الاتحاد يطيح بالخليج برباعية في دوري روشن للمحترفين    مدرب الأهلي: أنا المسؤول عن الخسارة أمام القادسية.. ومطالبي لم تتحقق    القادسية يتغلب على الأهلي بهدف في دوري روشن    محافظ احد رفيدة يرعى احتفال المحافظة باليوم الوطني 94    محافظ العيدابي يرعى احتفال الاهالي باليوم الوطني ال94    رئيس وزراء فلسطين: إسرائيل مقتنعة أنها دولة فوق القانون    نقاء تدشن إنطلاقتها بالإحتفاء باليوم الوطني السعودي ٩٤    نخيل القصيم أمسية في المسرح الروماني    مستشفى بيش العام بتجمع جازان الصحي يحتفي باليوم العالمي للصيدلي    الاتحاد يعبر الخليج.. و الأهلي ينزف    إحباط تهريب (130) كجم «قات» في جازان و(10) كجم «حشيش» في عسير    السوبر الافريقي: ركلات الترجيح تحسم اللقب للزمالك على حساب الاهلي    فيصل بن فرحان يلتقي وزير خارجية كوريا    أنباء متضاربة عن اغتيال نصرالله    برنامج علاجي خاص للاعب الهلال نيفيز    الكتاب... «معين يفيض بالمعرفة»    وزير الخارجية: الحرب في غزة هي أساس المشكلة وسبب التصعيد في المنطقة    القطاع الخاص يشرع في تنفيذ أول منصة رقمية لمنظومة الترفيه    إنجاز 61 % من مشروع تقاطع الأمير نايف مع الدائري الثالث في المدينة المنورة    تأهل السعودية سمية منشي لنهائي كأس العالم للكيك بوكسينغ    شكر النعم    «الصحة» تؤكد.. أولوية "الخدمة" لمن لديهم مواعيد مسبقة في المراكز الصحية    الاندماج بين مجموعة مغربي للتجزئة وريفولي فيجِن يقود إلى تطور قطاع البصريات في الشرق الأوسط    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة    "المتاحف" تطلق معرض فن الصين الأول في المملكة    «هيئة العقار» تُعلن بدء التسجيل العيني ل 43 ألف عقار في الرياض والدرعية    خطيب المسجد النبوي:صفتين محمودتين يحبهما الله هما الحلم والأناة    القيادات تتساقط.. «حزب الله» يتهاوى    لليوم الخامس.. إسرائيل تكثف الغارات على جنوب لبنان    ارتفاع درجات الحرارة العظمى على أجزاء من مكة والمدينة    إدارة تعليم عنيزة تحتفل باليوم الوطني 94 بحضور محافظ عنيزة    لتجذب الآخرين.. احفظ هذه الخمس    ردع العابثين    الذهب يسجل 5 أرقام تاريخية في أسبوع    فعاليات جمعية الثقافة والفنون بالدمام باليوم الوطني تستقطب 30 ألف زائر    5 أمور تجعل تنظيف الأسنان أساساً    صدمة..حمية الكيتو تهددك بالسكري!    قصر النظر وباء يتطلب استجابة عاجلة    محافظ الزلفي يرعى احتفال إدارة التعليم باليوم الوطني 94    أمير القصيم دعم رجال الأعمال يعكس وعيهم في بناء مجتمع معرفي    فريق أمل وعمل التابع لجمعية رواد العمل التطوعي في جازان يحتفي باليوم الوطني ال٩٤    مكتب الضمان الاجتماعي في حائل يُقيم دورة "بناء نموذج العمل الحر لمستفيديه"    أعتى تضاريس وأقسى مناخات!    المملكة تُقيم مخيمًا للنازحين الفلسطينيين في خان يونس بجنوب غزة    الأفكار التقدمية خطر أم استقرار؟!    عندي لكم خبرين !    من البساطة إلى التكاليف!    أمير الرياض: إطلاق 'مؤسسة الرياض غير الربحية' تجسيد لحرص القيادة على دعم وتطوير العمل المؤسسي والاجتماعي    الكلية التقنية للبنات بنجران تحتفل باليوم الوطني السعودي    ولي العهد يُعلن إطلاق مؤسسة الرياض غير الربحية وتشكيل مجلس إدارتها    تعليم مكة يحتفي باليوم الوطني ب " السعودية أرض الحالمين " وأوبريت "أنا وطن"    وزير الخارجية في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن: السعودية ملتزمة بتعزيز العمل الجماعي لتحقيق الأمن والتنمية    الحب والروح    نائب أمير مكة يشهد حفل اليوم الوطني بالإمارة    أكد دعم القيادة للعمل الخيري الإسلامي وسرعة الاستجابة.. الربيعة: المملكة تولي اهتماماً كبيراً باللاجئين في العالم لعيشوا بأمان وكرامة    اكتشاف نوع جديد من القرش «الشبح»    خطبة الجمعة المقبلة تتحدث عن التساهل بالطلاق    فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشارك في فعاليات اليوم الوطني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة السادسة عشرة بوش : بعد 94 الف غارة جوية انطلق نصف مليون جندي اميركي لخوض الحرب البرية ... لن نسمح للعراقيين بانتزاع النصر من فكي الهزيمة وسننزع سلاح الحرس الجمهوري
