في اوروبا الشرقيةوالمانيا كان على كاهل الاتحاد السوفياتي وتعيّن عليهم إنهاء التفكير القديم. قال: "في الخليج، الولاياتالمتحدة في وضع أصعب بكثير. انني أفهم ذلك، ربما أكثر من شعبنا… شعبك يتوقع منك ان تتصرف بصورة حاسمة وان تفوز. شعبانا كلاهما يتوقعان نتائج سريعة… ينبغي ألا تشكّ في ان موقفنا حازم. لقد ندّدنا بالعدوان العراقي ودعمنا الاممالمتحدة. اننا كرجل واحد هنا. لكن الامر كان صعباً بالنسبة الينا في البداية لأنكم قررتم إرسال قوات ثم أبلغتمونا". قلت: "لم نكن نحاول عمل ذلك من وراء ظهركم. لكن بوسعي ان أقبل انه كان يجب عليّ ان اتصل بكَ وأبلغك أنني أنوي عمل ذلك". قال غورباتشوف: "لكن في ما بعد تمكنّا من العمل كتفاً الى كتف لتعبئة المجتمع الدولي وهذا إنجاز كبير. لقد أعطى هذا مظهراً مختلفاً جداً للقوات وهذا أمرٌ طيب. ولكن يجب ان يكون هناك نوع من الترتيب لإدارة هذا النظام الجديد. لقد تحمّلتم العبء الرئيسي للتعامل مع العدوان العراقي". عَرَضَ تفكيره بشأن الوضع الذي بلغته الأزمة. قال ان المملكة العربية السعودية صارت آمنة الآن وصدام تمّ احتواءه. يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ان يدّعيا تحقيق بعض الانجازات. ومع ذلك فإن بعض الأمور لم يكتمل. الكويت ما زالت محتلة، وصدام لن يغادر بسهولة. قال انه يعلم ان علينا التصرف بصورة حاسمة، ولكن الحلّ العسكري خطير وغير مقبول للاتحاد السوفياتي. ان طريقة نشر العراق قوات تدلّ على ان ليست لديه نيّة عدوانية تجاه المملكة العربية السعودية. هذا يعني انه اذا لم يهاجم العراقُ المملكة العربية السعودية او اسرائيل، فإن الولاياتالمتحدة ستكون البادئة بالحرب. وسيتذكّر الناس أفغانستان وفيتنام. صدام صار بطلاً في نظر عربٍ كثيرين لوقوفه في وجه الغرب، وهو ليس خائفاً من الولاياتالمتحدة. وقال: "ولكن لا نستطيع إبقاء الوضع كما هو. بريماكوف يعرف صدام حسين شخصياً. الجميع يعرف ان حشر صدام حسين في زاوية خطأ. يجب السماح له بإنقاذ ماء الوجه". طرحَ اقتراحاً. صدام يُفرج عن الرهائن، وينسحب من الكويت، ويعيد الحكومة الكويتية. في المقابل، تَعِدْ الولاياتالمتحدة بأنها لن تضرب العراق ونخفّض قواتنا، التي تحلّ محلها قوة عربية للمحافظة على السلام. يتبع ذلك اتفاق على مؤتمر دولي بخصوص الشرق الاوسط. كان هذا ربطاً. كان غورباتشوف مقتنعاً بأن صدام سيرفض هذا الاقتراح، وعندما يفعل ذلك فسَيُنْزع القناعُ عن وجهه ويفقد الدعم في أوساط العرب. اعتقدتُ بأن صدام سيقبل الخطة فوراً، اذ بوسعه ان يستغل الربط بالمؤتمر للتغطية على عدوانه. قلت: "أي اتفاق على خطة تترك قضية الكويت مفتوحة سيكون هزيمة كبرى للعمل الجماعي الذي أوصلنا الى هنا". اذ ان صدام سيحصل على ما يريد. "ما زال لديه برنامج نووي ويمكنه العودة الى العدوان بمجرد ان تغادر الولاياتالمتحدة". اقترح غورباتشوف ان نجري تعديلات في الخطة، لكنه جادلَ بأن العمل العسكري سيبدو كعدوان. إعترضتُ قائلاً ان صدام يفكّك الكويت. قال غورباتشوف: "اعتقد بأن هذا هو السبب الذي يدعونا الى التصرف بسرعة. القوة ستدمِّر ما أنجزناه. اذا استمر الوضع الحالي من دون خطوات، سنكون قد فقدنا زمام المبادرة. هنا يمكننا ان نقول اننا نتصرف بطريقة مسؤولة باقتراح سبل لحل المشكلة". قلتُ له ان أي شيء ينتج من مناقشاتنا لا يمكن ان يكون خطة أميركية - سوفياتية. قلت: "هذا سيبدو مثل حُكمٍ مشترك يقتصر على محاولتنا نحن الاثنين فقط العثور على حل. لكن الفكرة مثيرة للاهتمام وعلينا ان نُجري بعض التفكير…". أقرَّ غورباتشوف بأنه ليس بوسعنا التصرف كما لو كنا وحدنا نحلّ المشكلة. وسأل: "ولكن اذا كنّا لا نستطع عمل اي شيء، فلماذا نجتمع؟". اقترحَ انه يمكننا ان نقول اننا نعتقد بأن من الممكن العثور على "حلٍ من شأنه ان يمنع حدوث تطورات أسوأ". قلت: "أوافق باستثناء اننا يجب ان نقول &نبحث عن&. لستُ متأكداً من انه يمكننا العثور على مثل هذه الخطة… أودّ أن أقطع الميل الإضافي من أجل السلام، ولكن يجب علينا ألا نقوّضَ عمل الاممالمتحدة الجماعي". وردّ غورباتشوف: "ولكن اذا لم يحصل على اي شيء بالمرّة، وإذا حُشرَ في زاوية، فسيكون هذا اكثر كلفةً بالنسبة الينا جميعاً. نحتاج الى إعطائه قدراً من ضوء النهار. فلنعطِ الانطباع بأنه ليس على ركبتيه - مع انه سيكون كذلك لأنه لن ينجح" …