غارة إسرائيلية تغتال قيادياً من حزب الله في سورية    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الجيش الإسرائيلي يحمل حزب الله المسؤولية عن إطلاق مقذوفات على يونيفيل    إسرائيل تلاحق قيادات «حزب الله» في شوارع بيروت    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    فعل لا رد فعل    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الخامسة عشرة . سكوكروفت : ظل يذهلني ان صدام لم يقدم اقتراحاً قد يسمح له بالتملص . بوش : عندما أعلنت بغداد في منتصف شباط قبول القرار 660 سقط قلبي
نشر في الحياة يوم 12 - 10 - 1998

في هذا القسم قبل الاخير من الفصل ال 18 من كتاب "عالم تحوّل" وعنوانه "عاصفة الصحراء" وصف لأحداث وتطورات متلاحقة: اسرائيل تطالب اميركا بتعويضات عن نتائج ضربها بصواريخ "سكاد"، ووزير الدفاع ديك تشيني ورئيس هيئة الاركان المشتركة كولين باول العائدان للتو من المملكة العربية السعودية يبلغان الرئيس جورج بوش ان الخطة النهائية للحرب البرية صارت جاهزة. في غضون ذلك وقعت مأساة ضرب ملجأ العامرية في بغداد حيث ذهب مئات المدنيين ضحايا. وخلال ذلك كله كان الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يبذل قصارى جهوده لتجنب اندلاع حرب برية بدا ان واشنطن كانت مصممة على شنّها ما دام العراق لا يستجيب قرارات مجلس الامن.
جورج بوش
كان اجتماعنا مع أرينز صعباً وكريهاً. مع اننا كنا في الجانب نفسه، كنا لا نزال نتناطح بشأن طريقة الرد على هجمات "سكاد". كان عاطفياً الى حد كبير، بل غاضباً، وقدّم بعض إدعاءات بشأن الضرر اعتقدنا انه كان مُبالَغاً فيها، وطالبَ بأن نُنسق عملاً انتقامياً. إنزعجتُ عندما قال ان اسرائيل تستطيع عمل اشياء لا نستطيع نحن عملها لتدمير صواريخ "سكاد" في غرب العراق، واغتظتُ مما بدا من ان الاسرائيليين، أو على الأقل المتشددين منهم، يُقدّمون هذا الشكر القليل على ما كنا نحاول تحقيقه لهم.
بعد ظهر ذلك اليوم، أطلعني تشيني على رحلته الى المملكة العربية السعودية. وفي لحظة دخولنا الى الغرفة أبلغني ديك انه، وباول، وشوارتزكوف قد اتفقوا على مفهوم نهائي للعملية. أراد العسكريون العمل على أساس 21 شباط فبراير - 10 أيام من الآن - مع نافذة مداها ربما ثلاثة ايام. لم يُرِدْ شوارتزكوف التقيّد اكثر من اللازم بالتاريخ، لذا وافقنا على ان نوضح للآخرين في الاجتماع الاكبر التالي ان التاريخ ليس أكيداً. قلتُ لهما الاثنين ان علينا ان نعرف في وقت قريب، وبصورة اكيدة، حتى يمكنني إشعار حلفائنا. كانت الخطة، التي وُضِعَت خطوطها العريضة للمرة الاولى في كانون الاول ديسمبر، مُحدَّدة تحديداً راسخاً. الآن سيكون هناك تحرك حول الجناح الغربي، مع كون الفائدة من ذلك ان قسماً كبيراً من قواتنا سيتحرك على مسافة بعيدة عن القوة العراقية لقطعها والضرب من الجناح والخلف. أما الباقون فسيحصرونهم في الوسط وفي الميمنة بينما سيقوم مشاة البحرية بهجوم مخادع من البحر. كان العسكريون واثقين من ان العملية كلها يمكن تنفيذها في غضون بضعة ايام فقط، او على الاقل ان القوات العراقية يمكن قطعها في الكويت، بما في ذلك الحرس الجمهوري، ومنعها من التوجه الى الشمال. كان ديك وكولين متفائلين جداً بشأن تحقيق ذلك بخسائر قليلة في الارواح. كانت القوات الجوية للتحالف تحقق تقدماً كبيراً في تدمير دروع العراق، التي كانت مصدر قلقي. وبينما أعطاني كولين ايجازاً، نقلَ ثقة هادئة كانت مُعدِية. كان دائماً مستعداً لعمل ما يجب عمله، لكنني اعتقدت الآن بأنه كان متحمساً بصدق وشعرتُ بأن هذا الهجوم يمكن انجازه بحدٍ ادنى من المخاطرة - وسألتُ نفسي ما هو حدّ المخاطرة الأدنى لعائلةٍ يُقْتَلُ ابنها او تُقْتَل ابنتها. تركتُ النقاش بشعورٍ أكبر من الثقة بأن الحملة ستكون نجاحاً سريعاً.