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 1998

في هذا القسم الاخير من الفصل المُعَنْوَن "عاصفة الصحراء" من كتاب "عالم تحوّل" يصف جورج بوش وبرنت سكوكروفت كيف ظل ميخائيل غورباتشوف يحاول، حتى الدقائق الاخيرة السابقة لبداية الحرب البرية ضد العراق، تجنب تلك الحرب. وفي تلك الاثناء كان بوش يعدّ لإبلاغ زعماء الكونغرس والشعب الاميركي وقادة التحالف بساعة الصفر. وفي الساعة 8.00 من صباح 24 شباط فبراير بتوقيت الخليج بدأت الحملة البرية، وبعدئذ بدأ بوش يتلقى التقارير الاولى عن سير القتال الذي استمر 100 ساعة وأسفر عن تحرير الكويت.
برنت سكوكروفت
كانت الحرب الجوية قد سارت سيراً حسناً للغاية. دلّت التقديرات على ان قدرة العراق العسكرية قد قُلِصت ب 40 في المئة على الاقل. اذا كان صدام سينسحب من الكويت، فستكون اهدافنا قد تحققت الى حدّ كبير ومن دون الحاجة الى قتال بري. غير ان الرئيس رأى مخاطر انسحابٍ عراقي قبل ان يكون قد تمّ تدمير الجيش العراقي اذ سيبقى عندئذ مصدر تهديد على الحدود الكويتية وفي المنطقة. كانت قواتنا اكبر من ان تمكن مناوبتها، ولن يتسامح السعوديون ابداً تجاه وجودٍ اجنبي كبير على اراضيهم الى أجلٍ غير مسمى لاحتواء صدام. كان علينا ان نتصرف الآن بينما نحن مُعبأين وفي المكان.
جورج بوش
كان الانذار قد حدد توقيت الحملة البرية: سنضرب عند الفجر صباح اليوم التالي في الخليج. بما ان هذا سيكون الساعة 8 من مساء السبت، بتوقيت الساحل الشرقي، أملتُ بأن أكشف النبأ في أقرب وقتٍ نستطيعه الى ذلك الموعد. أراد العسكريون تأخير كشف عملياتهم الى اطول مدة ممكنة لأسباب أمنية، حتى الاحد اذا امكن. لم أُرد عمل اي شيء يعرّض جنودنا للخطر، لكن هذا كان قراراً لا بد ان يعلنه البيت الابيض" لم يكن بإمكاننا ببساطة ان نشن حملة وان نُبلغ البلاد في ما بعد. ليس للشعب الاميركي الحق في ان يعلم فحسب، ولكن هذا حقٌ ايضاً لكل عضوٍ في عائلة يتلقى أحد أحبّتها أمراً بدخول المعركة. استقرينا على الساعة 10 من مساء السبت. بالطبع، كان علينا ان نتفق على التوقيت مع الفرنسيين والبريطانيين. ذكّرني ميتران وميجور كلاهما بأنهما وحدهما يمكن ان يأمرا كل منهم قواته بدخول المعركة. اتصلتُ هاتفياً بزعماء الكونغرس الاربعة وطلبتُ اليهم ان يتلقوا مكالمات من نائب الرئيس كويل وسنونو، اللذين اعطياهم ايجازاً عما ننوي عمله. بعد ظهر ذلك اليوم، 22 شباط فبراير ذهبتُ الى كامب ديفيد لقضاء عطلة نهاية الاسبوع، وأخذت جيم بيكر معي.
في ليل 22 - 23 شباط فبراير بذلَ صدام حسين محاولة اخرى للتعطيل، وطلبَ مناقشةً في الامم المتحدة، كان الأوان قد فات على ذلك. صباح اليوم التالي في الساعة 11.15، قبل خمسٍ واربعين دقيقة من انقضاء الموعد الاقصى اتصل ميخائيل هاتفياً عارضاً اقتراحاً اخيراً. جاءت مكالمته اثناء لعبة كرة طائرة مع بيكر، وبعض مشاة البحرية في كامب ديفيد، وبعض موظفي مكتبي. تلقيتها في غرفة تغيير الملابس ووقفتُ هناك، وانا أتصبّب عرقاً، ومنشفة حولي كتفي. كان برنت على الخط ايضاً، يستمع من البيت البيض، قال ميخائيل ان العراقيين سينفّذون الآن انسحاباً كاملاً، غير مشروط - ويغادرون الكويت في أربعة ايام. كان عزيز قد عقد مؤتمراً صحافياً ل اعلان قبول هذه الشروط. طلبَ ميخائيل ان نعمل معاً في الامم المتحدة لحلّ المسألة. قال: "لقد أذعن صدام".
