سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الرابعة عشرة . بوش : كنت مقتنعاً بأننا سنتحرك بسرعة ونأخذ العراقيين على حين غرة سكوكروفت : أخذنا نتساءل ... ما الذي يجب ان نفعله بخصوص صدام شخصياً
بعد اتساع نطاق الحملة الجوية ضد العراق احتجَّ وزير الخارجية السوفياتي الجديد الكساندر بيسميرتنيخ الذي وصل الى واشنطن في 28 كانون الثاني يناير 1991 على قصف المراكز السكانية، بما فيها بغداد، بما يتجاوز قرارات الاممالمتحدة. وسبّب ضجّة في واشنطن عندما أصدر مع بيكر، من دون علم بوش او مستشاره لشؤون الامن القومي، بياناً مشتركاً يربط انسحاب العراق من الكويت بحلّ للقضية الفلسطينية. وأخذت مجموعة النواة في ادارة بوش تتساءل: ماذا لو استخدام العراق اسلحة كيماوية؟ وكان بوش يستعجل العسكريين إعطاءه تاريخاً لإنهاء الحملة الجوية تمهيداً لشن الحرب البرية. جورج بوش المفكرة، 24 كانون الثاني يناير ... اليوم الثامن من الحرب، أجلسُ في السونا في نهاية يومٍ وقد فقدتُ صوتي، أظن أن الرشح قد عاد اليّ - لا استطيع التخلص منه، والجميع مصابون بنزلات برد. أقلقُ على برنت سكوكروفت. كان مستيقظاً طوال الليل - وليالي كثيرة، كثيرة وانا قلق عليه. اتصلتُ بالطبيب وذهب الطبيب ليتحدث اليه وقال ان حرارته مرتفعة وانه مصابٌ بانفلونزا وهو يرفض الذهاب الى بيته والعناية بنفسه. ... تلقيتُ تقريراً من وبستر وغيتس بأن العراقيين قد سكبوا قدراً كبيراً من النفط في الكويت وهناك بقعة هائلة ]في الخليج[. اعتقد انه قال انها اكبر خمس مرات مما تسرّبَ من فالديز. كما انه يحرق المزيد من الخنادق ]المملوءة بالنفط[... أظن ان هذا سيزيد من سخط الرأي العام العالمي - اي الحرق - انه حرفياً سياسة الارض المحروقة - الارض المحروقة والآن سياسة البحر المحروق. أقلقُ على محطة تحلية المياه السعودية" وأقلقُ على الحياة البحرية، الخ. أقنعتُ برنت في نهاية الامر بالمجيء الى كامب ديفيد في عطلة نهاية الاسبوع 25 - 27 كانون الثاني يناير، حيث يمكننا ان ندلله ما يكفي وندعه يرتاح، ويسترخي ويطّلع على آخر التطورات…. كان من المقرر ان يصل الكساندر بسميرتنيخ الى واشنطن في 28 كانون الثاني يناير، في اول زيارة له بصفته وزيراً للخارجية. وبرغم ان بلدان البلطيق كانت على جدول الاعمال، وقد حملَ رسالة من غورباتشوف عنها، فإن معظم المناقشات كانت عن الخليج. كان بسميرتنيخ في محادثاته مع بيكر صريحاً. كان السوفيات ساخطين بشأن قصف التحالف للمراكز السكانية، مع انه كان واضحاً اننا كنا نختار الاهداف بعناية وقلّصنا الاصابات المدنية الى أدنى حد. اتهمونا ايضاً بتوسيع نطاق الحرب بما يتجاوز قرارات الاممالمتحدة عندما ضربنا بغداد بدلاً من التركيز على القوات العسكرية العراقية. اقترحَ بسميرتنيخ، كما كان قد اقترح غورباتشوف بعد اليوم الاول من الحملة الجوية، ان الوقت حان للبحث عن