طلب الرئيس الفلسطيني أمس انعقاد قمة عربية لمناقشة عملية السلام. والفكرة مطروحة باستمرار في القاهرة، ويجري درسها في ضوء التطورات وتقويم مواقف الأطراف العربية منها. ولعل عودة القمة الى التداول الديبلوماسي تؤكد عملياً ان محادثات واشنطن، الاسبوع الماضي، فشلت ولم تحقق شيئاً يذكر، لكنها انتهت - كما اصبحت العادة مع الاميركيين - الى "اتفاق" على "متابعة الكلام" لا اكثر ولا أقل. اذا كان هناك اي منطق يدير الديبلوماسية العربية، فلا بد ان هذا المنطق توصل اخيراً الى يقين نهائي بأن لا أمل يرتجى مع بنيامين نتانياهو وحكومته. اذ ان الليكوديين وحلفاءهم يرفضون السلام ايديولوجياً وليس اجرائياً، وبالتالي فان سياستهم وفوزهم في الانتخابات وتسلمهم الحكم بنيت كلها على اجراء انقلاب في عملية السلام بمفاهيمها واسسها كما وضعت في عهد جورج بوش - جيمس بيكر، وعلى ضرب صيغة مدريد واتفاق اوسلو نصاً وروحاً وتفاهمات جانبية بين "الشركاء". وقد لا يكون هناك أمل يرتجى ايضاً مع الولاياتالمتحدة ومنها إلا انه لا خيار آخر متاحاً كبديل منها. كان النهج الذي اتبع عربياً اثر فوز ليكود وصعود نتانياهو الى الحكم، نهجاً يحتمل الجدل سلباً او ايجاباً. قيل وقتها ان واشنطن "نصحت" باعطاء نتانياهو فرصة، لكن النصيحة لم ترفق بأي ضمانات اميركية. وقيل ان تحليلات سياسية عدة توصلت الى ان ليكود لن يستطيع، في كل الاحوال، ان يخرج من عملية السلام أو ان يوقفها أو يغير مسارها. واعتمدت تلك التحليلات على ان اسرائيل "دولة"، ولكونها دولة فهي لا تستطيع سوى ان تنفذ الاتفاقات التي وقعت قبل مجيء ليكود الى الحكم. وقيل ايضاً ان المهم هو انتزاع توقيع حكومة نتانياهو على اي اتفاق جديد والاميركيون هم الذين روّجوا هذه الفكرة، فاذا فعلت تبرهن على التزامها السلام ولو بتردد أو بشيء من التأخير للمواعيد المحددة سابقاً. فكان اتفاق الخليل الذي لم ينفذ سوى جزء بسيط منه. بعد ذلك، اي بعد اتفاق الخليل، تغير كل شيء: اعطيت الاشارة لاستيطان موسع بلا قيود ولا ضوابط ومن دون التفات الى الاعتراضات، وتركت للفلسطينيين مبادرة وقف المفاوضات مضطرين، وعندما حاول الجانب الفلسطيني معاودة التفاوض وجد ان استئنافها بات مشروطاً بدخول فوري الى مفاوضات الوضع النهائي ووافقت واشنطن عملياً على الشروط حتى قبل الانتهاء من الاستحقاقات المرحلية. ثم بدأ حديث الخرائط والنسب المتناقصة للانسحابات. منذ قمة القاهرة، في حزيران يونيو 1995، استطاع نتانياهو ان يغير كل معالم عملية السلام، وسمح الاميركيون لانفسهم بقبول ما تصرفاته وممارساته ومشاريعه وأفكاره من دون ان يصرحوا علناً بأن ما يجري تداوله الآن هو صيغة بديلة من "مدريد" ومن دون ان يعلنوا تخليهم عن الصيغة المدريدية السابقة ومن دون ان يأخذوا موافقة العرب على الصيغة الجديدة. مرحباً بأي قمة عربية ولكن لتقول ماذا؟ هل ستعلن التمسك بصيغة مدريد والاتفاقات؟ ولكن الطرف الآخر ماضٍ في نسفها وسط صمت مطبق ومريب من جانب "الراعي" الاميركي. وهل في امكان القمة ان تتبنى استراتيجية جديدة للسلام فيما تعيش الادارة الاميركية عاصفة الفضيحة الرئاسية؟ اكثر من ذلك، هل تنعقد القمة قبل الضربة الاميركية للعراق ام بعدها وكيف ستنعكس الضربة على القمة وعلى العالم العربي؟ اسئلة صعبة لكنها واقعية، يراكمها الاهمال والضياع والانتظار والعجز.