كانت هناك أسباب ملحّة اخرى لتحديد تاريخ الهجوم. في وقتٍ متقدم من ليل 12 شباط فبراير، تلقينا تقارير مخيفة بأن سلاح الجو قد ضَرَبَ ملجأً عميقاً من بضع طبقات في وسط بغداد وان مئات المدنيين العراقيين قُتُلوا. كنا نعلم ان الملجأ هو محطة قيادة وسيطرة لشعبةٍ من الاستخبارات العسكرية العراقية، ولكن لم تكن لدينا فكرة عن ان مدنيين قد جُلبوا الى المنشأة لاستخدامها كملجأ من الغارات الجوية. عندما رأيتُ الجثث وهي تُحمل الى خارج الملجأ، المراهقين والاطفال المحروقين، أوجعني قلبي. أوجعني أن أرى معاناة إنسانية، بغضّ النظر عن الجانب الذي أصابته. ومع بدء وصول تقارير وسائل الاعلام وصور التلفزيون عن الخسائر في الأرواح، سألتُ بيل ويبتسر عن المعلومات المتوافرة لدينا عن الملجأ. أكد ان كل تقاريرنا أوضحت انه كان مُخصصاً لجهاز الاستخبارات، ولكن من الواضح ان العراقيين بدأوا استخدام طوابق اخرى للمدنيين. وأضاف بيل، في اكتشاف مثير للقلق، انه اعتباراً من ذلك اليوم كانت التقارير تفيد بأن كل الملاجئ العسكرية العراقية ستُستخدم في المستقبل ايضاً من جانب المدنيين. كان واضحاً ان صدام ينوي تحويل ما بدا انه مأساة الى سياسة. رأى القيمة الدعائية في تعريض شعبه للقتل، ولذا فإنه برغم ان ملاجئ كثيرة كانت أهدافاً عسكرية مشروعة، فقد وَضَعَ عمداً مدنيين فيها. إعتقدتُ بأن ذلك كان عملاً وحشياً ومنحرفاً وكان من العواقب الفورية لهذه المأساة تشكّك علني إضافي بطول الحرب الجوية - مع كون المعنى الضمني أنه لم تعد لدينا أهداف وصرنا يائسين. متى ستنتهي الحرب؟ وكانت نتيجةٌ اخرى تغييراً في الأهداف لتجنب اي امكانية لتكرار هذه الكارثة الانسانية والكارثة في العلاقات العامة.
برنت سكوكروفت
بينما كنا مجتمعين في واشنطن، كان بريماكوف مشغولاً في بغداد. سمعنا، في ليل 13 شباط فبراير، انه أرسل تقريراً بأن صدام مستعد ل "التعاون" نحو السلام، لكن المعنى الدقيق لذلك لم يكن واضحاً. في اليوم التالي تلقينا رسالة من غورباتشوف، الذي شرح ان بريماكوف قد أبلغ صدام ان عليه ان ينسحب. وقال بريماكوف في تقريره ان هناك بعض دلائل تزحزح "مشجعة". أظهر صدام مرة اخرى اهتماماً بتحديد شروطٍ لانسحاب قواته. وبناء على ذلك، فإن غورباتشوف سيدعو طارق عزيز للمجيء الى موسكو لاجراء مزيد من المحادثات. طلبَ توقفاً في القصف وأضافَ بحذرٍ انه يأمل بألا تحدث حربٌ برية خلال وجود عزيز في موسكو. وإجمالاً، لم يبدُ ان ثمة شيئاً جديداً، او على الأقل لم يكن هناك شيء أقرب الى انسحابٍ غير مشروط. اعتقدتُ ان طلب غورباتشوف عدم شن عمليات برية خلال محادثات موسكو كان القصد منه بصورة واضحة وقف الحرب البرية او تعطيلها.
