سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة التاسعة عشرة . سكوكروفت : حاول غورباتشوف قتلنا بلطفه وأراد إعادة بث الحيوية في الاتحاد السوفياتي . قال غورباتشوف بكآبة لكيسنجر انه يقود بلدا غريبا وانه يحتاج لفترة سلام طويلة
في القسم الاخير من الفصل الاول وعنوانه "الماضي وتوطئة" يعرب برنت سكوكروفت عن ارتيابه في الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ويقول انه "كان يحاول قتلنا بلطفه"، وان هدفه كان اعادة بث الحياة في الاتحاد السوفياتي لكنه لم يكن يفهم ما يتطلبه الاصلاح الاقتصادي الجوهري. ويتحدث بوش عن اختياره لاعضاء فريق ادارته والمعايير التي اتبعها في ذلك. برنت سكوكروفت … كنت متشككاً في دوافع غورباتشوف واحتمالات نجاحه. لم يكن هناك شك في انه كان ظاهرة جديدة. بعد فترة في السبعينات، عندما بدت الولاياتالمتحدة متعثرة وكان السوفيات يتحدثون بثقة عن تغيير دائم في "العلاقات المتبادلة بين القوى" المقياس الذي قدّروا به، وفقاً لأيديولوجيتهم، ما اذا كان الوقت قد حان للانتقال الى الهجوم"، بدأت الامور تسوء بالنسبة اليهم. ذلك ان السنوات الاخيرة العديدة من عهد بريجنيف شبه الخرف، الذي تلاه اندروبوف المصاب بمرض قاتل وتشيرننكو ضعيف ومعتل الصحة، كانت بمثابة ست سنوات او اكثر من الركود التام تقريباً.... لتبسيط الامور اكثر، اعتقدت بأن هدف غورباتشوف كان استعادة الديناميكية لنظام سياسي واقتصادي اشتراكي واعادة بث الحيوية في الاتحاد السوفياتي داخلياً ودولياً ليتنافس مع الغرب، وبالنسبة الي، خصوصاً قبل 1990، جعل هذا غورباتشوف اكثر خطورة من اسلافه الذين انقذ كل منهم، بحركة عدوانية ما، الغرب من مخاطر افكاره المتفائلة تجاه الاتحاد السوفياتي قبل فوات الأوان. في الستينات، دمر البرنامج السوفياتي لبناء الاسلحة النووية الاستراتيجية افتراضنا ان اهدافهم كانت مجرد حيازة قدرة تدمير نووية، متواضعة - او مساوية. وبالمثل، في السبعينات، منيت آمالنا بأن المعاهدة الأولى للحد من الاسلحة الاستراتيجية SALT 1 قد اوقفت بصورة اساسية التحديث الاستراتيجي السوفياتي على سكته بالخيبة بظهور صواريخ جديدة اكثر تطوراً. وأنهى احتلال افغانستان في العام 1979 افكارنا في شأن مزيد من الاهداف السوفياتية المعتدلة في العالم الثالث. هذه مجرد امثلة على قيام الزعماء السوفيات بضربنا بين الحين والآخر بين عينينا لتذكيرنا بطموحاتهم العدوانية. كان غورباتشوف مختلفاً. اذ كان يحاول قتلنا بلطفه، وليس بالتلويح بالقوة، كان يقول انواع الاشياء التي اردنا سماعها، مقدماً اقتراحات عديدة مغرية ليحتل مرتفعات الدعاية ويحتفظ بها في المعركة على الرأي العام الدولي. لم يكن لمبادراته الاحادية الجانب لخفض القوات والتي تضمنها خطابه في الأممالمتحدة في كانون الأول ديسمبر اهمية عسكرية كبيرة، لكن الخطاب لامس وتراً حساساً لدى كثيرين وأكسبه الكثير من الثناء، مما وضع الغرب في موضع دفاع سيكولوجياً.... ثم يروي الكتاب: أمل غورباتشوف، ويحتمل انه صدّق، انه يستطيع ان يقرب مستوى الاقتصاد السوفياتي العديم الكفاءة من مستوى الغرب في حلول العام 2000. ولكن لم يكن واضحاً ابداً انه كان يفهم فعلاً ما الذي يتطلبه الاصلاح الاقتصادي الجوهري، او الى اي مدى كان مستعداً او قادراً على قبول الاساليب