سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الثالثة عشرة . سكوكروفت : كان هدف قصف اسرائيل بالصواريخ العراقية سلخ الحلفاء العرب عن التحالف بوش : اقترح غورباتشوف وقف الحملة الجوية فقلت ان على صدام ان ينسحب تلقائياً وتحت النار
في هذا القسم الاول من الفصل 18 من كتاب "عالم تحوّل" وعنوانه "عاصفة الصحراء" يصف المؤلفان بداية الحملة الجوية ضد العراق بعد انقضاء الموعد الاقصى، 15 كانون الثاني يناير، المحدد من الاممالمتحدة لانسحاب العراق من الكويت. ولكن مما عقّد الامور للاميركيين ان العراق أطلق في 18 كانون الثاني يناير خمسة صواريخ "سكاد" على اسرائيل، مما دفع الاسرائيليين الى التفكير جدياً في الرد بغارات جوية. وأثار هذا خوف الادارة الاميركية فقررت ارسال صواريخ مضادة للصواريخ من نوع "باتريوت" ومساعد وزير الخارجية لاري ايغيلبيرغر الى اسرائيل لثنيها عن القيام بأي عمل عسكري من العراق، وبعد ايام على بدء الحرب الجوية اتصل الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ببوش طالباً منه وقفها، لكن بوش قال ان على صدام ان ينسحب "من تلقاء نفسه وتحت النار". جورج بوش كان اليوم التالي لانقضاء الموعد الأقصى غريباً جداً، بخلاف أي يوم آخر خَبِرته. اتسمت الأعمال الروتينية بنوعية غير حقيقية. وجدت نفسي في اجتماع بخصوص التعليم غير قادر على التركيز إلا لبضع دقائق فقط. كنت اتذكر ان صواريخنا وطائراتنا يجري إعدادها لضرب بغداد، وفي بعض الحالات قد تكون حتى في طريقها الى أهدافها. وفجأة كان كل شيء آخر تافهاً. طوال النهار، ظل الناس يأتون ويقولون: "فليباركك الله". كان لا يزال هناك غضب لدى بعض اعضاء الكونغرس. تقدم النائب هنري غونزاليس، الذي كان قد رفض التصويت على قرار دعم استخدام القوة بقرار توجيه اتهام اليّ بالتقصير. تناولنا، أنا وجيم بيكر، الغداء معاً في جناح إقامتي. بدا انه يشاطرني عصبيتي. كنت قد بدأت ارسال الإشعارات بعد ظهر اليوم السابق، وأجريتُ اتصالاً هاتفياً مع جون ميجور، وواصلت طوال النهار إشعار حلفائنا الآخرين بأننا على وشك ان ندخل. تحدثت ايضاً مع كل من الرؤساء السابقين، الذين أيّد كل منهم ما كنا على وشك ان نفعله. وشمل ذلك جيمي بيكر الذي كان لطيفاً جداً. اعتقد انه فهم اننا قد وجّهنا المناشدة الاخيرة الى عزيز وفعلنا ما استطعنا لتجنّب حرب. بين الساعة 5.30 والساعة 6.30، اتصلت هاتفياً بزعماء الكونغرس، وبعد ان انتهيت من ذلك بدأ يسيطر عليّ شعور توقعٍ غير مريح بينما انتظرت الى ان بدأت القنابل الاولى تسقط في الساعة 7. الآن صار الأمر في يد العسكريين. في الساعة 6.40 جلستُ، أنا وباربرا وبيلي غراهام، امام التلفزيون، نراقب بينما أُطفئت الأضواء في كل انحاء بغداد. سمعنا ما بدا انه اطلاق نيران وبدا للحظة اننا ضربنا أبكر من المقرر. اتصلتُ بديك تشيني، الذي قال ان من المحتمل ان هذا هو صوت اطلاق جنودهم النيران في