حلول سياسية مع إبقاء نظرنا على الوضع في الشرق الاوسط بعد الحرب. كان السوفيات يفكرون في التقدم بمشروع قرار آخر في مجلس الامن يدعو الى توقف في القصف. لم يكن هذا مقبولاً، لأنه كان سيعطي العراقيين فرصة لإلتقاط أنفاسهم وإعادة تسليح أنفسهم، وكذلك فرصة لبناء قوة دفع سياسي لوقفٍ للنار قد يسمح لصدام بالهرب من الكويت مع بقاء قواته العسكرية سالمة. ومع انتهاء اجتماعهم الاول، اقترح بسميرتنيخ ان يختتما محادثاتهما ببيان مشترك مشابهٍ لتلك البيانات التي صدرت في موسكو في آب اغسطس وفي هلسنكي في ايلول سبتمبر. ترك بيكر القضية غامضة وطلب منه ان يعود بمسودة. جورج بوش أمضيتُ جزءاً من 29 كانون الثاني يناير في إعداد خطابي عن حالة الأمة، الذي كنتُ سألقيه في مساء ذلك اليوم. وبينما كنتُ أضع المكياج في الطابق تحت الارضي في البيت الابيض، أسرَعَ برنت بأنباءٍ مفاجئة ومزعجة. لقد قرأ بسميرتنيخ على الصحافة للتو بياناً اميركية - سوفياتياً مشتركاً تضمن عبارةً تقول اننا "ما زلنا نعتقد" بأن من الممكن تحقيق وقفٍ لإطلاق النار اذا قدّم صدام "التزاماً لا لبس فيه" بالانسحاب من الكويت، على ان تتلو ذلك خطوات فورية وملموسة تؤدي الى تقيّد تام بقرارات مجلس الامن. برنت سكوكروفت علمتُ بالبيان المشترك بأسوأ طريقة ممكنة. لم أكن أنا او الرئيس على علمٍ بأن بياناً كان سيصدر. كان بسميرتنيخ قد جاء الى واشنطن سعياً اليه، لكننا لم نُرِدْ بياناً، خصوصاً من النوع الذي يفضّله السوفيات. كان ما فهمته ان بيكر سيحاول وقفه، ولكن اذا كان لا بد من عمل شيء ما، فسيكون بياناً عديم الضرر. حوالي الساعة السابعة والنصف من ذلك المساء، كنتُ أُعطي ايجاز خلفية لمجموعة صحافيي البيت الابيض عن جوانب السياسة الخارجية في خطاب حالة الأمّة. كنتُ قد شرحتُ التعليقات التي سيدلي بها الرئيس عن الحرب وسُئلتُ هل سنوافق على وقف لإطلاق النار اذا وعدَ صدام بالانسحاب من الكويت. عندما أجبتُ بالنفي، مشيراً الى ان انسحاب العراق من دون قيد او شرط هو السبيل الوحيد المقبول، سألني السائل كيف أوفّق بين اجابتي وبين بيان بيكر وبسميرتنيخ بما معناه ان التزاماً بالانسحاب يمكن ان يؤدي الى وقفٍ لاطلاق النار. صُعِقْتُ. لم تكن لديّ فكرة عما قاله بيكر في الواقع. تمتمتُ بشيء ما عن عدم رؤية بيان بيكر ولذا فان من المؤكد انني لا استطيع التعليق عليه وأني كنتُ أُبيّن سياسة الرئيس. كان السؤال التالي: "هل خرج بيكر عن الخط؟" كررتُ ببساطة ان ليس لديَّ شيء آخر أقوله الى ان أكون قد قرأت تعليقاته. لم أكن مسروراً. اذ جرى التعتيم عليَّ تماماً وتساءلتُ عما ان كان سياستنا وُضِعَت في العتمة ايضاً. كان واجبي الاول ان أُبلغَ الرئيس، حتى لا يعلَقَ كما علِقْتُ أنا…. جورج بوش كانت تلك المرة الاولى التي سمعتُ فيها بالبيان وأثار هذا سخطي. اذ عنى اننا سنقبل وقفاً لاطلاق النار مقابل وعدٍ من