أجبت: "لا يمكنني ان أدع موعداً أقصى يمرّ من دون عمل. مع انك بذلتَ محاولات جادة، فإن المواعيد القصوى تظل مواعيد قصوى".
حضَّ قائلاً: "فلنبقَ هادئين. اننا بشر. لقد تقرر مصير صدام. نحتاج الى تحقيق أهدافنا ومنع مرحلة مأسوية من الصراع. صدام يريد ان يؤخر لكننا لسنا مغفلين". حضّ على ان نذهب الى مجلس الامن. وأضاف: "اعتقد ان بيكر وبسميرتنيخ يستطيعان تأمين ذلك. هذه كلمات صديق". طَلبَ مزيداً من الوقت خلال عطلة نهاية الاسبوع، لإجراء مفاوضات. اعتقدتُ بأن صدام كان يؤخر ليواصل سياسة الارض المحروقة لمعاقبة الكويت. قلتُ بعناية، وبحزمٍ وبأدب اننا لا نستطيع تغيير الموعد النهائي.
برنت سكوكروفت
كان غورباتشوف يائساً بصورة واضحة. لم ينجح اي من اقتراحاته وكانت هذه فرصته الاخيرة. جرَّبَ كل شيء وفي النهاية قدَّم ببساطة رجاءً من اجل تأخيرٍ لإعطائه فرصة واحدة اخرى ليتحدث الى صدام محاولاً إقناعه. كان الرئيس صبوراً وودياً ولكن غير مذعن. ولا بد ان تلك المحادثة كانت صعبة فوق العادة بالنسبة اليه.
جورج بوش
عند الظهر انقضى الموعد النهائي. كان لنا اكثر من 500.000 جندي اميركي على أهبة الاستعداد في الخليج، وكان سلاحنا الجوي قد نفَّذَ 94.000 مهمة. في تلك الليلة وفي الساعة 8 مساءً حسب توقيت واشنطن، 4 من صباح 24 شباط فبراير في المملكة العربية السعودية، بدأت الحملة البرية. أبلغتُ زعماء الكونغرس في الساعة 8.45 قبل مغادرة كامب ديفيد الى البيت الابيض. أطلعني برنت بينما كنا نسير الى داخل المكتب البيضاوي، حيث كنتُ سأوجِّه خطاباً الى الأمة.
المفكرة، 23 شباط فبراير
الاشاعات التي تصلني قبل إدلائي بالاعلان... هي ان 20.000 ]مدني[ قُتلوا في الكويت، وكانت هناك اشاعة ما بأن مدينة الكويت برمتها - حيّ المصارف ومناطق اخرى - تشتعل فيها النار. ليس هذا انساناً متحضراً الذي يسبّب هذا ]الدمار[ في الدقيقة الاخيرة على هذا النحو. أقلقُ بشأن الاسلحة الكيماوية، وأقلقُ بشأن سلاحٍ مفاجئ ما. كان هناك تقرير قبل ايام يقول اننا لو لم نضرب المنشأة النووية، لكان عندهم أداة تفجيرِ قنبلة نووية في حلول آذار مارس 1991، لكنني لا أعلم ما اذا كان هذا الخبر تم التحقّق من صحته أم لا.
في ما يتعلق بأحاسيسي، يسعدني أنَ القرار قد اتُخذَ ونُفّذَ في نهاية الامر. ان لديّ قلقاً عميقاً تجاه العائلات، وفقدان الارواح، وأتساءل كيف سينتهي الامر كله. على سبيل المثال لنفترض انهم قالوا انهم سيتوقفون الآن فوراً - ماذا سنفعل؟ انني مصمّم على عمل ما علينا ان نعمله، وان مقتنع بأننا اتخذنا الخطوة الصحيحة. انني متعب، متعب جداً" لكن فريقنا اشتغل ولذلك لم أشعر بالوحدة في اتخاذ هذا القرار….
كان خطابي مساء ذلك اليوم مباشراً وفي صميم المسألة. كان الموعد النهائي في الظهر قد انقضى ولم ينسحب العراق من الكويت. بدلاً من ذلك ضاعف صدام من جهوده ليدمّر الكويت وشعبها تدميراً كاملاً.