الغربية.... بدأت سياسة غلاسنوست تكشف تدريجاً حجم المشكلات التي لم يكن معروفاً لدى الغرب سوى بعضها او مشتبهاً في وجوده. كانت قطاعات واسعة من الصناعة والزراعة المركزيتين تحت سيطرة زعماء الحزب الذين سيروها كاقطاعيات خاصة، محوّلين المال الى جيوبهم ومزورين ارقام الانتاج لتتطابق مع الحصص المبالغ فيها. كان نظام التوزيع رديئاً وكانت المحاصيل تترك لتتعفن في المناطق الريفية بينما تحمل سكان المدن حالات نقص ورفوفَ محلات بقالة خالية. وعنت ندرة الوقود خلال مواسم الشتاء الروسية الاسطورية تدفئة غير كافية بالنسبة الى معظم السكان - بالرغم من ان الاتحاد السوفياتي كان فيه حقول نفط هائلة واحتياطات فحم ضخمة. وفي وجه هذه المصاعب اخذ غورباتشوف في حلول 1989 يتطلع الى الغرب للحصول على مساعدة اقتصادية وتكنولوجية مطلوبة في صورة ماسة لانقاذ الاقتصاد السوفياتي المتداعي وتخفيف آثار الاصلاحات التي كان قد بدأ تطبيقها.... برنت سكوكروفت لم يحسب غورباتشوف حساب مقاومة النظام السوفياتي لاصلاحاته. بدأ ببرنامج عادي لتحسين انتاجية العمال وشن حملة ضد السُّكْر، والتغيب عن العمل، والفساد. وسعى ايضاً الى الاستعاضة عن حكم الارهاب بحافز ايجابي هو زيادة نوعية المنتجات الاستهلاكية وكميتها. وفي رأيي ان غورباتشوف عمد، عندما واجه عدم قدرته على دعم الحزب لهذه التغييرات، الى مأسسة اصلاحات ديموقراطية كطريقة لتهديد اعضاء الحزب الشيوعي المتمردين بانتخابات، معارضاً اياهم بأناس دعموا برامجه. وكانت سياسة الانفتاح غلاسنوست التي جاء بها ترمي باخلاص، ومن دون شك، الى ازالة فظائع الستالينية من النظام، لكنه استخدمها ايضاً ليمارس ضغطاً على بيروقراطية الحزب بتعرية نهبهم. كان يحاول انقاذ النظام، لا تدميره. ومع ذلك، فما دام غورباتشوف يؤدي عملنا - اي يحرك الامور في اتجاهنا - اتفقت مع جورج بوش على انه يستحق استجابة تعاون حذرة.... كان هناك مجالان رئيسيان في العلاقات استحقا في رأيي تحركات عميقة الأثر من شأنها ان تعيد الينا زمام المبادرة وتخدم مصالحنا ايضاً. كان الأول في اوروبا الشرقية حيث يمكن ان توفر تحركات ناشئة فرصة لنا للافادة من "التفكير الجديد" داخل الاتحاد السوفياتي لكي نرخي قبضة موسكو على الدول الدائرة في فلكه. اما المجال الثاني فكان خفض الاسلحة النووية والتقليدية - الذي سنرث فيه المفاوضات المستمرة بشأن الحد من الاسلحة الاستراتيجية - بهدف عقد معاهدة خفض للأسلحة الاستراتيجية START وكانت هناك محادثات ستبدأ عما قريب في شأن القوات التقليدية.... جورج بوش فيما حضّرت لرئاستي في اواخر ذلك الخريف، فكرت في الناس الذين اردت ان يشغلوا المناصب الرفيعة في الادارة الجديدة، اولئك الذين سينهضون بمسؤولية كبيرة في التعامل مع تلك المسائل.... أردت للاعبين الرئيسيين في مجال السياسة الخارجية ان يعرفوا انني سأدخل نفسي في الكثير من تفاصيل الدفاع، والتجارة الدولية، والشؤون والسياسات الخارجية، ومع ذلك فانني لن احاول التمكن من كل تفاصيل مسائل السياسة وتعقيداتها. نويت تعلم ما فيه الكفاية حتى استطيع اتخاذ قرارات مدعومة بالمعرفة من دون ادارة التفاصيل الصغيرة. ونويت الاعتماد اعتماداً كبيراً على خبراء الوزارات وأيضاً في التحليل النهائي، على وزرائي ومستشاري للأمن القومي للحصول على مشورة مدروسة