اعتقدتُ ان هذه المحاولات من جانب غورباتشوف للتوسط كان هدفها الرئيسي إنقاذ بعض النفوذ وتعزيز قوته السياسية المستمرة في الضعف في الداخل. كان يقاتل من اجل حياته السياسية ويبحث عن نصرٍ كبيرٍ في السياسة الخارجية لتلميع سمعته…. ومع ذلك لم يكن في إمكاننا السماح له بالتدخل في ديبلوماسيتنا في الخليج او عملياتنا في مرحلةٍ حاسمة.
جورج بوش
في وقت مبكر من صباح الجمعة، 15 شباط فبراير، جاء أحد موظفي البيت الى غرفة نومنا، حيث كنتُ، أنا وباربرا، نقرأ الصحف ونشرب القهوة، وقال انه سمعَ ان اعلاناً سيصدر في الساعة 6.30 من العراق. شغّلتُ جهاز التلفزيون وانتظرنا بترقّب الى ان حانت الساعة 6.30 ومضت. اخيراً، تدخّل مذيع وقال ان العراقيين أعلنوا انهم سيتقيّدون بالقرار 660 بما في ذلك الانسحاب من الكويت. وبدلاً من ان أشعرَ بالانتعاش، سقط قلبي.
سجّلت ردّ فعلي بينما كنتُ أستمع:
المسألة الآن هي ما الذي سيحدث؟ لكن شعوري ليس شعوراً بالابتهاج. لدينا بعض العمل غير المكتمل. كيف نحلّ المشكلة؟ كيف نضمن الآن السلام في المستقبل؟ لستُ أرى كيف يمكن ان ينجحَ مع وجود صدام في السلطة، وأنا متشكّك جداً، جداً. يتصل تشيني، ويتصل بيكر - 6.40 - وأشجّعهما على الاستمرار في السير، والاستمرار في التحرك" لا تدعا أي شيء يتغيّر في هذا الوقت بالذات.
برنت سكوكروفت
كنا قد أعددنا خطة طوارئ مفصّلة لمثل هذه اللفتات وحضّرنا مع حلفائنا قائمة "اختبارات" لصدق أعمال صدام مستخدمين معايير عسكرية. لم نضطر الى لاستخدامها لأن مناوراته كانت شفافة. ومع ذلك، كنتُ قلقاً باستمرار من انه سيقدم اقتراحاً، يصعب تجاهله، اقتراحاً يوقف الاعمال القتالية موقتاً ويتركه وقواته سالمين الى حدّ كبير، حتى لو انسحب جزئياً او كلياً من الكويت. وبمجرد ان نكون قد أوقفنا القتال، سيكون من الصعب جداً مواصلته مرة اخرى اذا تبين ان مقترحاته خدعة أو انها لم تُنفّذ. بدا ان الاعلان العراقي الغامض يؤكد أسوأ مخاوفي. ثم جاء البيان الكامل عبر الوكالات، بينما كنا جالسين، الرئيس، وبيكر، وأنا وانضم الينا لاحقاً سنونو وكويل، في المكتبة الصغيرة قرب المكتب البيضاوي. وبينما كانت تُطْبَعُ كل فقرة، كان هناك المزيد والمزيد من المطالب، بما في ذلك ان نُعيد بناء العراق، وان نسحب كل قواتنا من الخليج، وان تُحَلَّ مشكلةُ اسرائيل وتُفرض عليها عقوبات، وان تُحلَّ مشكلة لبنان، وما الى ذلك. سهَّلت الشروط قول لا. أصدر مارلين فيتزووتر بياناً سريعاً الى الصحافة، مشيراً الى ان "العرض" لا يلبّي مطالب التحالف. يضاف الى هذا، ان الاعلان لم يرافقه اي عمل ملموس على الارض. خلال الصباح درسنا ردّ الفعل في اوساط حلفائنا، الذين لم يبدُ اي منهم مُعجَباً. وظلَّ يذهلني ان صدام لم يقدّم ابداً لفتة يمكن تصديقها او اقتراحاً قد يسمح له بالتملّص. كان بوسعه ان يُكتِّفَنا بعُقد.