بناء على هذا وجّهتُ الجنرال نورمان شوارتزكوف ليستخدم، الى جانب قوات التحالف، كل القوات المتوافرة، بما فيها القوات البرية، لإخراج الجيش العراقي من الكويت... لقد دخل تحرير الكويت الآن مرحلته النهائية.
طلبتُ من الاميركيين ان يتوقفوا ويقولوا صلاة من اجل رجالنا ونساءنا العسكريين.
صباح اليوم التالي، الاحد، 24 شباط فبراير، حضرت، أنا وباربرا، صلاة خاصة في الساعة 7 في كنيسة سانت جون في الطرف الآخر من ميدان لافاييت مقابل البيت الابيض….
كانت تقارير الموقف الاولى قد بدأت تصل بينما كنا نستمع الى موعظة القس هاربر الرائعة. مرّرَ اليَّ ديك تشيني بهدوء رسالة على قطعة ورقة مطوية - "نورم يقول ان الامور تسير سيراً حسناً جداً!". بعد الصلاة، جلستُ في غرفة الجلوس في جناح إقامتي مع باربرا، حيث أطلعني ديك وكولين بمزيد من التفصيل. مرة اخرى شعرتُ بالعاطفة تطفو الى السطح عندما أخبراني كم كانت الخسائر في الارواح قليلة، وكيف ان قواتنا تتقدم بسرعة. كل شيء كان يسير على نحوٍ أفضل من المُخطّط. كان جنود مشاة البحرية قد اقتحموا التحصينات العراقية في جنوب الكويت في الساعة 5.30 صباحاً وكانوا في طريقهم نحو مدينة الكويت. كان القسم الأكبر من قوات التحالف يلتفُّ غرباً في الصحراء لقطع الجيش العراقي. طوال النهار، أبقاني ديك وكولين على اطلاع على أحدث تقارير عن حالة التقدم على الارض والخسائر. وكما قال لي كولين، كان الجميع "مُحاطين بأعداد كبيرة من الأسرى". في اجتماعنا بعد الظهر، قال ان مشاة البحرية قد وصلوا الى قاعدة الجابر الجوية، على بعد ثلاثين ميلاً من مدينة الكويت. كانت فرقتا مشاة البحرية كلتاهما على بعد مسافةٍ كبيرة داخل الكويت الآن، ولم يُقتل سوى أحد جنود مشاة البحرية. كانوا يتحركون بسرعة، أسرع من المقرر. أخذت مخاوفنا تهدأ" وتبين ان التنبؤات بحمام دم مخطئة. لذا كانت الحال الآن حال ترقّبٍ وانتظارٍِ، وتوتر - وماذا يحدث بعدئذ؟ لكن مشاعري كانت مشاعر افتخارٍ بقواتنا، وحزن. لم يكن هناك ابتهاج في قلبي.
في وقت متأخر من صباح اليوم التالي، 25 شباط فبراير تحدثت الى شوارتزكوف الذي اخبرني ان القوات المدرعة العراقية ردّت الآن بضرب مشاة بحريتنا لكن الاصابات كانت لا تزال طفيفة جداً. تنبأ قائلاً: "غداً او بعد غد سنتشبك معهم". لكن اول خسارة كبيرة في أرواح الاميركيين جاءت بعد مدة قصيرة في ذلك اليوم، عندما ضرب صاروخ سكاد مهجعاً للجنود الاميركيين قرب الظهران، فقتلَ 28 وجرحَ اكثر من 100. شاهدتُ تغطية الدمار بإحباط. كان عدد مَن يسقط من الجنود في ساحة المعركة نفسها أقل من الأرواح التي قضى عليها صاروخ سكاد الواحد هذا الذي أُطلق بيأس. كنا قد حاولنا تحديد اماكن منصات الاطلاق، لكن صاروخاً عشوائياً واحداً قتل الآن كل اولئك الجنود. كنتُ غاضباً، لكني كنتُ اعلم ان صدام سيدفع ثمناً باهظاً.