السماء. في السابعة اتصل بي تشيني مرة اخرى ليقول ان القنابل الاولى سقطت. اتجهتُ الى الآخرين وقلت: "لقد تصرفوا حسب الجدول تماماً". برنت سكوكروفت كنتُ جالساً في مكتبي مع ريتشارد هاس وبوب غيتس نشاهد "سي. ان. ان." عندما بدأت الحملة الجوية. كانت تجربة غريبة. كنتُ هناك جالساً والجدول الزمني للهجوم على ركبتيّ أنظرُ في الوقت نفسه الى الاهداف على التلفزيون بينما كان يجري ضربها. كان الامر كما لو كنتُ أقرأ نصّ فيلمٍ بينما تجري احداثه امام عيني. كنتُ في الواقع أشاهد حرباً وهي تبدأ. حوالي الساعة 6.40 مساءً قال برنارد شو من ال "سي. ان. ان"، الذي كان موجوداً في فندقٍ في وسط بغداد، ان ثمة تقارير عن اطلاق نيران قرب الحدود الجنوبية. فكّرتُ ان ذلك سيكون هجوماً على رادارات الإنذار العراقية. في الوقت المحدد تماماً. ثم راقبتُ بينما كانت سماء الليل فوق المدينة على شاشة التلفزيون تُضيء بالطلقات الخطّاطة المضادة للطائرات - والمدفعيون يُطلقون النيران على لا شيء لعصبيتهم. في الساعة 7 تماماً، امتلأت الشاشة بانفجارات قنابل. جورج بوش بعد بضع دقائق، دخل مارلين فيتزووتر الى غرفة الايجاز في البيت الابيض وقرأ بياناً قصيراً منّي يُعلن ان تحرير الكويت قد بدأ وانني سأتحدث الى الأمة في الساعة 9. وبينما كنت استعد للخطاب، فوجئت بأنني لم أكن اشعر بعصبية. كنت اعلم ما سأقول، وقلته، وأملتُ بأن يكون له صدى. علمتُ في ما بعد انني تحدثت الى اكبر جمهور اميركي للتلفزيون في السجلات - كانت 79 في المئة من اجهزة التلفزيون شغالة. في الساعة 10، قبل لحظات من توجهي الى السرير، اتصل بي ديك تشيني هاتفياً واعطاني التقارير الاولى من الخليج. ذَهَبت ستٌ وخمسون طائرة للبحرية، وعادت ستٌ وخمسون طائرة. انطلقت ايضاً مائتا طائرة تقريباً لسلاح الجو ولا يوجد ما يشير الى ان اياً منها مفقود. شعرتُ بإحساسٍ بالارتياح والامتنان. شعرتُ بالحاجة الى الصلاة. كانت ليلة 16 - 17 كانون الثاني يناير ليلة اخرى غير مريحة. بعد ان تقلّبتُ واستدرُت لساعات، قررتُ ان أنهض. أخذتُ الكلاب في مشوار على المنبسط العشبي الجنوبي في الساعة 5 صباحاً، وذهبتُ الى المكتب البيضاوي لبضع دقائق قبل نزولي الى غرفة الموقف. كان طيار احدى طائرات "ف - 18" قد فُقِد، اللفتاننت كوماندر مايكل سكوت سبيتشر، من ميبورت، في فلوريدا، على رغم ان العراق كان يدّعي إسقاط اربع عشرة طائرة…. مع تقدّم النهار كان هناك شعورٌ عامٌ بالسرور للنجاح المستمر للحملة الجوية والخسائر الطفيفة. ولكن بعيد السابعة من مساء ذلك اليوم اتصل برنت ليُبلغني ان العراقيين أطلقوا خمسة صواريخ "سكاد" على اسرائيل - في وقت مبكّر من صباح 18 كانون الثاني يناير على تل ابيب. كانت التقارير الاولى مُبتسرة ومُربكة. لم نعلم مدى فداحة الأضرار، أو من أين أُطلقت الصواريخ كنا قد استهدفنا منصات الإطلاق الثابتة في أبكر الغارات، او حتى من أي نوع كانت