جورج بوش
كان من المقرر ان أُلقي خطاباً حوالي الساعة 10 في مبنى المكتب التنفيذي القديم. أضفتُ على عجل ردّ فعلٍ في ملاحظاتي. وصفتُ البيان بأنه ليس اكثر من خدعة قاسية من جانب صدام، "تبدّد آمال الناس في العراق والعالم". أضفتُ بتهور ما سمّيته "طريقة اخرى لإنهاء سفك الدماء": ترك الشعب العراقي والجيش العراقي يضعان صدام جانباً وينضمان من جديد الى الامم المحبّة للسلام. كنتُ أترقب كيف سيكون وقع ذلك. كان هناك بعض المجازفة ولكن ربما يستجيب الشعب العراقي. كان كل زعيم تقريباً من زعماء التحالف قد قال لي ان صدام في الهزيمة لن يكون قادراً على الاحتفاظ بزمام السلطة. أثارت الكلمات موجة اسئلة في وسائل الاعلام عما اذا كنا قد أضفنا هدفاً - إطاحة صدام. لم نفعل ذلك برغم انني، كما قلتُ للصحافة مرة اخرى بعد يومين من ذلك، مقتبساً عن جون ميجور، انني لن أبكي عليه.
برنت سكوكروفت
أدت هذه الاضافة المُرتجلة، من دون إنصافٍ في اعتقادي، الى اتهامات بأن الرئيس بوش شجّعَ الشعب العراقي على النهوض ضد صدام ثم أخفقَ في المجيء لمساعدتهم عندما فعلوا ذلك، في نهاية الصراع. صحيحٌ اننا أمُلنا بأن يُطاح صدام. لكننا لم نعتقد ابداً بأن ذلك يمكن ان يفعله اي أحد خارج المؤسسة العسكرية ولم نحاول ابداً تحريض السكان عموماً. ان من المبالغة تصوّر ان خطاباً روتينياً في واشنطن كان يمكن ان يصل الى الساخطين في العراق وان يشكّل الدافع المُحرِّك للأعمال اللاحقة التي قام بها الشيعة والأكراد.
جورج بوش
بعد ظهر 15 شباط فبراير، طرتُ الى كينيبنكبورت لقضاء اجازة نهاية الاسبوع لمناسبة يوم الرؤساء. في يوم الاحد ذاك تحدثتُ الى ديك تشيني، الذي أَبلغني ان العسكريين ما زالوا يحاولون تحديد تاريخ الهجوم، ولكن يبدو انهم سيكونون جاهزين للذهاب قبل 23 شباط فبراير.
المفكرة، 18 شباط فبراير
العدّاد يتحرك. أتمنى لو ان باول وتشيني كانا جاهزين للتحرك الآن. لكنهما غير جاهزين، ولن أدفعهما، مع ان هذه الايام القليلة المقبلة حافلة بالمصاعب. بعض التحركات الديبلوماسية الشريرة، لكنني لن آمر القوات بالتحرك الى ان تكون جاهزة. تحدّثت الى سكوكروفت صباح اليوم }ل{ أُبلغه انني اريد اجتماعاً مع تشيني، وباول، وبيكر، وكل جماعتنا في الساعة 4.30 في المكتب البيضاوي. قال نعم. ربما أستطيع جسّ الامور هناك لأرى الى أي مدى نحن جاهزون.
