ما يرد على لسان المطبخ الإعلامي الرسمي السوري من روايات، حيال ما يجري في سورية من احتجاجات سلمية تطالب بالحرية والكرامة، لا تعدو كونها مؤامرة الهدف منها النيل من مواقف سورية المقاومة والممانعة، وهذه الروايات تبدأ من درعا فهي «مخطط لفتنة طائفية ومؤامرة خارجية»، وهم «عصابة تهريب للأسلحة، إلى حصارها عسكرياً لمطاردة مجموعة لديها مخازن أسلحة» (فايز عزالدين للجزيرة 29 نيسان (أبريل)، ثم: «والله العظيم يوجد في درعا أسلحة آربيجي»، (شريف شحاذة لمحطة العربية)، ثم: «مندسون»، ف «القبض على جاسوس مصري وبث اعترافاته تلفزيونياً وإطلاق سراحه»، ف «السلفية الجهادية التي تسعى لإقامة إمارات إسلامية»، ف «عصابة الإخوان المسلمين»، ثم «هم من أتباع خدام»، ف «وجود مخطط يحيك خيوطه تيار المستقبل اللبناني»، إلى «دور الموساد»، إلى «عودة استعمار المنطقة ب «سايكس بيكو» جديد»، ثم «الجزيرة وأدوارها المشبوهة»، ثم «هم حثالة قلة لا يمثلون سوى أجندات خارجية وأن الرأي العام السوري سيطلب من الأمن والجيش بسحقهم»، (بسام أبو عبدالله للجزيرة 29 نيسان (أبريل)، ثم «خروج الناس بعد أداء الصلاة بحي الميدان جنوبدمشق كان احتفالاً بسقوط المطر»، (الإخبارية السورية)، بينما «لغضب الله على المحتجين انهمرت عليهم الأمطار»، ثم «تركيا المتحالفة مع الأطلسي للضغط على سورية لتغير مواقفها»، (محمد الآغا ل «بي بي سي 29 أبريل)، ف «انتشار القناصة الذين يحوزون أسلحة متطورة»، (محمد ضرار جمو لمحطة العربية 29 أبريل). ثم «هناك سلفيون سعوديون»، (صحيفة الوطن السورية 14حزيران (يونيو)، ثم «العصابات المسلحة المدعومة من حلف الأطلسي وشركة بلاكووتر ضُربت في درعا وتلكلخ وتلبيسة ثم في جسر الشغور» (بسام أبو عبدالله 15حزيران ل «بي بي سي»)، ثم «أن أهالي جسر الشغور عبروا الحدود لزيارة أقاربهم في تركيا»، (ريم حداد مديرة التلفزيون للمحطة نفسها)، ثم «هناك جماعات سلفية وعصابات إرهابية مسلحة كانت القوى الأمنية والعسكرية بمواجهتهم ولم يكن بحوزتها شفرة حلاقة، وأن سبب وقوف روسيا ضد ما اتخذ بحق سورية بمجلس الأمن، لأن سقوط النظام السوري سيجعل منطقة القوقاز القريبة من روسيا مستشفى مجانين»، (طالب إبراهيم للمحطة نفسها 30 أبريل). وبدورنا نقول نعم إن سورية مستهدفة وشتى المؤامرات تحاك ضدها نظراً لموقعها الاستراتيجي ومواقفها التاريخية المناهضة للأطماع الأجنبية والتحالفات الاستعمارية المتكالبة على منطقتنا العربية، لكن بالمقابل ماذا فعل النظام وقياداته على مستوى الجبهة الداخلية لتفادي ذلك؟ وماذا أعد مع أطياف الشعب كافة للقضاء على تلك المؤامرات؟ إن الحقيقة ليست هذه هي سورية التي نريدها مع شرفاء الوطن منارةً للشرق كي تبقى شعلتها متقدة، على رغم أنف المتآمرين، وهي ليست سورية التي يطبِّلون ويزمِّرون ليل نهار بحصانة قلعتها ورفعة مناعتها والخندق الأخير المقاوم في وجه تلك المؤامرات، التي يسهل على التنظيمات المسلحة العبث بها، ليتضح للأصدقاء قبل الأعداء على أنها لم تكن سوى أبنية من ورق قامت تلك التنظيمات بتهديمها خلال أيام معدودات، وإذا كانت سورية على هذه الشاكلة من الهشاشة على استعداد أن تتحول خلال أيام لبرميلٍ من البارود، يتشظى في كل مكان من تراب الوطن، وتنقّض عليها جماعات تخريبية مسلحة وتنصب الحواجز بأكثر من مدينة وتزرع فيها الرعب وتقتل وتروع ثم تقذف بأبنائنا خارج حدود الوطن، فيتدخل الجيش بدباباته وحواماته لتحريرها، وإذا كانت سورية على هذا الشكل من الرخاوة والوهن حيال الوقوع بالفتنة الطائفية التي يخشى منها النظام، نقول إذا كانت سورية كذلك، فماذا بقي من إنجازات يتم التغني بها منذ أكثر من 41 عاماً؟ وبالتالي ماذا بقي بعد اليوم من شعاراتٍ براقة يمكن رفعها؟ وقبل الختام: حريٌ بنا التوجه بالسؤال ليس لعصابات «الشبيحة» التي تقمع وتروع وتسحق المواطن من دون رقيب أو حسيب، بل لأولئك الذين ينقلون مثل تلك الروايات مهتمين بصياغتها وتزويقها أكثر من اهتمامهم بنقل الحقيقة! نقول: أهذه سورية الممانعة وهذه سورية التي تريدون؟! وهنا لا بد من التذكير، بينما البلاد تمر في أحلك الظروف وأقساها منذ فترة الاستقلال، إن البناء الذي تتداعى أساساته لا بد من تدعيمه وإلا تهاوى وسقط أرضاً، وكل الأصوات الوطنية الشريفة التي تعالت ودقّت ناقوس الخطر وأشارت للتقصير والمحسوبية ومحاربة الفساد وتسلط النظام الأمني والتحسُّب لما نحن عليه الآن، لم يكن مصيرها سوى الطرد من الوظيفة أو التهميش، أو الرمي في غياهب السجون، أو النفي خارج حدود الوطن، بينما أنتم أيها السادة كنتم ولا تزالون تنعمون بخيرات هذا الوطن وتحتمون بفساده، مصفقين مزورين صامتين بل متواطئين على ما يحاك له داخلياً وخارجياً، فهل تصحون وتتعظون قبل فوات الأوان، أو أن سعادتكم لا تتحقق إلا في تبجيل السلطان وتعظيمه وطاعته، كما قالها ابن أبي الربيع في كتابه «سلوك المالك» منذ بداية القرن التاسع الميلادي. [email protected]