الرؤوس الحربية المُثبّتة عليها. كانت هناك اشاعات من كل الانواع. سمعنا اولاً ان اسلحة كيماوية قد استُخدمت وان صواريخ قد ضَربت لبنان. ثم علمنا ان سبعة صواريخ "سكاد" قد أُطلقت وان الضرر كان محدوداً جداً، وان من المحتمل ان احداً لم يُقتل ولم تُستخدم اسلحة كيماوية. كانت هناك ايضاً تقارير مُربكة عما اذا كان اي من صواريخنا من نوع "باتريوت" قد اعترضت اي صواريخ، او انها قد أُطلقت أصلاً. لكن السؤال الأهم كان متعلقاً بالطريقة التي قد يكون عليها ردّ فعل الاسرائيليين. برنت سكوكروفت كانت الليلة الافتتاحية في الحرب الجوية ليلة طويلة، لكن الساعات الأربع والعشرين من القتال سارت على نحوٍ جيد للغاية. كانت الساعة هي السابعة وكنتُ، أنا وبوب غيتس، نستعد للذهاب كل الى منزله عندما اندفع مارلين فيتزووتر ورومان بوباديوك الى مكتبي حاملين التقارير الاولى عن ضربات "سكاد". كان الهجوم محاولة ماكرة لسلخ الحلفاء العرب عن التحالف، إما باستفزاز ردٍ عسكري اسرائيلي مباشر وإما بحشد دعمٍ في أوساط الراديكاليين العرب. اتصلتُ بهاس، وبيكر، وتشيني وطلبتُ اليهم ان يحضروا. قال تشيني ان وزير الدفاع أرينز اتصل به مباشرة بعد الهجوم وطلبَ ان نشحنَ وحدة صواريخ دفاع جوي من نوع "باتريوت" في أسرع ما يمكن. وطلب منا ايضاً عمل ترتيبات لضربةٍ اسرائيلية مضادة. اعتقدتُ ان من المستحيل تقريباً منع الاسرائيليين من الانتقام، ولكن كان علينا ان نفعل ذلك. قال تشيني انه يشكّ في اننا نستطيع وقفهم واننا يمكن ان نجعل موقفاً سيئاً اكثر سوءاً اذا حاولنا. اقترحَ ان نسمح لهم بأن يوجهوا ضربة، وبسرعة، وينتهوا منها. أثَارَ تقويم تشيني إمتعاضاً. اتفقتُ، أنا وهاس، على انها ستكون غلطة خطيرة ان نسمح للاسرائيليين بالرد. ذلك ان طائراتهم سيتعين عليها، كي تصل الى العراق، ان تجتاز أراضي عربية، إما فوق سورية، او الاردن، او المملكة العربية السعودية. لم أستطع ان أتصور ان أياً من هذه البلدان سيسمح بمثل هذا الانتهاك السافر لأراضيهم على فرض انهم اكتشفوا الأمر من دون إصدار ردّ فعل عسكري. وإذا اتجه الاسرائيليون من دون إذن، فإن ممرّهم الأرجح كان عبر الاردن. كان من غير المرجح الى حدٍ كبير ان يستطيعوا العبور والعودة من دون ان يُكتَشَف أمرهم، واذا اكتشفهم الاردنيون، فإن في حكم المؤكد تقريباً ان يحاولوا اعتراضهم. ومن شأن هذا ان يُدخل الاردن في الصراع ويغيّر حسابات التحالف برمتها. ولكن كانت هناك عقبة اخرى امام ضربةٍ اسرائيلية قد تساعد في إبقائهم خارج نطاق الصراع - وهي عملية تُعرف بالمصطلح الفني "منع التضارب". وعَنَتْ هذه تقديم رموز تعريف وفرزَ أوقات الطيران وخطوطه لتجنّب إمكانية إطلاق التحالف النار على طائرات اسرائيلية. وما دمنا نرفض منع التضارب، فإن أي هجوم اسرائيلي سيكون شديد المخاطر بالنسبة اليهم، وكان الخيار الوحيد الآخر هو ان تردَّ اسرائيل بالطريقة نفسها - باستخدام صواريخها