برنت سكوكروفت
يوم الاثنين ذاك كان يوم الرؤساء، وكان الجناح الغربي مهجوراً عندما التقينا في المكتب البيضاوي…. جاءت رسالة من غورباتشوف عن اجتماعه مع طارق عزيز في اليوم السابق، عارضاً خطةً اخرى. كانت من النوع القديم نفسه. العراقيون سيُعلنون انهم سينسحبون" سيكون هناك اطار زمني محدد لإكمال ذلك، يبدأ في اليوم التالي لوقفٍ لإطلاق النار" لن تكون هناك اي شروطٍ سوى عدم مهاجمة القوات. قال لهم غورباتشوف ان اي ربطٍ سيكون غير مقبول ولكن يمكن ان يكون هناك، بعد الانسحاب، قرار جديد من الامم المتحدة وان السوفيات سيضغطون على الامم المتحدة للتعامل مع طائفة كاملة من المسائل، بما في ذلك لبنان والقضايا العربية - الاسرائيلية. كان السوفيات يبحثون، بيأس متزايد، عن طريقة ما لتجنّب حرب برية. ولم نُرِدْ نحن، خصوصاً بيكر والرئيس، ان يهجرونا، ولكن لم يكن في الإمكان ايضاً ثنينا عن هدفنا. كانت المشكلة هي كيف نُبلغ السوفيات بأدبٍ لماذا لا يمكننا قبول خطتهم.
ناقشنا طريقة ردّنا. اذا انسحب صدام مع كون معظم قواته المسلحة سالمة، فلن نكون قد كسبنا في الواقع. كانت هناك مشكلات اخرى في الخطة: لا ذكرَ لإعادة الأسرة الحاكمة، او لتنفيذ قرارات اخرى مثل التعويضات. ناقشنا فكرة اعطاء العراقيين ستاً وتسعين ساعة للانسحاب كلياً من الكويت، والتي شعرنا بأنها "اختيار" للفورية. عنى هذا انه يتعين عليهم ان يتوجهوا شمالاً على الفور ويتركوا معداتهم وراءهم، ولكن لم تكن هناك حماسة كبيرة لذلك الخيار، الذي كان من الصعب مراقبته، ناهيك عن تنفيذه. في النهاية أرسلنا ردّاً موقتاً الى غورباتشوف، نشكره فيه، ونقول ان الأعمال القتالية لن تتوقف وأننا مسرورن بأنه أبلغنا الاقتراح.
في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، 19 شباط فبراير، قرأ الرئيس وأعاد قراءة الرسالة من غورباتشوف وقرر الثبات على الطريق. احتشدنا مرة اخرى في المكتب البيضاوي لنناقش رداً رسمياً الى حدّ اكبر. قررنا ان نعلن اربعة معايير أبعد من قرارات الامم المتحدة سيتعين على العراقيين التقيّد بها لإظهار حُسن نيتهم: لا وقف لإطلاق النار الى ان يكون الانسحاب قد اكتمل، لا عمليات اطلاق اخرى لصواريخ "سكاد"، لا استخدام للاسلحة الكيماوية، وتبادل فوري لأسرى الحرب. أجْمَلَ الرئيس اعتراضاته، وشروطنا، في رسالة الى غورباتشوف وشكره على جهوده.
جورج بوش
على مدى اليومين التاليين انتظرنا ردّاً على اقتراحاتنا المضادة. بذلتُ من جانبي قدراً كبيراً من الجهود الديبلوماسية - مع ميتران، ومالروني، وأوزال، ومبارك - لأُبقي التحالف على اطلاع بشأن رسائلنا الى غورباتشوف وأُبقيه بقوة معنا. ثم كانت هناك فترة هدوء متوتر. كانت كرة السلام ما تزال في الجو، وكنتُ قلقاً من عملٍ جديدٍ مُفسد. ومما عقّد الامور، اننا تلقينا بعض الاستخبارات التي تفيد بأن عزيز لم يُرِد ابلاغ صدام بردّ فعلنا. واخيراً، صباح يوم 21 شباط فبراير، ألقى صدام خطاباً متلفزاً طويلاً، لكنني لم أسمع اي شيء يُظهرُ استعداداً جديداً للاعتراف بالواقع، او تنازلات، برغم انه كان هناك بعض الاشارات الى الانسحاب من الكويت. اتصلَ ميتران حوالي الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم ووافق على انه لا توجد فرصة للتفاوض.
