لم يتحدث الرئيس سيد محمد خاتمي بانتقاد عنيف للولايات المتحدة منذ انتخابه لايران كما تحدث أمام حشد في باحة ضريح آية الله الخميني، فجر امس. اذ شدد على ان واشنطن تنتهج سياسة "الهيمنة" وتريد ان تجعل الشعب الايراني "ذيلاً" لخياراتها ومصالحها بعدما "الحقت به ظلماً شديداً". وقال: "لا نريد حرباً مع العالم لكننا لن نتراجع عن هوية الثورة". واتهم ساسة "النظام" الأميركي بأنهم "متخلفون" يسيرون عكس اتجاه "العالم المعاصر" و"يصرون" على الاستمرار في نهجهم "الخاطئ" بتقديم الدعم لپ"الكيان الصهيوني العنصري" الذي بات "قاعدة للارهاب الدولي". ولم يخرج خاتمي على الشعار الأول الذي رفعه عنواناً لسياسته الخارجية لدى انتخابه، اي اتباع "سياسة انفراج مع العالم" مؤكداً أمس "اننا لا نريد حرباً مع العالم وسياستنا تقوم على ازالة التوتر في العلاقات الدولية، ونظام الجمهورية الاسلامية يدعو الى السلام الحقيقي". وكرر الدعوة الى ان "تستند العلاقات بين الشعوب والحكومات على أساس المنطق والاحترام المتبادل". لكنه تحدث بلهجة مختلفة الى حد ما عن نمط خطابه في الفترة الماضية، خصوصاً اتجاه الولاياتالمتحدة. وبلغة حرص خاتمي على ان تنسجم مع أجواء التعبئة التي تشهدها ايران ضد "الاستكبار العالمي" واسرائيل، والتحضير لتظاهرات ضخمة في كل أنحاء البلاد بعد غد بمناسبة "يوم القدس العالمي" واعلان "مناصرة" الشعب الفلسطيني، قال الرئيس الايراني: "لا تراجع عن مبادئنا وقيمنا ولسنا مستعدين لأن نضحي بمصالحنا الوطنية لحساب الألاعيب والمناورات السياسية". وشدد على ان "دعم الشعب الفلسطيني يُعد أحد مبادئ النظام الاسلامي في ايران". وأشار الى "الكيان الصهيوني العنصري" معتبراً انه "مصدر" التوتر في المنطقة. وحمّل "السياسات الأميركية الخاطئة التي تدعم هذا النظام المحتل" مسؤولية جعل اسرائيل "قاعدة الارهاب الدولي"، مناشداً الايرانيين المشاركة بكثافة في تظاهرات الجمعة "لأن أحد مبادئ الجمهورية الاسلامية الدفاع عن المحرومين". وتساءل "أي شعب يعاني الحرمان أكثر من الشعب الفلسطيني"، ورأى ان "السلام الحقيقي هو الذي يمكن الفلسطينيين من تقرير مصيرهم". وكان مجلس الشورى الاسلامي البرلمان الايراني اقر الموازنة الدفاعية للسنة الايرانية التي تبدأ في 21 آذار مارس، وقرر اعتماد 289 تريليون ريال لوزارة الدفاع، أي ما يعادل 1.65 بليون دورلار، بحسب سعر الصرف الرسمي، علماً ان الموازنة الدفاعية العام الماضي بلغت 2.6 بليون دولار. وتابع خاتمي: "لا نريد حرباً مع العالم لكننا لن نتراجع عن هوية الثورة الاسلامية ومبادئها وقيمها". وأشار الى "التعددية" التي تميز عالم اليوم لافتاً الى ان بلاده "ليست في حاجة الى أميركا". وجدد تأكيده ان حكومته لن تتراجع عن خيارها اتباع "سياسة تعمل لازالة التوتر". وزاد ان "النظام الاسلامي يدعو الى السلام الحقيقي، لذلك ندعو ان تقوم العلاقات بين الشعوب والحكومات على أساس المنطق والاحترام المتبادل". وقاطع الحاضرون خاتمي مرددين "الموت لأميركا" و"الموت لاسرائيل" خصوصاً عندما قال بحماسة: "مصممون على الا نستسلم للهيمنة". وحمل على المسؤولين في واشنطن "الذين يمعنون في انتهاج خيار الهيمنة والتصرف بمنطق أسياد العالم"، واعتبرهم "متخلفين عن العالم المعاصر، يلحقون الضرر الأساسي بشعبهم نتيجة تخلفهم". وتحدث عن الحظر الاقتصادي الذي تحاول واشنطن ان "تطوق" به بلاده، خصوصاً القانون الذي يفرض عقوبات على الشركات التي تتعاون مع ايران في قطاعي النفط والغاز، قائلاً: "انهم يريدون اجبار شعوب العالم على الانصياع لقوانينهم وكأنهم أسياد العالم". وكان الرئيس الايراني أكد في حديثه الى شبكة "سي. ان. ان." أخيراً ان بلاده "لا تشعر انها في حاجة لعلاقة مع أميركا" واستبعد "حواراً" سياسياً بين الحكومتين الايرانية والأميركية "طالما لم يعدل المسؤولون في الولاياتالمتحدة سياساتهم تجاه الجمهورية الاسلامية". لكنه دعا الى حوار "ثقافي" بين "الأمتين" مرحباً بتبادل للمفكرين والجامعيين والكتاب والاعلاميين والسياح. وغابت هذه الدعوة عن خطابه امام ضريح الخميني، ما يعني انه حرص على توجيه رسالة الى الداخل أولاً، تلتف على المتشددين الذين انتقدوا ما اعتبروه مبادرة انفتاح على أميركا وتمهيداًَ للتطبيع معها. وتؤكد هذه الرسالة مدى "التنسيق" بين خاتمي وبين مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي، وهي رسالة الى واشنطن أيضاً جوهرها ان "الانفتاح" الثقافي و"الاعتدال" السياسي "لن يؤديا الى تنازل عن الثوابت المبدئية"، خصوصاً ان أنصار الرئيس لم يخفوا استياءهم الشديد من استمرار البيت الأبيض في "تكرار التهم الوهمية" الموجهة الى ايران، وتأكيد ان واشنطن ستواصل سياسة الحظر الاقتصادي.