"ان الاتفاق العسكري بين تركيا واسرائيل يعكس رغبة متزايدة لديهما في تعزيز وجودهما في المنطقة، على نحو يضمن لتركيا دوراً اقليمياً بارزاً ويزيد فرص اسرائىل للهيمنة". كما ان استمرار هذه العلاقات سيؤدي الى "تغيير الخريطة الاستراتيجية للشرق الاوسط". وفي حين لم ينجح مؤسس دولة تركيا مصطفى اتاتورك في ابعاد الجيش عن السياسة، فان "الجيش نجح في تماسكه بحيث صارت مصالح العسكريين محور تجمع الجيش في وجه الرياح المناوئة". جاءت هذه الخلاصات في دراسة بعنوان "رجال اتاتورك: العسكريون وادارة السياسات الداخلية والخارجية في تركيا" اعدها "المركز العربي للدراسات الاستراتيجية" الذي يشرف عليه الرئىس اليمني السابق علي ناصر محمد ويتخذ من دمشق مقراً له. وعلى رغم ان هذه الدراسة أعدت قبل اسابيع فان اهميتها تنبع من اعادة توزيعها خلال الازمة الحالية بين دمشق وأنقرة على "صانع القرار" في سورية وغيرها من الدول العربية. وكان المركز اعد منتصف 1996 دراسة عن "التطورات السياسية في تركيا" توقعت عدم وصول "التصعيد" مع سورية الى مرحلة الصدام مع استمرار تركيا في تطوير علاقاتها مع اسرائيل بهدف "الضغط" على دمشق. وأعادت الدراسة العلاقات بين تل ابيب وانقرة الى آذار مارس 1949 حين حصلت اسرائىل على اعتراف انقرة مما جعل تركيا "اقرب الى الغرب من العرب" لانها صارت "مكروهة عربياً". واستمرت العلاقات العلنية "باردة" تخللها تعاون استخباراتي بعد الاجتياح الاسرائىلي للبنان عام 1982. لكن اتفاق اوسلو "أسعد" انقرة فأوفدت سفيراً الى تل ابيب ووقعت معها 3 اتفاقات. وفي شباط فبراير 1996 استطاعت اسرائىل ان تقيم أولى علاقاتها مع دولة يشكل المسلمون الغالبية فيها، اذ تم توقيع اتفاق للتدريب العسكري يسمح للطائرات الحربية الاسرائيلية بالتحليق في المجال الجوي التركي. ثم وقع الطرفان اتفاقاً للتجارة الحرة وصولاً الى توقيع اكثر من 13 اتفاقاً في مجالات عدة. واشارت الدراسة الى ان هذه العلاقات التي كانت تتطور يوماً بعد يوم تلقت في تموز يوليو من العام نفسه "ضربة مميتة" عندما فاز "المسلم الاصولي الذي يرى اسرائىل كما يراها الايرانيون" رئيس حزب "الرفاه" المنحل نجم الدين اربكان، برئاسة الحكومة، خصوصاً ان اربكان كان يتحدث عن اسرائيل على انها ذاك "العدو الابدي"". وبعدما اشارت الدراسة الى توقعات المحللين ان يلغي اربكان تلك الاتفاقات، اوضحت ان ذلك لم يحصل لأسباب عدة تتعلق بالدستور التركي و"الارث الاتاتوركي" ثم اقصاء "الرفاه" عن الحكومة ولاحقاً عن العمل السياسي في تركيا، مما ادى ايضاً الى استمرار العلاقات بين اسرائىل وتركيا عبر الزيارات المتبادلة وتوقيع اتفاقات للتعاون الامني والاستخباراتي واجراء مناورات مشتركة، وذلك على أساس وجود "جوامع عدة" بين تل ابيب وانقره منها: "جامع الاختلاف" كونهما مختلفتين عن باقي الدول في المنطقة على اساس انهما "ديموقراطيتان". و"جامع الاعداء المشتركين" مثل العراق ومطالبة تركيا بولاية الموصل كما حصل عام 1995، وسورية التي تطالب بپ"تدفق كبير لمياه الفرات" وبأراضٍ "تركية". ومن الاسباب الاخرى "احباط تركيا من جماعات حقوق الانسان في اوروبا" ومن "اللوبي التركي واللوبي الارمني في اميركا"، بحيث اراد الاتراك الافادة من الاسرائيليين كپ"جسر" لهم في واشنطن يساعدهم في تطوير القدرة العسكرية وفتح اسواق لها في العالم. لكن الدراسة اعتبرت ان "تعزيز التعاون العسكري والعلاقات بين تركيا واسرائىل كان هدفاً استراتيجياً لاميركا"، لان التعاون بين "بلدين ديمقراطيين" يشكل "نواة لمشاركة اقليمية برعاية واشنطن". ولعل "ازدهار هذا الحلف" ولّد الكثير من "الخصوم الاقليميين". ويعتقد محللون اسرائيليون واتراك ان هذه "الروابط ستعزز على المدى الطويل الاستقرار في المنطقة"، لكن الدراسة حذرت من ان استمرار هذه العلاقات "في مسارها سيغير الخريطة الاستراتيجية للشرق الاوسط" مما سيؤدي الى "المزيد من المشاكل وبروز العنف". ولأن "التهديدات التركية وليدة ذاك الحلف والارث العسكري الاتاتوركي" لفتت الدراسة الى ان الاتفاق بين تل ابيب وانقرة "يعكس رغبة متزايدة لتعزيز وجودهما في المنطقة في اطار ترتيبات جديدة".