بدرجة اكبر. ان اي رئيس يجب ان يحيط نفسه بأناس اقوياء والا يخشى عندئذ من تكليف آخرين القيام بواجبات. في الوقت نفسه، يمكن ان يؤدي افراد اقوياء الى بعض المشكلات العملية في صنع وتنفيذ القرارات.... كنت مصمماً على جعل بنيتنا وطرقنا لاتخاذ القرارات في الادارة الجديدة معرفة تعريفاً جيداً يمكننا من ان نقلل الى الحد الادنى مثل هذه المشكلات.... كان اختياري لوزير الخارجية ما نسميه في مصطلحات لعبة الغولف "جيمي". تعود صداقتنا جيمس بيكر وأنا الى عهد طويل. في العام 1959، عندما انتقلنا باربرا وأنا مسافة الپ492 ميلاً من ميرلاند الى هيوستن، صار جيم واحداً من اعز اصدقائي في بلدتنا الجديدة. وكانت زوجتانا افضل صديقتين ايضاً الواحدة للاخرى. كان جيم هناك عندما اصبت بعدوى السياسة في اوائل الستينات. وكان الى جانبي عندما تركت مجلس النواب، بعد فترتين، في العام 1970 لخوض انتخابات مجلس الشيوخ للمرة الثانية. وقد هزمني لويد بنتسن، لكن جيم ساعدني مساعدة كبيرة في ذلك السباق وفي حملات كثيرة لاحقة. ومن عملنا السياسي معاً، ومن اتصالات كثيرة اخرى، بما فيها الرياضة، عرفت ان جيم كان تنافسياً وصلباً. ورأيته ايضاً وهو يواجه محنة شخصية كبرى بقوة عندما توفيت زوجته الأولى بالسرطان. كنت معه الى جانب سريرها، وكنت بجانبه عندما انتهت معاناتها في نهاية الامر. وجيم، في كل ما يفعل، مقاتل حقيقي وهو يقطع الميل الاضافي. وقد اثبتت هذه الخصلة المرة تلو المرة في تلك الاجتماعات التي لا نهاية لها حول العالم وفي تكوين التحالف الذي خاض "عاصفة الصحراء". وكان جيم ايضاً، وما زال، تاجراً صعب المراس ومفاوضاً قوياً. وكنت اعلم انه سيقول لي دائماً وفي صورة مباشرة وقوية كيفية شعوره تجاه قضايا متنوعة. عرفت ايضاً انني اردت برنت سكوكروفت، وهو صديق آخر أثق به، ان يكون مستشاري لشؤون الأمن القومي. كنت قد عملت مع برنت عن قرب عندما كان في المنصب في عهد الرئيس فورد وكنت ايضاً مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وكذلك عندما كنت نائباً للرئيس وخدم هو في مجالس ولجان عديدة. فكرت، بالنظر الى انه قد خدم من قبل في المنصب، انه قد يفضل منصباً مختلفاً، ولذلك داعبتني لوقت قصير فكرة اقناعه بقبول الدفاع او الپ"سي. آي. اي". ولكن كلما فكرت في الامر اكثر، كلما ازددت اقتناعاً بأن تعيين برنت في منصب مستشار الأمن القومي سيكون الافضل لي وللأمة. ذلك ان سمعته، القائمة على اساس معرفته العميقة بمسائل السياسة الخارجية وخبرته السابقة، كانتا على نحو لا يدع مجالاً للشك في انه كان الوسيط النزيه الكامل الذي أردت. لن يحاول القفز فوق رؤوس اعضاء مجلس الوزراء، او يمنعهم من الاتصال مع الرئيس، ومع ذلك كنت اعلم ايضاً انه سيعطيني وجهات نظره المبنية على الخبرة في شأن اي مشكلات قد تنشأ. وباختياره، سأرسل ايضاً اشارة الى مجلس وزرائي والمراقبين الخارجيين بأن مجلس الأمن القومي سيكون حاسم الأهمية في عملية صنع القرارات. وكان هناك بعد اضافي. لقد جئت الى المنصب بتصور للعالم اردت ان اراه، ولكن لم تكن عندي خطة مقررة من "عشر نقاط". وقد عوض برنت، وأكثر، عن نواحي قصوري في مسائل نزع الاسلحة والدفاع. كان متطابقاً مع المواصفات تماماً. كان شخصاً ينزل على الأرض راكضاً. برنت سكوكروفت ... جاء العرض مفاجأة تامة، بالرغم