الجيش الإسرائيلي يحمل حزب الله المسؤولية عن إطلاق مقذوفات على يونيفيل    ضبط (19696) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    إسرائيل تلاحق قيادات «حزب الله» في شوارع بيروت    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الملافظ سعد والسعادة كرم    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «السقوط المفاجئ»    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    فعل لا رد فعل    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الرابعة . بوش : كان بيكر قلقاً من امكان وقوعنا في فيتنام اخرى ورؤية رئاسة بوش تدمر . سكوكروفت : انهى الهجوم على الكويت 40 سنة من المواجهة بين الدولتين العظميين
نشر في الحياة يوم 01 - 10 - 1998

في هذا الجزء من الفصل ال 14 من كتاب "علم تحوّل" وعنوانه "الترس والسيف" يتحدث المؤلفان عن جهود ادارة بوش للمحافظة على تماسك التحالف الدولي ضد العراق ومحاولات الرئيس العراقي صدام حسين لتفسيخ التحالف بعرضه اقتراحات يصعب قبولها وبإصراره على ربط مشكلة احتلاله للكويت بحل المشكلة العربية - الاسرائيلية. كما يعرض الكتاب رؤية ادارة بوش لدور الملك حسين والاردن في الأزمة، والانقسام في دوائر صنع القرار في الاتحاد السوفياتي، وقضية "الدروع البشرية"، اي الرهائن الاجانب الذين احتجزهم العراق، ومسائل اخرى كالحصار البحري على العراق.
يسرد الكتاب انه خلال الغداء بعد ظهر ذلك اليوم 11 آب/اغسطس قدّم بيكر ايجازاً الى الرئيس بوش وسكوكروفت عن رحلته الى تركيا وعن اجتماع "ناتو" في بروكسيل في 10 آب اغسطس. "ندّدَ الحلف بالغزو ودَعمَ نشرنا للقوات، وأعلن تأييده لإجراءات الأعضاء الآخرين ايضاً، وهي إجراءات كانت قد شملت التزامات بحرية من جانب فرنسا وبريطانيا، والتزامات من ايطاليا واسبانيا والبرتغال باستخدام قواعدها. سيكون هناك اسطول بحري صغير الآن في مكانه لفرض العقوبات …، لم نكن متلهفين الى إغراق سفن، وسيكون إطلاق النار عليها في وقت السلم مسألة خطيرة. كان علينا ان نقرر ان القرار يعطينا ليس فقط السلطة لمنع مرور السفن، ولكن ايضاً الظروف التي يمكننا ان نفعل ذلك في ظلها. في 12 آب اغسطس تسلّمنا في نهاية الأمر رسالة من الأمير أمير الكويت يطلب فيها من الولايات المتحدة ان تعمل نيابة عن الكويت على تطبيق عقوبات الامم المتحدة وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة - والتي تُعلن الحق الفردي والجماعي في الدفاع عن النفس. وقد سوّى ذلك، في نظرنا، مسألةَ قانونيةِ منع مرور السفن، لأننا كنا نتصرف بناء على طلب الدولة التي أرادت الأمم المتحدة الدفاع عنها.
ولكن بقيت مشكلات سياسية تتطلّب التغلّب عليها. في صباح اليوم التالي أعلّنا ان سفناً حربية اميركة ستبدأ بفرض العقوبات، اعتباراً من 16 آب اغسطس. وعلى الفور تقريباً انتقدت فرنسا، وكندا، والاتحاد السوفياتي السياسة، مجادلة أن ليس بإمكان أي بلد ان يطبّق من جانب واحد قرار عقوبات. وفضّلت هذه الدول ان نعمل تحت رعاية الامم المتحدة. وبدأت بريطانيا، من جانب آخر، بمنع مرور سفن والصعود اليها حتى قبل إكمالنا التعليمات لبحريتنا …".