أرض - أرض من نوع "أريحا". وكانت هذه هي الإمكانية الأقلَّ إشكالية، لكنها ستعني مشاركةً اسرائيلية في الحرب، الأمر الذي يُهدد التحالف. فيما كنا نناقش الأمر، وصل نبأ بأن بعض الصواريخ على الأقل حمَلَ غازاً مضاداً للأعصاب. غيَّر هذا النقاش. قال ايغيلبيرغر انه اذا لم يكن تشيني مصيباً من قبل، فإن من المؤكد تقريباً انه مصيبٌ الآن. أشار الى انه اذا ردّت اسرائيل بإطلاق صواريخ بدلاً من استخدام طائرات فستتجنب طلباً لتعاوننا. قررنا ان الأولوية الأولى هي شنّ حملةٍ لإقناع الاسرائيليين بالإحجام. اتصلَ بيكر بالرئيس ليحصل على موافقته وليطلبَ اليه ان يتصل هاتفياً بشامير. طلبَ الرئيس ان يُجري بيكر المكالمة، لكن عامل تليفون البيت الابيض لم يستطع الحصول على خطٍ الى اسرائيل - اذ كانت الخطوط كلها مشغولة بمكالمات أقارب يتصلون بعائلاتهم هناك. اتصل ايغيليبرغر فوراً بالسفير الاسرائيلي زلمان شوفال ليطلب منه نقل رسالة بأن الرئيس "مُدمَّر" بالهجوم ويطلبُ، برغم الاستفزاز، ألا تفعل اسرائيل اي شيء وان تترك الردّ للولايات المتحدة. في غضون ذلك كان تشيني قد تمكن من الاتصال بأرينز. وكطريقة على الاقل لشراء وقت، إن لم يكن لثنيهم، طلب من أرينز ان يستقبل فريقاً اميركياً لمناقشة طريقة الرد. ومع ان أرينز رفض اعطاء التزام بعدم الهجوم، فقد وافق على استقبال الفريق. وأخيراً، في الساعة 10.40 ليلاً تمكن بيكر من الاتصال بشامير. في حلول هذا الوقت كنا قد علمنا ان التقارير المبكرة كانت مغلوطة. لم تحمل صواريخ "سكاد" غازاً ولم تقع خسائر في الأرواح. وصار واضحاً، مما قاله شامير، ان اسرائيل ستضبط نفسها في الوقت الحاضر. عندما اطمأنينا، طلبنا من تشيني ألا يُلحَّ في خطته بخصوص فريق تقني. سنعمل على أساس المحادثة مع شامير، وليس مع أرينز. وهكذا عندما قال أرينز علناً ان اسرائيل ستنتقم، اعتبرنا ان ذلك كان للاستهلاك المحلي. صارت تلك الأمسية العاصفة تُعرف باسم "خميس سكاد". لم يكن أحدٌ قد تناول العشاء، ولذلك طلبنا بيزا وساندويتشات الى مكتبي. كسرَ ذلك جو التوتر وتحولت الأمسية الى شعورٍ بالارتياح…. جورج بوش صباح اليوم التالي أجرَيتُ محادثة طويلة مع غورباتشوف، الذي كان قلقاً بشأن تصاعد الموقف. كانت لهجته رزينة فيما حاول إقناعي بوقف الحملة الجوية. قال: "هذا الوقت ليس هيّناً بالنسبة الى أي منا". شكوكنا في ما يتعلق بصدام تأكدت صحتها، وكان من الضروري استخدام القوة، ولكن حان الوقت لتقصير أمد الحرب. أصرّ غورباتشوف على أن بإمكاننا الآن ان نتحدث عن هزيمة صدام السياسية وأن التحالف قد أوقع ضرراً جسيماً بجبروته العسكري وقدراته. قال: "لقد تمّ تسجيل نصرٍ جوهري. ما الغرض من مزيد من العمل العسكري؟" لن يعني سوى المزيد من الخسائر في الارواح في صفوف القوات الاميركية - والمدنيين العراقيين. كَشَفَ غورباتشوف ان السفير السوفياتي في بغداد كان على وشك ان يقابل صدام وانه