صدام" واننا، عملياً، مستعدون لأخذ شيء أقل من الانسحاب غير المشروط الذي كنا نُطالب به منذ الغزو. ومما زاد الامور سوءاً ان البيان رَبَط ايضاً وقف اطلاق النار ربطاً أوثق بمفاوضاتٍ بشأن المسألة الفلسطينية. واذا كان اعلاننا عن الاقتراح المتعلق باجتماع بيكر وعزيز قد أثار عدم ارتياح لدى شركائنا في التحالف فان من المؤكد ان هذا سيثير ذعرهم. عندما وَصَلتُ الى مقر الكونغرس، بدأ زعماء الكونغرس يطلقون الاسئلة، ويسألون "ما هو اقتراح السلام الجديد هذا؟". وسرعان ما اكتشفنا ان أصداء البيان ترددت في كل الانحاء، واندفعنا سعياً الى الحدّ من الضرر. ومن حسن الحظ، ان الامور هدأت بسرعة ولم يحصل ضرر خطير. كنتُ اعلم ان جيم لم يقصد "التعتيم عليّ"، واعتذر عن عدم اطلاعي سلفاً. كانت الحجة، او "الحكمة العامة"، التي دفع بها المنتقدون ضد الالتزام بحرب برية، هي لماذا نلعب لعبة صدام؟ لماذا نسمح لقواته البرية بإيقاع خسائر هائلة في الارواح في صفوف التحالف؟ لماذا لا ندع القوة الجوية تؤدي المهمة؟ لم أفهم تفكيرهم. أما لماذا يمكن ان يريد صدام مواجهة قواتنا المتفوقة وتعريض جيشه للدمار، فسؤال لم أعرف له جواباً. لم اعتقد بأن جيش العراق كانت لدىه القدرة على إلحاق الضرر الذي بدا ان صدام، او منتقدينا، يعتقدون ان بوسعه ان يسببه. كان ايجازٌ وراء ايجاز قد أقنعني بأننا نستطيع أداء المهمة بسرعة وبأدنى حدّ من الخسائر في الارواح للتحالف. يضاف الى هذا، انه كان من المهم للسلام في المنطقة ان نبذل قصارى جهدنا لتقليص الخطر الذي من الممكن ان يشكّله العراق في المستقبل. اذ ان ما تستطيع القوة الجوية تحقيقه له حد معين. لم يكن لديّ خوف من اتخاذ قرار شن الحرب. كنتُ مستسلماً له. كنتُ أعلم ان ارواحاً ستُفقد في كلا الجانبين، ارواحاً اكثر مما ينبغي، لكنني كنتُ مقتنعاً بأننا سنتحرك بسرعة، ونأخذ العراقيين على حين غرّة، وننفّذ المهمة في اقل من اسبوع. كنتُ ما أزال قلقاً من الاسلحة الكيماوية، ودقّة تقويمنا لقوة الحرس الجمهوري بعد القصف. كانت المسألة الماثلة امامي في الحقيقة عندئذ هي اختيار تاريخ البدء - وأردتُ ان اعتمد في ذلك على العسكريين كمرشد. اعتمد الجواب كلياً على احتياجاتهم: متى تكون الحملة الجوية قد أدّت مهمتها، ومتى تعتقد القيادة الميدانية انها جاهزة. من وجهة نظري، كانت هاتان المسألتان كلتاهما من اختصاص العسكريين، وعندما يوضح العسكريون انهم جاهزون، سأُعطي الأمر. سأُعطيهم من الوقت ما يحتاجون اليه - ولكن لن أعطيهم دقيقة اكثر. شعرتُ بالاستعجال للانتهاء من الحرب. برنت سكوكروفت كنتُ انا ايضاً نافد الصبر للبدء بالحملة البرية. لم تخطر في بالي ابداً على نحو جدي فكرة أن القوة الجوية وحدها يمكن ان تؤدي المهمة. اعتقدت انها جزءٌ حيوي من أي حملةٍ عسكرية، لكننا كنا قد بالغنا كعادتنا في قدرتها على الحسم - وربما كان جزء من ذلك نابعاً