كانت المحافظة على تضامن تحالف متنامٍ ومتنوع تتطلّب جهداً كبيراً. كنا في أشد القلق على إبقاء العرب والسوفيات معاً. وقد اختلف الاعضاء العرب في ما بينهم على أي مدى هم مستعدون للمساعدة، وبدا بعضهم مستعداً ببساطة للذهاب الى المعركة متعلقاً بأطراف ردائنا، بينما وقف آخرون بوضوح الى جانبنا. وبدا السوفيات منقسمين في شأن ردّ فعلهم على الغزو. ففي جانب كان المستعربون، ضمن وزارة الخارجية، يقودهم مستشار غورباتشوف، يفغيني بريماكوف، والى جانبهم التقليديون - المتصلبون اصلاً في معارضتهم للتغييرات التي أجراها غورباتشوف في السياسة الخارجية في اوروبا الشرقية والمانيا - غاضبين من عزل العراق ومعارضين أي استخدام للقوة. وفي الجانب الآخر، وفي طليعة الجهد لدعم التحالف، كان شيفاردنازده، يكافح وحده تقريباً في بعض الأحيان ….
حاول صدام الآن، وقد فشل في تخويف التضامن الدولي المتنامي او رشوته، ان يقسّمه بأي طريقة يستطيع. كان يعلم ان النقطة الضعيفة هي إبقاء التحالف العربي - الغربي متماسكاً، واستخدم مزيجاً من الحيل الرامية الى خلع دول عربية بمفردها عن التحالف، وإثارة المشاعر الشعبية العربية ضد الغرب، وفي المقام الاول، ضد اسرائيل …".
"من المحتمل ان أخطر حيل صدام كانت محاولته إثارة التوترات العربية - الاسرائيلة. في 10 آب اغسطس ألقى خطاباً أعلن فيه "الجهاد" ضد الولايات المتحدة واسرائيل، وبعد يومين أذاع "مبادرة سلام" خبيثة أعلن فيها ان حسم غزوه للكويت يجب ان يُربط بما سمّاه الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية. وباستغلال العداء العربي لاسرائيل، حاول صدام تحويل الانتقاد العربي بعيداً عن احتلاله للكويت وإظهار نفسه كزعيم عربي ضد اسرائيل …. رفضنا المبادرة العراقية باعتبارها "ربطاً" غير مناسب، لا يتماشى مع الانسحاب غير المشروط الذي كنا نحن، وجيرانه، والأمم المتحدة نطالب به …".
جورج بوش
"بسبب التوترات العربية - الاسرائيلية، بقيت اسرائيل طوال الأزمة بحذر شديد خارج التحالف. كنت أعلم أننا لن نستطيع بناء تحالف عريض حقاً، يضم دولاً عربية كثيرة، اذا كانت اسرائيل جزءاً منه. وقد تفهّم الاسرائيليون هذه النقطة فكرياً، بالرغم من انه كان من الصعب عليهم عاطفياً ان يقفوا جانباً. وبوقوفنا ضد صدام حسين ديبلوماسياً، وفي نهاية الامر عسكرياً، كنا نتعامل مع أحد أعدائهم الرئيسيين وربما مع عدوهم المكروه بالدرجة الأولى. كانت اسرائيل ولا تزال صديقاً وحليفاً حميماً للولايات المتحدة، وقد تعاونت في غالبية الاحيان، لكنها قدّمت الينا منذ وقت مبكر من الأزمة طلبات كثيرة للعون واقتسام المعلومات".
يروي الكتاب ان واشنطن خشيت من احتمال تمكن الرئيس العراقي من "استغلال بعض الفجوات في طوق العقوبات، وكانت ايران احدى المشكلات الكامنة. في 15 آب اغسطس عَرَضَ على طهران تسوية سلمية. انسحب العراق من اكثر من الف كيلومتر مربع من الأراضي الايرانية، متخلياً عن كل شيء اكتسبه في الحرب بينهما. لم نكن متأكدين هل ستتراجع ايران الآن عن وعودها بأنها ستحترم عقوبات الامم المتحدة، لأنه لم تكن لدينا اتصالات مباشرة يمكن الاعتماد عليها مع طهران ….