أصدر اليه تعليماته بأن يسأل هل سيُعلن العراق انه سينسحب من الكويت اذا جمّدنا أي عمل عسكري آخر. اذا اتفقنا، فإنه سيُعلن مبادرته. قلت لميخائيل ان التوقف الآن، بعد الهجمات على اسرائيل، سيسمح لصدام بإدعاء النصر، بل سيجعله بطلاً. من المؤكد ان حلفاءنا العرب سَيَرَون انتصاراً لصدام اذا تُرِكَ جيشه سالماً. سيتعين علينا الاستمرار الى ان ينسحب من تلقاء نفسه وتحت النار. شرحتُ اننا نحاول حماية الارواح وعرضتُ الأهداف التي كنا نحاول ضربها. جَادَلَ غورباتشوف بأن الضربات الجوية قد حقّقت النتائج التي أردناها. حضّني على ان أفكّر في المشكلات السياسية في الأجل الطويل. "لقد أظهرنا التعاون الاميركي - السوفياتي. توقف في الوقت المناسب. فكِّر في الخسائر في الارواح". لم أرَ دليلاً على ان صدام مستعد للتقيّد بقرارات الاممالمتحدة، وإضافة الى ذلك، فإنه يستطيع الانسحاب في دقيقة إذا أراد" لسنا في حاجةٍ لعرض أي شيء عليه. كنتُ أفكّر هنا في فترات وقف القصف التي ضُغِطَ على جونسون ونيكسون لإعلانها خلال حرب فيتنام. وبدلاً من ان تجلب هذه السلام، أعطت العدو فرصةً لإعادة تجميع قواه. كنتُ مصمماً على عدم تكرار الغلطة. بعد مؤتمرٍ صحافي عند الظهر، تحدثتُ مع شامير، وأخبرته بجهودنا للقضاء على صواريخ "سكاد". قلت: "آمل بأن تتركوا للتحالف التصرف ضد العراق". أبلغته ان تشيني أكد لي أننا نستطيع إيصال وحدات "باتريوت" الأولى اليه في غضون ثمانٍ واربعين ساعة. أضفت: "لقد عملنا بجدٍ لتأمين مشاركة نشيطة من جميع اعضاء التحالف. وسأكره تعريض ذلك للخطر". كان لطيفاً لكنه قال ان من المحتمل ان يتعين على اسرائيل ان ترد. قال: "اننا نعلم انكم تبذلون قصارى جهدكم لتدمير الأسلحة العراقية. ولكن أرجوك ان تأخذ في الاعتبار اننا لا نستطيع ان نتخذ موقفاً متطرفاً كهذا ثم لا نفعل اي شيء ]يقصد تصريح أرينز[... يجب ان نفعلَ شيئاً ما". قال ان مجلس وزرائه سينظر في القضية في غضون ثمانٍ واربعين ساعة. أراد شامير تنسيق ردّ. كان يطلب منا "تجنّب التضارب". حضّيته على البقاء خارج الصراع وعلى ان يتركنا لنؤدي المهمة، مع انني كنتُ أعلم ان هذا سيكون صعباً بالنسبة اليه. المفكرة، 19 كانون الثاني يناير طرتُ الى كامب ديفيد، وكنتُ أنوي النوم مبكراً ثم اندلعت حِمم الجحيم كلها حوالي الساعة 1.30 ]صباحاً[ عندما اتصل بي برنت وأخبرني ان اسرائيل ضُرِبَتْ. سينتقمون. يريدون إرسال 100 طائرة عبر المملكة العربية السعودية. ]عندما سألناهم،[ أقام السعوديون الدنيا ولم يقعدوها، قائلين ان هذا أمر مستحيل. الخيار الثاني ]للاسرائيلين[ هو التحليق فوق الاردن، إما بطائرات او بمجموعة طائرات هليكوبتر وإنزال أناس في الصحراء للبحث عن مواقع الصواريخ، ]أو استخدام[ صواريخ. من شأن ذلك، طبعاً، ان يُقحم الاردن فوراً. ومهما يكن ما يقررون فإنه سيكون مؤلماً. تحدثتُ الى شامير بعيد الثالثة صباحاً. التحليق فوق المملكة