من انني فكرت في امكانية ان أُدعى للانضمام الى الادارة الجديدة... ولو أُعطيت خياراً، فإن من المحتمل اني كنت سأفضّل ان أكون وزيراً للدفاع، في صورة رئيسية لأني كنت قد خدمت كمستشار للأمن القومي. غير اني كنت على وعي بطموحات جون تَوَر لمنصب الدفاع، وبدون تردد قلت نعم للعرض. لقد اعتبرت جورج بوش تجسيداً للخصائل التي يجب ان يملكها رئيس وتشرفت وتأثرت باعطائي الفرصة للعمل عن قرب معه. جورج بوش ثمة عضو آخر مهم في فريق السياسة الخارجية هو مدير وكالة الاستخبارات المركزية. هنا أيضاً، كنت متأكداً مما اريد لأنني تعلمت، عندما كنت مدير الوكالة في عهد فورد، الدور الصحيح للمدير في بنية الأمن القومي. انه ليس، ولا يجب ان يكون، صانع او منفذ سياسة، ويجب ان يبقى فوق الشؤون السياسة، متعاملاً مع الاستخبارات فقط.... ... ان معاملة مدير وكالة الاستخبارات المركزية كما يعامل الرؤساء عادة رئيس هيئة الاركان المشتركة - على اساس انهم يستمرون عبر التغييرات في الادارة - هو في كل الظروف، ما عدا الاستثنائية جداً منها، صيغة جيدة.... اردت اختياري ان يبعث برسالة ايجابية الى محترفي الاستخبارات. وثبت ان ذلك كان سهلاً. كان ويليام ويبستر، الذي خدم بامتياز في سلك القضاء الاتحادي في سانت لويس ثم عمل مديراً لمكتب التحقيقات الفيديرالي ومديراً لوكالة الاستخبارات المركزية في عهد ريغان، يخدم خدمة جيدة بالفعل. وقد بقي خارج معترك السياسة في المنصبين كليهما. وطلبت منه ان يبقى، واثقاً من انه سيحظى باحترام جميع من سيتألف منهم فريق أمننا القومي أياً كانوا. ولم يخب ظني ابداً بالقرار. تبين ان اختيار وزير للدفاع كان اكثر تعقيداً. واعتلى السيناتور جون تور قمة لائحتي. كان جون صديقاً قديماً ووفياً عرفته لأكثر من خمس وعشرين سنة في معترك تكساس السياسي وخارجه. كان رئيساً قوياً للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وكنت راقبته المرة تلو المرة يقاتل من اجل سياسة دفاعية سليمة مدعومة بميزانيات دفاع سليمة.... عندما سميت تَوَر، لم تكن لدي اي فكرة عن ان عملية التثبيت ستتردى وكم ستصبح جارحة ومذلة بالنسبة الى جون وعائلته.... كانت الاشاعات والبشاعة التي رافقت تصرف مجلس الشيوخ بخصوص تور معيبة. وبينما لم اعتبر تسمية تور يوم 19 آذار مارس هزيمة شخصية، فقد تعاطفت بعمق مع جون وعائلته. وأنا فخور بأنني بقيت الى جانبه حتى النهاية المريرة. كان رجلاً طيباً. وكأي شخص آخر، كانت له عيوبه، لكن ايا منها لم يكن فاضحاً الى حد لا يستحق معه ولائي ووقوفي الى جانبه عندما اشتدت وطأة الحال الى الدرجة القصوى. مع سقوط تسمية تور وسط نيران حزبية، تحركت بسرعة للعثور على بديل جديد من أعلى صنف. كان عدم وجود وزير للدفاع قد شل عمل وضع سياسة في البنتاغون خلال الاسابيع الأولى من عهد الادارة، لذلك كان علينا ان نسمي شخصاً ما يمكنه ان يمر عبر عملية التثبيت بسرعة ويسر، وأن يكون، مثالياً، عضواً في الكونغرس.... وسرعان ما قررت ان دك تشيني سيكون مثالياً، شرط امكان اقناعه بترك الكونغرس ومركزه القيادي هناك. لم يكن تشيني قد ترأس لجنة رئيسية تتعاطى في شؤون الأمن القومي، مثلما كان تور، ولكن بصفته جزءاً من الزعامة الجمهورية في مجلس النواب وعضواً بارزاً في اللجنة المختارة للاستخبارات، كان لديه معرفة جيدة