مساء ذلك اليوم، بينما كنتُ استعد للذهاب الى مسرحية في مسرح فورد لتكريم رجال سلاح الجو من تاسكيجي، اتصل غورباتشوف مرة اخرى لاعطاء تقرير عن محادثات اخرى مع عزيز. بدا انه يشعر بأن ثمة اختراقاً. العراق مستعد للانسحاب، ولكن فقط بعد وقفٍ لاطلاق النار. اقترح ان تُرفع العقوبات بعد ان يكون قد تمّ سحب ثلثي الجنود. لم يكن هناك ذكر للتعويضات، او أسرى الحرب، او ما سيحدث لباقي القوات العراقية. لم يكن ذلك الانسحاب غير المشروط الذي نُطالب به. تحدثت الى ميخائيل لنحو نصف ساعة، كاتباً كل ما استطيع. طلبت من بوب غيتس الذي كان ينوب عن برنت ان يجمع الكل لمناقشة الاقتراح وذهبتُ الى المسرحية. تململتُ طوال العرض. بقيتُ أفكّر في كيف نمنع صدام من انتزاع نصرٍ من فكيّ هزيمة محققة؟
برنت سكوكروفت
كان من المقرر ان أحضر أنا وتشيني عشاءً تقيمه ملكة الدنمارك. كان هناك الكثير من العمل الذي لا بد من انجازه قبل عودة الرئيس، لذا اتفقت انا وتشيني على ان يمثلنا هو في العشاء وسأقوم أنا بوضع مسودة ردّ على غورباتشوف. اشتغلَ هاس على وضع مسودة من مجلس الامن القومي وجلبَ بيكر مسودة من وزارة الخارجية، رَفَضتا كلتاهما الاقتراح…. لم يرضَ الرئيس عن ايٍ من المسودتين، وشعرَ ان اللغة متشددة اكثر من اللازم. وضعنا صيغةً وسطاً تضع حداً اقصى للاقتراح وترغم صدام على إظهار التقيّد، وكانت عملياً بمثابة إنذار. كانت تلك طريقة لقطع دابر إلهائنا بنُتَفِ اقتراحات الى درجة السأم. وبدلاً من التعامل مع كل اقتراح جديد على اساس منفصل قررنا ان نحدّد مرة واحدة وبصورة دائمة ما يمكن ان يؤدي بنا الى التوقف. كان هناك دائماً الخطر من ان يقول صدام نعم. وفي رأيي اننا كنا عند النقطة التي سيكون فيها قبول نعم كجوابٍ كارثة، لكن ذلك كان افضل خيارٍ متوافر.
جورج بوش
صباح اليوم التالي، 22 شباط فبراير تحدثت مع ميتران عن الاعلان. اقترح بعض التغييرات الطفيفة، التي أدرجناها، واقترحنا ان يصدره كل الحلفاء في وقت واحد. وفيما كنا نتحدث، سلمني غيتس تقريراً بأن العراقيين ينسفون نظام انتاج النفط الكويتي برمته. قلتُ لفرنسوا: "اذا كان هناك ابداً اي سبب لعدم قبول تأخير وتساؤل عما اذا كانوا يتصرفون بحسن نيّة، فإن هذا التقرير يشكّل سبباً... لا ادري كيف يستطيع هذا الرجل مواصلة الحديث عن السلام من خلال السوفيات وان يقوم مع ذلك بهذا النوع من العمل". قال: "لا أثق به قيد أنملة... وثيقتك جيدة، باستثناء الملاحظات القليلة التي أبديتُها. فرنسا تبقى ملتزمة كلياً بالتحرك في نفس الاتجاه الذي تتحركون فيه".