كنا قلقين ايضاً بشأن الاردن، كانت هناك أدلة على انه يساعد صدام بأكثر من الدعاية: وبدا ان رجال المصارف الاردنيين ينظفون أموالاً للعراق، ويساعدونه في التهرّب من العقوبات المالية، وان عمّان تعمل كقناة لتسليم النفط العراقي …. حققنا بعض التقدم الطفيف مع الاردن. اذ انه لم يصوّت ضد قوة عربية، كما انه لم يعترف بنظام الحكم الدّمية الذي فرضه صدام في الكويت. ورفض حيازة الأراضي بالقوة وبدا مستعداً على الأقل لفظياً لدعم العقوبات. وواصلنا محاولة العثور على طريقة لفصم العلاقة بين الاردن والعراق وإعادة تنشيط علاقة التعاون الأميركية - الأردنية القديمة.
كان نفوذ العراق على الأردن أمراً يمكن تفسيره وإن كان ذلك صعباً بالنسبة الينا. اذ كان البلد معتمداً اقتصادياً على العراق، الذي يستورد منه 95 في المئة من نفطه مع خصم الكلفة من ميزان ديون بغداد منذ الحرب الايرانية - العراقية. وفي الوقت نفسه كان الاردن قناة مهمة لواردات العراق، التي مرّ 45 في المئة منها عبر العقبة. وقد جعل هذا تقيّد الاردن بالعقوبات أمراً مهماً جداً، لكنه مثّل ايضاً مشقة بالنسبة الى اقتصاد البلد. وكان هناك ايضاً تحدٍ سياسي جدي. اذ كانت في الاردن أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين المؤيدين للعراق، مما جعله معرّضاً لخطر القلاقل وعدم الاستقرار. وشكّل وجودهم نقطة اشتعال محتملة للتدخل من جانب إما العراق او اسرائيل.
لفطم الملك حسين عن العراق، بدأنا بالنظر في تنظيم مساعدة مالية دولية وكذلك مساعدة نفطية عربية طارئة شرط ان ينفّذ الملك العقوبات …".
جورج بوش
لم تكن لديّ رغبة في جعل الامور صعبة للملك حسين، لكنني اعتقدت بأنه مضى الى أبعد مما ينبغي في تصريحاته. كان معارضاً بصوت مرتفع للسماح لقوات "أجنبية" بأن تكون على أراضٍِ عربية وكان لا يزال، وحده تقريباً، يدفع نحو حل عربي بالتفاوض. كان يهاجمنا في خطاباته وعبر الصحافة، مؤلباً الرأي العام الاردني على الولايات المتحدة. وكان الملك قد لعب في الماضي دوراً ايجابياً جداً في عملية السلام في الشرق الاوسط، وقد أدهشتني هذه الجهود للتحدث نيابة عن صدام حسين وخيّبت ظني.
التقى الملك حسين صدام في 13 آب اغسطس، واتصل بي مساء ذلك اليوم ليطلب اجتماعاً عاجلاً للبحث في الوضع. دعوته الى كينيبنكبورت، التي وصل اليها في 16 آب اغسطس. كانت الصحف حافلة بالتكهنات بشأن زيارته المفاجئة. وكانت التوقعات منصبة على انه يحمل رسالة من نوع ما من صدام، لكنه لم يذكر لي أبداً أي رسالة. وقد بدا انه ربما كان يسعى الى لعب دور كوسيط، ولكنني لم أرَ شيئاً يمكن التفاوض عليه.
المفكرة 16 آب اغسطس
... ]الملك[ وصل بطائرة هليكوبتر، وذهبنا هو وأنا الى ]منزل[ والدتي مع برنت ووزير خارجيته. تحدثنا بصراحة شديدة عن الخلافات. حاولت ان أقول ان الصداقة باقية على حالها… ]ألحّ[ على أرضيةٍ مشتركةٍ ما يمكن ان تحلّ المشكلة، وبقيت أقول انه لا توجد أي أرضية - لا بد ان يكون الحل هو الانسحاب وإعادة نظام الحكم الكويتي. لا يمكن ان تكون هناك أرضية مشتركة لأن الأمر سيكون غداً عدواناً من جانب شخص آخر.
استعرضنا كل الحقائق… التي أدت الى الغزو… أرادني أن أفهم انه بذل قصارى جهده، وانه يعتقد بأنه كان سيستطيع تأمين صفقة لو كان هناك بعض الوقت. أوضحت له انه عندما قال صدام انه سينسحب من الكويت وحرّك بدلاً من ذلك قواته جنوباً… شعر كثيرون منا بقلق شديد من احتمال غزوٍ للمملكة العربية السعودية. وقلت له ايضاً بصراحة شديدة إن… احتجاز أميركيين ضد إرادتهم أمر سيء وغير مقبول وانني جدّي تماماً… يجب ألا يدفعنا صدام أكثر من ذلك بإجراءات ضد المدنيين.
يرفض حسين الإقرار بأن هذا رجل مجنون. تحدث عن "الفقراء والاغنياء" ومع ذلك فإن وزيره كان يقول لي وقت الغداء ان إحدى المشكلات الكبيرة هي أنهم يريدون أسعار نفط أعلى حتى يمكنهم دفع فواتيرهم والحصول على عوائدهم النفطية البالغة 16 بليون دولار. قلت، أتعرف مَنْ يفيد من أسعار النفط الأقل في انحاء العالم؟ انهم الفقراء - وليس الاغنياء… لذا فإنه يبدو لي انه لا يستطيع ان يحصل على الامر ونقيضه.
لم تسفر زيارة الملك عن شيء كثير. لم يكن اجتماعاً مريراً أو مزعجاً، لكنه كان خيبة أمل - ومزيداً من الشيء نفسه. كان لا يزال يريد اقناعنا بأنه يجب ان يكون هناك حلّ عربي. وكان موقفي ان معظم العرب ليسوا الى جانب صدام، وأردته ان يفهم عزيمتنا. وأَحْسَب انه كان يأمل باستخدام الروابط التاريخية بين الاردن والولايات المتحدة وصداقتنا، التي كنت أثمّنها، لحملنا على تلطيف موقفنا او التزحزح عنه قليلاً.
إثر مغادرة الملك حسين ووكرز بوينت، وصل الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، والأمير بندر. وما كان يمكن للتباين بين حسين وسعود ان يكون أوضح. اذ اوضح سعود بجلاء ان السعوديين يريدون منا استخدام القوة في أقرب وقت ممكن …. ومع أنّي قلت ان الامر قد يصل الى ذلك، فقد ترددت، قائلاً ان من السابق لأوانه النظر في مثل هذا العمل.
في منتصف آب اغسطس صرت عميق القلق على سلامة المواطنين الاميركيين في الكويت ….
المفكرة، الجمعة، 17 آب اغسطس
في الساعة 9.45 ليلاً يتصل بوب غيتس ويقول ان رئيس البرلمان العراقي قال انهم سيحتجزون الأجانب الى ان… يُحتوى "العدوان" ضد العراق. سيضعونهم في منشآت متنوعة وذكر انهم سيكونون قرب خزّانات نفط او مصانع كيماوية ….
رد ّ مجلس الامن الدولي في 18 آب اغسطس بالقرار 664 الذي طالب بأن يسمح العراق لجميع الأجانب المحتجزين بمغادرة كلٍ من الكويت والعراق. في اليوم التالي عرض صدام إطلاق الرهائن شرط ان تضمن الولايات المتحدة - كتابةً - ان قواتها ستُسحب من المملكة العربية السعودية وان العقوبات الاقتصادية ستُنهى. وأمام قرار الامم المتحدة، بدأ العراقيون بنقل الأجانب الى مواقع استراتيجية.
لم يغضبني شيء اكثر مما أغضبني الاستخدام الجبان لدروعٍ بشرية. اذ عزّز هذا في ذهني ان صدام فعل أكثر من مجرد الهجوم على الكويت. حتى ذلك الحين كنت متمنعاً عن استخدام كلمة "رهينة" في التصريحات العامة لأنني لم أشأ ان أدعو مقارنة بطهران وأن أفقد التركيز الدولي على الكويت، القضية الحقيقية …. كنت غاضباً ما فيه الكفاية لصوغ مسودة إنذار الى صدام مستخدماً الكلمات نفسها:
سأوضح لزعماء العراق الآن نقطتين. [1] اذا تعرض أي اميركي للأذى فستدفعون ثمناً فظيعاً. [2] بنقل مواطنينا ضد إرادتهم أنتم تنتهكون أعراف دينكم، وأنتم تخالفون التاريخ القديم من الطيبة والكرم نحو الزوّار، لذا فإن رسالتي هي "أَطلقوا كل الاجانب الآن، اعطوهم الحق للذهاب والمجيء كما يرغبون وكما يتطلب القانون الدولي". وإذا لم تفعلوا ذلك في غضون ]هكذا[ ساعات، واذا لم تمتثلوا للقانون الدولي كما هو منصوص عليه من الامم المتحدة، فإن قواتكم ستدفع الثمن.