بمسائل الدفاع. يضاف الى هذا انه كان رئيس موظفي الرئيس فورد وكان يعلم كيف تصنع السياسة. كانت له سمعة نزاهة ودفاع عن المبادئ، وفي الوقت نفسه، القدرة على مسايرة الناس. كان قوياً، صلباً، ومنصفاً. وكنت واثقاً بأنه، كوزير للدفاع، سيكون ماهراً وفعالاً في التعامل مع كل من مجلسي الشيوخ والنواب، حيث كان محبوباً جداً ومحترماً على نطاق واسع. بعد اقل من ثمان وأربعين ساعة من التصويت على تور، عرضت المنصب على ديك، وقبله فوراً. وكما املت، ثُبّت بسرعة ونزل، مثل برنت، على الأرض راكضاً.... يشير بوش الى ان المسؤول الرئيسي الآخر في مجال الأمن القومي هو رئيس هيئة الاركان المشتركة، وهو منصب يحدد القانون فترته بسنتين. وكان في المنصب آنذاك الادميرال ويليام كرو فاحتفظ به الى ان أُحيل الى التقاعد في ايلول سبتمبر 1989. ويقول: "عندما أعلن كرو انه سيترك، اقترح تشيني ان أعين كولين باول ليحل محله. وقد عرفت كولين للمرة الأولى عندما كان مستشار الرئيس ريغان للأمن القومي. كان من السهل ان يحبه المرء وان تكون علاقات الجميع معه حسنة. وسرعان ما صرنا صديقين. انه يتمتع بروح نكتة عظيمة خدمتنا عبر اوقات كثيرة متوترة. ولكن بينما كان كولين اختياراً ممتازاً، فقد كنت مشغول البال لسببين: أولاً، كنت قلقاً من ترقيته بسرعة اكثر مما ينبغي، اي من تقفيزه، وهو جنرال ذو اربع نجوم، وتقديمه على ضباط آخرين مرتفعي الكفاءة ورفيعي الرتب. ثم حِرْتُ في ما اذا كانت هذه في الواقع الخطوة الصحيحة بالنسبة الى كولين في هذه المرحلة من خدمته. قد يكون أي منصب قيادي رفيع هو الافضل. وهو شاب لدرجة تكفي لأن يخدم كرئيس لهيئة الاركان في ما بعد. لكن تشيني كان مصراً - ومقنعاً. وغني عن القول انني لم اندم قط على تعيينه...". يشيد بوش بشخصين آخرين "مهمين" ساهما في فريق السياسة الخارجية برغم انهما كانا معنيين في صورة رئيسية بالسياسة الداخلية، وهما نائب الرئيس دان كويل ورئيس هيئة موظفي البيت الأبيض جون سنونو. "كانا كلاهما ذكيين ومهتمين جداً بخفض الاسلحة، واثبتت مشورتهما، على مر السنين، انها مساعدة فوق العادة". ثم يقول: "بينما يعد اختيار الاشخاص المناسبين للمناصب العليا مهماً، فان اعطاءهم هامش حرية في اختيار مساعديهم امر حيوي ايضاً. جيم بيكر كان أبلغني انه يريد لورانس ايغيلبيرغر نائباً لوزير الخارجية. وقد تحمست للفكرة. اذ كان لاري موظفاً لامعاً متميزاً ومحترفاً من موظفي السلك الخارجي...". جورج بوش مع وصول كانون الثاني يناير واقتراب التنصيب، التقيت برنت كل يوم لعقد ما سميناه جلسات "تطلع الى الامام" وقد جاء الى كامب ديفيد الذي تكرم الرئيس ريغان بالسماح لي باستخدامه عندما لم يكن هناك في 2 كانون الثاني يناير لنتحدث عن الفرص والتحديات أمامنا. وفي ذلك المشهد المسترخي، خصوصاً خلال مشيات طويلة عبر الاحراش المغطاة بالثلوج حول حدود الكامب، تحدثنا في شؤون الاتحاد السوفياتي، والحد من الاسلحة، ومراجعة عامة للسياسة. لم نكن نحاول التوصل الى اي استنتاجات وانما فقط توضيح ما هو مطلوب وتحديد اولوياتنا. وكنت متشوقاً للبدء بالعمل. بعد وقت قصير من ذلك، في 9 كانون الثاني يناير تحدثت حديثاً طويلاً عن الاتحاد السوفياتي مع هنري كيسنجر، وجون سنونو، وجم بيكر، وبرنت. اني اكن احتراماً عظيماً لمعرفة هنري بالتاريخ ولتحليله. تحدث عن الحاجة الى خطة عامة كبرى، ومع انه كان مؤدباً اكثر من ان يجهر بما يعنيه، فقد كان واضحاً انه شعر بافتقارنا الى مفهوم استراتيجي عريض في مقاربتنا لأوروبا والاتحاد السوفياتي. وكان كيسنجر يدفع ايضاً نحو ترتيب قناة منفصلة غير رسمية مع موسكو، وهو شيء استخدمته ادارات سابقة، ربما مع كونه هو القناة. كنت متحفظاً. اردت التأكد من اننا لن نرسل الاشارات الخطأ الى موسكو، بقول البعض في ادارتنا شيئاً ما بينما يجري آخرون مفاوضات سرية قد ترسل اشارات متناقضة.... يقول جورج بوش انه استغل فرصة زيارة كيسنجر القريبة الموعد الى موسكو ليبعث برسالة شخصية الى غورباتشوف. "شكرته على ما ابداه من اهتمام نحو جب وحفيدي خلال زيارتهما الى ارمينيا". ويسرد الكتاب: بَعَثَ الينا كيسنجر، بعد ايام قليلة من عودته من موسكو، بوصف مفصل ومدهش لمحادثاته المستفيضة مع القيادة السوفياتية وقدم لنا نظرة ثاقبة في افكار غورباتشوف. قال الزعيم السوفياتي انه يرحب بحوار على صعيد خاص مع الادارة، وأضاف انه ينظر الى حقيقة ان الرئيس المنتخب قد اقترب منه كعلاقة حسن نية والتزام جدي بالحوار. قال غورباتشوف لكيسنجر انه لن يكون هناك ضغط سوفياتي في ما يتعلق بمعاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية، لكنه عبر عن اعتقاده بأن الحوار السياسي يمكن ان يبدأ في وقت مبكر مثل آذار مارس، أجمل عدداً من المشكلات الدولية، خصوصاً في أوروبا. قال: "رأيي انه يجب علينا ان نبقي عيوننا على المانيا وبهذا اعني الالمانيتين كلتيهما. لا يجب ان نفعل أي شيء لزعزعة استقرار اوروبا بإدخالها في ازمة". ولم يسهب. اما بالنسبة الى أوروبا الشرقية والجهود الاصلاحية، فإن الحياة تأتي بتغييرات معينة لا يستطيع المرء وقفها، وهذا ينطبق ايضاً على اوروبا الغربية. ولكن على الجانبين كليهما ان يحرصا على ألا يهدد اي منهما أمن الآخر. وهذه هي الروح التي سيقبل بها على الحوار. أملى غورباتشوف رسالة ليعود بها كيسنجر الى واشنطن: "انني مستعد لبدء تبادل لوجهات النظر آخذاً في الحسبان الحاجة الى تنسيق سياساتنا في المسائل الدولية. انني اقدر الرسالة تقديراً عظيماً، خصوصاً وان قناة خاصة قد فُتحت حتى في هذه المرحلة المبكرة". من لهجة الرسالة ومحتواها بدا واضحاً انه أراد تهيئة جو ايجابي وكان مستعداً للاستمرار فوراً من حيث غادرت ادارة ريغان. كتب كيسنجر في تقريره انه، عندما نهض ليغادر، بدا غورباتشوف كئيباً. قال له: "انني أقود بلداً غريباً. احاول ان آخذ شعبي في اتجاه لا يفهمونه وكثيرون لا يريدون السير فيه. عندما صرت اميناً عاماً، اعتقدت ان بيريسترويكا ستكون قد اكتملت في حلول هذا الوقت. وبدلاً من ذلك فان الاصلاح الاقتصادي بدأ للتو. لكن ثمة شيئاً اكيداً - مهما يحدث لبيريسترويكا، فإن هذا البلد لن يعود ابداً الى ما كان عليه". سأله كيسنجر كيف يمكنه، وهو نتاج النظام القديم، ان يكون مصمماً الى هذا الحد على تغيير منطلقات النظام. قال غورباتشوف: "كان سهلاً رؤية ما هو خطأ. الأمر الاصعب هو معرفة ماذا يمكن ان ينجح. لكني احتاج لفترة سلام طويلة". استنتج كيسنجر ان الرئيس السوفياتي يخطو على ماء مع بيريسترويكا، وانه يتطلع الى السياسة الخارجية كمهرب. وعبر عن اعتقاده ايضاً بأن غورباتشوف مستعد لدفع ثمن معقول لقاء ذلك