من تمنياتنا…. كانت الحملة الجوية فعّالة اكثر بكثير مما افترضتُ، ومع ذلك بدا العسكريون متمنعين عن البدء بالعمليات البرية، مع ان تقديرات القيادة المركزية لآثار القصف كانت متفائلة مقارنة بتقديرات وكالة الاستخبارات المركزية، مُوحية بتاريخٍ أبكر للهجوم. اعتقدتُ بأن الوقت قد حان ويجب ان نتصرف بينما كنا نركب موجة نجاحٍ عسكري وبينما كان التحالف لا يزال سليماً. لم نستطع معرفة الى متى نستطيع إبقاء اسرائيل خارج الصراع. كانت الصحافة قد بدأت تسأل إن كنا لم نعد نستطيع العثور على أهداف وكنا نقصف الأنقاض، وهو تكهّن غذّته الدعاية العراقية. لكنني وتشيني ايضاً اعتقدنا بأن حملة برية ستكون ضرورية بغض النظر عما ستنجزه القوة الجوية، لأن من الضروري ان ندمّر قدرة العراق الهجومية. كان هذا ايضاً هدفاً رئيسياً، على رغم ان ادراجه علناً بهذه الصفة لم يكن عملياً بينما كان التوصل الى حل سلمي للأزمة ممكناً. من جهة اخرى كان بيكر لا يزال يأمل بأن الحملة الجوية قد تُقنع صدام بالانسحاب. جادل جيم بأنه لو بدأ ينسحب، فإننا لا نستطيع حتى التفكير في هجوم برّي. إذ ان عمل ذلك سيكلّفنا ما لنا من دعمٍ في الرأي العام العالمي. طلب مني الرئيس ان أُرتّب اجتماعاً لمجموعة النواة للبحث في المسألة. اجتمعنا في 31 كانون الثاني يناير، برغم ان النقاش تركّز على متى نضرب وهو موعدٌ تأجل بدرجة اقل مما تركّز على طرح اسئلة اخرى. ما الذي سيحدث اذا توقف صدام عندئذٍ وغادر وحرسه الجمهوري سالمٌ؟ ما الذي يجب ان نفعله بخصوصه شخصياً؟ ماذا اذا استعمل العراق اسلحة كيماوية؟ كنا قد ناقشنا ذلك في اجتماعنا في 24 كانون الاول ديسمبر في كامب ديفيد واستبعدنا استعمالنا نحن لها، ولكن اذا لجأ العراق اليها، فسنقول ان ردّ فعلنا سيعتمد على الظروف واننا سنعتبر قادة الفرق العراقية مسؤولين وسنقدّمهم للعدالة لارتكابهم جرائم حرب. لم يتقدّم أحد بفكرة استخدام اسلحة نووية ورفضَ الرئيس الفكرة حتى انتقاماً من هجمات كيماية او بيولوجية. تجنبنا عمداً تهديدات صريحة او ضمنية باستخدامها على اساس ان من الممارسات السيئة التهديد بشيء ما لا نيّة عندك لتنفيذه. وعلى صعيد علني، تركنا المسألة غامضة. إذ لم يكن هناك معنى لتقويض الردع الذي قد تشكّله. جورج بوش بالنسبة الى التعامل مع صدام شخصياً، قلقتُ من انه سيخرج من الحرب ضعيفاً ولكن ك "بطل" مستمر في السيطرة على الامور. ناقشنا مرة اخرى ما اذا كان يجب ان نتعقبه. لم يأبه أحد منا بما اذا قُتِلَ خلال هجوم جوي. ومع ذلك كان من الصعب للغاية استهداف صدام، الذي كان من المعروف انه يتحرك كثيراً وتحت حراسة مشددة. كنا قد صادفنا مشكلات في معرفة مكان وجود نورييغا في بنما، وهو مكان كنا نعرفه جيداً. كان صدام اكثر مراوغة وأفضل حماية. وكان افضل ما نستطيع عمله هو ضرب نقاط القيادة والسيطرة التي يمكن ان يكون موجوداً فيها. كان هناك