كان من السابق لأوانه إرسال إنذارات، مع ذلك، خصوصاً إنذاراتٍ لم يكن في وسعنا بعد ان ننفذها. لم يكن من شأن أخذ صدام للرهائن إلا تقوية تصميمي على مقاومة السماح للغزو بأن يدوم. لن يكون هناك حل وسط، او مساومة على الرهائن او مقايضات. ثار سُخطي عندما خدم أناس أغراض صدام بمحاولتهم التفاوض على الرهائن، وقد استأت عندما ذهب رئيس الوزراء البريطاني السابق ادوارد هيث الى العراق ساعياً الى إطلاق حفنة من الرعايا البريطانيين. كان بوسعي ان أفهم بذل بعض الجماعات والعائلات الخاصة محاولة لتأمين اطلاق سراح بعض الناس. لكن زعيماً سابقاً لإحدى الدول الحليفة لنا كان يجب ان يكون أفضل دراية …".
برنت سكوكروفت
في حلول أواخر آب اغسطس، بينما كان صدام يحتجز مدنيين أبرياء، واجهنا ايضاً مشكلة جدية بشأن تنفيذ العقوبات المقررة من الامم المتحدة. اذ بقي الجدل الدولي بشأن ما اذا كان القرار قد تضمّن تفويضاً باستخدام القوة …. أجرينا مناقشات مطوّلة مع البريطانيين بشأن الأمر وقالت ثاتشر بالطبع: لاحقوا تلك السفن. وافقت تماماً على ان لدينا كل السلطة التي نحتاج اليها.
الفرنسيون، من جهة اخرى، رأوا الحاجة الى منع مرور السفن، لكنهم فضّلوا تفويضاً صريحاً من الأمم المتحدة ليوفّر أساساً في القانون الدولي. أجرينا مناقشة داخلية حادّة بخصوص المسألة. كنّا، غيتس، وتشيني وأنا المتشددين في ذلك، وحضضنا على ان نتصرف حتى لو كان ذلك من جانب واحد. وكان بيكر مصرّاً على ان ننتظر. وأقنع الرئيس بأننا سنخسر السوفيات الذين كانوا لا يزالون معارضين بإصرار لاستخدام القوة وربما الفرصة لتصويت إيجابي في مجلس الامن بخصوص التنفيذ إذا ما أقدمنا على عمل من جانب واحد.
جورج بوش
أذنتُ لجيم بأن يتصل بشيفاردنادزه ليقول أننا سنُحجم لفترة وجيزة عن القيام بعمل عسكري لوقف الملاحة، لكننا أردنا ان يدعم السوفيات قراراً جديداً من مجلس الأمن بخصوص المسألة. عبّر شيفاردنازه عن اعتقاده بأن السوفيات قد يستطيعون إقناع صدام بالإنسحاب من الكويت، وطلبَ خمسة أيام للتفاوض. لم أكن متحمساً للانتظار. إذ انه سيُعطي الانطباع بأننا نفتقر الى العزيمة لفرض تطبيق العقوبات ….
"لم توافق مارغريت على هذا التأخير إلا بتمنّع. اتصلت بها حوالي الثالثة صباحاً حسب توقيتها - مع انني لم أكن أتطلّع قدماً الى ذلك. كان برنت قد ناقش القضية مع تشارلز باول حوالي أربع مرات، وكنا نعلم كم أرادت بقوة إيقاف السفن. أصرّت على أننا اذا سمحنا لواحدة بالمرور فسيشكّل هذا سابقة. قلت لها انني قررتُ التأخير وشرحت لها السبب. وحدث في هذا الحين، وليس في وقت أبكر، كما أوحى كثيرون، أنْ قالت "حسناً، فليكن يا جورج، ولكن هذا ليس أوان الإرتجاف".
