في مطلع شهر عسل العلاقات التركية - الاسرائيلية، قبل 13 سنة، توقع الاسرائيليون أن تكون العلاقات الجديدة من أقوى العلاقات الاستراتيجية الراسخة والثابتة في المنطقة. وكان المسؤولون الاتراك لا يهملون زيارة اللوبي اليهودي عند زيارة واشنطن. ودار الكلام على محور تركي - اسرائيلي - اميركي في المنطقة. وعلى رغم بعض الاصوات التي قالت إن العلاقة طارئة و عارضة وغير دائمة ، اختارت الاطراف كلها التصديق أن زواجاً لا ينفصم يجمع بين انقرة وتل ابيب. ولكن تركيا دولة ديموقراطية، واغلبية الاتراك تتعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني المظلوم. وطالما لم تحكم تركيا حكومة يسيطر عليها العسكر، وطالما استمر القمع الاسرائيلي للشعب الفلسطيني، لا يسع تركيا ان تظهر على أنها شريكة اسرائيل في جرائمها. وعلى هذا، طوت أنقرة التعاون العسكري مع اسرائيل، وألغت المناورات الجوية المشتركة، في 31 أيار (مايو) 2010. وتركيا اليوم ليست تركيا قبل نحو 15 سنة، أي دولةً ضعيفة. فهي شقت طريقها نحو الارتقاء الى قوة سياسية واقتصادية اقليمية وازنة، وليس في مستطاعها النظر عن مشاغبات اسرائيل الإقليمية، إن لم تزعج المشاغبات هذه الحليف الاميركي المشترك. وسورية، وهي كانت عدو تركيا واسرائيل المشترك في التسعينات، صارت، اليوم، من أبرز اصدقاء تركيا بعد تذليل ازمة «حزب العمال الكردستاني» وطرد زعيمه من دمشق. فانتفت مكامن الخطر التي شدت تركيا واسرائيل الواحدة إلى الأخرى. والمصالح المشتركة بين الدولتين لا يعتد بها. وعلى ما قال رئيس الجمهورية (التركية)، عبدالله غل، لن تعود العلاقات مع اسرائيل الى سابق عهدها. فاسرائيل قتلت مواطنين اتراك في المياه الدولية، وهاجمت قافلة مساعدات انسانية غير مسلحة. والزعم أن أهداف هذه القافلة استفزازية يحاول أن يضفي مشروعية على الحصار الاسرائيلي على غزة، وهو حصار جائر ويخالف قرارات الاممالمتحدة ومجلس الأمن. أفلم يكن في وسع الجيش الاسرائيلي أن يمنع وصول قافلة المساعدات الى غزة من دون اراقة دماء؟ طبعاً كان ذلك في مقدوره، لكنه لم يفعل. فثمة من يعادي تركيا في اسرائيل، ويريد الانتقام منها، وخصوصاً من رئيس وزرائها جراء محاولته مساعدة ايران من طريق ابرام اتفاق تبادل اليورانيوم مع طهران الذي ازعج اسرائيل كثيراً. ولا شك في تعمد اسرائيل رد الصفعة التي وجهها اردوغان اليها في مؤتمر دافوس، وانتقاده اسرائيل إثر حرب غزة. والحق ان ميزان العلاقة بين أطراف المثلث التركي - الإسرائيلي - الأميركي بدأ يتغير. فواشنطن حملت اسرائيل على الافراج عن المحتجزين الاتراك في يوم واحد نزولا على الطلب التركي، على رغم أن الخارجية الاسرائيلية اتهمت هؤلاء بموالاة «القاعدة»، ونقل الاسلحة الى «حماس»، ومحاولة بناء ميناء ايراني في غزة. فلماذا أخلت سبيلهم، بعد الاتهامات؟ ويترتب على بقاء حكومة نتانياهو في السلطة تغليب الثأر على العلاقات بين انقرة وتل ابيب. فما بيننا هو اكثر من الدم . * معلّق، عن «راديكال» التركية، 6/6/2010، اعداد يوسف الشريف