يفترض في السلطة الجزائرية، بعدما استكملت ما تعتبره اعادة احياء "مؤسسات" الدولة، ان تعتبر سنة 1998 سنة الانتهاء من هذا الارهاب الذي فاق كل التصورات بوحشية وتفلته من اي عقال ديني أو سياسي أو حتى انساني. وفي مواجهة هذه البربرية الفخورة بدمويتها ما عاد أحد ليلوم السلطة على أي تصرف بغية الاجهاز على بؤرة الوحشية هذه. واذا كان الوزير الفرنسي السابق كلود شيسون لا يجد حلاً آخر للقضاء على العنف سوى العنف المضاد، فلأن الوضع تعفن واقعياً الى هذا الحد. اذ ان كل ما حصل من انشطة سياسية، منذ مطلع 1992 الى الآن، لم يضع حلاً سياسياً حقيقياً للازمة. والسؤال المطروح: هل يعقل ألا يكون هناك حل سياسي أو عسكري؟ شكلت مجزرة الأول من رمضان، كما المجازر التي سبقتها، دليلاً جديداً مؤلماً على ان المواطنين الآمنين لا يزالون في خطر. فالارهابيون ينجحون في شن غزواتهم على ابناء بلدهم في المناطق البعيدة كما في اقرب الضواحي الى العاصمة، وينبغي ان تكون السلطة قادرة على اكثر من مجرد الاستنكار والادانة وتعداد الجثث. فعليها تقع مسؤولية حماية الناس وليس على أي جهة اخرى، لذلك تُلام على قصورها خصوصاً ان وقتاً طويلاً اتيح لها كي تمسك بجوانب المسألة الامنية وتؤمن لنفسها الوسائل الكفيلة بمعالجتها. ومن هنا ان أي مجزرة جديدة هي بالطبع من فعل الارهابيين لكنها عملياً نتيجة لقصور السلطة. ساهم الوضع المأسوي في تيئيس جميع المهتمين بالجزائر والجزائريين من منطلق انساني وتضامني. وأمضى المسؤولون الجزائريون اسابيع طويلة يصرحون يومياً بأنهم يعارضون أي تدخل من الخارج أياً كان نوعه، حتى لو كان مجرد اقتراح باجراء تحقيق دولي محايد حول المجازر. والكثير من هذا "التدخل" المرفوض يمكن تصنيفه في خانة محاولة فهم ما يجري اكثر مما هو نيات بتجاوز سيادة الدولة أو الحلول محل السلطة في ما يجب ان تفعل أو لا تفعل. ولم يكن هناك ما يضير الجزائر وسلطتها في ان يتفاعل المجتمع الدولي مع المأساة ويحاول البحث عما يمكن ان يفعله بدلاً من القعود والسكوت. ولم يحدث اي تدخل خارجي، بل الارجح انه لن يحدث اطلاقاً، فلا أحد يرغب في الوقوع في مستنقع الارهاب ويتحمل تبعاته. ولعل تصريحات وزير الخارجية الالماني كلاوس كينكل، امس، اشارة اضافية الى حدود اي تدخل خارجي. فمثل هذا التدخل ينفي مبرراته طالما ان الداخل يقوم بالواجب الى حد تطمين الاسرة الدولية الى ان الوضع الجزائري تخطى احتمالات تصدير انعكاساته الى الخارج. ومن الطبيعي ان تلقى مشاعر الصدمة من المجازر، كما اعرب عنها كينكل، اهتمام الجزائريين بل ارتياحهم ايضاً خصوصاً انهم لا يجدون المشاعر نفسها عند مسؤوليهم. فالمسؤول الالماني بالغ الوضوح في ادانة الجرائم الارهابية، لكنه يرفض ان تبقى المجموعة الدولية مكتفة الايدي ازاء ما يحدث، وهو لا يعرض سوى تعاون مع السلطة الجزائرية في مكافحة الارهاب فضلا عن تقديم المساعدة لضحايا هذا الارهاب. استطاعت السلطة ان تكون مقنعة الى حد كبير عندما شرحت "استحالة" ان تكون اجهزتها متورطة في ارتكاب المجازر نفسها، لكن هذا الاقتناع يبقى مشروطاً بالشروع في شيء من الشفافية تجاه الداخل والخارج معاً. اذا كانت هناك مساعدة مفيدة فلا مبرر للاعراض عنها، لأن قدر الجزائر ان تنفتح لا ان تنغلق خصوصاً ان طرفي الازمة، السلطة والآخرين، دفعا ويدفعان بمزيد من الجزائريين في كل اتجاه هرباً من واقع عقيم وغير واعد.