الجزائر - أ ف ب - استمرت السلطات الجزائرية، العاجزة حتى الآن عن وقف المجازر الجارية في البلاد، أمس الاربعاء على موقفها المتصلب في وجه الضغوط الدولية برفضها اي فكرة لاجراء تحقيق دولي. وصدرت اليوم صحيفة "المجاهد" الحكومية وقد تصدر صفحتها الاولى بالقلم العريض عنوان من كلمة واحدة هي: "يكفي" معبرة بذلك عن نقمة الحكم وسخطه بعد ردود الفعل التي اثارتها المأساة الجزائرية في الخارج. ومع ذلك فقد اشار بعض المعلقين في الصحف الخاصة الى ان الموقف الاميركي يشكل "نكسة" ديبلوماسية للجزائر معتبرين ان السلطات اصبحت في موقع "دفاعي". وتعتبر الحكومة الجزائرية ملف "الارهاب" مسألة داخلية. وقد رفضت باستمرار، باسم "رفض اي تدخل في الشؤون الداخلية"، القبول بأي بعثة تحقيق تكلف بالقاء الضوء على المجازر. وتعتبر الجزائر كذلك ان فكرة مثل هذه البعثة تسهم "موضوعياً في عملية تبرئة للارهابيين". وقد ذكر السفير الاميركي في الجزائر كاميرون هيوم بشكل جاف بهذا الموقف أول من امس الثلثاء عند استدعائه الى وزارة الخارجية. ورفضت السفارة الاميركية الادلاء بأي تعليق على اللقاء عندما سألتها وكالة فرانس برس. وبحسب ما اوردته وكالة الانباء الجزائرية عن اللقاء، فان السلطات الجزائرية طلبت من هيوم "تفسيرات" لموقف واشنطن التي اعربت عن رغبتها، للمرة الأولى، بأن ترسل الى الجزائر بعثة تحقيق تتألف من منظمات غير حكومية. وأعرب الناطق باسم الخارجية الاميركية جيمس روبين أيضا عن امله بأن يرى الحكومة الجزائرية تبذل مزيدا من الجهد "من اجل حماية السكان المدنيين". ومما زاد من استياء الجزائر، ومن حرجها كذلك لهذا الموقف الاميركي، هو انه جاء بعد شهرين على قيام السفير الاميركي السابق في الجزائر رونالد نيومان بتقديم دعم ثمين للسلطة الجزائرية باعلانه ان الولاياتالمتحدة تدعم "التدابير العسكرية" المتخذة لمكافحة العنف. وأسهبت الصحف يومذاك في التعليق على تصريحات نيومان معتبرة انها التزام جازم من الولاياتالمتحدة - التي كانت تتهم سابقا بمسايرة الاسلاميين في العالم العربي - الى جانب السلطات الجزائرية في وقت تقوم فيه الشركات الاميركية بنشاطات كبيرة في التنقيب عن النفط والغاز اللذين يشكلان اهم ثروات البلاد 5،12 مليار دولار من العائدات المتوقعة في 1998. ونددت "المجاهد" أمس بما وصفته بأنه حملة جديدة على مستوى الاعلام واتخاذ المواقف المعلنة من أجل "توليد صدمة لدى الجماهير قبل تمرير رسالة التدخل في الشؤون الداخلية" والتدخل بكل معنى الكلمة. وفي ما اعتبر انه يعكس وجهات نظر المسؤولين، لم تخصص الصحيفة سوى مساحة محدودة لنبأ استدعاء السفير الاميركي وانما ركزت انتقاداتها ضد الاوروبيين. ونصحت "المجاهد" الدول الاوروبية التي تعمل على وضع برنامج "مساعدة لضحايا" المأساة بأن "افضل شيء تقوم به الدول الاوروبية التي تطرح على نفسها هذا النوع من الاسئلة - كيف تساعدنا؟ - هو ان تبدأ في الاهتمام بجدية بالارهابيين الذين تؤويهم وتحميهم على اراضيها باسم حق اللجوء السياسي وحقوق الانسان". وفي ما يشبه التحذير نشرت "المجاهد" على صفحتها الاولى مقتطفات من خطاب قديم للرئيس اليمين زروال يحذر فيه من ان "الجزائر ستأخذ علماً بموقف كل واحد من شركائها وستستخلص العبر من ذلك...". وكانت الجزائر اعتبرت الاثنين الموقف الفرنسي الذي اشار الى ضرورة توفير الحماية للمدنيين واحلال "ديموقراطية حقيقة" بسرعة في البلاد، موقفا "غير مقبول". ويأتي رد الفعل الجزائري هذا على الموقف الفرنسي حلقة في سلسلة من المواقف الحادة ضد باريس التي تتهم باستمرار في السنوات الاخيرة "بالتدخل" في شؤون مستعمرتها السابقة.