في 24 آب اغسطس اتصل شيفاردنازده ببيكر ليقول ان العراقيين لا يتعاونون وان السوفيات مستعدون الآن لمساعدتنا لتقديم مشروع قرار في مجلس الامن. في اليوم التالي، صوّت المجلس ب 13 مقابل صفر مع امتناع كوبا واليمن مرة اخرى عن التصويت لإصدار القرار 665، الذي أذِنَ تحديداً ب "كل الاجراءات المناسبة" لتطبيق الحصار البحري …".
جورج بوش
كلما فكّرت في الأمر اكثر في هذه المرحلة، لم أستطع أن أرى كيف سنُخرج صدام حسين من الكويت من دون استخدام القوة …. أردت العثور على مخرجٍ من المأزق، لكنني لم أرَ طريقاً للتحرك الى الامام من دون حادثةٍ دراماتيكيةٍ ما لتبرير عملٍ عسكري فوري او إلا اذا حدث شيء ما لصدام شخصياً. كنت مُتمنعاً عن الحديث علناً عن استخدام القوة. اذ كنا قد بدأنا للتو بوضع سفننا الحربية في مكانها وتنفيذ تطبيق الحصار. لم أكن بعد واثقاً تماماً من ان لدينا الدعم الداخلي او الدولي للتصرّف. كانت هذه الأفكار في ذهني عندما ذهبنا، برنت وأنا، في 23 آب اغسطس، في رحلةٍ لصيد سمك القنبر قبالة شاطئ ووكرز بوينت. كنا مشغولين منذ بداية الأزمة الى درجة ان هذه كانت الفرصة الأولى لنا الاثنين كي نسترخي ونتحدث ….
تحدثنا عن كيف قد تتطور أزمة الخليج، وهل سيتراجع صدام من دون استخدام القوة، وعما يستلزمه إخراجه. سألتُ بنفاد صبر متى يمكن ان نضرب. أردتُ أن أعرف ماذا يمكننا أن نفعل بقوتنا الجوية. كيف يمكننا ان ندمّر سلاحهم الجوي ودروعهم. وماذا سيلزم لمعاقبة أهداف العراق العسكرية عقاباً شديداً من الجو؟ رأيتُ أن وزارة الدفاع بالغتْ في تقدير قوة العراق وعزيمته. اذْ برغم حجم جيش العراقيين، لم أعتبرهم أشدّاء. ذلك انهم لم يستطيعوا إلحاق الهزيمة بإيران، ولم يقاتلوا أبداً عبر خطوطِ إمداداتٍ طويلة او يقاتلوا في أي وقت لم تكن لهم فيه السيطرة على الجو …".
"لم يكن كل شخص في الادارة قد شاطرني بعد شعوري بأن الأوان ربما كان قد حان للنظر في استخدام القوة …. فزعنا جميعنا مما يمكن ان يرافق العمل العسكري من خسارة في الارواح، وأعلم ان هذا قد جعل جيم حذراً. وكان قلقاً ايضاً من أننا يمكن ان نَعْلَق في فيتنام اخرى، واننا قد نفقد الدعم الشعبي، ونرى رئاسة بوش وهي تُدَمَّر. كان يعتقد ان القوة يجب ان تكون ملجأ أخيراً، وأوحى له اتصاله الوثيق بظرائه في التحالف، خصوصاً في اوروبا الغربية والاتحاد السوفياتي، بأنهم لم يكونوا مستعدين بعد لخوض حرب ….