حاول الرئيس بوش الاتصال بغورباتشوف قبل اصدار اي اعلان، ولكن عندما اتصل حوالي الساعة 10.20، كان الزعيم السوفياتي خارجاً. بعد نصف ساعة، في حديقة الورود، مضى وقرأ بعض الملاحظات الوجيزة عن ردّ فعلنا ووعد ببيان كامل يتضمن الشروط المحددة التي نطلبها. وكانت اللغة الواردة من موسكو قد وعدت بانسحاب غير مشروط، لكنها حدّدت عدداً من الشروط. لم نرَ دليلاً على حسن نية في الجانب الآخر، او اي شيء يقنعنا بأن كلماتهم ستدعمها أفعال. كان العراقيون يمارسون سياسة الارض المحروقة في الكويت. يضاف الى هذا، انه حتى بينما كان عزيز يتفاوض في موسكو، كان العراق يطلق المزيد من صواريخ "سكاد". كان اهم عنصر في شروطنا هو انه سيكون لدى صدام حتى ظهر يوم 23 شباط فبراير اليوم التالي بتوقيت الساحل الشرقي "لعمل ما يجب ان يعمل: البدء بانسحابه الفوري وغير المشروط من الكويت. يجب ان نسمع علناً وفي صورة موثوقة قبوله بهذه الشروط".
بعد الساعة 11 بقليل، عاود غورباتشوف الاتصال هاتفياً، واعتذر عن انه كان في احتفالٍ متلفز تكريماً للعسكريين السوفيات ولم يستطع المغادرة لتلقي مكالمة الرئيس. قدَّمَ نسخة مطوّرة عن اقتراحه السابق وأعطى وصفاً لمحادثاته الاخيرة مع عزيز. وبالنظر الى ان الرئيس كان متأخراً اصلاً عن الاحتفال بمناسبة أداء لين مارتن القَسَمْ كوزيرٍ جديد للعمل، فقد طلبَ من بيكر مواصلة الحديث الى ان يستطيع العودة. كانت مكالمة طويلة في ذلك الصباح، تجاوزت مدتها ساعة. قرأ بيكر على غورباتشوف بيان الرئيس الى الصحافة. ولما انتهى من ذلك، عاد الرئيس الى المكتب البيضاوي وتسلّم المكالمة.
جورج بوش
سأل ميخائيل: "هل أفهم ان ما فعلناه بالموافقة امس غير مقبول؟" قلتُ ان هذا صحيح. إدّعى ان الموقف تغيّر. قال انه تحدث مرة اخرى مع العراقيين وانهم وافقوا على الانسحاب فوراً ومن دون شروط من الكويت، ابتداءً من اليوم التالي لوقفٍ لإطلاق النار. سيكونون قد خرجوا في غضون ثلاثة اسابيع، وبعدئذ تُرفع عقوبات الامم المتحدة. لم يكن هذا، حسب ما اعتقدت، فورياً او غير مشروط. كان ما يزال هناك كثير من الوقت امام العراقيين ليواصلوا تدمير الكويت. ولم يكن ممكناً اعتبار ذلك علامة حسن نيّة.
ردّ غورباتشوف بقوة على رفضنا الاقتراح. سأل وصوته يرتفع باغتياظ واضح: "ما هي الأولوية؟ هل نحاول التوصل الى حلٍ سياسي ام مواصلة العمليات العسكرية لتبلغ ذروتها بعمليات برية؟ لمّح الى اننا نحدد عمداً مطالب مستحيلة للانسحاب لكي نفتح السبيل امام مزيد من العمليات العسكرية. سيكون الأمر مختلفاً لو اعترضت الولايات المتحدة على شروط التسوية السياسية. لكنه قال انه على اساس ما تمكن السوفيات من انجازه، واذا أمكن تحويل ذلك الى مقاربةٍ اميركية - سوفياتية مشتركة نسلّمها الى مجلس الامن، فسيمكننا العثور على حل.
سألتُ عما اذا كان صدام قَبِل بالنقاط التي عرضها عليه. قال ميخائيل انهم لا يزالون ينتظرون جواباً. شكرته على جهوده، لكني قلت انني لا زلت لا أثق بصدام وان ما يطلبه العراقيون لا يتماشى مع اهداف التحالف. قلت: "ان صدام ببساطة يحاول انقاذ ماء وجهه واستعادة مكانته. انه يستغل فترة التوقف لتدمير الكويت. دعْ مسؤولي استخباراتك يرونك صوراً لما يفعله العراقيون بمنشآت النفط".
