حضرة إدارة مهرجان بيروت السينمائي الدولي: تحية وبعد، بلّغتني إدارتكم المحترمة عبر مندوبها الأوروبي في باريس السيّد انطوان خليفة أن جائزة "مارون بغدادي لأفضل سيناريو" التي تقام ضمن الدورة الثانية للمهرجان قد ألغيت قبل أيام من بدء المهرجان. قلتُ لا بأس، وخطر لي مباشرة أن السبب هو نقص في الإمكانيات. غير أن السيّد خليفة أردف: السبب بحسب إدارة المهرجان، هو عدم توفر المستوى المطلوب. خطر لي أن أجيبه فوراً بأنه سبق وأكّد لي بأن السيناريوهات التي اختيرت بعد التصفية "جيدة المستوى"، هو الذي يقوم عملُه في مؤسسة فرنسية محترمة أونيفرانس ويطّلع على أكثر من مائة فيلم وسيناريو في العام، وخطر لي أن أقول له بأن السيناريو الذي أرسلتهُ بناء لطلبه، حاز على دعم المركز الوطني السينمائي الفرنسي وبأنه اختير بالإجماع من قبل لجنة مؤلفة من كبار كتّاب السيناريو في فرنسا. لكني تذكّرت بأن السيد خليفة يعرف ذلك كلّه وبأنه "معنا" وليس ضدّنا، بما أنه عمل على دعوة أربعة من كبار المنتجين الفرنسيين الى المهرجان بهدف تسهيل اللقاء بينهم وبين السينمائيين اللبنانيين، وخصوصاً لكي يتسنى لهم الاطلاع على السيناريوهات المختارة علّهم يقعون في غرام أحدها ويدخلون مغامرة انتاجها بما أن البلد يفتقر الى... ولكثرة ما يفتقر البلد اليه. الحاصل، اشتعل بي شيء. كأني، ليأسي، كنت أعرف مسبقاً. لذلك، لمتُ نفسي على "سذاجتي" التي لم تزل توقع بي. سذاجتي هي أن أفرح كلما أطل خبر نشاط ثقافي من لبنان، وفرحي لأملي بأن وطني عاد يفسح، كي يتيح لي أن أعود اليه. اشتعل بي شيء ثم اجتاحني غضب: أن تلغي إدارة المهرجان المسابقة فهذا حقّها حتى ولو كان الأمر قابلاً للنقاش، لكن أن تلغيه وتضع الحجة في ظهورنا لأننا "لسنا على المستوى المطلوب" فهذا أمر آخر" أن تصنع إدارة المهرجان ما تريد بالمبالغ الطائلة التي تصرفها كي يكون المهرجان حدثاً "دولياً" تتناقله الأقنية الفضائية ووسائل الإعلام، أمر مشروع" لكن أن تلغي فائدته التي يُفترض لها بالدرجة الأولى أو العاشرة حتى أن تكون "محلية" و"وطنية" متذرّعة بأن السيناريوهات التي قُدمت ليست على المستوى المطلوب، فهذا فعل يطالني مباشرة. وهو كان سيطولني في مطلق الأحوال، حتى ولو كنت غير معنية بشكل شخصي. المهرجان ليس همّي، ولن أقول أنه كان فرصة مهنية لا تعوّض، بقدر ما كان الاشتراك به نوعاً من المصالحة مع وطني الذي لم يزل يعني لي الكثير. وباستطاعتي حتى أن ألتفت عن هذه الحادثة التي لن تغيّر وجه التاريخ، لكن شيئاً ما بات يمنعني عن السكوت. فأنا أعرف أن السينمائيين وسواهم ممّن هم معنيين بالمهرجان أصدقاءٌ لي، ولم لم يجر التعارف بيننا. وهم يعرفون أني من أجلهم أكتب هذه الرسالة. وأعرف أنا البعيدة التي ليست أحداً، أنهم من أجلي سيتحركون. لأن الجسر ممتد بيننا ومتين مهما كبرت المسافات. هذه البلاد لنا، فليفهم ذلك أولئك الذين يقيمون "مهرجانات النوستالجيا" من كل حدب وصوب كي يعيدوا الى لبنان "وجهه الحضاري". فليفهموا أننا نحن أبنائه، وجه لبنان الحضاري. وأنه خارجنا، لن يكون له وجه. وليتذكروا أن وجه لبنان هو أوجه مواطنيه حين ينتفي لديهم الشعور باليتم. لأن تمريني على قطع حبل السرة مع وطني لم ينجح، ولن ينجح، أكتبها هذه الرسالة. ولكي تعلم ادارة مهرجان بيروت الدولي وسواها من "الإدارات"، أننا لن نقطعه حبل السرة هذا أبداً. فهذي البلاد لنا، غصباً عن أنوف الجميع. أنا التي بقيت خارج الحرب الطويلة، سأبدأها حربي: فاليوم، الغضب على كل ما يجري، فعل حضاري. والدفاع عن النفس حقٌ مشروع. والرد على من يصادر عنا القرار ويغدر في الظهر، مسألة وطنية. والسكوت خيانة عظمى لا ينبغي السكوت عنها. وأية مسألة مهما كانت "صغيرة" باتت جديرة بأكبر الردود. أجل، عبارات خطيرة ربما لموضوع لا يستأهل بالنسبة للبعض. وأجل، أصنع من الحبّة قبّة لأنه قد فاض بي. وأجل، منذ زمن وأنا أكبت هذه الرغبة بالصراخ: يكفي بقى! وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام. روائية لبنانية