ليكذب الرئيس ما شاء، وليتخذ من العشيقات ما شاء، وليتسلَّ ويسلّي جمهوره ما شاء، الأكيد ان النشاط الجنسي لبيل كلينتون سيطيح عملية السلام وسيسمح للإسرائيليين ب "اغتصاب" الضفة الغربية - لا مجرد التحرش بها - وسرقتها على مرأى من العالم سرقة حلالاً. السيدة أولبرايت حرصت على القول اثر لقاء كلينتون - عرفات ان الرئيس "يركز" حالياً على قضية الشرق الأوسط. هل أصبح هذا هو الاسم الفني الكودي للشبق الرئاسي؟ لكن المحللين الذين يعرفون شخصية الرئيس الأميركي تصوروه، خلال لقائه مع الرئيس الفلسطيني، يستمع ويستمع ثم يسأل: ماذا قلت، عما تتكلم؟! مدهشة هذه التعليقات السياسية والصحافية في إسرائيل، فهي تبدي كل الاعجاب ب "انتصار" بنيامين نتانياهو و"صموده" أمام كلينتون، على أن مواجهة ما لم تحصل. فواشنطن برهنت للمرة الألف أنها لا تملك مبادرة أو تصوراً متكاملاً تجرؤ على طرحهما. كل ما في الأمر ان "الكذاب" الإسرائيلي قصد العاصمة الأميركية ليجد الرئيس متهماً بالكذب واخفاء أدلة. ولدى نتانياهو خبرة في هذا النوع من الفضائح، فهو تخطّى احداها قبل شهور وخرج منها صاغاً سليماً. لكن هذه هي الولاياتالمتحدة وتلك هي إسرائيل. وشاءت الظروف والحظ العاثر ان يلتقي عرفات كلينتون في أسوأ يوم يمرّ به الأخير خلال ولايتيه، ولا يزال الأسوأ أمامه إلى حد أنه قد لا يجديه نفعاً أي انجاز في السياسة الخارجية. وبالنسبة إلى الشرق الأوسط أصبح كل شيء يعتمد منذ الآن على ما يستطيع نتانياهو - إذا توفرت لديه الارادة - تقديمه من أجل "السلام". في حين ان الولاياتالمتحدة أثبتت خلال سنتين عجزها حتى عن اقناع زعيم ليكود بضرورة تنفيذ اتفاقات موقعة سابقاً. لا شك ان قضية "مونيكا غيت" ستأخذ بعض الوقت قبل أن تؤثر بشكل حاسم في وضع كلينتون في الرئاسة، خصوصاً إذا انكشفت "أنشطة" أخرى غير معروفة الآن. والأكيد ان كلينتون يستطيع ان يكافح للاستمرار في الرئاسة إلى نهاية ولايته الثانية، لكنه سيقضي على حظوظ نائبه آل غور في الانتخابات المقبلة. من هنا ان حسابات الاستمرار صعبة وبالغة الدقة، إذ ليس من السهل أن يحترق رئيس أميركي بسبب قضية كهذه، أما ان يحرق حزبه أيضاً فتلك مسألة أخرى. لا يزال هناك وقت كي يجنب كلينتون حزبه ونائبه كارثة، لكن أمامه شهوراً سيواجه خلالها شكوك الجميع. أما عرب في الشرق الأوسط والخليج فيجدون انفسهم، من غير ان يذنبوا بشيء، ضحية "مونيكا غيت". كأن الذي فيهم لا يكفيهم، فبعدما كان العجز والتردد الأميركيان مؤكدين، أصبح شلل الدور الأميركي وتعطيله احتمالين قويين ومحتومين. فاللوبي اليهودي سيحسم أمره ويدلي بدلوه في مجرى اضعاف كلينتون وربما لاسقاطه قبل انتهاء الولاية. عندئذ سيتحف العرب بالرئيس غور، وهو يعتبر في أبسط التقديرات أكثر صهيونية من كلينتون نفسه الذي تخطى جميع أسلافه في خدمة إسرائيل ولو متمردة على عملية سلام أميركية