بعد ظهر ذلك اليوم كنت في قاعة الالعاب الرياضية في مبنى مكاتب ريبرين هاوس، حيث كنتُ قد أكملتُ للتو لعبة كرة مضرب خشبي مع سوني مونتغمري عندما اتصل برنت. كانت هناك تقارير عن اعلانٍ من اذاعة بغداد ان صدام حسين ينسحب من الكويت، وكذلك دلائل على ان طوابير من المعدات تنسحب. حاولتُ ان أتصور ما كان يحدث من خلال ما استطاع هو، وديك، وجيم إبلاغي به عن ذلك، لكننا لم نستطع التأكد من اي شيء. كنا هناك اعلان آخر حوالي الساعة 6.30، في الوقت الذي كنتُ سأجلس للعشاء مع باربرا وبرنت، وسرعان ما أخذ جرس الهاتف يرنّ رنيناً مستمراً. قال الاعلان، في ما يبدو، ان عزيز اتصل بالسفير السوفياتي في بغداد وطلب منه ايصال رسالة الى غورباتشوف يطلب منه فيها ان تُعلن الامم المتحدة وقفاً لإطلاق النار. وقال الاعلان ايضاً ان القيادة العراقية "شددت على قبولها الانسحاب وفقاً لقرار مجلس الامن الدولي 660 عندما وافقت على اقتراح السلام السوفياتي. وتنفيذاً لهذا القرار أُصدرت الأوامر الى القوات المسلحة بتنفيذ انسحاب منظّم الى مواقعها التي كانت فيها قبل الاول من آب اغسطس 1990". لقد اعلن صدام النصر وكان يحاول انقاذ ما يمكنه انقاذه من جيشه.
في الساعة 8 مساءً اجتمعنا في المكتب البيضاوي لنناقش ردنا على الاعلان العراقي وما كنا لا نزال في حاجة اليه لإنهاء الحرب وفقاً لشروطنا. بقي الاقتراح العراقي غير مقبول، لإنهم لم ينفّذوا بعد كل قرارات الامم المتحدة او شروط التحالف، لكن بدا واضحاً ان صدام أخذ ينسحب، مما عقّد الوضع. كان آلاف الجنود العراقيين يستسلمون، وكان آخرون يتوجهون شمالاً من مدينة الكويت في طوابير، لكن جنودنا بدأوا يواجهون قوات دبابات عراقية. كانت المسألة هل يجب ان نسمح لهم ببساطة ان يذهبوا أم نحدد شروطاً جديدة لنضمن تركهم معداتهم الثقيلة وراءهم.
أشار بيكر الى ان مطالبتهم بالتخلي عن دروعهم تتجاوز قرارات الامم المتحدة. قال الرئيس انها لعبة جديدة الآن واننا لسنا مقيدين بمطالبنا السابقة، ولكن يجب ان نوضح ما يجب على العراقيين عمله لإنهاء الحرب. حضَّ باول على ان نشتري وقتاً لإتمام المهمة. قال: "يمكننا اغلاق الباب ]ونقطع عليهم السبيل[ بطريقتين". لم يكن هناك إشعار عراقي رسمي بالتقيّد، على أي حال.
قال سكوكروفت: "نحتاج الى قبول صدام حسين شخصياً بكل القرارات".
كان الرئيس قلقاً من ردّ الفعل العام. قال: "سيكون الضغط متركزاً على انه بينما تنسحب قواته، فإننا لا زلنا نُطلق النار. يجب ان اكون مهتماً بأمن قواتنا. لقد وجّهوا مدافعهم نحونا في الخفجي ]حيث تظاهرات الدبابات العراقية بالاستسلام، لكنها استدارت وأطلقت النار على مشاة البحرية[. هناك حرب دائرة. الوضع مختلف الآن".
سأل بيكر ما الذي سيحدث اذا انسحب صدام الآن من دون ان يقبل قائمة مطالبنا. ردّ سكوكروفت: "نواصل القتال".
في وقت متقدم من ذلك المساء، عرضَ فيتزووتر ردّنا. سنواصل الحرب، ولم نسمع اي شيء يمكن ان يغيّر من ذلك. لم تكن هناك أدلة توحي بأن صدام يسحب قواته، التي كانت ما تزال تواصل القتال في الواقع. لقد أعلن العراقيون ان قواتهم ستشقّ طريقها بالقوة الى خارج الكويت، لكننا قلنا اننا لن نهاجم جنوداً غير مسلحين خلال انسحابهم برغم اننا سنعتبر وحدات مقاتلة منسحبة ك "تحرك حرب". الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها صدام إقناعنا بجديته ستكون موافقته "شخصياً وعلناً" على شروط اقتراحنا في 22 شباط فبراير، وتنفيذ شروط كل قرارات الامم المتحدة.
جورج بوش
المفكرة، 25 شباط فبراير
ان رأيي هو ان صدام حسين… يحاول وضعنا في صندوق. يريد إخراج قواته، ربما، ثم التوجه الينا ليقول، ماذا تفعلون في العراق، ويحوّل الرأي العام العالمي ضدنا... ليست لدينة أدلة على أنهم يخرجون، لكننا لن نسمح لهم بانتزاع النصر من فكيّ الهزيمة. انه يُضْرَبُ ونحن على وشك ان نقطع عليه السبيل في البصرة.... يجب ان ننزع سلاح الحرس الجمهوري.... المشكلة هي، اذا أخرج قواته من الكويت، فسنكون نحن الذين نتعدى... بوجود قواتنا في العراق. لذا فإننا نركّز مطالبنا على تنفيذ كل قرارات الامم المتحدة. وأعني بهذا التعويضات، والتخلي عن أي مطالب في الكويت، الخ، الخ.