العربية السعودية او الاردن لضرب العراق يُهدد بالخطر كل ما نحاول عمله. قلت: "أود ان تبحث عن طريقةٍ ما اخرى بدلاً من استدراج بلدان اخرى. لقد ضُرِبتم بصواريخ، وبينما لا اقول لك ما ينبغي ان تفعل، فإن هذا يمكن ان يكون خياراً لك. أريد فقط توجيه نداء أخير، مُدركاً كم من الصعب عليك ان تنتظر. اننا نضرب نفس الاهداف التي ستسعون الى ضربها". قال شامير انه لا يعتقد ان بوسع اسرائيل الاستمرار في التحمّل لفترة أطول بكثير. قال: "لقد هوجمنا ونحن لا نفعل أي شيء. شعبنا لا يفهم الامر. من خلال علاقتنا الوثيقة علينا ان نعثر على طريقة للمشاركة في هذه الحرب....". قلتُ له انني أتفهّم، لكن اسرائيل لا تستطيع عمل اي شيء لا نقوم نحن بإنجازه فعلاً. سأل شامير عما اذا كان هناك بديل. قلتُ ان الانتقام بصواريخ سيكون الافضل بين الخيارات الثلاثة السيئة. أضفت: "ربما أمكن استهداف بعض القواعد الجوية الشمالية بصواريخكم وعندئذ سيُقدّم هذا مساهمة جيدة الى جهودنا.... لم أناقش هذا مع عسكريينا لكنه سيكون رداً اكثر تناسباً على هذه الهجمات الفظيعة على اسرائيل...." قال شامير انه سيشاور زملاءه ثم يبلغني. المفكرة، 19 كانون الثاني يناير صباح هذا اليوم ]قال[ أرينز انهم سيُحجمون - لن يضربوا هذه الليلة. اتصلتُ بشامير وسط ايجاز مع بيكر، وتشيني، وسكوكروفت، وغيتس، وسنونو، وكويل، وباول وشكرته. قلت له اننا سنرسل فريق لاري ايغيلبيرغر مع شخصين رفيعي المستوى من خبراء الدفاع لنرى ما يمكن عمله للدفاع عنهم على نحو افضل. ارسلنا بعض صواريخ "باتريوت" ]حسب ما طلبه أرينز[ الجيدة ضد صواريخ سكاد وهو ممتن لذلك. لكن في هذه الليلة، ليلة التاسع عشر، اذا ضربَ العراقيون اسرائيل مرة اخرى، فستكون أمامنا مشكلة حقيقية. من حُسن الحظ ان الصواريخ لا تُحدث أي ضرر. انها تخيف الناس فقط - ضررٌُ محدود. نحن نسيطر على الأجواء - وهي عملياً أجواءنا. صواريخ "سام" عندهم عُطِّلَ تشغيلها في صورة تامة تقريباً. هناك الكثير من النيران المضادة للطائرات. ولكن يبدو ان هذا لا يزعج طيارينا. هناك ما مجموعه 10 طائرات مفقودة، على ما اعتقد. من حسن الحظ انه لم تقع ضربات سكاد في تلك الليلة. برنت سكوكروفت أرسلنا ايغيلبيرغر وبول ولفوويتز لكبح الاسرائيليين. المكالمات الهاتفية لم تكن ستُحقق الغرض المطلوب وكان من المعروف عن لاري انه صديق وثيق بهم. وصل في الوقت المناسب لاستقبال فريق وصواريخ "باتريوت"، وكانت تلك مصادفة سعيدة. غير ان شامير كرر بعد ذلك مباشرة انه اذا استمرت الهجمات، فسيتعين على اسرائيل ان تنتقم. اضاف أرينز انه لا يعتقد بأننا نفعل ما فيه الكفاية لتدمير منصات صواريخ "سكاد". أراد صلة مباشرة بشوارتزتكوف، وان يكون فريق اسرائيلي على احدى حاملات طائراتنا و، كحد أدنى، وضع جنرال اسرائيلي في مقر قيادة شوارتزكوف. رَفضَ لاري المطالب بِحكمَة. غضبتُ غضباً شديداً من اتهامات أرينز. كنا قد خصصنا قسماً