ذكّرتُ ميخائيل بالاعمال الوحشية. قلت: "لم أُغيّر بعد وجهات نظري بخصوص قيمة الحياة الانسانية. انني أخشى إرسال رجال ونساء شباب الى القتال. أعلم ان ما سأطلبه منك سيضعك في مركز صعب. سأفهم اذا قلتَ ببساطة 'جورج لا استطيع عمل ذلك' أريد منك ان تقول لعزيز ان الكتابة على الجدار. الأمر لا يتعلق بالولايات المتحدة فقط" يتعلق ببقية التحالف، ويجب ان ننجز الأمر باقتراحنا الآن. انه لم يردّ على ]اقتراحكم[. لقد انتظرنا وانتظرنا. كنا صبورين الى الآن. نحتاج الى جواب الآن. توجد مواعيد قصوى هنا، وبعد ما فعله في الكويت، لا يمكننا ان نُذعن. اقتراحنا جديٌ جداً. طلبي هو ان تدعم موقفنا، بعد ان بذلتَ قصارى جهدك من اجل موقفٍ معقول الى حدّ اكبر من وجهة نظرك لكنه، للأسباب التي أعطيتها، موقف لا نستطيع قبوله الآن. اذا لم تستطع دعمه، فإننا سنقدّر لك عدم معارضته".
في وقت مبكر من بعد الظهر، بينما كان نبلغ حلفاءنا بما كان يجري، قرأ فيتزووتر بياناً أكمل الى الصحافة يبين شروطنا بالتفصيل، وكانت كلها ضمن قرارات مجلس الامن. كل شيء يجب ان يعود كما كان عليه قبل 1 آب اغسطس، يجب إطلاق اسرى الحرب، ووقف كل الاعمال التدميرية ضد المواطنين الكويتيين. في المقابل، وعدنا بعدم اطلاق النار على أي جنود متقهقرين. عادت الكرة الى ملعب صدام.
بعد نحو نصف ساعة من الإدلاء بالبيان اجتمعنا مرة اخرى في المكتب البيضاوي. أطلعَ باول وتشيني الرئيس على ما سيأتي. لم يكن سكوكروفت متأكداً من انه يجب ان يسمع الى اي حد يمكن ان تكون المعركة بشعة. قال: "يجب ان نعفيك من بعض الاشياء". اجاب الرئيس: "أعلم ذلك، لكن هذا ليس احد تلك الاشياء".
قال باول ان الجيش العراقي بدأ يتصدع، ووصف مرة اخرى العملية البرية. اذا اقتضى الامر، يمكن تأخير الحملة بفترات طول كل منها أربع وعشرون ساعة. قال: "نورم وأنا نفضل ان نرى العراقيين وهم ينسحبون مشياً على ان نراهم مرغمين على الخروج. ستكون هناك تكاليف. سنفقد جنوداً بأعداد كبيرة في كل مرحلة. ستكون بشعة. ستكون هناك تقارير من مجموعات الصحافيين عن اميركيين قتلى. ستكون ساحة المعركة مرتبكة.... سيمرّ بعض الوقت قبل ان نحصل على تقارير ]دقيقة[، مما يتطلب ربما يومين او ثلاثة ايام من الصبر الحقيقي. اذا انسحبوا، لن يكون هناك اشتباك.... ثمة احتمال عالٍ لحدوث هجوم كيماوي. هذا يعني هجوماً اميركياً على بلد عربي. سندمّر عدداً أكبر من دباباتهم ومخزوناتهم بمهاجمتنا إياهم، لكن الكلفة في الأرواح والمشاكل اللاحقة تجعل ذلك امراً لا يستحق هذا الثمن".
سأل الرئيس: "هل تفضّل تسوية عن طريق التفاوض؟".
أجاب باول: "اذا لبّت شروطنا بالكامل، نعم. سيتصدعون".
ردّ الرئيس: "اذا تصدّعوا تحت القوة، فهذا افضل من الانسحاب".
سأل باول: "ولكن بأي كلفة؟"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.