يبدو لي اننا قد نصل الى مرحلة يتعين علينا فيها ان نختار بين التضامن في الامم المتحدة وإنهاء هذه المسألة تماماً. انني أؤيد الأمر الأخير لأن صدقيتنا على المحك. لا نريد تعادلاً آخر، او فيتنام اخرى، او نهاية موحلة. آمل بأن نستطيع تجنّب ذلك. السوفيات يدعون الآن الى اجتماع للأمم المتحدة الليلة، لكننا لن نذهب، بعد ان بذلنا كل هذه الجهود في المسألة وتكبّدنا خسائر في الأرواح. لن نسمح بنهاية موحلة يخرجُ فيها ذلك الرجل محافظاً على ماء وجهه. لستُ مهتماً بالمحافظة على ماء وجهه ولا يأبه العالم بذلك ايضاً. قد نتعرض لبعض الانتقادات لوجود قواتنا في العراق لوقف ذلك" لكن الأسوأ من ذلك بكثير سيكون اذا فقدنا صدقيتنا في حلٍِ وسطٍ ما سخيف. لن أفعل ذلك.
شعرتُ شعوراً سيئاً لدى توجهي الى السرير ليلة الاثنين تلك. معنوياتي كانت هابطة. ففي الوقت الذي بدت فيه الامور سائرة بيسر، بدا ان كل الاشياء أخذت تفلت مرة اخرى. كان ذلك مُحبطاً. لم أكن على وشك السماح لصدام بالتسلل الى خارج الكويت من دون أي حسابٍ على ما فعل، كما انني لم أُرِدْ ان أرى "نصراً" عراقياً، او حتى تعادلاًً لتخلّفنا عن الحضور. إما ان يُذعن تماماً وعلناً، وهو ما سيكون بمثابة استسسلام، وإما تظل امامنا فرصة لتقليص اي تهديد في المستقبل بطحن جيشه الى حدٍ اكبر.
صباح اليوم التالي، 26 شباط فبراير، في الساعة 9.48 صباحاً، تحدثتُ الى الامة مرة اخرى، رافضاً اقتراح صدام الاخير. وباستثناء غورباتشوف، الذي انتقدَ ردّ فعلنا بدا التحالف والبلاد داعمين لنا بقوة. كانت استطلاعات الرأي مرتفعة فلكياً" لم أرَ أبداً أي شيء مثل هذا. كان الناس متكاتفين. كان رأيهم اننا يجب ألا نسمح لصدام بأن يفلت. لقد اصبح رمزاً للشر وشيئاً يمكنهم التركيز عليه.
حوالي الساعة 7، كان كولين على الهاتف يتحدث اليّ مرة اخرى. قال: "انهم يتدفقون خارجين. انهم عالقون على الجسور" من الواضح ان الجيش العراقي ينسحب". كانت قوات التحالف تتحرك في سهل الفرات لقطع أي وحدات كانت ما تزال منظمة على الطريق الى الشمال. صار الطقس سيئاً، بل والأسوأ منذ بداية الأزمة وأُمِرًت طائراتنا بعدم التحليق ولذلك لم تكن هناك مساندة جوية لقواتنا البرية. كانت هناك قوة مشاة البحرية تتحرك عبر مشارف مدينة الكويت، التي كانت المقاومة الكويتية تقول ان العراقيين يهربون منها. أضاف: "لا تقلق بشأن الحرس الجمهوري". لم يكن واضحاً ما اذا كانوا باقين في إمكانهم او يتوجهون شمالاً، ولكن في أي من الحالتين لم تكن دبابات كثيرة تخرج من الكويت. قال بثقة: "سيكونون في الخارج خلال يوم".
المفكرة، 26 شباط فبراير
... اننا نطوّق دروعهم. نريد ان يدخل المصريون والسعوديون الى ]مدينة الكويت[ اولاً، وأفكّر، يا إلهي، أليس هذا مثيراً؟ أليس رائعاً ان هذا البلد الصغير سيُحرّر... النبأ الكبير، بالطبع، هو هذا الأداء العالي لقواتنا - العمل الرائع الذي قاموا به" الاقتناع بأننا على صواب وان الآخرين على خطأ. اننا نفعل شيئاً جديراً بالاحترام، ونفعل شيئاً طيباً" وفيتنام ستكون وراءنا عما قريب...