"اعتقد بأن تشيني أدرك في وقت مبكر أن الأمر سينتهي عاجلاً أو آجلاً الى استخدام القوة. ومن المحتمل أنَ ديك كان سابقاً للعسكريين في ذلك. إن أي جندي جيّد لا يريد الذهاب الى الحرب ويفضّل بدلاً من ذلك رؤية استنفاد كل الخيارات الاخرى. قاد ديك السبيل أمام العسكريين، وهو ما اعتقد انه المثال الذي تصوّره دستورنا: قوات مسلحة يرأسها مدنيون يقودون، ولا يدفعون، العسكريين الى فهم وتنفيذ المهمات المحددة لهم من الرئيس. في الوقت ذاته لم يحاول العسكريون ابداً تجنّبَ استخدام القوة، ولم يتحدثوا ضد ذلك. كولين باول، المحترف أبداً، أراد بحكمةٍ التأكد من أننا إذا أضطُررنا الى القتال، فسنفعل ذلك بالطريقة الصحيحة، ولن نتخذ نصف إجراءات. سعى الى ضمان وجود قوات كافية لأي خيار أريده، ثم حرية التصرّف لتنفيذ العمل بمجرد ان يكون القرار السياسي قد اتُخِذَ. كنتُ مصمماً على ان يحصل عسكريونا على الأمرين. لم أشأ تكرار مشكلات حرب فيتنام او حروب كثيرة عبر التاريخ، تدخلت فيها القيادة السياسية في العمليات العسكرية. كنت أنوي تجنّب إدارة شؤون العسكريين ادارة تفصيلية.
برنت سكوكروفت
"… كان الاتحاد السوفياتي واقفاً الى جانبنا، ليس فقط في الامم المتحدة، ولكن ايضاً في التنديد بالعدوان العراقي والقيام بعمل ضده. ومثَّل ذلك التعاونُ تغيّراً جوهرياً.
حتى ذلك الحين، كان اندلاع أزمة دولية يؤدي بصورة شبه تلقائية بالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الى الوقوف في جانبين متعارضين. اذا كان الهجوم على الكويت قد آذنَ بنهاية نحوِ أربعين سنة من مثل هذه المواجهة بين الدولتين العظميين، فما هي الآفاق التي قد تنفتح؟ يمكن لمجلس الأمن عندئذ ان يؤدي الدور الذي تصوَّره له بُنَاةُ الأمم المتحدة. يمكن للولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، في معظم الحالات، ان يقفا معاً ضد عدوان غير مُسْتَفزٍ بين الدول.
بالمقارنة بالفترة التي مررنا عبرها للتو، بدت الحقبة الآتية مثل نظام عالمي جديد، واستُخدمت هذه العبارة - وهي ليست مُبتكرة - ذلك الصباح لوصف الإمكانات الماثلة أمامنا. وقد طُبِّقت منذ ذلك الحين على تشكيلة من الظروف مختلفة كثيراً عن مفهومنا. ومن المؤكد انه لم يكن لدينا توقّع أننا ندخل فترة سلام وسكون. والواقع ان الخطوط العامة لعالمٍ متسمٍ بالفوضى كان بالإمكان إستشفافها. لم تنطبق العبارة، كما فكّرنا فيها، إلا على جانبٍ ضيق من الصراع - العدوان بين الدول. جانبٍ محدودٍ من الصراع، نعم، ولكن جانبٍ ظلَّ العلّة الرئيسية للحضارة منذ بداية التاريخ المُدوَّن ….
"في حلول نهاية آب اغسطس كانت عناصر رئيسية من استجابتنا لغزو العراق للكويت تأخذ مكانها. استخدمنا الأمم المتحدة لبناء قضية قانونية لرد العدوان. وفي الوقت نفسه، كنّا نبني تحالفاً عسكرياً لمواجهة العراق، مع قوة بحرية متعددة الجنسية لفرض تنفيذ العقوبات. وكان يجري التقيّد بهذه العقوبات الى حدّ كبير على أساس تطوعي. وفي الجانب الاقتصادي تم تعويض حوالي نصف النفط المفقود بسبب الحظر من جانب السعوديين، والفنزويليين وغيرهم. وكنا نطوّر ايضاً استراتيجية لتعويض تلك الدول الأشدّ تضرراً نتيجة التقيّد بالعقوبات. وكان القصد من ذلك كله إبقاء العراق معزولاً وردعه عن ارتكاب مزيد من العدوان الى أَن ينحني تحت الضغط السياسي والاقتصادي أو نكون قد وفّرنا الوسائل العسكرية والدعم السياسي الدولي لاستخدام القوة. لكن كان علينا ايضاً ان ننظر في أسس العمل العسكري في نهاية الامر، إذا ما انتهى الأمر الى ذلك. هل سنحتاج الى استفزاز محدّد، أم كان ردّ غزو الكويت كافياً؟ …"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.