"لدينا حساب طويل مع الأتراك وقد آن الوقت للإعلان عن تركيا دولة عدو ومحاربة تركيا اقتصادياً لنعلمهم كيف سيخسرون، فتركيا أصبحت أسوأ من أعداء بالنسبة لإسرائيل". هكذا اختصر أحد نواب الكنيست الإسرائيلي الأزمة الرهيبة وغير المسبوقة في العلاقات بين تل أبيب وأنقرة والتي تمثلت في قرار الأخيرة طرد السفير الإسرائيلي من أراضيها، فبعد أن ظلت تركيا لفترة طويلة ومنذ إنشاء دولة إسرائيل قبل نحو ستين عاما الحليف الأوثق لها في العالم الإسلامي، فهي أول دولة إسلامية تعترف بدولة إسرائيل في العام 1949، ولم تربط بين الجانبين علاقات وثيقة على الصعيدين الدبلوماسي والتجاري فحسب بل وأيضا على الصعيد العسكري وظل الجانبان يبذلان قصارى جهدهما من أجل الدفع بتلك العلاقات نحو الأفضل وليس من أجل إضعافها أو انهيارها لكن تطلعات تركيا من أجل أن تكون دولة عظمى في محيطها الإقليمي والدولي جعلها تعيد النظر في هذه العلاقات وتبحث عن مصالحها بعيداً عن الارتباط الوثيق بتل أبيب. والآن فإن العلاقات بينهما وبعد أن وصلت إلى حد من التوتر لم تشهده من قبل على خلفية رفض إسرائيل الاعتذار عن مداهمتها أسطول الحرية التركي للمساعدات الإنسانية الذي كان متوجها إلى قطاع غزة العام الماضي وقتل تسعة أتراك على متن سفينة مرمرة، حيث لم تكتف أنقرة بإعلان قرارها طرد السفير الإسرائيلي لديها بل قررت أيضا تجميد كافة الاتفاقات العسكرية مع إسرائيل. وان كان البعض في عالمنا العربي والإسلامي قد استقبل بإعجاب الخطوة التركية فإنه يجب التنبيه على أن بعض المسؤولين السابقين فى الجيش التركي الذى يعتبر جدار العلمانية وحائط الصد أمام تحول تركيا إلى دولة ذات طابع إسلامي يرون أنه من المؤسف ان يصل حليفان قديمان الى هذا الوضع، لكن أحدهم قال وبالحرف الواحد ان لدى تركيا مصالح كبيرة في شرقي المتوسط ولا يمكن السماح للاسرائيليين بأن يتجولوا على هواهم في هذه المنطقة التي يريدون تحويلها الى محمية لهم. أما تل أبيب فتراهن من جانبها على ما حققته أنقرة من فائدة طوال الفترة الماضية على الصعيد العسكري والاستراتيجي وهو ما نقلته صحيفة معاريف العبرية عن مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى بتل أبيب قولها إن وقف العلاقات الأمنية بين إسرائيل وتركيا سينعكس سلبياً على تركيا أكثر من إسرائيل، لأن أنقرة قد أصرّت في الماضي على إسناد جزء كبير من عملية الإنتاج إلى الصناعات التركية، على حد قولها، مضيفة أن صفقة الطائرات بدون طيار التي تم توقيعها قبل 6 سنوات أسندت إلى شركة تركية بمبلغ 40 مليون دولار، كما تعتقد تل أبيب أن قرار تركيا تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل غير قابل للإعادة إلى الوراء في المستقبل القريب، وأن ممارسات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تندرج في نطاق الاستراتيجية التي ينتهجها في تنافسه مع إيران على قيادة العالم الإسلامي. إلا أنه وفي الوقت ذاته نجد أن هناك أصواتاً داخل إسرائيل ترفض ما تقوم به تل أبيب مع تركيا حيث أكد المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير السابق في أنقرة ألون ليئيل أن قرار تركيا بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية يشكل ضربة جدية لإسرائيل محذرا من احتمال حذو مصر والأردن حذو تركيا نتيجة للضغوط الداخلية التي تتعرضان لها، وعندها لا يكون لها أي سفير في الشرق الأوسط، منتقداً ما وصفه بالسياسة العمياء لوزير الخارجية أفيغدور ليبرمان التي تتوهم أن بمقدور إسرائيل تدبر أمورها بدون الشرق الأوسط، وتابع ساخرا "على إسرائيل التنازل عن الشرق الأوسط واعتبار تركيا دولة هامشية". ووسط هذا التخبط في تحديد الأهداف والمصالح والأولويات يمكن القول ان التوتر الكبير بين تركيا وإسرائيل سيزيد من عزلة إسرائيل، وقد يسمم العلاقات بين تركيا - العضو الأساسي في حلف شمال الأطلنطي والولايات المتحدة، ولهذا فإن كافة التوقعات تشير بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل ستكون الخاسر الحقيقي في هذه المواجهة لأنها لا يمكن أن تخسر أحد أصدقائها النادرين في العالم الإسلامي فيما يشهد العالم العربي حالة من الغليان.