غير متناسب عسكرياً من طلعاتنا الجوية لمشكلة صواريخ سكاد، ما يصل الى 30 في المئة من المجموع. ليس هذا وحسب، وإنما كنا نحن والبريطانيون نُعدّ لإرسال فرق خاصة الى صحراء العراق الغربية لاصطياد صواريخ سكاد على الارض - وهي مهمة خطرة الى درجة لا تُصدَّق. تبين ان رحلة ايغيلبيرغر كانت خطوة رائعة. يُحتمل انها كانت العامل الحاسم في ثني شامير عن الانتقام. غير ان شامير نفسه يستحق فضلاً هائلاً عن احدى أروع لحظاته…. جورج بوش كانت الهجمات بصواريخ "سكاد" على اسرائيل تخيف حلفاءنا ايضاً. اتصل هيلموت كول بعد بضعة ايام ليقول انه ينوي ارسال مبعوث الى اسرائيل لإظهار الدعم. أرادني ان أعلم ايضاً انه اذا شنّ صدام هجوماً على تركيا الامر الذي كان غير مُرجّح، فإن حليفتنا في حلف شمال الاطلسي، المانيا، ستكون هناك وستقاتل. قال: "لقد كان بإمكانك الاعتماد على هيلموت كول حتى الآن. وسيظل ]بإمكانك[ الاعتماد عليّ، حتى لو واجهتُ متاعب ]سياسية[ كبيرة". كان وعداً شجاعاً، بالنظر الى ان اي عمل عسكري ألماني، حتى للدفاع عن تركيا، من الممكن جداً ان يكلّف كول منصبه. كنتُ أعلم انه تمنى لو يستطيع عمل المزيد. المفكرة، 19 كانون الثاني يناير والآن بدأت حجةٌ من النوع المتطور في اوساط الصحافة. كم سيكون كافياً؟ ماذا نفعل بعد الآن؟ كيف يمكننا الخروج من الحرب؟ كم ستستغرق؟ استطلاع رأي قوي من اي. بي. سي. يُظهر تأييداً ضخماً لي، وبالتأكيد للجنود. ]شعورٌ[ غامرٌ ضد الاحتجاجات الجارية في البلاد. أستمِدُّ بعض الارتياح من ذلك. لكن الشبكات تواصل إظهار الاحتجاجات. أشعرُ بقلق من ان ذلك يُرسل اشارات خاطئة الى اولادنا في ما وراء البحار. برنت سكوكروفت في 20 كانون الثاني يناير، بدأ صدام في عرض طيّاري التحالف على التلفزيون. بدا انهم قد ضُربوا ضرباً مبرحاً وكان العراقيون يحتجزونهم كأهداف محتملة. كانت تلك الحيلة نفسها التي حاولها من قبل مع الرهائن المدنيين ورفضنا مرة اخرى ان نسمحَ بتدخّل ذلك في ما كان علينا ان نفعله. كان يحاول ايضاً استغلال وسائل الاعلام الاجنبية في بغداد. في نفس اليوم الذي أظهر فيه العراق سجناء الحرب على التلفزيون طلبت وزارة الخارجية من جميع الصحافيين الاجانب مغادرة بغداد، لكنها طلبت في صورة محددة من بيتر آرنيت من "سي. ان. ان". ان يبقى. كان صدام في ما يبدو كثيراً ما يُشاهد "سي. ان. ان"، وأبلغ تورغوت أوزال الرئيس ذات مرة أنه يبدو ان الزعيم العراقي يحاول استخدامها ك "أداة" - وربما كان هذا السبب في انهم سمحوا لها بالبقاء عندما أُمِرَ الآخرون بالخروج. بذل العراقيون جهوداً كبيرة لأخذ فريق "سي. ان. ان." الى أحداثٍ مُنسَّقة حيث كان الصحافيون يسجلون أي شيء يُقال لهم. جورج بوش إغتظتُ بالحجة القائلة ان وسائل الاعلام عموماً لم تكن إلا في موقف مراقبين محايدين وان هذا كله لم يكن سوى جزءٍ من النظر الى فريقين متحاربين. شكّيتُ في منطقِ هذا الموقف. كان