الكثير منها، وكانت على قائمة أهدافنا على أي حال. علمنا في ما انه بعد قد عَلِقَ في قافلة عسكرية هاجمتها طائرات التحالف لكنه نجا من دون أذى. المفكرة، 31 كانون الثاني يناير بقيتُ أفكّرُ في ان الشعب العراقي يجب ان يتخلص ]منه[ مع العسكريين العراقيين. اذ ان رؤيتهم جنودهم وهم يُدَمّرون ]مع[ معداتهم - لا بد ان تدفعهم الى عمل شيء. أتمنى الى أقصى حد ان نستطيع نحن عمل شيء من هذا القبيل.... انها حرب واذا أُصيبَ بقنبلة في مقره، فهذا من سوء حظه. ولكن يبدو لي انه كلما مرَّ شعب العراق في معاناة اكبر، فإن من الأرجح ان يقف شخص ما ويفعل ما كان يجب عمله قبل وقت طويل - ويُخرِجَ ذلك الرجل من هناك - إما بطرده من البلاد او بعمل شيء ما يضمن عدم تسييره للأمور بعد الآن. اعتقدتُ اعتقاداً جازماً بأننا لا يجب ان نزحف على بغداد. كانت مهمتنا المعلنة، كما وصفتها قرارات الاممالمتحدة، مهمةً بسيطة، إنهاء العدوان، وإخراج قوات العراق من الكويت، واستعادة زعماء الكويت. احتلال العراق سيدمّر تحالفنا فوراً، ويحوّل العالم العربي برمته ضدنا، ويجعل طاغيةً مكسوراً بطلاً عربياً عصرياً. كل هذا سيأخذنا الى أبعد بكثير من حدود القانون الدولي الممنوحة بقرارات مجلس الامن، ويجعلنا نُخصّص جنوداً شبان لعملية بحثٍ عقيمة عن ديكتاتور مُتَخندِقٍ بأمان وان نحكم عليهم بالقتال في ما سيكون حرب عصابات حضريّة لا يمكن الفوز فيها. ولا يمكن لهذا الا ان يُغرق ذلك الجزء من العالم في قدرٍ اكبر من عدم الاستقرار ويدمّر الصدقية التي كنا نعمل بجدٍ لإعادة ترسيخها. اذا نجا صدام من الحرب، اعتقدتُ بأن بإمكاننا على الاقل ان نحاول ضمان ان جبروته العسكري قد أُضعف او دُمِّر. كان هذا وراء قلقي من انه قد ينسحب من الكويت قبل ان نكون قد تمكّنا من طحن دروعه ومعداته الثقيلة، وأبرز هذا الحاجةَ الى شن حملة برية لإنهاء المهمة - وعاجلاً بدلاً من آجلاً. ستُوسَع شروطنا لإنهاء القتال، وهذا أمر قد نُنتَقد عليه لكني لم أرَ كيف يمكن لنا ان نترك قوة العراق العسكرية على حالها. كان يوم 1 شباط فبراير يوماً مؤثراً وعاطفياً بالنسبة اليَّ، وقمتُ بزيارات الى ثلاث قواعد عسكرية للالتقاء بعائلات أفراد قواتنا في الخليج. بدأتُ بزيارة محطة القوات الجوية البحرية في تشيري بوينت. في كارولاينا الشمالية. عندما هبطنا، حصّنتُ نفسي لما كنتُ اعلم انه سيكون تجربةً مؤثرة. كان ما واجهته إظهاراً حقيقياً جداً لما كانت الحرب تفعله بعائلات من أُرسِلوا الى الخليج. كان كل الرجال الشبان قد ذهبوا، وكان الجمهور مؤلفاً في معظمه من النساء، والاطفال والرجال الاكبر عمراً. لم أكن واثقاً من أنني لن اختنق وأنهار خلال حديثي اليهم. كان صباحاً بارداً، وكانت الريح تهبُّ عبر حظيرة الطائرات التي كنتُ سأتحدث فيها. كان لنا ما يقرب من 85.000 من مشاة البحرية في الخليج، وفيما قرأتُ ملاحظاتي قلتُ لنفسي "كُنْ قوياً، لا تختنق". ومع ذلك كنتُ ما أزال أشعرُ بإندفاع العاطفة فيَّ عندما رأيتُ بعض النساء والدموع تنهمر على وجوههن. حاولتُ الابتعاد بنظري عنهن، لأنني وجدتُ انني اذا حدّقتُ في خلفية الجمهور او في منصة الصحافيين فستقلّ فرصة إصابتي بغصّةٍ في حلقي وأنا أكافحُ عبر خطابي…. بعد الخطاب التقينا بزوجات كثيرات. كُنَّ رائعات، قويات وداعمات وفخورات بأزواجهن…. وعندما عدتُ الى طائرة سلاح الجو رقم واحد، قلتُ لمشاة البحرية القريبين منها انني جئتُ الى هناك لرفع معنويات الفيلق، ولكن بدلاً من ذلك صار الامر معكوساً - لقد عزّزوا هم معنوياتي. بعد ذلك زرتُ قاعدة سلاح الجو سيمور جونسون في غولدزبره، ايضاً في كارولاينا الشمالية، مقر الجناح الرابع للمقاتلات التكتيكية ووحدتيِّ إعادة التزويد بالوقود ال 68 وال 916. هناك كانت العاطفة، وردّ الفعل تجاهها، قويين بدرجة مساوية. مرّةً اخرى حاولتُ إلقاء خطابي من دون ان أنهار. من الصعب عمل ذلك عندما يعزفون "الراية المرصّعة بالنجوم" او عندما يؤدون التحية لك ويرفعون لافتات، او عندما ترى طفلاً ينطق بالكلمات "أَعِدْ أبي الى البيت سالماً". كان من المقرر ان ألتقي زوجتين كان زوجاهما مفقودين وزوجتين كان زوجاهما أسيريّ حرب. شعرتُ بأن قوتي تعزّزت بشجاعة اولئك النساء الأربع، وحقيقة أنهن لم يبكين. جميع العائلات التي التقيتها قالت الشيء نفسه: زوجي، أبي يعلم ما يفعل هناك. انه يفعل ما يفعل من اجل بلاده. لم يرتفع صوتٌ واحد مختلف ولم أرَ لافتة احتجاجٍ واحدة في أي مكان او أسمع شكوى واحدة. مرة اخرى، شعرتُ بإنهاك عاطفي ولكن بمعنويات عالية. كان توقفنا الاخير في فورت ستيوارت، جورجيا، مقر فرقة المشاه ال 24 ميكانيكية، التي كانت على الخط الأمامي ومن بين الوحدات التي نُشرت في وقت مبكّر - وكانوا موجودين هناك منذ خمسة أشهر. كنتُ قد قضيت عيد الشكر مع بعضهم قبل أسابيع قليلة من ذلك. الآن أُبلغت بالوداع الذي لقيته الفرقة عندما غادرت في آب اغسطس. كان أهالي البلدات المحيطة قد اصطفوا على جنبات الشوارع، وحتى على جانبي الطريق الرئيسي بين الولايات، وهتفوا للجنود عندما عَبَروا الى نقاط الركوب. مرة اخرى ألقيتُ خطاباً بجهد، وتمكنت من قضاء بعض الوقت مع العائلات. عندما غادرت هذه المحطة الاخيرة، كانت معنويات مرتفعة جداً…. برنت سكوكروفت في يوم الاحد ذاك، 3 شباط فبراير اجتمعت مجموعة النواة مرة اخرى في البيت الابيض للبحث في متى يمكن ان نأمر الجنود بالدخول. كان الرئيس ممزقاً. لم يرد ان يبدو كأنه يفكّر في استراتيجيات بدلاً من الخبراء العسكريين. كانت لا تزال حية في ذهنه صورة ليندون جونسون خلال فيتنام، وهو منحن فوق خرائط جوية يختار اهدافاً فردية للضربات الجوية. ومن جهة اخرى، كان الوضع العسكري متقلباً والتحالف ربما متردياً. ومع كون قوتنا الضخمة محتشدة الآن، لم يبد هناك سبب واضح للاستمرار