غريبٌ كم أركّز على انتهاء عَرَضِ فيتنام…. يجب ان نعثر على نهاية نظيفة، وأظلّ أقول، كيف ننهي هذا الامر؟... لا يمكنك استخدام كلمة استسلام - العرب لا يحبون تلك الكلمة في ما يبدو. كيف نتوقف؟ كيف نرغمهم على إلقاء اسلحتهم؟ كيف نحمي المدنيين؟ وكيف نواصل دورنا بصدقية، آملين بجلب الامن للخليج؟
خلال ذلك اليوم دخلت قوات التحالف العربية مدينة الكويت، تحت سماء ملبّدة بدخان أسود كثيف من آبار النفط المشتعلة، لكن الغيوم كانت قد انقشعت وكانت طائرات التحالف تعترض القوافل العراقية المتجهة شمالاً من المدينة. بدا وكأننا سنحصر او ندمّر بقايا جيش صدام في الكويت، لكنه لم يبدُ مستعداً للاستسلام. في نهاية الامر قررتُ ان الخيار لنا وليس لصدام: سنُعلن نهاية بمجرد ان أكون متأكداً من اننا حققنا كل أهدافنا العسكرية ونفّذنا قرارات الامم المتحدة.
برنت سكوكروفت
كان الوضع التكيتيكي يتغيّر تغيّراً سريعاً جداً، ولم تكن لدينا صورة واضحة عما يجري بالضبط على الارض. وبمعنىً عام كانت الامور تسير وفقاً للخطة، ولكن بأسرع من المتوقع. سيُسدُّ الباب عند البصرة في غضون يوم او اثنين. ما لم نكن نعلمه هو ان الخطة لحصر الحرس الجمهوري في الكويت لم تكن تحقق نجاحاً. لقد تحرك مشاة البحرية بسرعة نحو مدينة الكويت الى درجة ان الحرس لم ينزل جنوباً لنجدة الخطوط الامامية العراقية. ونتيجة لذلك، فإن معظم تلك القوات لن تُحصر بعملية التطويق….
جورج بوش
في الساعة 10.15 صباح اليوم التالي، 27 شباط فبراير أبلغنا ديك تشيني بأن نصف الكويت الجنوبي قد حُرِرَ الآن. تم تدمير فرقتين من ثلاث فرق من الحرس الجمهوري في الكويت. كانت لا تزال هناك خمس او ست فرق لا تزال تعمل من بين الاثنتين والاربعين فرقة التي كانت في المسرح. اعتقد تشيني ان هذا سيكون اليوم الاخير من العمليات - ربما يوم آخر على الاكثر. كان بعض الحلفاء يشعر بنهاية للقتال ايضاً، برغم انه لم يكن هناك ضغط لإنهائه. اتصل متيران حوالي الساعة 10.40 صباحاً ليقول ان وقت الديبلوماسية سيحين عما قريب. حان الوقت لنتحدث عن الطريقة التي سننهي بها الحرب. قلتُ له اننا نحن ايضاً نناقشُ متى وكيف نُنهي الحرب، ولكن سيكون علينا تأخير اي وقف لإطلاق النار الى ان يكون الوضع العسكري مناسباً.
برنت سكوكروفت
بعد ظهر ذلك اليوم، بعد اجتماع مع وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد، جلس مستشارو الرئيس في المكتب البيضاوي لإجراء مناقشتنا اليومية بشأن الحرب. كان في الجو إحساسٌُ بالخفّة. لقد سارت العمليات البرية على نحو أفضل بكثير مما جرؤ أكثرنا تفاؤلاً على الأمل به - في ما يتعلق بكلٍ من النجاحات التي حُقِقت والخسائر التي تكبّدناها. وَصَفَ باول أين تقف قواتنا، وما تمّ إنجازه. أضافَ أننا الآن في اللعبة النهائية. كنتُ قد توصلتُ الى استنتاج مماثل. كنتُ قد تلقيتُ تقديراً بأن من المحتمل انه لا يوجد سوى فرقتين او ثلاث فرق عراقية في مسرح القتال كانت لا تزال مُنظّمة تنظيماً كافياً للقتال كوحدات. أما الفرق الاخرى فقد فقدت التماسك الضروري أو كانت فوضوية تحاول الهرب. لاحظَ كولين ان "بوابة" البصرة ستُغلق تماماً في حلول نهاية اليوم التالي على أبعد تقدير، مما سيقطع الوحدات العراقية المتبقية. بدا ان ثمة إجماعاً صامتاً متنامياً على ان هذه هي نهاية الأمر. صرنا كلنا قلقين بصورة متزايدة بشأن انطباعات يجري خلقها في الصحافة عن "طريق الموت السريع" من مدينة الكويت الى البصرة….