هناك أناس يُغطّون حرباً لهم فيها، كأميركيين، مصلحة. ساورني شعور فظيع بأنهم كانوا يأملون بأن يُثبتوا ان البنتاغون على خطأ في أمرٍ ما. ومع انني كنتُ أعلمُ ان المراسلين يحاولون أداء أعمالهم، فقد اعتقدتُ بأن الأميركيين اعتبروا التشديد الانتقائي في جانب كبير من تقاريرهم مُخلاً بمصالح الولاياتالمتحدة. وأعلمُ أنني شعرتُ بذلك. كلما شاهدتُ بيتر آرنيت ازددتُ اقتناعاً بأن تقاريره كانت أحادية الجانب وخدمت أغراض العراق. في مقابلة في 11 شباط فبراير في مجلة "نيوزويك" كشفَ انحيازه وعداءه عندما تحدّثَ عن "رقابة" او "أخبار خاضعة للسيطرة" خلال فترة ريغان في البيت الابيض، وقارنَ ذلك بالظروف التي يعمل في ظلها في العراق. فضّلتُ مقاربة البريطانيين للمشكلة قبل طردهم. كان صحافيوهم يقولون "لا أستطيع عمل ذلك" او "رجاءً استخدم خيالك"، موضحين بجلاء ان الرقابة كانت طاغية وانهم يخفون الشيء الكثير. لم يكن إظهار "سي. ان. ان." سطراً على الشاسة بين الحين والآخر يذكر مقصّ الرقباء العراقيين شيئاً يُمكن مقارنته بالصور والدعاية التي سمحوا للعراق ببثها على موجات الأثير. كان من الأمثلة المثيرة للجدل تغطية آرنيت للضربة الجوية على ما أصرّ العراقيون على انه مصنع ل "حليب الأطفال"، دلّت استخباراتنا على انه كان في الواقع مصنعاً لانتاج اسلحة بيولوجية. وتطوّر هذا الى نزاعٍ قوي بين وزارة الدفاع و"سي. ان. ان." قال آرنيت بإصرار ان العراقيين أطلعوه على المصنع ورأى انه مُطابق لما قالوه عنه. برنت سكوكروفت لإحياء الذكرى الخامسة للحرب الجوية، بثّت "سي. ان. ان." نوعاً من النظرة الى الوراء. كجزء من البرنامج، كان هناك آرنيت الذي عاد الى بغداد وكان اقفاً عند المصنع المُدمَّر حاملاً حتى كيساً من مسحوق الحليب. أكد مجدداً اعتقاده بالوصف العراقي للمنشأة مضيفاً ان لجنة الاممالمتحدة الخاصة اونسكوم - المجموعة المُكلّفة اكتشاف اسلحة الدمار الشامل العراقية - لم تتفقّد الموقع ابداً ولم تدرجه حتى على قائمة المنشآت المشبوهة. في اليوم التالي لبثّ البرنامج، تلقيتُ مكالمة من السفير رولف اكيوس، المدير التنفيذي ل "اونسكوم". كان اكيوس، الذي كثيراً ما تعاملتُ معه في الفترة اللاحقة لحرب الخليج، قد شاهد برنامج سي. ان. ان. وأرادني ان أعلم ان آرنيت قد نطق بخطأ. لم يجرِ تفقّد الموقع بل انه في الواقع ما يزال على قائمة اللجنة للرصد لأن معدات مزدوجة الاستعمال توجد هناك. كان هناك ارتياب في ان المعمل يمكن ان يكون قد استُخدمَ لتعبئة ذخائر بيولوجية. بل واكتشف فريق الاممالمتحدة من خلال السجلات العراقية ان مهندسيْن من مركز الابحاث الفنية، وهو جزء من هيئة التصنيع الحربي التي تدير برامج اسلحة الدمار الشامل العراقية، قد عُيٍِّنا هناك في 1989 لفترة من الوقت. قال اكيوس ان عمليات تفتيش اخرى ستُجرى عندما يتم اكمال مهمات تفتيش ذات اولوية اعلى على مواقع يُحتمل ان تكون نشيطة.