في التأخير. كان قد مرّ اكثر من اسبوعين، وبدا ان الحرب الجوية قد حققت الاهداف المحددة لها، ازداد قلق الرئيس - وقلقي - مع مرور كل يو م. اذ وفّر ميل عسكريينا الى تأخير تاريخ بدء الحرب البرية فرصاً للإيذاء العراقي والمبادرات الديبلوماسية السوفياتية. جورج بوش في الاجتماع شرح باول ان سكوكروفت يتوقع على الاقل اسبوعين آخرين او اكثر للحملة الجوية قبل ان يبدأ الهجوم البري. أقلقني النبأ، لأنني اعتقدت ان هذا سيعطي صدام مزيداً من الوقت لتملص من محنته بعرض وقف اطلاق نار من نوع ما. كان علينا ان نوازن هذا الخطر باستعدادنا وان نتتخذ قراراً بشأن متى نبدأ. عرض ديك ان يذهب الى المملكة العربية السعودية مع كولين ويتحدث الى شوارتزكوف. يمكنهما ان يغادرا يوم الخميس، بعد اربعة ايام. وافقت فوراً. المفكرة، 5 شباط فبراير ثمة حملة ]دعاية[ تُشنُّ الآن... لإظهار أننا... نتعقب المدنيين... تسمع ]عن سائق سيارة شحن ضربناها وهو موجود[ في مستشفى في الاردن. كان سائراً على الطريق الرئيسي ]في العراق[، تحت ]الجسور التي[ توجد عندها صواريخ سكاد تقذف الرعب في اسرائيل، وتبدو الصحافة متعاطفة جداً او على الاقل هي تكرر النبأ المرة تلو المرة عن قصف سيارة شحن لم يكن يُفترض ان تحملَ ذلك النفط في المقام الاول... 6 شباط فبراير سارَ المؤتمر الصحافي على ما يرام اليوم، لكنني أقلقُ من أنهم يواصلون الانتقاد، ويدقّون، ويدقّون في ما يتعلق بتعرض المدنيين للأذى ومع ذلك يبدو ان الدعم مستمر.... يُبالغون في كل هذه الامور: الألغام الأرضية، الخنادق المشتعلة، وما لا يعلمونه هو أننا ندور حول هذه الأشياء. لكنها على أي حال الحالة الأسوأ، الحالة الأسوأ، الحالة الأسوأ. تقول "اي. بي. سي." ان هناك نصف مليون لغم في الصحراء. لغم لكل عضو في التحالف، وتُري كيف ننوي إزالتها. ما لا يفهمونه بينما يقدّمون كل هذه الحالات الأسوأ لنزول جنودنا في الخنادق، هو أننا سنلتفُّ حولها… ونقطع القوات الموجودة في الكويت ونتركها لتفكّر في ما تفعل. سيُقطعون عن الإمدادات وسيكون في وسع قواتنا ان تُعالج أمر حرسٍ جمهوريٍ مضروب ]في[ جنوبالعراق. في اليوم التالي انضم تشيني الى برنت وإليَّ للتحدث عن رحلته. قلت لتشيني انني لا اعتقد بأن لدينا كثيراً من الوقت وانني آمل بأن يكون شوارتزكوف جاهزاً للتحرك. ولكن اذا كانت المسألة هي هل يجب ان ننتظر لشهرٍ لجعل العسكريين مستريحين، او ان ندفع بهم أبكر بمدة شهر لكي نُقلّص الخطر السياسي الناجم عن كل التقارير عن القصف وضعف التحالف، فسأقف الى جانب رأي العسكريين. قال ديك انه سيُوضح ما ينبغي عمله ولماذا. في 9 شباط فبراير، جرّبتُ أفكاري بخصوص الحرب البرية على رئيس الوزراء الهولندي رود لوبرز - أحد أوثق اصدقائي بين الزعماء العالميين وشخصٌ كان بوسعي ان اعتمد على حكمته وكثيراً ما أفدتُ منها. أردتُ ان أسأله ايضاً عن موقف