اجتمعنا مرة اخرى حوالي الساعة 6 مساءً…. وفي خطوة يحتمل انها كانت متذاكية اكثر من اللازم، وافقنا على إنهاء اعمال القتال عند منتصف الليل، بتوقيت واشنطن، في حربٍ برية استمرت تماماً 100 ساعة.
جورج بوش
الساعة تتجاوز ال 9.00 مساءً بقليل. جيش العراق مهزوم. أهدافنا العسكرية تحققت. الكويت مرة اخرى في أيدي الكويتيين، وهم مسيطرون على مصيرهم. نشاطرهم فرحتَهم، وهي فرحةٌ لا يخفّف منها سوى احساسنا بمعضلتهم....
قبل سبعة اشهر، رسمت اميركا والعالم خطاً في الرمل. أعلنا ان العدوان على الكويت لن يدوم. والليلة، حافظت اميركا والعالم على كلمتهم….
لا يمكن لبلد بمفرده ان يدّعي هذا النصر لنفسه. لم يكن نصراً للكويت فقط وانما هو نصرٌ لكل الشركاء في التحالف. انه نصرٌ للامم المتحدة، وللبشرية جمعاء، ولمَا هو حق.
عندما أُعلن وقف إطلاق النار، كان هناك 79 جندياً أميركياً قتلوا في الحرب، و212 جريحاً في القتال، و45 مفقوداً" نُفّذت 110.000 طلعة جوية خلال الحملة. كنتُ ولا أزال فخوراً بالطريقة التي أدى عسكريونا بها عملهم، فخوراً جداً. ان كثيرين من اؤلئك الذين كانوا قد خدموا في السنوات الثلاثين السابقة "غُلِبوا" الى حدّ كبير بسبب الطريقة التي خضنا بها حرب فيتنام. لقد هُلِّلَ لجيلٍ من الاميركيين لرفضهم الخدمة. الذين خدموا كثيراً ما عادوا الى البلاد، لا ليقَابَلوا بالإمتنان والثناء، وإنما بالسخرية - حتى بينما كان المتهرّب من التجنيد والمحتجّ يُعتبرُ من جانب كثيرين شجاعاً بل بطولياً. الآن وُضِعَت نهايةٌ لذلك واستُعيدت الصدقية الاميركية.
المفكرة، 28 شباط فبراير
انه الصباح الباكر من يوم الخميس الثامن والعشرين. حتى الآن لا شعور بالخفّة. اعتقد انني أعرف سبب ذلك. بعد خطابي الليلة الماضية، بدأت إذاعة بغداد تبثّ أننا أُرغمنا على الاستسلام. أرى على التلفزيون ان الرأي العام في الأردن وفي شوارع بغداد هو أنهم قد انتصروا. انها اشاعة كاذبة لكنها تقلقني. لم تكن نهاية نظيفة - ليس هناك استسلام مماثل لذاك الذي وُقِّعَ عليه على متن السفينة الحربية ميسوري. ان هذا هو العنصر المفقود لجعل الامر شبيهاً بالحرب العالمية الثانية، لفصل الكويت عن كوريا وفيتنام....
العناوين عظيمة - "نحن نفوز". التلفزيون يعكس بدقة إذلال صدام حسين، وهذا يوصل النقطة الى الشعب الاميركي. أما على الصعيد الدولي، فانها لم تصل بعد، على الأقل في العالم العربي الذي اصطفّ مع صدام. لا بد من ان يذهب، وآمل بأن الطائرتين اللتين وصلتا الى مطار بغداد ستأخذانه. من الواضح انه عندما يعود الجنود في غير نظام الى بلادهم ومن دون دروع، ومهزومين، وقد قتل منهم 50.000 او اكثر، فإن شعب العراق سيعرف. سيكون أخوانهم وأبناؤهم مفقودين، ولن يعودوا أبداً.
وضع كولين الأمر الليلة الماضية في سياقه الصحيح - هذا حدث تاريخي وليس له مثيل في التاريخ. قال بوب غيتس صباح اليوم، ان من الأمور التاريخية اننا توقفنا. لقد سحقنا فِرَقهم ال 43، لكننا توقفنا - لم نُرِدْ المضي في القتل، وسينظر التاريخ الى ذلك بكرم. أثنى ثناءً سخياً بقوله انه شعر ايضاً، بأنه بعد ان خدَمَ في أربع ادارات، لم يرَ ابداً اي شي كهذا....
يبدو ان الجميع يعطونني فضلاً كبيراً، ومع ذلك، لا أنظر الى الأمر على هذا النحو. انني اعتقد بأن فريقنا كان رائعاً جداً وهذا ليس عمل رجل واحد…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.