الاوروبيين الحالي من حربٍ برّية. أسرّيت اليه انني قلق من حملة صدام الدعائية التي تقول اننا نستهدف السكان المدنيين، وانني غاضب من معاملة أسرى الحرب. لم يعتقد رود بأن الدعاية كان لها تأثير كبير، على الأقل في هولندا، او في البلدان المجاورة. قال: "نحن الاوروبيين نأمل بأنه، برغم ان الحاجة يمكن ان تدعو الى هجوم بري، ان نستمر لأطول ما يمكن في الحملة الجوية. كل يومٍ نُضعِفُ فيه قدرته البرية الكامنة هو يوم طيّب، لأن هذا يعني انه سيكون أضعف في ما بعد. ان هجوماً برياً سيكون مثيراً للانقسام اذا استنتج الناس انه شُنَّ أبكر مما يجب، لذا فإن من المهم ان نُظهر اننا قطعنا الميل الاضافي". قلتُ له ان المسألة العسكرية تتعلق بمدى ما نحقق من نتائج. في مرحلةٍ ما، سينطبق قانون العوائد المتناقصة. أجاب قائلاً: "لا اعتقد بأن القوة الجوية وحدها ستؤدي المهمة، ولكن من الأفضل، من وجهة نظر سياسية، البدء بهجوم برّي في ما بعد". كانت نقطة ممتازة. "أضمنُ اننا لن نستخدم القوة البرية ما لم نكن مقتنعين بأنها ستكون سريعة وبعددٍ منخفض من الخسائر في صفوف التحالف". غير ان المخاطر السياسية لتأخير عسكري اخذت تتعاظم. في 9 شباط فبراير، أعلن غورباتشوف انه سيُرسل بريماكوف مرة اخرى الى العراق بأمل إيقاف الحرب. كانت السفارة السوفياتية قد اتصلت ببيكر في ذلك اليوم لإطلاعه. كان السوفيات قلقين من ان "منطق الحرب"، على حدّ تعبيرهم، سيؤدي بنا الى تجاوز قرارات الاممالمتحدة والتسبّب في خسائر أكبر في الأرواح بين المدنيين. كانوا قلقين ايضاً من ان هجمات العراق بصواريخ "سكاد" يمكن ان تؤدي الى تصعيد الحرب. ربما كان غورباتشوف يثير ضجّةً لمجرد تهدئة قاعدة دعمه الاسلامية، لأنه كثيراً ما كان يُذكّرنا بأن ما كان يحدث ليس بعيداً عن حدوده. ومع ذلك، خشينا من ان السوفيات يزيدون من محاولاتهم من أجل وقف القتال قبل ان يكون العراق قد تقيّد بقرارات الاممالمتحدة. كان شيفاردنادزه قد ذهب، ولم يكن هناك ما يوازن ضغوط الجناح اليميني على غورباتشوف ليتدخل ويُنقذ عميلهم القديم - كان لا يزال من الممكن ان تهرب موسكو من التحالف. كان الاقتراح الذي سلّمه بريماكوف الى صدام قليل الاختلاف عن الاقتراح الذي قدمه غورباتشوف بعد يومين من بدء القصف. صدام يُعلن انه سينسحب من الكويت ثم قد يوافق التحالف على وقفٍ لإطلاق النار. ولحسن الحظ، لم يؤدِ الاقتراح الى أي شيء. في اليوم التالي لإعلان غورباتشوف، كان هناك اجتماعان مع موشي أرينز، واجتماع مع تشيني وباول في منتصف العصر قدَّما فيه تقريراً عن رحلتهما للقاء شوارتزكوف، وجلسة لمجموعة النواة. حاولنا منع مظهر وجود صلة بين الأمرين - أي ان تشيني كان يقدّم تقريراً واننا كنا نحاول التشاور مع الاسرائيلين قبل اتخاذ اي قرار. وقد جعلنا اجتماعيّ تشيني ومجموعة النواة في جناح إقامة الرئيس حتى لا تقيم الصحافة صلةً بين الأمرين.